يحدد المدراء في العديد من المؤسسات المرشحين المؤهلين لإجراء مقابلات العمل، ويحددون لاحقاً المتقدمين الذين يحصلون على الوظيفة. على الرغم من أن خبرة المدراء ضرورية لاختيار المرشّح المناسب، فإن هذه العملية قد تكون شاقة وتستغرق وقتاً طويلاً، إذ تعطلهم عن مهامهم الأساسية وتضطرهم إلى التركيز على مراجعة الطلبات وفرز المرشحين. لكن ماذا لو نقلنا مسؤولية اختيار المرشحين للمقابلة في الجولة الأولى إلى قسم الموارد البشرية؟ هل يؤثر ذلك في نتائج التوظيف؟ يدرس بحثنا المنشور في المجلة الفصلية للعلوم الإدارية (Administrative Science Quarterly) هذا السيناريو.
عندما نقلت شركة تكنولوجية رائدة متعددة الجنسيات (سنشير إليها باسم "ألفا" لأسباب تتعلق بالسرية) مهمة وضع قائمة المرشحين من المدراء المباشرين إلى قسم الموارد البشرية، وظّفت الشركة عدداً أكبر من النساء على الرغم من أنها لم تحدد أهدافاً دقيقة لتعزيز التنوع بين الجنسين في قوتها العاملة التي يهيمن عليها الذكور.
ما هو السبب؟ اتضح أن ثمة اختلافاً كبيراً بين المتخصصين في الموارد البشرية والمدراء في طريقة وضع قوائم المرشحين، ما كان له آثار متداعية في نتائج التوظيف. النتائج التي توصلنا إليها لها تبعات كبيرة على الشركات التي تبحث عن طرق بسيطة للحد من بعض التحيزات غير المقصودة التي يمكن أن تشوب عملية اختيار الموظفين الجدد.
تفاصيل البحث
أجرت شركة ألفا تغييراً في عملية التوظيف عام 2018؛ إذ كان قسم الموارد البشرية وفق النظام القديم يحيل الطلبات إلى المدير المباشر، الذي كان يفرز المرشحين ويجري المقابلات. أما في العملية الجديدة، فقدّم المدراء المباشرون المتطلبات الوظيفية إلى قسم الموارد البشرية ووكّلوه باختيار 7 متقدمين مبدئياً ليجري المدير المقابلات معهم (علماً أن قرار التوظيف النهائي ظل مسؤولية المدراء). أجرت الشركة هذا التغيير لسبب محدد، وهو خفض التأخير غير الضروري في عملية التوظيف الذي قد يؤدي إلى استبعاد أفضل المرشحين.
طبّقت ألفا هذا التغيير تدريجياً في مواقعها الفرعية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم على 7 مراحل، ما أتاح لنا فرصة فريدة لمقارنة النتائج قبل تغيير عملية التوظيف وبعده.
من خلال تحليل بيانات 8,750 موظفاً خارجياً على مدار عامين في أكثر من 60 موقعاً وفي أكثر من 60 بلداً، اكتشفنا أن عدد النساء بين الموظفين الجدد ازداد (بنسبة ملحوظة بلغت 9.2%) عندما تولى المتخصصون في الموارد البشرية عملية وضع قوائم المرشحين.
لاحظنا أيضاً أن هذه النسبة كانت أكبر في البلدان التي يتمتع سكانها بتشدد أكبر فيما يتعلق بالمهن التي يمكن للنساء العمل فيها، وفقاً لمؤشر الأمم المتحدة للمعايير الاجتماعية حول النوع.
لماذا ازداد التنوع بين الجنسين؟
اعتمدنا للإجابة عن هذا السؤال على بيانات مؤسسية داخلية حول المرشحين الذين حصلوا على الوظائف ومجموعة بيانات حول قوائم الوظائف في ألفا. كما أجرينا استقصاءً على مستوى الشركة ومقابلات شبه منظمة مع المدراء وموظفي الموارد البشرية.
اكتشفنا أن التباين في التوظيف يعود جزئياً إلى ضيق وقت المدراء المباشرين في الشركة، وهو التفسير الأرجح وفقاً للأدلة. أجبر ضيق الوقت المدراء على الاعتماد على بيانات غير موضوعية في الكثير من الأحيان، مثل توصيات الزملاء والافتراضات حول ملاءمة المرشّح للدور الوظيفي، لاتخاذ قرارات سريعة والعودة إلى عملهم. أدى ذلك على الأرجح إلى ترسيخ الوضع الراهن للشركة الذي يتمثل في هيمنة الذكور على القوى العاملة. من ناحية أخرى، كان قسم الموارد البشرية أكثر ميلاً لإيلاء أهمية أكبر للبيانات الموضوعية حول المرشحين وتوافقهم مع التوصيف الوظيفي والمتطلبات التي يقدمها المدراء.
بينت الاستقصاءات أيضاً أن موظفي الموارد البشرية يعدّون التوظيف جزءاً مهماً من عملهم مقارنة بالمدراء الذين يعدونه إلهاءً عن عملهم اليومي.
الأهم من ذلك هو أننا سألنا المدراء المباشرين أيضاً عن آرائهم بالمرشحين الذين اختارهم قسم الموارد البشرية وأداء موظفي القسم في العملية الجديدة. قبل التغيير، أفاد 60% من المدراء المباشرين بأنهم راضون عن دور قسم الموارد البشرية في التوظيف، في حين ارتفعت هذه النسبة إلى 82% بعد التغيير.
اعتبارات لقادة المؤسسات
على الرغم من أننا درسنا تأثير تولي قسم الموارد البشرية مهمة وضع قوائم المرشحين في شركة واحدة فقط، فالنتائج التي توصلنا إليها تحمل دلالات أوسع ويمكن أن تنطبق على أي مؤسسة تسعى إلى توسيع نطاق القوى العاملة لديها لتشمل مجموعة أوسع من المجموعة الديموغرافية المهيمنة (مثل المستشفيات التي تحاول توظيف عدد أكبر من الممرضين الذكور).
يكشف بحثنا أدلة رصينة تبين أن مهنيي الموارد البشرية قادرون على تقييم المرشحين بدرجة أكبر من الموضوعية والاتساق بسبب خبرتهم في تقييم المرشحين وقدرتهم على تخصيص وقت أطول وجهد أكبر لأداء هذه المهمة مقارنة بالمدراء، ما يساعد على ضمان أن تكون عملية التوظيف منصفة أكثر للمتقدمين.
على الرغم من أن دراستنا لم تشمل دور الذكاء الاصطناعي في التوظيف، فالنتائج التي توصلنا إليها لها دلالات أيضاً فيما يتعلق بالطرق المناسبة لاستخدام هذه التكنولوجيا في التوظيف؛ إذ إن تدريب أدوات الذكاء الاصطناعي على تقييم الطلبات بناءً على نقاط بيانات واضحة وموضوعية (سنوات العمل ومستوى التعليم وما إلى ذلك) يسهم في تقليل الاعتماد على الصور النمطية عند تحديد المرشحين المناسبين للوظيفة. مع ذلك، فتوكيل هذه الأدوات بمهمة تشكيل قوائم المرشحين لن يحيّد التحيّز بالضرورة. في الواقع، اتُّهمت أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في التوظيف بترسيخ التحيّز في كثير من عمليات التوظيف بسبب استخدام البيانات المتحيزة. إذا لم تقدّم الحوافز وتطبق إجراءات الرقابة المناسبة، فقد يلتزم صانعو القرار بمخرجات الذكاء الاصطناعي دون التمحيص فيها، كما قد تمتنع المؤسسات عن الاستثمار في تدريب هذه الأدوات. النهج الأنسب هو التعامل مع الذكاء الاصطناعي على أنه أداة دعم يوجهها متخصصو الموارد البشرية المدربين جيداً والذين قُدّمت لهم الحوافز المناسبة ويمكنهم أداء دور مكمّل لدور الذكاء الاصطناعي بقدرتهم الأكبر على الانتباه للتفاصيل الدقيقة وفهم السياق.
بعض المحاذير
على الرغم من أن التغيير الذي درسناه في شركة ألفا أثبت فعاليته في تعزيز كفاءة عملية التوظيف، سواءً بالنسبة للمتقدمين أو المدراء، فثمة بعض القيود. لم تنظر دراستنا في ظروف المرشحين الذين حصلوا على الوظائف، سواءً في إطار عملية التوظيف القديمة أو الجديدة؛ فعلى سبيل المثال، هل يشعر هؤلاء بأن ثقافة المؤسسة تناسبهم؟ افتقرت دراستنا أيضاً إلى البيانات حول مستويات الإنتاجية والأداء الفعلي للفريق، كما أن اختباراتنا لم تأخذ في الاعتبار التغييرات الدقيقة مثل تلك الناجمة عن زيادة التفاعل بين قسم الموارد البشرية والمدراء خلال عملية التوظيف. على الرغم من أن دراستنا لها دلالات تتعلق بتعزيز التنوع، فإننا درسنا التنوع بين الجنسين فقط ولا يمكننا التحدث عن تأثير هذا التغيير في أنواع أخرى من التنوع، مثل التنوع بين الأعمار والأعراق.
تشير نتائجنا إلى أن تولي قسم الموارد البشرية مهمة اختيار المرشحين في الجولة الأولى قد يؤدي إلى نتائج أكثر عدلاً، دون التخلي عن الخبرة المفصّلة التي يتمتع بها المدراء المباشرون، لأن قرار التوظيف النهائي ظل من مسؤولياتهم. تستطيع الشركات الحصول على فوائد تعزيز الشمول في القوى العاملة من خلال إجراء تعديل بسيط على عملية التوظيف.