كيف تتخذ قرارات منطقية في الظروف الغامضة؟

5 دقائق
كيف نتخذ القرارات في الظروف الغامضة وحالة عدم اليقين
في وقت نكافح فيه فيروساً لا يزال العلماء غير قادرين على فهمه تماماً، ونرى سوق الأسهم يغرق ثم يصعد ثم يغرق مجدداً، ونواجه انتخابات مثيرة للجدل، نبدو عاجزين تماماً عن التنبؤ بالمستقبل أكثر من أي وقت مضى، وعندما نشعر بحالة غموض متصاعدة، تتعطل عملية صناعة القرار ويصبح من الصعب علينا اتخاذ قرارات منطقية خلال الظروف الغامضة، وقد نصاب بالشلل والخوف من التحرك، أو قد نبني تحركاتنا على التحيز والعواطف والحدس بدلاً من المنطق والحقائق.

وإدراك حالة الغموض التي نعيشها هو بادرة ضرورية لقدرتنا على التعامل معها، حيث يعني الإدراك الفعال، التريث واتخاذ وقفة استراتيجية وتقييم الوضع والأمور المجهولة. والآن، تواجهنا بيانات تبدو لنا صالحة لبناء الإجراءات عليها، على الرغم من أننا نعلم منطقياً أنها غير مكتملة ومتقلبة، ولكن حتى عندما تكون المعرفة محدودة، لدينا أدوات تساعدنا في اتخاذ القرارات على نحو منهجي وتحليلي.

وسواء كنا نقيّم معنى أرقام البطالة الأخيرة أو أثر نقص مخزون الخس المحلي، يمكننا استخدام عملية بسيطة من أربع خطوات للعمل مع الغموض وتجاوزه، من أجل اتخاذ قرارات حذرة ومنطقية.

أربع نصائح لاتخاذ القرارات خلال الأوقات الغامضة وغير المستقرة

1. حدد فئة البيانات التاريخية التي تعمل معها.

هناك عموماً ثلاثة أنواع من البيانات التي نواجهها عادة ونشعر بنزعة للتحرك بناء عليها، وهي: البيانات البارزة التي تلفت انتباهنا لأنها جديرة بالانتباه أو مفاجئة؛ والبيانات السياقية التي تقع ضمن إطار قد يؤثر على طريقة تفسيرنا لها؛ والبيانات النمطية التي تأخذ شكلاً منتظماً وواضحاً وذا مغزى.

2. حدد التحيزات المعرفية التي تثيرها كل فئة. 

تثير أنواع البيانات المختلفة تحيزات مختلفة. لذا، فتحديد نوع البيانات والتحيزات المرتبطة به يجعل تفادي الأخطاء الذهنية أسهل.

يمكن أن تثير البيانات البارزة التحيز البارز الذي يدفعنا لمنح المعلومات الجديدة أو الجديرة بالملاحظة وزناً أكبر مما تستحق، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات دون المستوى الأمثل وارتكاب أخطاء في التخطيط وغير ذلك. على سبيل المثال، انهار الطلب على شركات نقل الركاب الجوي في أبريل/نيسان 2020 بنسبة 94.3% مقارنة مع الشهر المماثل من 2019، بسبب القيود التي فرضت على السفر في ظل انتشار "كوفيد-19". قد تدفعنا هذه الأرقام الإحصائية الصادمة لاعتقاد أن السفر الذي نعرفه قد انتهى. لكن في الحقيقة، هذا الجزء الوحيد البارز من البيانات يكاد لا يخبرنا أي شيء عن مستقبل السفر.

يمكن للبيانات السياقية تقييد تفكيرنا وقيادتنا إلى تحيز الصياغة، حيث تؤثر صيغة البيانات التي نتلقاها على طريقة تفكيرنا بها. على سبيل المثال، جملة "لحم بقري مفروم مع دسم أقل بنسبة 80%" تبدو لنا صحية أكثر من جملة "لحم بقري مع دسم بنسبة 20%". اللحم هو ذاته، لكن اختلفت الصياغة.

تثير البيانات النمطية عادة وهم التجميع والتشابك (Clustering Illusion)، الذي يُعرف في عالم الرياضة باسم "مغالطة اليد الساخنة"، حيث نفترض أن الأحداث العشوائية هي معلومات ستساعدنا على التنبؤ بحدث مستقبلي. خُلق الدماغ البشري ليبحث عن الأنماط، حتى وإن لم تكن موجودة أحياناً، وإذا كان هناك أنماط بالفعل فهي غالباً لا تملك أي قيمة تنبؤية. يعتبر استقرار حجر النرد على الرقم 2 مرتين متتاليتين نمطاً، لكن هذا النمط لا يمنحنا أي فكرة عن الرقم الذي سيظهر على النرد في المرة المقبلة.

سيمنعنا إدراك طريقة إثارة كل من هذه الفئات لتحيزاتنا من الوقوع فريسة لهذه التحيزات. لكن كيف يمكننا التقدم بعد أن نتقبل حاجتنا إلى معلومات إضافية من أجل اتخاذ قرارات حول المستقبل بثقة؟

3. اقلب المشكلة لتحدد ما تحتاج إلى معرفته حقاً.

الخطوة الثالثة في عمليتنا هي إدراك أنه ليس عليك معرفة كل شيء، بل يجب عليك تحديد أهم ما يتعلق بعملية صنع القرار. ومن أجل فعل ذلك، اقلب عملية حل المشكلات التي تتبعها رأساً على عقب. ابدأ من النهاية، واسأل: ماذا؟ ماذا يجب أن أعرف لأتمكن من فهم هذا الوضع؟ ما هو أثر هذه المعلومات؟ وكيف أتوقع أن أستخدمها؟ في عالم "المجهول المعلوم"، تكون أجزاء البيانات هذه موجودة لكنك لا تملكها، وهي لا تنتهي. لكنك لست بحاجة إلى استكشافها كلها، ويساعدك قلب المشكلة على تحديد الأجزاء التي ترى أنها أساسية حتى تتمكن من حل مشكلتك بثقة.

على سبيل المثال، البيانات البارزة بخصوص انهيار الطلب على شركات الطيران، تثير استجابة حدسية قد تسهل التوصل إلى استنتاج بأن القطاع سيعاني من ضيق شديد دائم. لكن إذا نظرنا إلى الصورة الأشمل، سنتمكن من إدراك أن قطاع الطيران سيبقى مستمراً، وأنه على المدى الطويل سيرغب الناس في التنقل وسيكون الاقتصاد العالمي بحاجة إلى هذا القطاع. هذا "معلوم معلوم".

وهناك كثير من الأمور التي تعلم أنها مجهولة. لكن ثمة خبر جيد، فأنت لست مضطراً لفحص جميع الأمور المجهولة لحل مشكلة محددة. ينطبق ذلك على مثالنا عن شركات الطيران، سواء كنت تتخذ قراراً بالسفر أو بالاستثمار في شركة طيران. يمكن أن تشمل الأمور التي تشغل المسافر، إمكانية العثور على رحلة إلى وجهته وموعدها وما إذا كان السفر على متنها آمناً، أما المستثمر فيركز على اختيار الشركة التي تتمتع باحتمالات أفضل فيما يتعلق بالنجاة من حالة الإغلاق العام. وفي كلتا الحالتين، عندما تقلب مشكلتك ستتمكن من التركيز على المجهول المعلوم الأكثر أهمية لك.

4. صِغ الأسئلة المناسبة للحصول على الأجوبة التي تحتاج إليها.

يواجه كثير منا صعوبة في صياغة الأسئلة التي قد تساعد على اتخاذ القرارات. وإحدى الطرق المفيدة والعملية لتجاوز هذه العقبة هي تنظيم سؤالك في أربع فئات رئيسية، وهي السلوك والرأي والشعور والمعرفة. هذا يضمن أن تتبع وجهات نظر أوسع وأكثر تنوعاً في فحص بياناتك، الأمر الذي سيساعدك في مواجهة الافتراضات والأحكام المسبقة. كما سيمنحك سياقاً أفضل لتفسير الأجوبة، لأنك تعرف العدسة التي تنظر من خلالها.

* تعالج الأسئلة المتعلقة بالسلوك ما يفعله المستجيب الذي تطرح عليه الأسئلة، وينتج عنها وصف للتجربة والأنشطة والتحركات الفعلية. إذا كنت تعمل على تقييم وضع قطاع الطيران، يمكنك طرح الأسئلة التالية: من يستمر بالسفر؟ هل ينطبق ذلك على مجموعات أكبر؟

* أما الأسئلة المتعلقة بالرأي فتعالج ما يفكر به الشخص فيما يخص موضوعاً أو إجراءً أو حدثاً ما، ويمكن أن تكشف أهداف الناس ونواياهم ورغباتهم وقيمهم. وفيما يتعلق بمثال قطاع الطيران، يمكنك طرح الأسئلة التالية: هل السفر آمن حالياً؟ هل تتبع شركات الطيران تدابير كافية؟

* أما الأسئلة المتعلقة بالمشاعر فتسأل عن طريقة استجابة الشخص العاطفية لموضوع ما، ويمكنها مساعدتك على تخطي المعلومات الواقعية لمعرفة ما يميل الناس إلى فعله بغض النظر عن البيانات. وهنا، يمكنك طرح أسئلة مثل: ما مدى شعور المسافرين بالأمان؟ ما مدى شعور الموظفين في شركة الطيران بالأمان؟

* أما الأسئلة المتعلقة بالمعرفة فتستكشف المعلومات الواقعية لدى المستجيب حول الموضوع. في حين قد يقول البعض إن جميع المعارف هي مجموعة من المعتقدات، تعمل أسئلة المعارف على تقييم ما يعتبره المستجيب واقعياً. يمكنك طرح الأسئلة التالية: ما هي مسارات الرحلات التي تم إيقافها أو قطعها؟ كم مساراً سيُقطع بعد؟ هل هناك حالات انتقال لعدوى "كوفيد-19" مرتبطة بالرحلات الجوية؟

يمكنك طرح هذا النوع من الأسئلة عن أي نوع من البيانات غير المكتملة، سواء كانت بيانات بارزة أو سياقية أو نمطية. والخطوة الرابعة تعترف بأن حالة الغموض هي مزيج من الأفعال وردود الأفعال والمعرفة والعواطف. لن نكتسب اليقين من تصنيف المكونات في مزيج حالة الغموض ومعالجتها، لكننا سنضمن أن تتناول أسئلتنا جميع نواحي حالة الغموض.

تساعدنا العملية المؤلفة من أربع خطوات في التعامل مع استجاباتنا العاطفية على نحو أفضل، وتسميتها ومواجهتها، والاستمرار في اتخاذ قرارات منطقية خلال الظروف الغامضة، وستتشكل لدينا صورة أكثر اكتمالاً، ما يقلل احتمالات اعتمادنا على طرق التفكير والتحيزات المعرفية المبتذلة.

اشتهر فولتير بأنه أوصى ذات يوم بأن نحكم على الرجل من خلال أسئلته لا أجوبته. لن نتمكن قط من معرفة المستقبل، لكن عن طريق تفحص بياناتنا وطريقة تفكيرنا، سنتمكن من تطوير أسئلة عظيمة وطرحها كي تتيح لنا اتخاذ القرارات بثقة أكبر في ظل حالة الغموض.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي