احتواء الأوبئة: وباء إيبولا كنموذج

4 دقائق
احتواء الأوبئة

بعد شهر من عدم ظهور حالات جديدة، يبدو أنّ تفشي مرض فيروس إيبولا في جمهورية الكونغو الديمقراطية أصبح تحت السيطرة وعلى بُعد أسابيع من توقفه رسمياً. فبعد أقل من ثلاثة أشهر منذ الإعلان عن ظهور المرض، وبعد إصابة نحو 50 حالة فقط، يُعد الاحتواء الفعال لهذا التفشي إنجازاً بارزاً يتناقض بشكل صارخ مع تفشي المرض في غرب إفريقيا الذي تحول إلى أزمة عالمية دامت سنتين بعد إصابة أكثر من 28,000 حالة.

وفي هذه المرة، كانت السيطرة على انتشار المرض سريعاً ممكنة بفضل العديد من العوامل. ففي حين انتشر وباء غرب أفريقيا في مناطق يقطنها سكان متنقلين وفي عواصم المدن، حيث لم يكن ظهور فيروس إيبولا متوقعاً، حدث التفشي الحالي في منطقة نائية نسبياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي الدولة التي اكتُشف فيها المرض لأول مرة ووقعت بها ثماني حالات تفشي سابقة. واستعانت الوكالات العالمية - التي كانت في حالة تأهب قصوى بعد تفشي الوباء في غرب إفريقيا - بالدروس المستفادة والجهود المبذولة منذ ذلك الوقت للتعامل مع انتشار المرض بشكل مختلف وبأساليب مهمة عدة.

قيادة قوية وواضحة: بعد تفشي الوباء في غرب إفريقيا، كانت الاستجابة الأولية من منظمة الصحة العالمية ضعيفة للغاية، وأدى انعدام التحرك اللازم إلى الارتباك والتأخير على أرض الميدان. أما في حالة التفشي الأخير للمرض، فقد أكدت منظمة الصحة العالمية على الفور وبشكل قاطع قيادتها على المستوى العالمي، وأوفدت أكثر موظفيها خبرة، كما أرسلت كبار مسؤوليها بشكل روتيني إلى الميدان. وأكدت المنظمة أيضاً أنّ دورها العالمي كان يكمل وجهود وزارة الصحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية ويدعمه، مع تمتع الوزارة بالسلطة الكاملة على الأرض.

نشر فعال للابتكارات الجديدة: لعب استخدام لقاح جديد لفيروس إيبولا دوراً محورياً في السيطرة على هذا المرض، كما ساهمت أدوات أخرى طُوّرت خلال الوباء الأخير في تحسين الاستجابة للمرض. استُخدم فحص جينكسبيرت، وهي تقنية تشخيصية تتطلب عادة مختبرات متخصصة تستغرق أسابيع لإعدادها، في مناطق انتشار المرض الجديدة في غضون أيام ما قلل الوقت اللازم لإجراء الفحوصات من أيام إلى أسابيع. واستُخدم جهاز أوراكويك، وهو اختبار قياس مشابه لاختبارات الحمل المنزلية يمكنه اكتشاف فيروس إيبولا من خلال بضع قطرات من سوائل الجسم، لإجراء الفحوصات في المناطق النائية. وجرى التوصل إلى العديد من العلاجات التجريبية لفيروس إيبولا سريعاً أيضاً وبدأ استخدامها لمعرفة ما إذا كان بإمكانها تعزيز فرص النجاة من المرض.

شفافية البيانات والإجراءات: خلال تفشي وباء إيبولا في غرب إفريقيا، كان هناك غياب للوضوح بشأن ما يجري في كثير من الأحيان، وكان الحال كذلك في بعض الأحيان مع الوكالات التي شاركت بنشاط في التعامل مع الأزمة. وأدى عدم تبادل المعلومات إلى زعزعة ثقة المجتمعات المحلية التي شككت في وجود وباء إيبولا من الأساس والحكومات الوطنية التي شككت في قدرة الوكالات العالمية على وقف انتشار الوباء بعد استجابتها الأولية الضعيفة.

وخلال تفشي المرض، بذلت منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة في جمهورية الكونغو جهودهما باستمرار لإتاحة البيانات للجميع، بمن فيهم عامة الناس، من خلال تويتر وعقدتا مؤتمرات صحفية متكررة لعرض المستجدات ومناقشة التحديات بشكل كامل وصريح.

استفادة من خبرات غرب إفريقيا: أُعطي لقاح فيروس إيبولا لأكثر من 3,200 شخص في غضون أسابيع، وهو إنجاز رائع تحقق بفضل إعادة إفادة الفرق ذاتها من غرب إفريقيا إلى الكونغو لإجراء تجربة اللقاح في نهاية الوباء الأخير. وعلى خلاف ذلك، كان هناك تغاضي عن كسب ثقة المجتمعات المحلية في بادئ الأمر خلال تفشي وباء غرب إفريقيا حتى أصبح عائقاً كبيراً في مكافحة المرض. أما في هذه المرة، فقد كانت الأولوية للمشاركة المجتمعية منذ البداية، إذ أُرسل بعض علماء الأنثروبولوجيا المشاركين في تجربة غرب إفريقيا للتأكد من تطبيق هذه المشاركة بشكل فعال.

يُعد احتواء الأوبئة بهذا الشكل السريع للتفشي إنجازاً كبيراً، وتجب الإشادة بجميع المشاركين وخاصة في الصفوف الأمامية في تحقيق هذا الإنجاز. ومع ذلك، على الرغم من أنّ هذا التفشي يُظهر أننا يمكننا التعامل بفاعلية مع الوباء فإنه يكشف أيضاً عن العديد من نقاط الضعف التي قد يجري التغاضي عنها لأن جهود مكافحة المرض نجحت رغماً عنها.

اقرأ أيضاً: هكذا تستعد لتفشي وباء مثل فيروس كورونا.

تأخر الكشف عن تفشي المرض: على الرغم من الإعلان عن تفشي المرض في أوائل مايو/أيار الماضي، فربما أنه قد بدأ قبل ذلك بأشهر، على الأرجح في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي. ولهذا السبب ظهرت حالات بالفعل في ثلاثة مواقع مختلفة تبعد عن بعضها بأكثر من 60 كيلومتراً خلال أسبوع واحد من الكشف عن تفشي المرض. كان أحد هذه المواقع إحدى العواصم الإقليمية التي يعيش بها أكثر من مليون شخص وتقع على نهر الكونغو، وهو طريق تجاري رئيس يربط العديد من المدن الكبرى في المنطقة. ولم يكن من قبيل الصدفة أن ينتشر فيروس إيبولا على نطاق أوسع في هذه المدن قبل الكشف عن تفشي المرض.

ويعكس هذا التأخير التحدي المتمثل في اكتشاف حالات التفشي في المناطق الفقيرة النائية حيث تكون النظم الصحية ضعيفة أو معدومة، حيث لا يوجد لدى المرضى مكان يذهبون إليه عندما يمرضون أو يمكنهم طلب الرعاية الصحية فقط في المرافق الطبية التي لا تملك القدرة على إجراء تشخيص دقيق، وخاصة لمرض إيبولا وغيره من المخاطر الوبائية الأخرى التي يصعب تمييزها عن الملاريا والأمراض الشائعة الأخرى دون فحص تشخيصي. وبغض النظر عن مدى براعتنا في الاستجابة لحالات تفشي المرض تلك، ستظل هذه الثغرة موجودة دون توفر نظم صحية أقوى.

تدابير مضادة محدودة لانتشار أوسع: إذا انتشر تفشي الوباء على نطاق أوسع، فإنّ العثور على جميع مناطق انتشار المرض وحلقات انتشار المرض في جميع أنحاء إفريقيا الوسطى كان سيصبح أمراً صعباً، وما كان النهج التقليدي لرصد الأشخاص المعرضين للخطر، عن طريق اقتفاء أثر مخالطي المرض، لينجح. ولا يوجد حالياً سوى عدد قليل من الاستراتيجيات التي تهدف إلى كبح انتقال المرض بمجرد تفشيه بهذه الطريقة. وفي حين يمكننا الآن على الأقل تناول لقاح مضاد لفيروس إيبولا، لن يكون ذلك خياراً بالنسبة للعديد من الأوبئة، بما في ذلك الأمراض الجديدة وانتقال العدوى بين البشر.

هناك حاجة إلى استراتيجيات إضافية للتعامل مع مثل هذه السيناريوهات: يتمثل أحد الأساليب المحتملة في استخدام الفحوصات السريعة، مثل جهاز أوراكويك، لإلغاء مركزية الكشف عن الأوبئة وتوسيع نطاقها؛ وبالتالي يمكن الكشف عن مناطق الانتشار المجهولة ويجري تشخيص المرضى المصابين حديثاً على الفور، قبل أن تتاح لهم فرصة إصابة الآخرين بالعدوى.

معدلات وفيات مرتفعة باستمرار: رأينا خلال التفشي الأخير للوباء أنه جرى علاج مرضى إيبولا في الدول ذات الدخل المرتفع مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بطريقة أفضل كثيراً من نظرائهم في غرب إفريقيا. وعلى الرغم من الإرشادات العلاجية الجديدة واستخدام العلاجات التجريبية، كان معدل الوفيات بين المرضى المصابين بفيروس إيبولا خلال تفشي الوباء مماثلاً لنظيره في حالات التفشي السابقة. ومن الأسباب المحتملة لهذا التفاوت المستمر هو الافتقار إلى القدرة على توفير العناية المركزة في أماكن مثل غرب إفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويجب سد هذه الفجوة إذا أردنا أن نفعل ما هو أفضل للحد من الخسائر الناجمة عن أمراض مثل إيبولا.

وفي حين ينبغي لنا الاحتفال بالإنجاز والتقدم اللذين يمثلهما الاحتواء الفعال لتفشي فيروس إيبولا، يجب علينا الإحاطة بنقاط الضعف التي ما زالت باقية، كما ينبغي مضاعفة جهودنا لمعالجتها من أجل احتواء الأوبئة القادمة.

اقرأ أيضاً: الحدّ من تفشي وباء الإيبولا الجديد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي