لماذا يُعد احتكار بعض الشركات التكنولوجية لبياناتنا فكرة سيئة؟

10 دقائق
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قال المدير العام لشركة كامبريدج أناليتيكا (Cambridge Analytica) لمراسل متخفّي “ليس من الجيد أن نخوض حملة انتخابية ونحن معتمدين في خطابنا على الحقائق فقط، لأن الواقع يتطلب بعض النواحي العاطفية”. تحتاج شركة الاستشارات السياسية إلى تطوير خوارزميتها لتصبح قادرة على التنبؤ وتحديد سمات الشخصية، وذلك من أجل استهداف الناخبين الأميركيين ومناشدة آمالهم، والأمور التي تغضبهم، ومخاوفهم. ما يتطلب الكثير من البيانات الشخصية. وبناء على ذلك، قامت شركة كامبردج أناليتيكا، من أجل تحصيل هذه المعلومات الشخصية النفسية، باستدعاء أستاذ من جامعة كامبردج، قام من خلال تطبيق له، بتجميع بيانات من موقع فيسبوك عن حوالي 50 مليون مستخدم وأصدقائهم. سمح موقع فيسبوك في ذلك الوقت لمطوري التطبيقات بأن يجمعوا هذه البيانات الشخصية. لكن اعتبر فيسبوك أنّ شركة كامبردج أناليتيكا وذلك الأستاذ قد خرقوا سياسات البيانات الخاصة به. لكن هذه لم تكن المرة الأولى التي يتم فيها انتهاك سياسة التطبيق. وليس من المحتمل أن تكون المرة الأخيرة.

ظهرت هذه الفضيحة في أعقاب استخدام روسيا لفيسبوك وجوجل وتويتر “من أجل غرس الخلاف في النظام السياسي الأميركي، بما في ذلك الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016”. ما زاد من المخاوف المتعلّقة بعمالقة التكنولوجيا الحاليين وتأثيراتهم.

هذا التأثير يأتي كجزء من البيانات. تُعتبر كل من شركات فيسبوك، وجوجل، وأمازون، والشركات المماثلة، شركات “محتكرة للبيانات”. وأعني الشركات التي تتحكم بالبيانات وتؤثر في محيطها، كما تتحكم الشعاب المرجانية بالنظام الحيوي المحيط بها، والتي تجذب إلى نظامها الإيكولوجي كل من المستخدمين، والبائعين، وأصحاب الإعلانات، ومطوري البرمجيات، والتطبيقات، ومصنعّي الإكسسوار. على سبيل المثال، تتحكّم كل من شركتي آبل وجوجل بنظام أساسي شهير لتشغيل الهواتف المحمولة (يتضمن النظام تطبيقات رئيسية)، كما يتحكم موقع أمازون بأكبر منصة تجارية عبر الإنترنت، أمّا موقع فيسبوك فيتحكم بأكبر منصّة لشبكات التواصل الاجتماعية. يتدفق من خلال منصاتهم الرائدة كمية كبيرة ومتنوعة من البيانات الشخصية. يمكن لسرعة الحصول على هذه البيانات الشخصية واستغلالها أن تساعد هذه الشركات على الحصول على قوة كبيرة في الأسواق.

هل هو أمر مقبول أن تمتلك بعض الشركات كمية كبيرة من البيانات التي تمكّنها من فرض سيطرتها بقوة كبيرة؟ يبدو أنّ مسؤولي مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، على الأقل، يشعرون بالتناقض حتى الآن بشأن عمليات احتكار البيانات. وما يفكر به الآخرون هو: إنّ الاحتكار عملية مجّانية، فما هو الضرر؟ لكن هذا المنطق مضلل. إذ تشكل عمليات احتكار البيانات خطراً كبيراً على المستهلكين والعمال والمنافسة وأيضاً على صحة ديمقراطيتنا. وهنا ستجد الأسباب.

لماذا مكافحو الاحتكار في الولايات المتحدة غير قلقين بشأن عملية احتكار البيانات؟

قامت سلطات المنافسة الأوروبية مؤخراً باتخاذ إجراءات ضد أربعة من محتكري البيانات: جوجل، وآبل، وفيسبوك، وأمازون (يتم اختصار هذه الشركات بـGAFA). على سبيل المثال، فرضت المفوضية الأوروبية غرامات على موقع جوجل بمبلغ وقدره 2.42 مليار يورو بسبب قيام الموقع بزيادة احتكاره للبيانات التي تتحفّظ أثناء عمليات البحث، واستخدامها لتطوير خدمات التسوق لديها. كما وجدت المفوضية بشكل مبدئي أنّ جوجل قامت بإساءة استخدام مركزها المهيمن في نظام أندرويد للهواتف المحمولة وبرنامج أدسنس (Adsense). كما وجدت وكالة المنافسة الألمانية بشكل مبدئي، أنّ موقع فيسبوك أساء استخدام مركزه المهيمن “من خلال وضع شرط لاستخدام شبكته الاجتماعية يقوم على السماح له بتجميع جميع البيانات التي يتم إدخالها في مواقع أخرى، ودمجها مع حساب المستخدم على الفيسبوك”.

سنلاحظ غالباً قيام الأوروبيين بفرض المزيد من الغرامات والتدابير الجزائية الأخرى في السنوات القليلة القادمة. لكن محتكري البيانات في الولايات المتحدة قد نجحوا في التملّص من الوقوع تحت مراقبة مكافحي الاحتكار، وذلك في ظل حكومة الرئيس السابق للولايات المتحدة باراك أوباما والرئيس الذي قبله جورج بوش. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المفوضية الأوروبية وجدت أنّ احتكار البيانات الذي يقوم به موقع جوجل أثناء عملية البحث هو تصرّف منافي للتنافسية، إلا أنّ مفوضية التجارة الفيدرالية الأميركية لم تر الأمر كذلك. منذ العام 2000 وحتى الآن، تمكنت وزارة العدل من إثبات فقط قضية احتكار واحدة بين الشركات. (أمّا بين عامي 1970 و1972، قامت وزارة العدل بملاحقة 39 قضية مدنية و3 قضايا جنائية تتضمن عمليات احتكار).

أقر الرئيس الحالي لقسم مكافحة الاحتكار في وزارة العدل بوجود فجوة في عملية تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار بين الولايات المتحدة وأوروبا. وأشار إلى شعور وكالته “بمخاوف معينة في الأسواق الرقمية”. ولكن مع غياب “ضرر ظاهر على المنافسة والمستهلكين”، أصبحت وزارة العدل “مترددة في فرض مهام خاصة على المنصات الرقمية، بسبب قلقها بأن تؤدي المهام الخاصة إلى كبح الابتكار الذي خلق منافسة ديناميكية تفيد المستهلكين”.

لذا، فإنّ الاختلاف في تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار قد يعكس وجود اختلافات في الأضرار المتوقعة من عمليات احتكار هذه البيانات. ويكون عادة الضرر الناجم عن الاحتكارات عبارة عن أسعار أعلى أو مردود أقل أو جودة مخفضة. ولكن ما يبدو ظاهرياً هو أنّ احتكار البيانات يؤدي فقط إلى حصول القليل من هذه الأضرار. لا يفرض احتكار البيانات أسعاراً باهظة على المستهلكين، على عكس بعض المواد الصيدلانية التي تُشترى عبر الإنترنت. إنّ معظم منتجات المستخدمين على موقعي جوجل وفيسبوك هي منتجات “مجانية” ظاهرياً. يمكن أن يعني مقياس احتكار البيانات المتصاعد أنّ المنتجات المعروضة على الموقع هي ذات جودة أعلى. كلما ازداد استخدام الناس لمحرّك بحث معيّن كلما تمكّنت خوارزمية محرك البحث من معرفة ما يفضّله المستخدمين، وأصبحت نتائج البحث أكثر صلة، وهذا بدوره من المرجح أن يجذب الآخرين إلى محرك البحث هذا، وأن يجعل ردود الفعل الإيجابية مستمرة.

يقول روبرت بورك المسؤول الأسبق في الحكومة الأميركية “لايمكننا إثبات قضية الاحتكار هنا، لأن محركات البحث، مثل جوجل، هي برامج مجانية للمستهلكين، ويمكنهم الانتقال إلى استخدام محركات بحث بديلة بنقرة واحدة”.

كيف يضرنا احتكار البيانات؟

لا تعتبر الأسعار المرتفعة الطريقة الوحيدة التي يمكن للشركات القوية من خلالها أن تلحق الضرر بمستهلكيها أو ببقية المجتمع. عند الفحص عن كثب، نجد أنه يمكن لمحتكري البيانات أن يعرّضوا الناس إلى ما لا يقل عن ثمانية أضرار محتملة.

منتجات أقل جودة مع خصوصية أقل. توضّح سلطات مكافحة الاحتكار أنّه يمكن للشركات أن تتنافس على الخصوصية وحماية البيانات. لكن عمليات احتكار البيانات تواجه ضغوطاً أقل من دون المنافسة. يمكنهم خفض حماية الخصوصية إلى ما دون المستويات التنافسية وجمع البيانات الشخصية إلى ما فوق المستويات التنافسية. ويمكن أن يكون جمع الكثير من البيانات الشخصية متوازياً مع استيفاء أسعار باهظة.

كما يمكن أن تفشل عمليات احتكار البيانات في الكشف عن “ما هي” البيانات التي تجمعها و”كيف” يمكنهم استخدام هذه البيانات. إنهم يواجهون ضغوطاً تنافسية قليلة من أجل تغيير سياسات الخصوصية المبهمة. حتى إذا تم تحسين الخصوصية في عملية احتكار البيانات، فما الفائدة؟ إنّ نظام الإشعار والموافقة الحالي لا معنى له عند غياب البدائل التنافسية القابلة للتطبيق وعندما تكون قوة المفاوضة غير متكافئة أبداً.

مخاطر المراقبة والأمن. تتركز البيانات الشخصية في السوق المحتكر في عدد قليل من الشركات. ويمتلك المستهلكون خيارات خارجية محدودة توفر حماية أفضل للخصوصية. وهذا يؤدي إلى مخاطر إضافية، تتضمن:

  • قيام الحكومة بكشف المحتكرين. كلما قل عدد الشركات التي تتحكم في البيانات الشخصية، ازداد الخطر بأن تقوم الحكومة “بكشف” الشركة. تحتاج الشركات إلى الحصول على عدة أمور من الحكومة؛ وغالباً ما تريد الحكومات الوصول إلى البيانات. يمكن أن يزيد احتمال قيام الشركات بالتعاون سراً مع الحكومة لتسهيل الوصول إلى البيانات، وذلك عندما لا يكون هناك سوى عدد قليل من الشركات. على سبيل المثال، تعتمد الصين على احتكار البيانات من أجل مراقبة سكانها بشكل أفضل.
  • المراقبة السرية. تقوم البيانات الغنية الدفينة بتحفيز الحكومة للتحايل على حماية خصوصية احتكار البيانات من أجل الاستفادة من البيانات الشخصية، حتى لو لم تستطع الحكومة كشف محتكر للبيانات. وقد تتمكن من القيام بذلك بشكل سري حتى لو لم تتمكن الحكومة من التوصل إلى اتفاق من أجل الوصول إلى البيانات مباشرة.
  • آثار انتهاك سياسة البيانات/خرق الأمن. يمتلك محتكرو البيانات مجموعة حوافز لمنع خرق الأمن أكثر من الشركات النموذجية. ولكن مع تركيز المزيد من البيانات الشخصية في عدد أقل من الشركات، أصبح المخترقون، والمسوقون، والمستشارون السياسيون، أكثر من غيرهم، يمتلكون حوافز أكبر لإيجاد طرق للتحايل على التدابير الأمنية للشركة المسيطرة أو حتى خرقها. يدل تشديد البيانات على أنه إذا تم خرق إحداها، فالأذى سيكون أكبر بكثير مما هو عليه إذا وقع في شركة عادية. على الرغم من أنّ المستهلكين قد يكونون غاضبين، فإنّ الشركة المهيمنة لديها سبب أقل للخوف من تحول المستهلكين إلى منافسين.

انتقال الثروة إلى محتكري البيانات. يمكن لعملية احتكار البيانات أن تؤدي إلى تحصيل ثروات جيدة بطرق عديدة، حتى عندما تكون منتجاتهم وخدماتهم “مجانية” ظاهرياً، وإلّا، لا يمكنهم الصمود في السوق التنافسية:

أولاً، يمكن لمحتكري البيانات أن يحصّلوا ثروة عن طريق الحصول على بيانات شخصية من دون الاضطرار إلى دفع قيمة البيانات العادلة. وقد تكون تكلفة البيانات الشخصية التي تم جمعها أكثر بكثير من تكلفة توفير الخدمات “مجاناً”. أن تكون الخدمة “مجانية” لا يعني أنه يتم تعويضنا عن بياناتنا بشكل عادل. وبالتالي، فإنّ محتكري البيانات لديهم الحافز الاقتصادي القوي للحفاظ على الوضع الراهن، بحيث أنّ المستخدمين، كما ذكر معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، “ليس لديهم أدنى فكرة عن مقدار البيانات الشخصية التي قدموها، وكيف يستخدمها محتكرو البيانات، وكم تساوي”. لو كان الناس يعرفون هذا الأمر، ولو كان لديهم البدائل الجيّدة، لقاوموا للحصول على تعويض.

ثانياً، يمكن أن يحصل مثل هذا الأمر ولكن مع المحتوى الذي يقوم المستخدمون بإنشائه. يمكن لمحتكري البيانات تحصيل ثروة عن طريق الحصول مجاناً على محتوى إبداعي من المستخدمين. في السوق التنافسي، يستطيع المستخدمون أن يطلبوا تعويضاً ليس فقط عن بياناتهم ولكن أيضاً عن مساهماتهم في موقعي يوتيوب وفيسبوك. لكن لا يمكنهم القيام بذلك مع عدم وجود بدائل منافسة.

ثالثاً، يمكن لمحتكري البيانات تحصيل ثروة من إنتاجات البائعين. أحد الأمثلة على ذلك هو عندما يقوم محتكرو البيانات باستخراج محتويات قيّمة من المصورين والكتّاب والموسيقيين ومواقع الويب الأخرى ثم يقومون بنشرها على منصّاتهم. في هذه الحالة، تتجمّع ثروة هؤلاء على حساب الشركات الأخرى.

رابعاً، يمكن لمحتكري البيانات سحب ثرواتنا بطريقة غير مباشرة، عندما يتم تضمين رسوم الإعلانات ذات أعلى سعر في أسعار السلع والخدمات المعلن عنها. قد تقل كلفة الإعلانات إذا واجه محتكرو البيانات عدداً أكبر من المنافسين لخدماتهم الإعلانية، وبالتالي، قد تقل كلفة المنتجات المعلن عنها.

أخيراً، يمكن لمحتكري البيانات أن يحصلوا على ثروة من إنتاجات البائعين وشراءات المستهلكين من خلال تسهيل أو المشاركة في “التمييز السلوكي”، وهو شكل من أشكال التمييز في الأسعار القائم على السلوك السابق. على سبيل المثال: عملية تصفّح الإنترنت. يمكنهم استخدام البيانات الشخصية لجعل الناس يشترون أشياء قد لا يريدونها وبسعر أعلى مما يرغبون بدفعه.

مع قيام محتكري البيانات بتوسيع منصاتهم لتصبح برامج مساعدة شخصية رقمية، وإنترنت الأشياء، وتكنولوجيات ذكية، أصبح هناك قلق بأنّ مكاسبهم من هذه البيانات ستزيد من مكاسبهم التنافسية وقوتهم في السوق. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تزداد أرباحهم من خلال عمليات الاحتكار، على حسابنا نحن.

فقدان الثقة. تعتمد اقتصاديات السوق على الثقة. فيجب أن يثق الناس بالشركات وباستخدامها للبيانات الشخصية لكي تستطيع الأسواق الإلكترونية تحقيق الفوائد التي تسعى إليها. ولكن مع تطور التكنولوجيا وازدياد عمليات جمع البيانات الشخصية، أصبحنا ندرك مع الوقت أكثر أنّ بعض الشركات القوية تستخدم بياناتنا الشخصية لمصلحتها الشخصية وليس من أجل مصلحتنا. عندما يخفض محتكرو البيانات من حماية الخصوصية لتصبح دون المستويات التنافسية، فإنّ بعض المستهلكين سيختارون “ألاّ يشاركوا بياناتهم، وأن يحدّوا من مشاركتهم لبياناتهم الشخصية مع الشركات، أو حتى أن يقدّموا معلومات كاذبة”، وذلك فقاً لما صرحت به هيئة المنافسة والأسواق البريطانية. وقد يتخلى المستهلكون عن خدمات محتكري البيانات، التي كانوا سيستخدمونها لو كانت المنافسة على الخصوصية قوية. وستمثل هذه الخسارة ما يسميه الاقتصاديون بخسارة المصلحة الاجتماعية. بعبارة أخرى، مع زيادة عدم الثقة، يصبح المجتمع بشكل عام أكثر سوءاً.

تكاليف كبيرة على أطراف ثالثة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمحتكري البيانات الذين يتحكمون بمنصة إلكترونية أساسية، مثل نظام تشغيل الهاتف المحمول، واستبعاد المنافسين بسعر رخيص من خلال:

  • توجيه المستخدمين وأصحاب الإعلانات نحو منتجاتهم وخدماتهم الخاصة على حساب البائعين المنافسين (وخلافاً لرغبات المستهلكين).
  • إضعاف الأداء الوظيفي للتطبيقات المستقلة.
  • تقليل عدد الزيارات على التطبيقات المستقلة، من خلال تصعيب عملية العثور على التطبيقات من محرك البحث أو متجر التطبيقات.

كما يمكن أن يقوم محتكرو البيانات أيضاً بفرض تكاليف على الشركات التي تسعى لحماية مصالح الخصوصية الخاصة بنا. يناقش الكتاب الذي ألفناه أنا وآريل إذراتشي (Ariel Ezrachi) والذي تحت عنوان “منافسة افتراضية” (Virtual Competetion)، على سبيل المثال، قيام شركة جوجل بإزالة ديسكونكت (Disconnect) تطبيق الخصوصية من متجر التطبيقات الموجود في نظام أندرويد.

ابتكار أقل في الأسواق التي يسيطر عليها محتكرو البيانات. يمكن لمحتكري البيانات تخفيف الابتكار باستخدام سلاح كانت تفتقده الاحتكارات السابقة. وصفنا الأمر أنا وألين جرنز بقولنا “رادار لكشف الوضع الحالي”. ويستكشف كتابنا “البيانات الكبيرة وسياسة المنافسة” (Big Data and Competition Policy) كيف أنّ بعض المنصات تمتلك ميزة نسبية في عملية الوصول إلى البيانات وتحليلها من أجل معرفة اتجاهات المستهلكين جيداً قبل الآخرين. يمكن لمحتكري البيانات أن يستغلوا هذه الميزة النسبية لمعرفة ما هي المنتجات أو الخدمات التي أصبحت أكثر شعبية. ومع امتلاكهم رادار لكشف الوضع الحالي، يمكن لمحتكري البيانات أن يكتسبوا أو يقمعوا هذه التهديدات التنافسية الناشئة.

الاهتمامات الاجتماعية والأخلاقية. من الناحية التاريخية، كانت مكافحة الاحتكار تهتم أيضاً بكيفية قيام عملية الاحتكار بإنقاص الاستقلالية الفردية. كما يمكن لمحتكري البيانات إيذاء الاستقلالية الفردية. في البداية، يمكنهم توجيه (والحد من) الفرص للشركات الناشئة التي تعتمد على منصتهم. ويشمل ذلك البائعين الخارجيين الذين يعتمدون على منصة أمازون للوصول إلى المستهلكين والصحف والصحافيين الذين يعتمدون على فيسبوك وجوجل للوصول إلى القراء الأصغر سناً، والشركات التي تعتمد على الزيارات من محرك البحث من جوجل- مثلما ذكرت دراسة الحالة للمفوضية الأوروبية.

لكن المخاوف بشأن الاستقلالية تتعدى مجموعة من مطوري التطبيقات، والبائعين، والصحافيين، والموسيقيين، والكتّاب، والمصورين، والفنانين الذين يعتمدون على محتكري البيانات للوصول إلى المستخدمين. إنّ استقلالية كل فرد معرّضة للخطر. في يناير/كانون الثاني الماضي، انضمت شركة جانا بارتنرز (Jana Partners) الاستثمارية إلى صندوق التقاعد الخاص بمعلمي ولاية كاليفورنيا للمطالبة بأن تقوم شركة آبل بما هو أكثر من أجل معالجة تأثيرات أجهزتها على الأطفال. وكما ذكرت مجلة ذي إيكونوميست (The Economist)، “أنت تعلم أنك في ورطة إذا قامت إحدى شركات وول ستريت بمحاضرتك بشأن الأخلاق”. ويكمن القلق في أنّ منتجات الذين يحتكرون البيانات تهدف إلى دفع الناس على الإدمان، وبالتالي تقلل من قدرة الأفراد على اتخاذ خيارات مجانية.

كما يوجد جدل مثير للاهتمام يستحق الانتباه، يرتكز على التفاعل بين قوة الاحتكار والمنافسة. من الناحية الأولى، يمتلك المستهلكون خيارات تنافسية أقل في الأسواق المحتكرة. لذا، يمكن القول، أنّ هناك حاجة أقل لجعلهم يدمنون. من ناحية أخرى، يمكن لمحتكري البيانات، مثل فيسبوك وجوجل، زيادة الأرباح من خلال زيادة تفاعلنا مع منتجاتهم، حتى من دون وجود منافسين مهمّين. لذا، يمكن أن يمتلك محتكرو البيانات حافزاً لاستغلال التحيزات السلوكية للمستخدمين المدمنين وقوة إرادتهم غير الكاملة- سواء كانوا يشاهدون مقاطع فيديو على موقع يوتيوب أو ينشرون الصور على موقع إنستغرام.

مخاوف سياسية. غالباً ما تترجم القوة الاقتصادية إلى قوة سياسية. يمتلك محتكرو البيانات، على عكس المحتكرين السابقين، أداة أكثر قوة للتفاعل مع الأفراد: أي القدرة على التأثير على النقاش العام وعلى فهم المستخدمين للصواب والخطأ.

يتلقى العديد من الأشخاص الأخبار اليومية من منصات وسائل التواصل الاجتماعي. لكن الأخبار لا تنتقل من دون أي تأثير. يمكن لمحتكري البيانات أن يؤثروا على شعورنا وطريقة تفكيرنا. على سبيل المثال، أظهرت دراسة عن “العدوى العاطفية” أنّ موقع فيسبوك تلاعب بمشاعر 689,003 مستخدمين من خلال تغيير التغذية الإخبارية لديه. وتشمل المخاطر الأخرى لهذا النوع من التأثيرات على:

  • التحيّز: يمكن لمحتكري البيانات أن يقللوا من وجهات النظر التي نتلقاها في تصفية المعلومات بحسب تفضيلاتنا، ما يؤدي إلى خلق (echo chambers) (أي تكرار وتراكم المعلومات المرتبطة باهتماماتنا المفترضة) و(filter bubbles) (أي البقاء في فقاعة مغلقة من المعلومات التي نهتم بها).
  • الرقابة: يمكن لمحتكري البيانات، من خلال منصاتهم، التحكم في المحتوى الذي يتلقاه المستخدمون أو حجبه، وفرض الرقابة الحكومية على المعلومات السياسية أو الدينية.
  • الاستغلال: يمكن لمحتكري البيانات أن يدعموا القصص والمنشورات التي تعزز مصالحهم التجارية أو السياسية، بدلاً من القصص المرتبطة باهتمامات المستخدمين أو ذات الجودة.

الحد من قوة محتكري البيانات  

عند الفحص عن كثب، يمكن أن نجد أنّ محتكري البيانات في الواقع أكثر خطورة من المحتكرين التقليديين. وقد لا يؤثروا فقط على محفظة نقودنا، بل يؤثرون على خصوصيتنا واستقلاليتنا وحريتنا ورفاهيتنا.

ليس بالضرورة أن تقوم الأسواق التي يهيمن عليها محتكرو البيانات بإصلاح نفسها. إنّ تأثيرات الشبكة، والأسعار العالية والمتقلبة (مع نقص قابلية نقل البيانات وحقوق المستخدمين المتعلقة ببياناتهم)، وحماية الخصوصية الضعيفة، تساعد محتكري البيانات على الحفاظ على هيمنتهم.

لحسن الحظ، يمكن أن يقوم تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار عالمياً بالمساعدة في هذا الأمر. قامت إدارة رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق رونالد ريغان الحكومية، بتقليل مخاوفها بشأن الاحتكارات إثر تبنيها لمعتقدات مدرسة شيكاغو الشهيرة للاقتصاد. وخلصت المحكمة العليا، معتمدة على التفكير الاقتصادي الخاطئ، إلى أنّ فرض أسعار على الاحتكار كان “عنصراً مهماً في نظام السوق الحر”. مع إنشاء مدرسة براندس الجديدة التقدمية المضادة للاحتكار، أصبح رقّاص الساعة يتأرجح نحو الاتجاه الآخر. ويعتبر هذا تغيير مرحب به، وذلك مع ظهور محتكري البيانات.

ومع ذلك، فإنّ تطبيق قوانين الاحتكار عالمياً لا يكفي، على الرغم من أنه أداة ضرورية لردع هذه الأضرار. ويجب على منفذي قوانين مكافحة الاحتكار التنسيق مع المسؤولين عن حماية الخصوصية وحماية المستهلك لضمان توافر شروط المنافسة الفعلية للخصوصية وتوافر اقتصاد شامل للجميع.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .