ثمة فكرة واحدة تراودني: هناك محادثات ومهمات لا تستحق الطاقة التي تُبذل فيها.

وهذا مهم لأنني لا أمتلك الطاقة الكافية، ولا تملكها أنت أيضاً على الأرجح. في محادثة أجريتها مع مؤلف كتاب “هل أنت مشحون بالكامل؟” (Are You Fully Charged?)، توم راث، أخبرني أنه سأل أكثر من 10 آلاف شخص: “هل كان لديك قدر كبير من الطاقة الجسدية أمس؟” وأجاب 11% فقط بـ “نعم”،

هذا يعني أن 89% منا يعملون دون امتلاك قدر وافر من الطاقة.

هناك طرفان لهذه المعادلة: يمكننا شحن طاقتنا بصورة كاملة ومتكررة، أو يمكننا استهلاكها بطريقة استراتيجية. ومن المهم للغاية توافر أحدهما أو كليهما إذا أردنا أن نتمتع بطاقة أكبر تمكننا من تحقيق إنجازات أكثر في أهم تجاربنا في العمل والحياة.

كُتب الكثير عن كيفية شحن طاقتنا بالكامل. تزداد طاقتي عندما أنام 8 ساعات وأتناول أطعمة صحية وأتوقف عن الأكل قبل أن أشعر بالشبع، وأمارس الرياضة كل يوم، أعلم أيضاً أن طاقتي تزداد بفضل العلاقات الجيدة في حياتي والارتباط بهدف أكبر مني والاندماج في العمل عاطفياً وفكرياً.

بعبارة أخرى، أعرف كيف أشحن طاقتي، وأظن أنك أيضاً تعرف كيف تشحن طاقتك (ولكن إذا كنت بحاجة إلى أفكار، فكتاب توم يعرض أفكاراً رائعة).

السؤال إذاً هو: إلى أي درجة تستهلك طاقتك بطريقة استراتيجية؟

الإجابة بالنسبة لي هي: ليس بدرجة كبيرة.

غالباً ما أُعرب عن أفكاري عندما أكون منخرطاً في محادثة، بل في الواقع، حتى إذا كنت على وشك خوضها، وأنجز الكثير من الأعمال التي يمكن (وينبغي) للآخرين في مؤسستي إنجازها، وأشارك في القرارات التي يمكن للآخرين اتخاذها على نحو جيد مثلي أو أفضل مني. وعندما يتعين عليّ اتخاذ قرارات، غالباً ما أؤخرها وأبذل جهداً مضنياً لجعلها مثالية حتى إن كان أي قرار مقبولاً، وأتفقّد بريدي الإلكتروني باستمرار.

هذا ليس سوى غيض من فيض الأنماط الملحوظة لاستهلاك طاقتي. فهناك فئة كاملة من الأنماط غير الملحوظة التي تستنزف طاقتي أكثر، مثل مواصلة التفكير في المواقف التي تعرضت فيها للإحباط والأذى فترة طويلة بعد حدوثها، والقلق بشأن نتائج الأمور التي ليس لدي سيطرة عليها.

بمجرد أن بدأت الانتباه لهذه الأنماط، رأيت أني أستهلك طاقتي عشوائياً وبلا اكتراث.

يَجدُر التفكير في هذا الأمر لأن استهلاك طاقتنا بحكمة هو مصدر إنتاجيتنا وسعادتنا.

أستثمر طاقتي في الكتابة والاستماع ووضع الاستراتيجيات والتدريس والتفكير والتخطيط، وإبداء رأيي في مواقف معينة مع وضع النتيجة في الاعتبار، واتخاذ القرارات بسرعة (اتباعاً لنصيحة الحكيم في العصور الوسطى، موسى بن ميمون: “خير القولَين ما دَفَع الحيرة”، بمعنى أن المجازفة باتخاذ قرار خاطئ أفضل من رعب التردد).

لا يتعلق الأمر بالإنتاجية فقط؛ فأنا بكل سرور أستثمر طاقتي فيما يشعرني بالسعادة ببساطة: أطفالي، والقراءة، والمحادثات الشائقة مع الأصدقاء، وتعلُّم أشياء جديدة من أجل المتعة، على سبيل المثال لا الحصر.

المهم هو أن نفكر بطريقة استراتيجية ومدروسة في الجانب الذي نستهلك فيه طاقتنا حتى نستثمرها في أكثر ما يهمنا. إليك كيفية فِعل ذلك:

  1. لاحِظ كيف تستهلك طاقتك. ما الجوانب التي تستهلك طاقتك فيها؟ أضبط هاتفي ليصدر صوتاً في أوقات عشوائية خلال اليوم لتذكيري بملاحظة استهلاكي طاقتي في تلك اللحظة، سواء بطريقة ملحوظة (الفِعل) أو غير ملحوظة (التفكير). عندما تنظر إلى الحياة من منظور استهلاك الطاقة سترى الأشياء بطريقة مختلفة. ومجرد إجراء هذا الفحص الصغير للطاقة بدأ يغير عاداتي.
  2. حدد ما يهمك. من الضروري معرفة ما يجعل لحياتك قيمة (البهجة والإنتاجية) كي تتخذ قرارات ذكية بشأن الجوانب التي يجب أن تستثمر طاقتك فيها؛ لعلك خضت المحادثة السياسية التي ذكرتُها في بداية هذا المقال وشعرت بالسعادة فيها؛ فذلك إذاً استخدام رائع لطاقتك. لكنه كان بالنسبة لي هدراً لطاقتي.
  3. خطِّط لاستثمار طاقتك بحكمة. بمجرد أن تعرف الأشياء الأهم بالنسبة لك، خصص وقتاً في حياتك لأكبر عدد ممكن منها، بل وحتى خصِّص لها وقتاً في جدول مواعيدك “حرفياً”. ودعها تزاحم الأنشطة التي تستنزف طاقتك. فكرة “المزاحمة” هذه يمكن تطبيقها على التفكير أيضاً. ما الجانب الذي تريد أن تستهلك فيه طاقتك الذهنية؟ أرى أن التمسك بما يزعجني من أشياء (أو أشخاص) ليس طريقة مفيدة لاستهلاك الطاقة، على عكس التفكير فيما يمكنني تعلمه من شيء ما. دع عقلك الذي يتعلم “يزاحم” عقلك الذي يشتكي، وتخصيص وقت في نهاية اليوم لاستخلاص الرؤى من أحداثه له قيمة كبيرة.
  4. الأهم من ذلك أن تحدد الجوانب التي لن تستثمر فيها طاقتك. بمجرد أن تبدأ ملاحظة ما تستهلك طاقتك فيه، سترى بوضوح الأشياء التي تفعلها والطرق التي تعتقد أنها تستنزف طاقتك بلا فائدة. في حين أنه من الصعب للغاية التوقف عن فِعل شيء ما في منتصف الطريق، فعدم البدء به من الأساس سيكون أقل صعوبة بكثير. على سبيل المثال، سيكون عدم تشغيل التلفزيون أسهل بكثير من التوقف عن مشاهدته في منتصف عرض أحد البرامج. لا تَخُض محادثة تعرف أنها ستثير غضبك ولن تفيدك في أي شيء.
  5. أخيراً، لا تَمضِ الكثير من الوقت في التفكير في هذا الأمر. ليس عليك إتقان ذلك، فقط افعله بطريقة أفضل مقارنه بأمس. إذ يمكن أن يؤدي تحسين طريقة استهلاكك لطاقتك إلى استنزاف طاقتك بطريقة سلبية. ما عليك سوى إخراج نفسك من محادثة واحدة عديمة الجدوى أو منع نفسك من الرد على رسالة إلكترونية سخيفة أو نبذ فكرة مزعجة، وستكون مستثمراً ذكياً لطاقتك.

أحياناً لا يكون حل المشكلة هو بذل جهد أكبر بل أقل.