تتلاحق الأخبار المتواترة بشأن تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ويحاول الجميع اتخاذ قرارات بشأن كل شيء بدءاً من التفكير في إلغاء الرحلات الترفيهية إلى محاولة إيجاد أفضل طريقة لحماية أنفسهم ومجتمعاتهم، وهناك العديد من الأسباب النفسية التي من شأنها أن تصعّب عليك عملية اتخاذ القرار في الأزمات.
الأمور التي تؤدي إلى صعوبة اتخاذ القرار في الأزمات
أولاً، ثمة تهديد قائم يلوح في الأفق، فالمرض يشكل خطراً حقيقياً، ويتساقط ضحاياه ويتفشى بوتيرة متسارعة في مختلف أنحاء العالم لدرجة أننا بتنا نسمع عنه أخباراً جديدة كل يوم، وتجذب مثل هذه الأخبار انتباهنا بصورة تتجاوز المخاطر البعيدة مثل التغير المناخي لأن البشر مجبولون على الانتباه للمخاطر الماثلة أمامهم.
ثانياً، ثمة حالة من الغموض حول تفشي الفيروس، فكم عدد الأشخاص المصابين به؟ وما سرعة انتشاره بين المجتمعات؟ وكم عدد الأشخاص الذي سيصابون به في نهاية المطاف؟ وعندما يتعلق الأمر بالتوقعات المستقبلية، فإننا نجيد فهم الاتجاهات الخطية، بينما لا نجيد فهم الاتجاهات التي تنطوي على نمو متسارع مثل الدالة الأسية، ففي بداية ظهور الفيروس يكون هناك القليل من الحالات، ولكن لا تلبث هذه الحالات أن تتزايد بسرعة هائلة، كما أن حالة الغموض التي تسيطر على الجميع تؤدي إلى ازدياد انتباهنا للمرض.
اقرأ أيضاً: كيف تجعل عملية صنع القرار عملية ممنهجة في ظل الرقمنة والأزمات؟
ثالثاً، أننا جميعاً لا نمتلك سوى قدر ضئيل من السيطرة على هذا الفيروس، فليس بوسعنا إلا اتباع بعض الإجراءات، مثل غسل اليدين وتجنب ملامسة وجوهنا والالتزام بالتباعد الاجتماعي، ولكن هناك العديد من الجوانب التي تخرج عن حدود سيطرتنا في هذا الموقف. والإنسان بطبيعته لا يحب أن يوضع في المواقف التي يفتقر فيها إلى السيطرة، لأن ذلك يثقل كاهله بمخاوف إضافية إلى جانب القلق الناتج عن الرغبة في فعل شيء ما من أجل استعادة السيطرة.
أخيراً، ترتبط جميع محاولات السيطرة على انتشار الفيروس أصلاً بالوقاية، وهذا يعني أنه إذ كُلِّلت هذه المحاولات بالنجاح، فلن يصاب البعض بالعدوى، ولكننا لا نمتلك للأسف القدرة على فرض حالة السيطرة التي تُتخذ فيها مثل هذه التدابير، ونتيجة لذلك من الصعب معرفة الإجراءات والبرامج التي من شأنها أن تؤدي إلى القضاء على المرض.
تؤثر هذه العوامل الأربعة كلها في سلوكياتنا وقراراتنا، إذ يفضي بنا الشعور بكل من الخطر والغموض والقلق إلى اتخاذ قرارات قصيرة النظر.
عندك مثلاً حالة الغموض التي تجعلنا نتطلع بشدة إلى الحصول على المزيد من المعلومات، لذا يقضي الكثيرون منا وقتاً طويلاً في البحث عن آخر مستجدات الفيروس ومدى انتشاره. من الجيد أن نكون مطّلعين، ولكننا نعلم أن متابعة الأخبار السلبية تسبب حالة من التوتر النفسي والتشتت الذهني.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن للرؤساء التنفيذيين القيادة بإيثار في أوقات الأزمات؟
وبالمثل، فإن الافتقار إلى التحكم يدفعنا إلى البحث عن التدابير التي من شأن اتخاذها أن يشعرنا بمزيد من السيطرة. وقد أخذ ذلك في البداية شكل شراء معقم اليدين والكحول المطهّر، وإن كان شراء هذه المنتجات أمراً منطقياً بعض الشيء، حيث يمكننا استخدامها في تعقيم أنفسنا وتطهير الأسطح التي قد تؤدي إلى انتشار الفيروس، ولكن بمجرد أن يتضاءل مخزون هذه المواد، نظل رهن الشعور بأننا في حاجة إلى استعادة بعض السيطرة، وبالتالي يزداد إقبالنا على شراء مناديل المرحاض والمناشف الورقية وزجاجات المياه المعدنية، ولعل شراء هذه المنتجات أقل منطقية من الأولى (ولم ينصح بها الخبراء بكل تأكيد)، ولكن يظل بإمكانها التخفيف من حدة قلقنا من خلال إشعارنا بأننا قد فعلنا شيئاً ما حيال الأمر.
يتسرع البعض في اتخاذ القرارات الخاصة بالأمور المالية أيضاً بدافع إحساسهم بالقلق، فمع الانخفاض الحاد لمؤشرات البورصة الرئيسية بنسبة 20% في الأسابيع الأولى من شهر مارس/آذار، تولد لدى البعض شعور ملح بأن عليهم بيع أسهمهم (واتضح أن الكثيرين فعلوا ذلك)، بيد أن هذا السلوك يؤدي إلى بيع أسهم شركات قد تكون خاسرة على الورق في الوقت الحاضر ولكنها تستطيع تعويض خسائرها في المستقبل (بالنظر إلى أداء سوق الأسهم في الماضي)، حيث نميل جميعاً إلى اتخاذ قرار سريع، ولو كان الإحجام عن اتخاذ أي إجراء هو الإجراء الأكثر حصافة.
فكيف لك إذاً اتخاذ قرارات سديدة في مواجهة هذه العوامل النفسية؟ عليك بالتمهُّل والتروِّي، فهذه هي الطريقة المثلى لإسكات صافرة الإنذار التي تحثك على اتخاذ إجراء، لأن الذعر يدفعنا إلى اتخاذ إجراء فوري تجنباً للخطر المحدق بنا، ولكن معظم الإجراءات التي قد تتخذها وأنت في هذه الحالة ستفتقر إلى الحكمة في مواجهة الوباء المحتمل.
اقرأ أيضاً: اتخذ القرارات الصحيحة الآن بخصوص موظفيك لتزدهر بعد الأزمة
يتيح لك التمهُّل إمكانية الاستدلال المتأني بالبيانات المتداولة للتأثير في نتائجك، وهو ما أسماه كل من كيث ستانوفيتش وريتشارد ويست بـ "النظام 2" في نهج النظم المزدوجة للعقل. تتوافر الآن الكثير من المعلومات عن الفيروس وكيفية التعامل معه، فخذ ما يكفيك من الوقت لقراءتها واستيعابها قبل الإقدام على اتخاذ قرارات مصيرية تمس حياتك الشخصية والعملية. وهناك العديد من الإجراءات التي ينبغي للجميع اتخاذها خلال الأسابيع والشهور المقبلة، ولكن لا بد أن تستند قراراتك إلى التروي ودراسة البيانات دراسة متأنية ومناقشة الخبراء، واحذر أن تتأثر قراراتك برد فعل متسرع على عنوان صحفي أو تغريدة على تويتر.
تنطبق القاعدة نفسها على المواقف التي تتطلب الإحجام عن اتخاذ أي إجراء، عندما يكون من الأفضل البقاء في وضع الاستعداد وانتظار المزيد من البيانات. ويعتبر "النظام 1" الذي وضعه ستانوفيتش وويست نظام استدلال سريع وبديهي يستجيب لحالتك التحفيزية الحالية، وعادة ما تكون هذه الأحكام السريعة متحيزة تجاه اتخاذ إجراء، ومن ثم لا بد لك من التمهل والتروي حتى تتأكد من أن هذه الاستجابات السريعة لها ما يبررها فعلاً.
كل هذا يعني أنه يحسُن بك في أوقات الأزمات الوجودية التي تشهد بطئاً (نسبياً) في معدلات النمو كما هو الحال عند تفشي الأوبئة أن تأخذ وقتك كاملاً قبل الإقدام على اتخاذ القرارات بدلاً من الاعتماد على المشاعر والأحاسيس، فربما تقلل هذه الإجراءات السريعة من شعورك بالقلق بعض الشيء على المدى القصير، ولكنها ستتسبب على الأرجح في حدوث مشكلات أكبر من تلك التي تحلها.
اقرأ أيضاً: