ثمة نصيحة رائعة لا بد أننا جميعاً تلقيناها عند إقدامنا على اتخاذ قرارات شخصية مصيرية أو قرارات حاسمة تخص العمل، وتنص على ما يلي: أنصت لصوتك الداخلي. يستجيب معظمنا لهذه النصيحة، ولكن إذا طُلب منا أن نكتب قائمة بالعناصر التي تمكّننا من صناعة قرارات أفضل، فلسوف نذكر الخبرات والأبحاث والبيانات، بل وحتى استطلاعات الرأي، ولكننا لن نأتي على ذكر أصواتنا الداخلية أبداً.

المنطق يسبق الحاسة السادسة؛ لأن المعلوم يفوق المجهول. عندما كان النقيض هو السائد، كان الناس يعتمدون على الإشارات غير الحسية لتسيير أمور حياتهم. ومع دخول عالمنا عصر عدم اليقين، حيث تشهد الأنظمة الاقتصادية والسياسات والمجتمع اضطرابات متلاحقة، بدأت الجوانب المجهولة تزداد باطراد من حيث السرعة والحجم.

وأتساءل هنا عما إذا كان ينبغي لنا في العمل تحديداً أن نحاول إعادة تنشيط الإشارات غير الحسية التي ساعدتنا على التحكم في حياتنا ذات يوم. يجد المدراء اليوم صعوبة في اتخاذ القرارات الصحيحة في أثناء تنفيذهم مشاريع معقدة ضمن أطر زمنية قصيرة، واختيار بعض الاحتمالات الكثيرة التي لم يسبق أن واجهوها كلها من قبل. لا عجب إذاً أن واحداً فقط من كل قرارين إداريين يُثبِت جدواه!

تشير البيانات الحديثة إلى أن الحدس يمنح المرء قوة حسية إضافية تساعده على مزج الأفكار المختلفة، وبالتالي تمكينه من اتخاذ قرارات أفضل. على سبيل المثال، وجد ماريوس آشر أنه عندما يتخذ الإنسان خيارات استناداً إلى الغريزة فقط، فقراره صحيح بنسبة تصل إلى 90%. وقدّر باحثون آخرون أن 80% من الرؤساء التنفيذيين الناجحين لديهم أسلوب حدسي في صناعة القرار.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن ليس إذا ما كانت صناعة القرار استناداً إلى التفكير العقلاني أفضل من صناعته استناداً إلى الحدس؛ بل كيف يمكن الجمع بين الاثنين للحصول على أفضل النتائج. تبدأ عملية الاستعانة بالحدس في حياتنا العملية بطرح 3 أسئلة:

هل تعترف بمشاعرك الغريزية؟

عندما تنظر إلى موقف ما، فالصوت الداخلي الذي تسمعه هو استجابة عقلك القائمة على البيانات الضخمة. هل تصغي إليه؟ أم تتجاهله؟ يرى كارل يونغ أن الحدس ليس عكس العقلانية، ولكنه طريقة متطورة لتحليل البيانات أو ربط الأمور بعضها ببعض في اللاوعي استناداً إلى التجارب أو الحاسة السادسة. ضعه في اعتبارك وفكر فيه ملياً، ولا تستخدمه إلا عندما تقودك البيانات إلى طريق مسدود.

هل تشجّع التفكير الحدسي؟

في إحدى مراجعات المبيعات، سمعت مندوباً إقليمياً يقول: “لديّ شعور بأن هذا الاتجاه على وشك الانطلاق”، فقاطعه مديره على الفور قائلاً في حرج: “لا تهمنا مشاعرك في شيء. أين ملف الإكسل الذي أعددتَه؟” لكن البيانات القائمة على المشاعر بمقدورها توفير ثروة من المعلومات التي لا توفرها جداول البيانات؛ لذا يجب على المدراء تقبلها، وينبغي لهم أن يطلبوا بانتظام البيانات غير الرسمية والآراء غير المثبتة ودمجها في عملية صناعة القرار.

هل تعترف بالرسائل التي يرسلها عقلك عشوائياً؟

قد تجد أن الأفكار المتفرقة غير المنظمة التي يبثها عقلك تحمل إشارات مفيدة؛ لذا يجب عليك ممارسة فن الاعتراف بها وقبولها.

في أحد المنشور، دافع أستاذ العلوم والأديان، بورنيندو غوش، عن قضية الحدس بأسلوب بليغ قال فيه: “عندما تفكر في أن تاريخنا البشري يمتد إلى 80,000 عام، وأن المستوى الذي وصلنا إليه حالياً من العقلانية والفكر قد لا يبلغ سوى قرابة 2,000 عام فقط، فمن الضروري أن ندرك أن العناصر غير العقلانية أسهمت أيضاً في توجيهنا خلال رحلة تطورنا وتقرير مصيرنا”.

أريد التحقق من هذا الطرح. هل يختلف أحد معه؟