عندما أعلنت رابطة المائدة المستديرة للأعمال بالولايات المتحدة أنها ستعيد تعريف الغرض من الشركات من أجل استيعاب مجموعة أكبر من الأطراف المعنية –بما يتجاوز المساهمين ليشمل الموظفين والزبائن، والموردين والمجتمعات– بدا أن إعلانها لم يلقَ الاستجابة المرجوة من جانب سوق الأسهم، فلم أرَ تقارير مكثفة من خبراء التخطيط الاستراتيجي بالسوق تتناول بالتفصيل أثر هذه المبادئ الجديدة على أرباح الشركات أو أسعار الأسهم، في حين شهدت شاشتي استمرار تدفق التقارير المختصة بالتبادل التجاري ومعدلات الفائدة وإنفاق المستهلكين.
دفعتني هذه الظاهرة إلى التساؤل: كيف ينظر المساهمون إلى هذا الاتجاه الجديد؟ وماذا عن المستثمرين المحترفين الذين يديرون أصولهم؟
من جانب المساهمين، يبدو أن الاتجاه الذي تسلكه المائدة المستديرة يعكس نقلة قوية تجاه تفعيل مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية، التي يشار إليها عادة بالاختصار (ESG). وقد نشأ هذا المفهوم عام 2004 عندما حث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان المؤسسات المالية العالمية الرائدة على وضع مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية في الحسبان عند تخصيص الاستثمارات، وهو ما كان يؤمن بأنه سيعود بالنفع الكبير ليس على المجتمع والبيئة فحسب، وإنما على قطاع الأعمال أيضاً. ويقدّر التحالف العالمي للاستثمار المستدام (GSIA) أن المستثمرين قد ضخوا منذ ذلك الحين أكثر من 30 تريليون دولار تحت هذا البند، ما يعني أنهم اشتروا أسهماً أو حصصاً في صناديق تحمل مسميات مشتقة من مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية أو الاستثمار المسؤول اجتماعياً المشار إليه اختصاراً بـ (SRI)، وهي المبادئ التي تقرها أنظمة التصنيف الداخلية أو الخارجية.
وبدأ صندوق كالبيرس (Calpers)، وهو الصندوق التابع لهيئة معاشات التقاعد بولاية كاليفورنيا وأحد أكبر المساهمين الأميركيين، تنظيم حملات مكثفة في السنوات الأخيرة لتغيير سياسات الشركات العمومية، كالضغط على شركة "ريد روك ريزورتس" (Red Rock Resorts) العام الماضي لتعديل ممارسات الحوكمة لديهم، وإلا فإنهم سيجازفون بخسارة حقهم في التصويت بالوكالة.
وفي أوروبا، مارس صندوق الثروة السيادي النرويجي، الذي تبلغ قيمة أصوله أكثر من تريليون دولار ويمتلك 1.4% من كل الأسهم العالمية، ضغوطاً لتحقيق أهداف مثل الفصل بين الأدوار التي يضطلع بها الرئيس التنفيذي والأخرى الخاصة برئيس مجلس الإدارة، وتحقيق المزيد من التنوع في مجالس الإدارة، وتحقيق المساواة في الأجور بين الجنسين. وقد طبقت حكومة المملكة المتحدة الشهر الماضي قواعد تلزم خطط المعاشات التقاعدية بأن تضع في اعتبارها باستمرار مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية في عمليات تخصيص الاستثمارات.
وماذا عن المستثمرين المحترفين الذين يديرون أصول العملاء؟ بدأت شركات رائدة عديدة، مثل "بلاك روك" (Black Rock)) و"فيديليتي" (Fidelity) و"كابيتال غروب" (Capital Group)، عرض منتجات تسمح للمساهمين بالاستثمار حصرياً في الشركات الحاصلة على شهادات تؤكد اتباعها إرشادات المسؤولية الاجتماعية. إلا أن المنافسين الصغار لا يملكون القدرة الإنتاجية أو نموذج الأعمال المصمم لطرح منتجات جديدة باستمرار.
بعد بيان جمعية المائدة المستديرة، أردت أن أتعرف على المزيد عن آراء زملائي، أولئك الذين يديرون المحافظ الاستثمارية وصناديق التحوط، وما إذا كانوا يرون أن نموذج الأطراف المعنية الجديد هذا قد يؤثر على ممارساتهم الاستثمارية أم لا. وقد أجريت استبانة شملت 20 مؤسسة استثمارية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، يبلغ حجم أصولها المُدارة ما يقرب من 35 مليار دولار.
وقال كل المدراء الأوروبيين تقريباً المشمولين بالاستبانة إن عملاءهم سألوهم عن مجهوداتهم في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية، قد يكون هذا هو السبب في استجابة المدراء وفق ما تُظهره البيانات. وبحسب التحالف العالمي للاستثمار المستدام، فإن 49% من الأصول المدارة بصورة احترافية في أوروبا تلتزم بإرشادات الاستدامة، مقارنة بنسبة 26% في الولايات المتحدة ونسبة 18% في اليابان. وقد أفاد غالبية المدراء الأوروبيين المشمولين بالاستبانة أنهم قد اتخذوا إجراء ما من قبيل الإفصاح عن مجموع نقاط المحافظ الاستثمارية فيما يتعلق بالحوكمة البيئية والاجتماعية في التقارير ربع السنوية، وكذلك تعيين مستشار لشؤون الحوكمة البيئية والاجتماعية، واستخدام برنامج لفرز الأسهم على أساس مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية. وقد أشار مدير إحدى كبرى الشركات الأوروبية إلى أن "سياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية أصبحت جوهرية تماماً لكل شركة أوروبية تقريباً".
قارن هذا بما سمعته من المدراء الأميركيين والآسيويين: لم يُشر أي منهم إلى الاستخدام الرسمي لبرامج فرز الأسهم على أساس الحوكمة البيئية والاجتماعية. وفيما قد تكون عينتي الصغيرة هذه غير قياسية على بلدان بأكملها، فإن دراسة حديثة توصلت إلى أن 30% من كل الأصول الأميركية المدارة تمتثل لمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية – وهي نسبة أقل بكثير عن نظيرتها في أوروبا. (وباستثناء اليابان التي تتبع 20% من أصولها المدارة قواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية، فإن معظم الشركات الآسيوية تحتل مراكز متأخرة للغاية مقارنة بمناطق جغرافية أخرى من حيث الإعلان عن ممارساتها ذات الصلة بالحوكمة البيئية والاجتماعية). وقد أسرّ لي أحد المدراء من الولايات المتحدة بقوله: "لن نأخذ بيان المائدة المستديرة للأعمال على محمل الجد حتى تتغير لوائح أجور الرؤساء التنفيذيين في الولايات المتحدة، بحيث نتلقى مكافآت أكبر من تلك التي نتلقاها عن أرباح الأسهم وارتفاع سعر السهم".
بيد أن بعض الشركات، ومن بينها شركتي، صممت برامج فرز تستند إلى مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية، أو تدير نسخة من محفظتها الاستثمارية الأساسية التي تركز على الاستثمار المسؤول اجتماعياً، حيث تستبعد أسهم الوقود الأحفوري والتبغ والأسلحة في الغالب. وفيما تظل هذه خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن مدراء الصناديق الأصغر سيكونون في حاجة إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات، خاصة في حال مطالبة المزيد من المساهمين الرئيسيين بأن نستثمر في الشركات التي يعكس أسلوبها التشغيلي التزامات المائدة المستديرة للأعمال تجاه الموظفين والبيئة ومجتمعاتها الأوسع نطاقاً. ويمكننا أن نبدأ بما يلي:
- تحديد أي عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية ذي قيمة أكبر بالنسبة لنا، وفرز الأسهم على أساسها، وتسليط الضوء عليها لإبرازها أمام عملائها. فإذا كنت تهتم على سبيل المثال بالشفافية والتنوع في مجالس إدارة الشركات، فيجب أن تُظهر هذه الغاية وتُضفي عليها صبغة رسمية.
- معرفة أهمية الاستثمارات المسؤولة اجتماعياً بالنسبة للعملاء الحاليين والمرتقبين. هذا يعني استطلاع رأي العملاء لتقييم ميولهم، وشرح مواضع تداخل جوانب التركيز لديكم. على سبيل المثال: نصف لعملائنا المرتقبين محفظتنا الاستثمارية الخالية من أسهم الوقود الأحفوري التي تمتلك سجلاً للمتابعة يمتد لخمس سنوات.
- الاستثمار في أدوات الفرز لاكتشاف مدى نجاح محفظتنا الاستثمارية في الالتزام بمعايير الأمم المتحدة أو التحالف العالمي للاستثمار المستدام. ومن ثم، يمكنك تسويق نتيجة قوية أو أن تغير بعض الأوضاع.
- ممارسة الضغط على الشركات التي نمتلك أسهمها لتحسين ممارساتها فيما يتعلق بمبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية.
يتعين على المجتمع الاستثماري مواكبة الرؤية الجديدة للمائدة المستديرة للأعمال التي تهدف إلى خدمة شريحة أكبر من الأطراف المعنية. وفي حين أن هذا سيتطلب المزيد من الوقت والجهد، إلا أن المستثمرين المحترفين بإمكانهم النظر إلى زملائهم في أوروبا كنموذج يُحتذى بنجاح مجهوداته.