بحث: كلية إدارة الأعمال تؤثر في كيفية اتخاذ الطلاب القرارات مستقبلاً

5 دقائق

يتمثّل الهدف الأسمى لمعظم كليات إدارة الأعمال في تدريب قادة المستقبل على القيادة. لكن ثمة سؤالاً مفتوحاً يتعلق بكيفية تلبية الكليات هذا الهدف، ومدى تأثير تدريسها في القيادة التي يمارسها طلابها. فهل يشكّل تعليم إدارة الأعمال عقول الطلاب وسلوكياتهم بعد سنوات عديدة، عندما يصلون إلى مراكز صنع القرار في الشركات والمؤسسات المالية الكبرى؟

نستكشف الأجوبة عن هذا السؤال من خلال النظر في قرارات الرؤساء التنفيذيين حول تنوع الشركات على مدى العقود الثلاثة الماضية. واخترنا دراسة التنوع لأن علماء إدارة الأعمال غيروا وجهات نظرهم بشكل جذري حول هذا الموضوع خلال هذه الفترة، ما يسمح لنا بمعرفة ما إذا غير الطلاب رأيهم نتيجة لما تعلموه.

حتى الستينيات من القرن العشرين، نظر العلماء إلى التنوع كاستراتيجية قيمة. وكان أحدهم كينيث أندروز، الذي نشر مفهوم استراتيجية العمل في كلية هارفارد للأعمال. في العام 1951 كتب في مجلة هارفارد بزنس ريفيو يقول: "جرى إنجاز التنوع الهادف للشركات الأميركية بأمل تحقيق مزيد من الاستقرار في التنظيم والأرباح، وزيادة الكفاءة في استخدام موارد الشركات وتحقيق عائد اقتصادي أكبر من عمليات التسويق أو عوائد أكبر من استغلال الفرص غير المتوقعة والظروف الاقتصادية الخاصة".

وتغير التفكير في التنوع في ما بعد، وتحول إلى شكوك في السبعينيات وانتقادات صريحة في الثمانينيات. وعكس هذا تحولاً أوسع في تعليم إدارة الأعمال، كما وصفه راكيش كورانا بدقة في كتابه "من الأهداف العليا إلى الأيدي المستأجرة" (From Higher Aims to Hired Hands)، إذ أصبح الاقتصاد المالي هو المجال المهيمن في كليات إدارة الأعمال في السبعينيات. وأصبحت نظرية الوكالة (Agency theory)، على وجه الخصوص، نموذجاً سائداً هيمن على كل من الأكاديميات والممارسات.

في المقالات التي جرى الاستشهاد بها في هارفارد بزنس ريفيو، طرح مايكل جنسن، عضو هيئة التدريس في كلية هارفارد للأعمال، وأكبر منظري نظرية الوكالة، انتقادات قاسية للتنوع كمثال رئيس على الانتهازية الإدارية على حساب ثروة المساهمين. ومن خلال بحثه الأكاديمي وتدريسه في كلية هارفارد للأعمال، أصدر جنسن العقيدة المالية الجديدة التي حضت مدراء الشركات على تجنب التنوع والتركيز بدلاً من ذلك على الكفاءات الأساسية للشركات.

وفي حين ظهرت نظريات وأدلة ضد التنوع في السبعينيات، ظل التنوع قائماً بشكل جيد في العديد من الشركات في الثمانينيات. وسعى بحثنا لشرح سبب البطء الشديد في انخفاض التنوع بين الشركات الأميركية. ونعتقد أن ذلك يرجع إلى أن استراتيجية الشركات تعكس وجهات نظر كبار صانعي القرارات، وبالتالي فإن التغيير في الاستراتيجية يأتي من التغييرات في هذه الآراء أو من مجموعة جديدة من صناع القرار - وكلاهما يمكن أن يتخلف عن تعاليم كليات إدارة الأعمال.

فكر في الأمر: استغرق طلاب الماجستير في إدارة الأعمال الذين استوعبوا وجهة نظر متشائمة حول التنوع في السبعينيات والثمانينيات 20 إلى 30 سنة لتسلق التسلسل الهرمي للشركات، والحلول محل الرؤساء التنفيذيين في الشركات الأميركية الكبرى، وفرملة التنوع.

ولاختبار حجتنا، جمعنا بيانات عن 2,031 رئيساًً تنفيذياً أداروا 640 شركة أميركية كبيرة من العام 1985 إلى العام 2015. كما جمعنا معلومات من مصادر أرشيفية مختلفة، بما في ذلك أدلة الشخصيات البارزة أو "الأعلام" (Who’s Who) التي يصدرها "ماركوس" (Marquis) وقوائم بلومبرغ "للمهارات والسير الذاتية للرؤساء التنفيذيين" (Executive Profile & Biography)، عن خلفيتهم التعليمية، مثل الكليات التي التحقوا بها للحصول على الماجستير في إدارة الأعمال وأعوام تخرجهم.

في عينة الدراسة، كان حوالي 20% من الرؤساء التنفيذيين في الثمانينيات حاصلين على الماجستير في إدارة الأعمال، وخلال الثمانينيات والتسعينيات ازدادت النسبة بشكل ثابت إلى 33% ، وبقيت النسبة كذلك خلال العقد الأول من القرن العشرين. وقسمنا العينة إلى ثلاث مجموعات من الرؤساء التنفيذيين: الذين حصلوا على الماجستير في إدارة الأعمال قبل العام 1970، وأولئك الذين تخرجوا بالشهادة نفسها في السبعينيات، وأولئك الذين فعلوا ذلك بعد العام 1980 - ودرسنا ما إذا كانت هذه المجموعات اتخذت خيارات استراتيجية مختلفة حول التنوع في الشركات.

وهذا ما تبين لنا: مقارنة بالرؤساء التنفيذيين الذين لم يحصلوا على الماجستير في إدارة الأعمال، مال الرؤساء التنفيذيون الذين حصلوا عليها قبل السبعينيات بزيادة نسبتها 17% إلى طلب التنوع في مرحلة ما خلال توليهم مهامهم. وفي وقت لاحق، كانت المجموعات اللاحقة من الرؤساء التنفيذيين، أولئك الذين حصلوا على الماجستير في إدارة الأعمال في السبعينيات، والذين حصلوا عليها بعد ذلك، أقل ميلاً إلى طلب التنوع مقارنة بنظرائهم غير الحاصلين على الشهادة وذلك بنسبة 24% و30% على التوالي.

لنلق نظرة على أحد الأمثلة من بياناتنا. توضح حالة شركة "بريستول مايرز سكويب" العلاقة بين وجهات نظر كلية إدارة الأعمال حول التنوع وقرارات الرؤساء التنفيذيين فيما بعد في شأن التنوع. كرئيس تنفيذي منذ العام 1972 إلى العام 1994، تولى ريتشارد غيلب (خريج كلية هارفارد للأعمال في العام 1950) الإشراف على عملية استحواذ "بريستول مايرز" على "سكويب" وحوّل الشركة من شركة لمنتجات الرعاية الشخصية إلى شركة عملاقة متنوعة تعمل في صناعة الأدوية. وتغير ذلك بعد تولي بيتر دولان (خريج كلية دارتموث في العام 1980) زمام الشركة في العام 2001. كرئيس تنفيذي، اتبع دولان وصفة نظرية الوكالة التي جرى تدريسها في كليات إدارة الأعمال في أواخر السبعينيات، وأعاد تركيز أعمال شركته في شكل شبه حصري على الأدوية.

وعلى الرغم من أننا نسيطر إحصائياُ على العديد من العوامل المؤثرة الأخرى، مثل خصائص الشركة وسمات الرئيس التنفيذي والعوامل ذات الصلة بالقطاع الصناعة، لا يمكننا التأكد من أن النتائج التي توصلنا إليها تكشف الأثر السببي الدقيق للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال. فربما أن هناك عوامل غير معروفة قادت إحدى الشركات إلى تعيين رئيس تنفيذي حائز على الماجستير في إدارة الأعمال ثم اتخذ قرارات التنوع بصفته الرئيس التنفيذي للشركة. لذلك سيكون من الصعب القول بشكل قاطع إن التعلم بهدف الحصول على الماجستير في إدارة الأعمال وحده يحدد قرارات الرئيس التنفيذي.

ولمعالجة هذا القلق، أجرينا تحليلاً إضافياً. في بياناتنا، تخرج ربع الرؤساء التنفيذيين الذين حصلوا على الماجستير في إدارة الأعمال من كلية هارفارد للأعمال، حيث درّس جنسن نظرية الوكالة بدءاً من العام 1985. ونظراً إلى دوره المرتفع في جعل نظرية الوكالة نظرية شعبية، كنا نتوقع أن يكون لمتابعة دروسه أثر دائم على آراء الطلاب حول التنوع. وباستخدام حالات خريجي كلية هارفارد للأعمال فقط، وجدنا أن الرؤساء التنفيذيين الذين التحقوا بالكلية بعد انضمام جنسن إليها كانوا أقل ميلاً بنسبة 83% تقريباً للانخراط في التنوع من أولئك الذين التحقوا بالكلية قبل ذلك. كذلك قارننا الرؤساء التنفيذيين الذين تعلموا في كلية هارفارد للأعمال بالرؤساء التنفيذيين الذين حصلوا على الماجستير في إدارة الأعمال من كليات أخرى أو لم يحصلوا على الشهادة. ولم يزل للتعلم في كلية هارفارد للأعمال أثر سلبي قوي على التنوع لكن بعد وصول جنسن.

وثمة قضية أخرى درسناها وهي أن لكليات إدارة الأعمال المختلفة مناهج مختلفة. فعلى الرغم من الاتجاه العام عبر الكليات نحو التركيز أكثر على القطاع المالي، كان ثمة اختلاف كبير فيما يجري تدريسه. وفي تحليل إضافي آخر، استخدمنا تصنيفات الأقسام المالية في كليات إدارة الأعمال. وإذا كانت دراسة الاقتصاد المالي الحديث هي عامل حاسم في تغيير وجهات نظر حملة الماجستير في إدارة الأعمال في شأن تنوع الشركات، نتوقع أن نرى الأثر السلبي للتعلم بهدف الحصول على الماجستير في إدارة الأعمال على التنوع واضحاً بالنسبة للرؤساء التنفيذيين الذين تخرجوا من كليات إدارة الأعمال التي تدرس برنامجاً مالياً عالي المستوى. وفي الواقع، لوحظ أثر التعلم بهدف الحصول على الماجستير في إدارة الأعمال في السبعينيات أو بعدها فقط لدى الرؤساء التنفيذيين الذين تدربوا في واحدة من أفضل 50 كلية لإدارة الأعمال في المجال المالي. قد يوثق البحث المستقبلي كيف سيدير الجيل المقبل من الرؤساء التنفيذيين شركاتهم في الوقت الذي تتحول فيه كليات إدارة الأعمال بما في ذلك كلية هارفارد للأعمال بعيداً عن نظرية الوكالة.

إن النتائج التي توصلنا إليها ذات صلة بأولئك الذين يدرسون في كليات إدارة الأعمال وغيرها من البرامج الاحترافية. وعلى الرغم من أن بعض الأكاديميين يستنكرون مدى ضآلة أثر نظرية الإدارة في ممارسات الأعمال والمجتمع، إلا أن دراستنا تظهر أن لها أثراً على ما يبدو على المدى الطويل.

ولهذا آثاره التي تتجاوز استراتيجية تنوع الشركات. مثلاً، حذر عالم الأعمال الراحل سومانترا غوشال من أن لكليات إدارة الأعمال آثار مباشرة وسلبية على ممارسات الإدارة، ما يساهم في الفضائح التي تشهدها الشركات الكبرى وكذلك في الأزمات الاقتصادية. ومع تزايد عدد الطلاب والعلماء والقادة والنقاد الذين يتأملون الآن في أثر كليات إدارة الأعمال، آن الأوان لأستاذة إدارة الأعمال أن يدركوا مسؤولياتهم بالتحديد ويتحملونها. فما يعلمونه مهم، ويتجلى أثره على المجتمع بصورة واضح فقط بعد مرور عدة سنوات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي