كيف تتخذ قراراً استراتيجياً في ظل نُدرة البيانات؟

5 دقيقة
ندرة البيانات
شون/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تعد ندرة البيانات حول ما يحمله المستقبل من مصاعب وفرص أحد أكبر التحديات التي تواجه القادة عند التخطيط لنمو شركاتهم. في هذا المواقف، يمكن للقائد استخدام 3 أساليب للتوصل إلى رؤى ثاقبة: دراسة العملاء والشركات الناشئة بحثاً عن علامات التغيير، وتجربة التكنولوجيا الجديدة بدلاً من الاكتفاء بالقراءة عنها، وممارسة “التفكير الترابطي”؛ أي ربط مفهومين متباينين ظاهرياً للتوصل إلى فكرة جديدة.

ومن الصعب تحديد اتجاه استراتيجي في خضم حالة عدم اليقين. تتمثل إحدى المشاكل المستمرة في أن البيانات اللازمة لتبرير مسار العمل لا تتضح إلا عندما يفوت أوان التصرف، تقتضي هذه المشكلة، التي يمكن أن نسميها مفارقة المعلومات والفعل، حلاً يُعد مفارقة في ذاته، ففي هذه الحالة يكون على القادة التصرف حتى لو أنبأتهم البيانات ألا يتصرفوا.

لا نعني بذلك أن على القائد تجاهل البيانات، بل على القائد أن يدرك حدود البيانات التي يستخدمها عادةً لتنفيذ استثمارات استراتيجية، مثل حجم السوق ومعدلات النمو والحصة السوقية وهوامش الربح وما إلى ذلك؛ فالبيانات القائمة تشرح ما تحقق بالفعل وليس ما قد يتحقق أو سوف يتحقق.

لا يصح ترك عملية صنع الاستراتيجية للتخمين أو الحدس البحت، بل يجب على القائد البحث بطرق مدروسة عن رؤية جديدة تساعده على فهم الأمور وتحديد المسار عبر حالة عدم اليقين؛ يشرح هذا المقال 3 أساليب لتحقيق ذلك.

1. ابحث عن إشارات تحذير مبكرة للتغيير

من ركائز برنامج التغيير الذي وضعه ساتيا ناديلا في مايكروسوفت النقلة من التركيز على المؤشرات المتأخرة مثل الإيرادات، إلى المؤشرات الرئيسية مثل صافي نقاط الترويج. فالمؤشرات المتأخرة نتاج قرارات سابقة، أما المؤشرات الرئيسية فتشير إلى مشاكل أو فرص في المستقبل.

وإلى جانب وضع المؤشرات الرئيسية على لوحات المتابعة، لا بد أن يسعى المسؤولون التنفيذيون إلى تحديد إشارات تحذير مبكر للتغيير في موضعين.

الموضع الأول مع العملاء؛ عليك أن تفهم طريقة تفكير العملاء الحاليين في الحلول الناشئة، ومن الإشارات التي تجب مراقبتها الأخطاء الوشيكة؛ أي حين يفكر العملاء في اقتراحات بديلة ولكنهم يرفضونها في النهاية. ساعد مثل هذا التحليل الذراع الأسترالية للشركة القانونية العالمية كينغ آند وود ماليسونز (King & Wood Mallesons) على ملاحظة ما يشير إلى أن العملاء يتعاملون بجدية مع مزودي التكنولوجيا القانونية الجدد، الأمر الذي حفزها على تطوير قدرتها التكنولوجية قبل أن تظهر الحاجة إلى ذلك في البيانات التقليدية.

والنموذج المثالي هنا هو أن يقضي المسؤولون التنفيذيون وقتاً مع مجموعة متنوعة من العملاء تشمل العملاء التقليديين المخلصين والعملاء الذين انتقلوا مؤخراً إلى حلول أخرى والعملاء الذين يمرون بظروف قاسية. درست إحدى شركات المشروبات بدقة أساليب عمل الجيوش في ظروف درجات الحرارة الشديدة الارتفاع كي تفهم ما يفعله الجنود لحماية أجسامهم من التجفاف، فتوصلت إلى حلول مبتكرة يمكنها تكييفها وفق الاستخدامات السائدة، مثل إضافة أقراص مدعمة بعناصر مغذية إلى الماء أو اعتماد طريقة جديدة للتغليف تحفظ برودة المشروبات فترات زمنية أطول.

والموضع الثاني هو الشركات الناشئة ذات الصلة بمجال العمل في القطاع، إذ يجب أن يكون المسؤولون التنفيذيون مطلعون من كثب على نشاطها. مآل معظم الشركات الناشئة هو الفشل بطبيعة الحال، لكن الانتباه الشديد يساعد على اكتشاف التغييرات المهمة مبكراً؛ خذ مثلاً عندما استثمرت مايكروسوفت مبكراً في شركة أوبن أيه آي، أصبحت شاهدة على التغيرات التي يشهدها قطاع الذكاء الاصطناعي. لذلك تجاوز الشركات الناشئة ذات الاسم والسمعة وتعمق في بحثك إلى الشركات التي ما تزال في وضع التخفي، أو عليك بزيارة مختبر جامعي للاطلاع على تقنيات المستقبل، سيقوي هذا الاستكشاف حدسك كي تتمكن من تحديد مسارك لتجاوز حالة عدم اليقين.

2. جَرّب المستقبل من اليوم

يقول كاتب الخيال العلمي ويليام غيبسون: “لقد وصل المستقبل حقاً، لكنه لم يصل إلى الجميع بالتساوي”. نقصد بتجربة المستقبل من اليوم الحصول على خبرة عملية في التكنولوجيات الناشئة. في أحد المقررات التي أدرّسها في كلية تاك للأعمال (Tuck School of Business) التابعة لجامعة دارتموث (Dartmouth College)، طلبت من الطلاب كتابة “تقرير من المستقبل”. يبدأ التقرير بتجربة بعض التكنولوجيات الناشئة أو المتطورة، مثل المركبات الذاتية القيادة أو العملات المشفرة أو التشخيص بالحمض النووي أو الرياضات الإلكترونية أو التصنيع التجميعي (الطباعة الثلاثية الأبعاد)، ثم يتمعن الطلاب في أكثر ما أدهشهم، وتخيل التطورات التي ستطرأ على التكنولوجيا المعنية بعد 10 سنوات وأثرها في المؤسسات الحالية وفرص الشركات الناشئة التي يرونها. رأيت درساً ثابتاً يقدمه هذا النشاط كل مرة، وهو أن تجربة التكنولوجيا تمدنا بمعرفة أعمق مقارنةً بالاكتفاء بالقراءة عنها.

ويعد قضاء وقت مع أطفالي من طرق تجربتي للمستقبل من اليوم، فقد علمني كل منهم شيئاً عن المستقبل؛ وعندما كنا نعيش في سنغافورة، كان ابني تشارلي الذي يبلغ من العمر اليوم 18 عاماً، عضواً في فريق مؤسس لشركة ناشئة للعملات المشفرة، وتعرفت من خلاله إلى التكنولوجيا المالية اللامركزية وتكنولوجيا دفتر الأستاذ الموزع. وعلمتني ابنتي هولي، الفنانة الرقمية النشطة البالغة من العمر 16 عاماً، أن حركة الصانع (maker movement) (حركة اجتماعية تشجع الأفراد على الإبداع والابتكار من خلال استخدام التكنولوجيا) ما تزال في مراحلها الأولى، إذ يتوقع أن يتسع نطاق انتشار وسائط الإعلام. وكان ابني هاري، وهو في ربيعه الثاني عشر، دليلي إلى ميتافيرس عبر كل شيء، بدءاً من لعب روبلوكس وماين كرافت وصولاً إلى استخدام جهازه أوكيولوس ريفت، وأنا في غاية الفضول لأرى ما سيعلمني إياه ابني تيدي، وهو بعد السابعة من عمره!

لذا، عليك أن تخصص وقتاً تقضيه مع أطفالك وتتواصل معهم ولا تكتفِ بسؤالهم عن أحوالهم، بل اجلس معهم؛ فلا طريقة للاطلاع على المستقبل أفضل من قضاء وقت مع الصغار.

3. مارس التفكير الترابطي

منذ نحو 15 عاماً، قاد هال غريغرسن من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجيف داير من جامعة بريغام يونغ (Brigham Young University) دراسة مهمة لتحديد سمات المبتكر الناجح. ومن النتائج الرئيسية التي توصلا إليها ولخصاها في كتاب “جينات المبتكر” (The Innovator’s DNA) (الذي شارك في تأليفه كلايتون كريستنسن)، أن المبتكر متفوق فيما يسمى “التفكير الترابطي”؛ أي أنه يربط بين مفهومين متباينين ظاهرياً ليبلور منهما فكرة جديدة. التفكير الترابطي هو أساس نجاح صناعة السينما في هوليوود، في كتاب صُنعت لتبقى” (Made to Stick)، يصف المؤلفان تشيب ودان هيث “خطاب هوليوود الترويجي” الذي يتضمن ركيزةً مألوفة ومنعطفاً مفاجئاً غير مسبوق؛ فعلى سبيل المثال روّج لفيلم “سبيد” (Speed) (إنتاج 1994) بأنه مثل فيلم “داي هارد” (Die Hard) ولكن على متن حافلة. هنا، فيلم “داي هارد” هو الركيزة المألوفة لأنه كان ذائع الصيت، فجذب الاهتمام؛ أما “على متن حافلة” فهو الانعطاف المختلف، ونجح في إثارة فضول المستمعين.

التفكير الترابطي مهارة يمكن أن تمارسها بوعي وإدراك. أبدأ كل محاضراتي في الجامعة بتخصيص بضع دقائق لأتبادل مع طلابي تأملات وأفكار مفتوحة أو أفكار مترابطة موجهة؛ أطلب منهم في أحد الأنشطة التفكير في صور ترتبط بالقطاع الذي ندرسه في مقررنا الدراسي، وأطلب منهم في نشاط آخر استحضار أفلام أو عروض تلفزيونية أو مسلسلات أو أغانٍ ذات صلة بالقطاع، وأحثّهم في نشاط ثالث على أن يغمضوا أعينهم، ويطلقوا العنان لعقولهم حتى تتجول بحرية واستكشاف ما يصلون إليه.

غالباً ما يبدأ الطلاب بترابطات حرفية للغاية، فيقودهم نموذج شركة قانونية إلى صور لأناس يرتدون ملابس رسمية، أو استحضار مسلسل “سوتس” (Suits) التلفزيوني. أو يصلون أحياناً إلى ترابطات تجريدية أكثر، فيحثّهم نموذج عن صفقة اندماج تتمثل مشكلتها الأساسية في انعدام الثقة بين الشركتين إلى التفكير في فيلم “إنسبشن” (Inception) (إنتاج 2010) الذي يشكك في ماهية الحقيقة.

هذه التجربة ممتعة للغاية وعملية جداً كذلك، إذ يساعد الترابط بين الأفكار المسؤولين التنفيذيين على رؤية احتمالات كانت ستبقى خفية عنهم لولا هذه التجربة. وعلى نطاق أوسع، أقول إن تجوال الذهن الحر بهذه الطريقة المدروسة هو ترياق للمسؤولين التنفيذيين العالقين في حالة عدم اليقين.

سيستفيد المسؤولون التنفيذيون من البحث عن إشارات ضعيفة وتجربة المستقبل من اليوم وممارسة التفكير الترابطي، إذ تمكّنهم هذه الأساليب من رصد الابتكارات المستقبلية المزعزعة وهم في حاضرهم، وبلورة استراتيجيات مبدعة تحوّل التهديدات المحتملة إلى فرص واعدة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .