قدمتُ قبل بضع سنوات إرشادات إلى فريق مبيعات تضمنت وظيفته إجراء مكالمات باردة (الاتصالات غير المرتب لها مع العملاء). غالباً ما كان أعضاء الفريق ينسبون المبيعات الناجحة إلى مهاراتهم وخبراتهم، بينما يلقون اللوم عندما يخفقون على عوامل خارجية مثل فقر العملاء المحتملين أو التوقيت السيئ. هذه الحالة مثال واحد من أمثلة كثيرة يمكنني استحضارها من خبرتي في العمل مع القادة في مختلف المؤسسات والقطاعات لتوضيح التحيزات البشرية المشتركة.

التحيز للمصلحة الذاتية هو ميل الإنسان إلى تفسير المعلومات بطريقة تؤكد معتقداته التي يؤمن بها وتخدم مصلحته الذاتية، فيضع غالباً افتراضات تعزز غروره وتقديره لذاته عندما يواجه مواقف تفتقر إلى الوضوح، ويذهب إلى تفسير المعلومات بصورة انتقائية لدعم موقفه الخاص متجاهلاً المعلومات التي تتعارض مع وجهة نظره أو يرفضها. في الواقع، في المثال أعلاه، كشفت نظرة على البيانات أن معدل التحويل الذي حققه الفريق كان أقل بكثير مما توقعه، وعند مواجهة أفراده بهذه البيانات، اتخذ بعضهم موقفاً دفاعياً وترددوا في الاعتراف بحقيقة الموقف.

يمكن أن يؤدي التحيز للمصلحة الذاتية إلى ضعف صناعة القرار أو حتى تصعيد النزاعات، إذ يزداد تشبثنا بمواقفنا ويقل استعدادنا لتقبل وجهات النظر البديلة، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى صعوبة التعاون في إيجاد حلول فعالة للمشاكل المعقدة.

فيما يلي بعض النصائح حول كيفية التغلب على التحيز للمصلحة الذاتية من أجل التوصل إلى قرارات أفضل تدوم طويلاً:

قيّم مصداقية مصدر المعلومات التي تعتمد عليها لاتخاذ القرارات.

من المحتمل أن ينطوي ذلك على إعادة فحص البيانات التي تعتمد عليها لاتخاذ قراراتك. ذكرت في كتابي “الانحراف عن المسار” (Sidetracked) أني عملت ذات مرة مع سلسلة من متاجر البيع بالتجزئة التي كانت تحاول تحفيز موظفيها. بعد مواجهة الارتباك والفشل في المحاولات السابقة، حققت السلسلة نتائج مشجعة أخيراً عندما قدمت إرشادات أداء واضحة ومستهدفات مبيعات ومكافآت شهرية للموظفين. ارتفعت الإنتاجية وحقق معظم الموظفين أهدافهم وبدأ المدراء استخدام هذه النتائج الإيجابية في تقييم أداء الموظفين.

لكن الشركة لاحظت توجهاً مزعجاً عندما أجرت تحليلاً مفصلاً أكثر للنتائج؛ كان الموظفون يحققون مستهدفات مبيعاتهم غالباً في الأسبوع الأخير من كل شهر، وكان هناك ارتفاع في البضائع المرتجعة في الأسبوع التالي لدفع المكافأة. تبين أن الموظفين في الأساس، وبدافع من الإرشادات الجديدة، كانوا يلجؤون إلى شراء البضائع بكميات كبيرة في نهاية الشهر لتحقيق أهداف مبيعاتهم ومن ثم إعادتها بعد وقت قصير من تلقي مكافآتهم، وبالتالي كان المدراء يقيّمون موظفيهم بناء على بيانات تفتقر إلى معلومات حول سلوك موظفيهم وأدائهم.

مع الأخذ في الاعتبار مصداقية مصدر المعلومات التي تعتمد عليها، يمكنك تعزيز ثقتك في اتخاذ قرارات مستنيرة من خلال استخدام البيانات ذات الصلة لتقييم وجهات نظر الآخرين وإجراءاتهم وتقييم أفكارك وإجراءاتك أيضاً.

فكّر من منظور الواقع المضاد في القرارات التي اتخذتها سابقاً

يتيح لك التفكير المخالف للواقع النظر في مسارات عمل مختلفة كان من الممكن أن تتبعها لفهم العوامل التي أثرت في اختيارك بوضوح أكبر. على سبيل المثال، إذا فشلت في الوفاء بموعد نهائي مهم في مشروع عمل ما، يمكنك النظر في كيفية تأثر النتيجة ببذل جهد أكبر في العمل أو طلب المساعدة أو التفاوض على موعد نهائي جديد. يمكن أن يساعدك أسلوب التفكير هذا في التعرف على العوامل التي أدت دوراً مهماً في عملية صنع القرار؛ على سبيل المثال، تقييم إنجاز المشروع بمفردك مقابل إنجاز الآخرين له في الوقت المحدد، وتحديد التغييرات التي قد يجب عليك إجراؤها بشأن القرارات في المستقبل.

يقدم فيلم أبواب منزلقة (Sliding Doors) الذي أُنتج عام 1998 مثالاً رائعاً يوضح كيف يمكن للتفكير من منظور الواقع المضاد أن يساعدنا في فهم القوى التي تشكل قراراتنا. يستكشف الفيلم روايتين مختلفتين للشخصية الرئيسية، هيلين (التي تلعبها غوينيث بالترو)، بناءً على إذا ما كانت ستلحق بقطار مترو الأنفاق القادم أم لا. يكتسب المشاهد في أثناء متابعة تطور القصتين كلتيهما نظرة ثاقبة للعوامل المختلفة التي تؤثر في خيارات هيلين في الحياة.

وبالمثل، فالتفكير من منظور الواقع المضاد يمكن أن يساعدك على النظر في الخيارات التي اتخذتها من خلال مساعدتك على توسيع منظورك ليشمل وجهات نظر مختلفة متعددة تتجاوز النتيجة الحالية، وبالتالي يحثنا هذا النوع من التفكير على ملاحظة وجهات النظر المختلفة والوصول إلى رؤية أكثر توازناً لاختياراتنا وفهم القوى التي شكلتها. يمكنك من خلال التفكير من منظور الواقع المضاد ضمان أن تنظر إلى البيانات الحالية بطريقة حيادية وموضوعية.

تحدّ افتراضاتك

يمكنك أيضا تجنب التحيز للمصالح الذاتية من خلال البحث باستمرار عن المعلومات التي تشكك بمعتقداتك وافتراضاتك. قد يبدو ذلك صعباً لأنه قد يهدد هويتك ومعتقداتك الحالية، ولكنه خطوة أساسية نحو تطوير منظور أدق ومستنير أكثر،

تتمثل إحدى الطرق لتحقيق ذلك في الحرص على مواجهة وجهات نظر مختلفة من أجل توسيع فهمك لقضية ما. لنأخذ على سبيل المثال ما فعله الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا؛ إذ أدرك عندما تولى منصبه عام 2014 أن تركيز الشركة على منتجيها التقليديين، ويندوز وأوفيس، كان يحد من قدرتها على النمو. اكتشف أن الشركة بحاجة إلى استراتيجية جديدة إلى جانب ضرورة تطوير ثقافتها كي تبقى قادرة على المنافسة.

وهكذا، ومن أجل توسيع أفق الشركة، بحث ناديلا عن مواهب من مختلف الخلفيات والقطاعات يحملون مجموعة متنوعة من وجهات النظر إلى الشركة، كما شجع موظفي مايكروسوفت على التجربة والمخاطرة حتى لو أدى ذلك إلى الفشل أحياناً. وهكذا تمكّن ناديلا من خلال الحرص على أن يواجه هو وفريقه وجهات نظر مختلفة وأفكاراً جديدة من تعزيز الابتكار في مايكروسوفت وزيادة تركيزها على العملاء، مع تحديث التركيز على الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.

أظهرت الأبحاث أن من يبحث بفعالية عن معلوماتٍ تتحدى افتراضاته المسبّقة يتمتع بقدرة أكبر على تغيير معتقداته عندما تظهر أدلة جديدة. الخلاصة هي أن البحث الدائم عن وجهات نظر وأدلة متنوعة يساعدنا في التغلب على قيود التحيز للمصلحة الذاتية واتخاذ قرارات مستنيرة أكثر.

الوقوع فريسة لتحيز المصلحة الذاتية هو جانب من الطبيعة البشرية، ومواجهة هذا النوع من التحيزات في عملنا وحياتنا مهم جداً لاتخاذ قرارات أفضل، ومن الممكن تحقيق ذلك بالفعل أيضاً. من خلال ممارسة الاستراتيجيات الثلاث المذكورة أعلاه بانتظام، يمكننا اتخاذ قرارات أفضل وأكثر استنارة وإطلاق العنان لطاقاتنا الكاملة في العمل ومجالات الحياة الأخرى.