ملخص: من الواضح أنه مع إعادة فتح الاقتصاد الأميركي بعد التدابير الوقائية التي تم اتخاذها لمواجهة "كوفيد-19"، ستسعى العديد من المؤسسات إلى تحقيق مستقبل هجين يعمل فيه الموظفون من المكتب في بعض الأيام ومن المنزل في أيام أخرى. وفي حين أن بعض المدراء قد يميلون إلى السماح للموظفين باختيار أيام عملهم، يوصي المؤلف بعدم اتباع هذا النهج الذي ينص على اختيار الموظفين لأيام العمل من المنزل لسببين. الأول هو التحدي المتمثل في إدارة فريق هجين، ما يمكن أن يؤدي إلى انقسام الفريق إلى مجموعتين؛ مجموعة تعمل من المكتب وأخرى تعمل من المنزل. الشاغل الثاني هو الخطر الذي يهدد التنوع. تشير الدراسات الاستقصائية الحالية إلى أن النساء الأصغر سناً اللاتي لديهن أطفال في المنزل يكنّ أكثر ميلاً إلى العمل من المنزل بشكل دائم. وأظهر بحث سابق أجراه المؤلف أن معدل ترقية الموظفين الذين يعملون من المنزل بعد 21 شهراً كان أقل بنسبة 50% مقارنة بزملائهم الذين يعملون من المكتب. ولذلك فإن أفضل حل هو أن يحدد المدراء الأيام التي يجب أن يعمل الفريق فيها من المنزل والأيام التي يجب أن يحضر الجميع فيها إلى المكتب.
مع بدء الولايات الأميركية والحكومة الفيدرالية في رفع القيود المفروضة للحد من انتشار "كوفيد-19"، ومع بدء الشركات والعاملين في إرساء خططهم للعودة إلى المكاتب، أصبحت هناك نقطة واحدة واضحة: مستقبل العمل من المنزل "هجين". من خلال بحث أجريته مع زملائي خوسيه ماريا باريرو وستيفن ديفيس، ونقاشات مع مئات المدراء في مختلف القطاعات، توصلت إلى أن حوالي 70% من الشركات، سواء كانت شركات صغيرة أو شركات كبيرة متعددة الجنسيات مثل "جوجل" و"سيتي" (Citi) و"إتش إس بي سي" (HSBC)، تخطط للانتقال إلى شكل من أشكال العمل الهجين.
لكن هناك مسألة خلافية أخرى: ما مقدار حرية الاختيار الذي يجب أن يتمتع به العاملون في هذا الصدد؟
اختيار الموظفين لأيام العمل من المنزل
فمن ناحية، كثير من المدراء متحمسون تجاه فكرة أنه ينبغي للموظفين تحديد مواعيد عملهم. فقد كنا نستطلع آراء أكثر من 30 ألف أميركي شهرياً منذ مايو/أيار عام 2020، وتُظهر بياناتنا البحثية أن 32% من الموظفين ذكروا بعد الجائحة أنهم لا يريدون العودة إلى العمل في المكتب مطلقاً. وهؤلاء غالباً ما يكونون موظفين لديهم أطفال صغار ويعيشون في الضواحي؛ فبالنسبة إليهم هناك مشقة كبيرة في الذهاب إلى العمل كل يوم ويمكن أن يكون العمل من المنزل ممتعاً إلى حد ما. ومن ناحية أخرى، أخبرنا 21% أنهم لا يريدون قضاء يوم آخر في العمل من المنزل. وهؤلاء غالباً ما يكونون موظفين من الشباب العازبين أو الذين يعيشون بمفردهم في شقق في وسط المدينة.
بالنظر إلى وجهات النظر المختلفة جذرياً هذه، يبدو أنه من الطبيعي السماح لهم بالاختيار. قال لي أحد المدراء: "أعامل أعضاء فريقي كراشدين يحق لهم تحديد مواعيد عملهم ومكانه، طالما أنهم ينجزون مهامهم".
لكن يعرب آخرون عن شاغلين، ما دفعني بعد التحدث مع مئات المؤسسات خلال العام الماضي إلى تغيير نصيحتي من دعم أن يكون للموظفين الحق في اختيار أيام عملهم من المنزل إلى معارضة هذا الأمر.
يتعلق أحد الشواغل بإدارة الفريق الهجين الذي يعمل بعض أعضائه من المنزل والبعض الآخر من المكتب. كثيراً ما أسمع الأشخاص يعربون عن قلقهم من أن يتسبب ذلك في انقسام الفريق إلى مجموعتين؛ مجموعة تعمل من المكتب وأخرى تعمل من المنزل. على سبيل المثال، يمكن للموظفين الذين يعملون من المنزل رؤية نظرات أو همسات زملائهم في غرفة الاجتماعات بالمكتب ولكن لا يمكنهم تحديد ما يحدث بالضبط. حتى عندما تحاول الشركات تجنب ذلك من خلال مطالبة الموظفين الذين يعملون من المكتب بإجراء مكالمات فيديو من مكاتبهم، أخبرني الموظفون الذين يعملون من المنزل أنهم لا يزالون يشعرون أنهم مستبعدون. فهم يعرفون أن زملاءهم قد يدردشون في أروقة الشركة أو يذهبون لتناول القهوة معاً بعد انتهاء الاجتماع.
الشاغل الثاني هو الخطر الذي يهدد التنوع. فقد اتضح أن الموظفين الذين يرغبون في العمل من المنزل ليسوا عشوائيين. فقد اكتشفنا من خلال بحثنا أنه من بين خريجي الجامعات الذين لديهم أطفال صغار، ترغب النساء في العمل من المنزل بدوام كامل أكثر من الرجال بنسبة 50% تقريباً.
هذا أمر مقلق بالنظر إلى الأدلة على أن العمل من المنزل في أثناء عمل زملائك من المكتب يمكن أن يضر بشدة بحياتك المهنية. ففي دراسة أجريت عام 2014 زرت الصين واخترنا عشوائياً من شركة كبيرة متعددة الجنسيات 250 متطوعاً ضمن مجموعة عملت عن بُعد لمدة 4 أيام في الأسبوع ومجموعة أخرى ظلت تعمل من المكتب بدوام كامل. ووجدنا أن معدل ترقية الموظفين الذين عملوا من المنزل كان أقل بنسبة 50% بعد 21 شهراً مقارنة بزملائهم الذين عملوا من المكتب. وهذا يتناسب مع التعليقات التي سمعتها على مر السنين من المدراء. فغالباً ما كانوا يقرون أن الموظفين الذين يعملون من المنزل في فِرقهم يتم تخطيهم في الترقيات لأنهم منفصلون عن الحياة في المكتب.
عواقب اختيار أيام العمل من المنزل
في ضوء كل ما سبق، يمكنك أن ترى كيف أن السماح للموظفين باختيار أيام عملهم من المنزل يمكن أن يؤدي إلى حدوث أزمة فيما يتعلق بالتنوع. إذ يمكن أن يختار جميع الشباب العازبين الحضور إلى المكتب 5 أيام في الأسبوع وبالتالي سيحققون تقدماً سريعاً في الشركة، في حين يتراجع الموظفون، وخاصة النساء، الذين لديهم أطفال صغار واختاروا العمل من المنزل لعدة أيام كل أسبوع. إذ سيتسبب ذلك في حدوث نقص في التنوع وسيكون بمثابة قنبلة موقوتة في الشركة من الناحية القانونية.
لذلك غيرت رأيي وبدأت في نصح الشركات بأنه ينبغي للمدراء تحديد الأيام التي سيعمل فيها الفريق من المنزل. على سبيل المثال، إذا اختار المدير يومي الثلاثاء والخميس للعمل من المنزل، فيجب أن يحضر الجميع إلى المكتب في الأيام الأخرى. يجب أن يكون الموظفون الجدد هم الاستثناء الوحيد لأنهم يجب أن يحضروا إلى الشركة يوماً إضافياً كل أسبوع في عامهم الأول للتآلف مع الموظفين الجدد الآخرين والاجتماع معهم.
بالطبع ستحتاج الشركات التي ترغب في استخدام حيزها المكتبي بكفاءة إلى إدارة عملية اختيار أي من أعضاء الفريق سيحضر إلى المكتب في أي يوم بشكل مركزي، وإلا سيكون المبنى فارغاً، على سبيل المثال يومي الثلاثاء والخميس اللذين أراد الجميع العمل فيهما من المنزل، ومكتظاً في منتصف الأسبوع. وللتشجيع على تنسيق عمل الفِرق معاً، ينبغي للشركات أيضاً التأكد من أن الفِرق التي غالباً مع تتعاون مع بعضها تحضر جميعها إلى المكتب يومين على الأقل في الأسبوع.
أحدثت الجائحة ثورة في طريقة عملنا، ويُظهر بحثنا أن هذا يمكن أن يجعل الشركات أكثر إنتاجية والموظفين أكثر سعادة. ولكن مثل جميع الثورات، يصعب التعامل مع هذا الأمر بسبب عدم إمكانية اختيار الموظفين لأيام العمل من المنزل، وستحتاج الشركات إلى قيادته من أعلى مستويات الشركة لضمان أن تظل قوة عملها متنوعة وشاملة حقاً.