"المواطن السعودي هو أعظم ما تملكه المملكة للنجاح"، هكذا لخّص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان استراتيجية المملكة التي تتبعها في سبيل تحقيق رؤية 2030 الساعية إلى اعتماد هويّة اقتصادية جديدة عبر تحقيق التنويع الاقتصادي، وسيكون المواطن السعودي هو الركيزة الأساسية في تحقيقها.
خاض العالم بأكمله في السنوات الماضية العديد من التغييرات الكبرى التي زعزعت قطاعات رئيسية، وكان قطاع العمل أحد هذه التغييرات بسبب ثورة التقنية التي قصّرت مدة صلاحية المهارات المطلوبة، وظهور وظائف تتطلب مهارات عالية ما رفع نسبة البطالة عالمياً، وأخيراً تغيُّر شكل ظروف العمل. وواجهت السعودية تحدياً إضافياً على مدار عقود، وهو انخفاض مستوى توظيف القوى العاملة السعودية بالوظائف التي تتطلب مهارات عالية بنسبة 38%.
قرر قادة المملكة تحويل التحدي إلى فرصة، واستغلال الطبيعة الديموغرافية للمواطنين، إذ يمثل الشباب والأطفال أكثر من ثلثي المجتمع السعودي، ما يجعل الاستثمار في الثروة البشرية ورقة رابحة لتحقيق التنمية الشاملة.
خصصت المملكة واحداً من أكبر برامج رؤية 2030 لخدمة هذا الهدف، وهو برنامج تنمية القدرات البشرية. إذ يمثل استراتيجية وطنية لتعزيز تنافسية القدرات الوطنية محلياً وعالمياً، ويؤهل المواطن لكل من سوق العمل الحالية والمستقبلية بطموح وقدرات تنافس العالم. وتتضمن خطة البرنامج 89 مبادرة بهدف تحقيق 16 هدفاً استراتيجياً من أهداف رؤية المملكة 2030. وتشتمل الاستراتيجية على 3 ركائز رئيسية، وهي تطوير أساس تعليمي متين ومرن للجميع، والإعداد لسوق العمل المستقبلي محلياً وعالمياً، وإتاحة فرص التعلم مدى الحياة.
اتبعت السعودية نهجاً للاستثمار في تطوير مواطنيها يضم 5 ركائز، مكّنها بكفاءة من تحقيق إنجازات في مواجهة التحديات العالمية والمحلية الخاصة بالقوى العاملة، وتحويلها إلى ذراع قوي في رحلتها لتحقيق التنمية.
1. رياض الأطفال
جعلت السعودية تعزيز التوسع في رياض الأطفال الركيزة الأولى التي ينطلق منها الاستثمار في رأس المال البشري، لا سيّما أن تجارب الطفل المبكّرة تشكل أساساً قوياً للتعلم والتطور والسلوكيات لاحقاً، إذ يتطور 90% من دماغ الطفل عند بلوغه سن السادسة، وفقاً لمعهد بافيت للطفولة المبكرة. ومن الناحية الاقتصادية، ثبت أن العوائد الاقتصادية على الاستثمار في برامج ما قبل المدرسة كانت أكبر مما كانت عليه في البرامج المخصصة للمراهقين والبالغين، إذ تبيّن أن إنفاق دولار واحد في هذه البرامج يولد 8.60 دولارات في النشاط الاقتصادي.
في العقد الماضي، التحق نحو خمُس أطفال المملكة بمرحلة رياض الأطفال، فيما اعتمد البقية على الرعاية المنزلية سواء من الآباء أو المربيات. لذلك، سعى برنامج تنمية القدرات البشرية إلى زيادة فرص الالتحاق برياض الأطفال من 23% إلى 90% بحلول 20230، إذ أتاح أكثر من 400 ألف مقعد للتسجيل في الروضات هذا العام، وقدَّم 11,547 وظيفة تعليمية جديدة؛ كأضخم عدد للوظائف في القطاع الحكومي منذ الجائحة، ما أدى إلى رفع نسبة الالتحاق من 22% عام 2019 إلى 32% عام 2022، متجاوزة نسبة المستهدف للعام نفسه، المقررة بـ 29%.
وخصصت وزارة التعليم منصة وتطبيقاً إلكترونياً مجانياً لمرحلة رياض الأطفال للتعليم عن بُعد بمسمى "الروضة الافتراضية"، لتنمية قدرات الطفل ومهاراته بالتعليم من المنزل، وتخفيف الوقت والجهد على الآباء، والاستفادة من التقنيات الحديثة لجعل التعلم في متناول الأطفال في أي وقت ومكان. وتوفر المنصة 11 محتوى تعليمياً وفق المعايير النمائية للتعلم المُبكر مثل معيار التربية الإسلامية، ونهج التعلم، والعمليات المعرفية، والصحة والتطور البدني، والمعيار العاطفي الاجتماعي، والتطور اللغوي في القراءة والكتابة.
2. الإنفاق على التعليم
يتمتع الفرد الذي يحصل على تعليم جيد بفرص أفضل في التوظيف والأجر والصحة والمستوى المعيشي، وتشير التقديرات إلى وجود زيادة بنسبة 9% في الأجر بالساعة لكل سنة دراسية إضافية. كما يقود التعليم الجيد المجتمعات إلى نمو اقتصادي طويل الأجل، ويحفز الابتكار، ويعزز التماسك الاجتماعي.
احتلت المملكة المركز الثالث في مؤشر إجمالي الإنفاق على التعليم، بحسب تقرير التنافسية العالمي لعام 2022، إذ تجاوز إجمالي ميزانية وزارة التعليم للعام المالي الماضي 185 مليار ريال، بما يشكّل 19.4% من مخصصات القطاعات في ميزانية الحكومة لعام 2022، في الوقت الذي بلغ فيه المتوسط العالمي 14.38%.
وسجَّل التعليم السعودي نتائج متقدمة في عدد من المؤشرات الدولية لقطاع التعليم، إذ تقدَّم في 16 مؤشراً من مؤشرات التنافسية العالمية في قطاع التعليم، وفق الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2022. إضافة إلى حصول طلبة المملكة على 88 جائزة وميدالية في الأولمبياد والمسابقات الدولية.
واعتمدت اليونيسكو مدينة ينبع الصناعية مدينةَ تعلّم دولية، وهي ثاني مدن السعودية بعد الجبيل الصناعية في العام 2020، تتويجاً لجهود المملكة في تعزيز ثقافة التعلّم الشامل مدى الحياة داخل المجتمع، وتزويد الأفراد من جميع الأعمار بالمهارات اللازمة لدعم التنمية الوطنية، وتأهيل المواطنين لدخول سوق العمل.
3. تطوير التعليم ما بعد الثانوي
تملك رؤية 2030 أهدافاً طموحة تتعلق بالتعليم الجامعي، سواء من خلال تطوير مستوى الجامعات السعودية، إذ تهدف إلى دخول جامعتين سعوديتين ضمن أفضل 100 جامعة في العالم بحلول عام 2030 بما يعزز مكانة المملكة عالمياً، أو عبر تأسيس الكليات التقنية العالمية ومعاهد الشراكات الاستراتيجية، وقد زاد عددها من 21 كلية ومعهداً في 2016 إلى 45 كلية ومعهداً متخصصاً بزيادة قدرها 114%.
أطلقت السعودية أيضاً برنامج "خادم الحرمين الشريفين للابتعاث" لابتعاث 70 ألف طالب وطالبة حتى نهاية عام 2030 في إطار سعي برنامج تنمية القدرات البشرية لامتلاك المواطن السعودي قدراتٍ تُمكّنه من المنافسة عالمياً.
شجّعت بيئة المملكة كبريات الشركات على تأسيس معاهد متخصصة بالسعودية مثل إعلان شركة أمازون (Amazon) عن تأسيس أول أكاديمية رقمية لتنمية المواهب في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي بالمنطقة، وكذلك يونايتي (Unity) عن أول أكاديمية بالمنطقة لتنمية المواهب التقنية وتطوير الألعاب الإلكترونية.
وتولي السعودية اهتماماً بالتعليم ما بعد الثانوي غير الجامعي، إذ حققت المملكة المرتبة الأولى عالمياً في نسبة الطلبة الملتحقين بالتعليم ما بعد الثانوي في برامج مهنية وتقنية، بحسب مؤشِّر المعرفة العالمي 2022.
4. سد فجوة المهارات
يسهم تطوير المهارات في التحول الهيكلي والنمو الاقتصادي ومساعدة البلدان على أن تصبح أكثر قدرة على المنافسة، وفقاً للبنك الدولي، كما أن خفض فجوة المهارات يمكنه إضافة 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى اقتصاد المملكة، وفقاً لتقرير مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG).
اتَّبعت المملكة هنا نهجاً فعالاً في تطوير مهارات المواطنين، جعلها ضمن الدول العشرين الأولى في تقرير المواهب العالمي 2022، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD)، بتحقيقها المرتبة الـ 17 بين 63 دولة، ما جعلها في المرتبة الثالثة بين دول مجموعة العشرين.
يشمل النهج التوعية بالمسارات المتاحة، وتوفير دورات متخصصة في المهارات الأكثر طلباً محلياً وعالمياً، ويستهدف جميع الفئات، بداية من الطلاب، والموظفين، والمتوسطي المهارات، وحتى الموظفين الحاليين في القطاعين العام والخاص، كما اتبعت المملكة عدة مبادرات أبرزها:
الإطار الوطني للمهارات: مبادرة تحدد المهارات الأساسية التي تحتاج إليها سوق العمل، إذ تُحدَّث باستمرار المهارات المستهدفة المرتبطة بالقطاعات المحلية ذات الصلة.
صيفي: يقدم برنامج "صيفي" تدريبات للطلاب والطالبات خلال فترة الصيف، ويمنح المنشآت الفرصة للاستفادة من الكفاءات الوطنية الشابة في تسيير أعمالها وإكسابها المهارات الأساسية اللازمة لدخول سوق العمل.
تمهير: يهدف برنامج "تمهير" إلى تطوير مهارات خريجي الجامعات والمعاهد والكليات السعودية والأجنبية لإعدادهم وتهيئتهم للمشاركة في سوق العمل، من خلال التدريب العملي في مواقع العمل. وقد بلغ عدد المتدربين ضمن برنامج "تمهير" أكثر من 70 ألف متدرب ومتدربة منذ بداية إطلاق البرنامج في عام 2017 وحتى الآن.
دروب: تسعى منصة "دروب"، إلى تطوير قدرات القوى الوطنية ورفع مهاراتها، عبر إتاحة أكثر من 16 ألف دورة تدريبية إلكترونية في مجالات مثل البرمجة والمحاسبة والتصميم وتحليل البيانات وإدارة الأعمال، وغيرها.
ممكن: يهدف برنامج "ممكن" إلى تقديم الدعم والتدريب لمنشآت القطاع الخاص والقطاع غير الربحي من خلال برامج تدريبية متخصصة لرفع مهارات موظفيها بالتعاون مع الهيئات والأكاديميات الحكومية.
البرنامج الوطني لتحفيز القطاع الخاص للتدريب: يهدف إلى تدريب نحو ما يصل إلى مليون موظف سعودي بحلول عام 2025، عبر تحفيز منشآت القطاع الخاص، خاصة الصغيرة والمتوسطة، لتدريب موظفيها باستحداث سياسات مُلزمة لتدريب نسب محددة من الموظفين وتقديم حوافز مالية وغير مالية للمنشآت التي تدرِّب موظفيها.
مسرِِّّعة المهارات: تسعى لتنمية مهارات أكثر من 160 ألف موظف وموظفة في الوظائف والمهن التي تتطلب مهارات عالية، والتي تسهم بشكل أكبر في الناتج المحلي الإجمالي.
قسائم التدريب: مبادرة تسعى إلى تنمية مهارات الموظفين السعوديين من ذوي المهارات المنخفضة أو المتوسطة في القطاع الخاص ضمن القطاعات ذات الأولوية مثل السياحة والضيافة والترفيه، وتجارة التجزئة والجملة، والصناعة والخدمات اللوجستية، والرعاية الصحية.
5. تأهيل الكوادر النسائية
يقدِِّّر صندوق النقد الدولي أن سد الفجوة بين الجنسين يمكن أن يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 35%. وقد اتخذت المملكة خطوات عديدة في مسار تمكين المرأة دفعت البنك الدولي إلى تصنيف السعودية كأكبر دولة في الإصلاحات على مستوى العالم في تقريره السنوي لعام 2020، بعنوان "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون".
ومن ضمن هذه الإصلاحات، توفير دورات التدريب المناسبة للاستثمار في نساء المملكة وتطوير قدراتهن، فإلى جانب التدريبات المشتركة السابقة الذكر، هناك تدريبات خاصة بالنساء فقط مثل مبادرة "التدريب الموازي لمتطلبات سوق العمل" لتطوير المهارات الفنية والشخصية لـ 100 ألف مواطنة، وتوفير فرص العمل لهن أيضاً، ومبادرة التدريب والتوجيه القيادي للكوادر النسائية لتأهيل السعوديات لشغل منصب قيادي في الإدارة العليا، إلى جانب أكاديميات مثل الأكاديمية الوطنية "لنا" التي تتيح فرصاً تدريبية للسعوديات لتأهيلهن للعمل في الصناعات الفنية والمهنية.
هذه الجهود أسهمت في تقدّم المملكة 5 مراتب لتحل في المركز الـ 35 عالمياً في مؤشر التنمية البشرية في قائمة الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة بين 191 دولة.