حين يقيّم المستهلك منتجاً أو خدمة ما، فإنه يقوم بمقارنة القيمة المفترضة لهذا المنتج أو تلك الخدمة بالسعر الملصق عليها. ولطالما وجّه خبراء التسويق معظم وقتهم وجهدهم لإدارة الجانب المتعلق بالسعر من هذه المعادلة، ذلك لأن زيادة السعر قد تزيد من الأرباح بشكل مباشر. ولكن، هذا هو الجانب اليسير في القضية؛ فتحديد الأسعار لا يتطلب سوى إدارة مجموعة صغيرة من الأرقام، وقد تطورت آليات التحليل والاستراتيجيات التي تساعد في ذلك.
أما ما يقدّره المستهلك حقاً فقد يكون من الصعب تحديده، كما أنه مطلب معقد على المستوى النفسي. فكيف يمكن لفرق القيادة أن تدير القيمة بشكل فعال أو أن تجد سبلاً لتعظيمها، سواء على الصعيد العملي (توفير الوقت، خفض التكلفة) أو العاطفي (الحد من القلق، توفير المتعة)؟
إن عملية تحليل الاختيار المنفصل (Discrete Choice Analysis)- والتي تحاكي الطلب على توليفات مختلفة من سمات المنتج، والتسعير، وغيرها من العناصر- وسواها من آليات البحث المشابهة، هي أدوات فعالة ومفيدة، ولكنها مصممة لاختبار ردود فعل المستهلك على مفاهيم مسبقة عن القيمة، وهي مفاهيم يتعامل معها المدراء باستمرار. أما وضع مفاهيم جديدة فيتطلب البحث عن جوانب أخرى قد تكون ذات قيمة لدى الناس.
إنّ مقدار وطبيعة القيمة الموجودة في منتج أو خدمة ما تعتمد دوماً على رؤية المستهلك بطبيعة الحال. ولكن ثمة عناصر أساسية وعامة للقيمة من شأنها خلق فرص للشركات لتحسين أدائها في الأسواق التي تعمل بها أو الدخول إلى أسواق جديدة. إن وجود نموذج دقيق للقيمة المدركة لدى الزبون، تتيح للشركة أن تبتكر توليفات جديدة للقيم التي بوسع المنتجات والخدمات تقديمها. وتشير التحليلات التي أجريناها إلى أن التوليفات الملائمة تزيد من ولاء المستهلك، كما ترفع من قابليته ليجرب علامة تجارية جديدة، وتحقق نمواً مستداماً للأرباح.
وقد قمنا بتحديد ثلاثين عنصراً من "عناصر القيمة"- وهي خواص أساسية بأشكالها الجوهرية والمنفصلة (انظر الملحق "هرم عناصر القيمة"). تتوزع هذه العناصر على أربع فئات: عناصر عملية، وعناصر عاطفية، وعناصر لها القدرة على تغيير نمط الحياة، بالإضافة إلى عناصر الأثر الاجتماعي. بعض العناصر ذات تركيز على الجوانب ذاتية، حيث تعنى باحتياجات المستهلك الشخصية بالدرجة الأولى. فالعنصر المتعلق بإحداث التغيير في الحياة، وهو الحماسة، هو جزء جوهري من منتجات شركة "فيتبيت" (Fitbit) الخاصة بتسجيل النشاط الرياضي. وهنالك عناصر أخرى تركّز على الجانب الخارجي، إذ تساعد المستهلك على التفاعل مع العالم الخارجي أو استكشافه. إن العنصر العملي الخاص بالتنظيم هو أمر أساسي في شركة كونتينر ستور التي تبيع منتجات للتخزين، وشركة إنتويت تيربو تاكس التي تساعد المستخدم على حساب ضرائبه، لأن كلتا الشركتين تساعدان المستهلكين على التعامل مع الأمور المعقدة في حياتهم.
لا نأخذ في البحث الذي أجريناه بظاهر ما يقوله المستهلك بخصوص أهمية سمة من سمات المنتج، وإنما نعمدُ إلى التنقيب عما يكمن خلف هذا الرأي. فعلى سبيل المثال، لو قالت عميلة ما إن البنك الذي تتعامل معه يوفر "السهولة" في المعاملات، فإن هذه القيمة نابعة من توليفة لبعض العناصر العملية، كتوفير الوقت، وتجنب الإرباك، وبساطة الإجراءات، والحد من الجهد المبذول. وحين يتحدث شخص يمتلك كاميرا من طراز لايكا قيمتها 10 آلاف دولار أمريكي عن جودة هذه الكاميرا والصور التي تلتقطها، فسنجد عنصراً يتعلق بإحداث التغيير في نمط الحياة، وهو تحقيق الذات، نابع من الشعور بالفخر لامتلاك كاميرا يستخدمها مشاهير المصورين منذ قرن من الزمن.
لقد تمكنا بفضل ما لدينا من خبرات تزيد عن ثلاثين سنة من القيام بالأبحاث الخاصة بالمستهلك، ومراقبة نمط سلوكه لصالح عملائنا من الشركات من تحديد ثلاثين سمة أساسية، توصلنا إليها عن طريق عشرات الدراسات الكمية والنوعية الخاصة بالمستهلكين. وقد استخدمنا في العديد من الدراسات آلية المقابلات المشهورة باسم "المقابلة الاستدراجية"، حيث يجري تتبّع تفضيلات المستهلك المبدئية لتحديد الدافع وراءها.
للنموذج الذي نتبعه جذور فكرية تعود إلى "هرم ماسلو للاحتياجات الإنسانية" والذي وضعه عالم النفس أبراهام ماسلو، والذي نشر أول مرة عام 1943. كان طرح ماسلو حين كان عضو هيئة تدريس في جامعة بروكلين، هو أن أفعال الإنسان تنبع من نزعة فطرية لتحقيق احتياجات تتراوح بين الأساسي (الأمن، المأوى، الطعام، الراحة) والمعقد (تقدير الذات، الثقة). ومعظم خبراء التسويق اليوم لديهم معرفة بهرم ماسلو. ولكن عناصر القيمة تتوسع في استخدام أفكار ماسلو من خلال التعامل مع الناس باعتبارهم مستهلكين، حيث يتم وصف سلوكهم تجاه المنتجات والخدمات.
يلزمنا ربما عقد مقارنة سريعة بين طريقة تفكير ماسلو والنموذج الذي لدينا. لقد نظر المعنيون بمجال التسويق إلى الاحتياجات التي حددها ماسلو نظرة هرمية (بالرغم من أن هذه النظرة لا تعود إلى ماسلو نفسه، وإنما إلى من أتى بعده من شراح نظريته). في أسفل هذا الهرم تأتي الاحتياجات الفيزيولوجية والحاجة للأمن، وفي أعلاه نجد الحاجة لتحقيق الذات وتجاوز الذات. ثمة افتراض شائع بأن الناس لا يملكون تحقيق الاحتياجات في أعلى هذا الهرم حتى يحققوا الاحتياجات الأساسية في أسفل الهرم. أما ماسلو فقد كان له رأي أكثر تعقيداً من هذا، إذ كان يرى إمكان وجود أنماط متعددة من تحقيق الذات. نجد مثلاً أن متسلق الجبال يحقق ذاته بالتسلق على ارتفاع آلاف الأقدام دون استخدام أحبال التثبيت، مهملاً الاعتبارات الأساسية للسلامة.
بالشكل ذاته نجد أن هرم القيمة هو نموذج تجريبي -بمعنى أنه عملي أكثر من كونه مثالياً من ناحية نظرية- حيث تكون النماذج الأكثر فعالية في الأعلى دوماً. ولكي تكون قادراً على تحقيق هذه العناصر العليا، فإن على الشركة أولاً أن تحقق على الأقل بعض العناصر العملية المطلوبة في فئة معينة من المنتجات. والواقع هو أن هناك العديد من التوليفات من مختلف العناصر في المنتجات والخدمات الناجحة في عالمنا اليوم.
معظم هذه العناصر موجودة منذ قرون عديدة، مع أن مظاهرها قد تبدلت مع مرور الزمن. فقيمة "التواصل" مثلاً كان يقدمها الرسل الذين ينقلون الرسائل مشياً على الأقدام، ثم بدأ استخدام الخيول، ومن ثم التليغراف، وبعده رسائل الكبسولات، ثم الهاتف، وبعده الإنترنت، والبريد الإلكتروني، ثم ظهر إنستغرام وتويتر وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي.
وتتباين أهمية عناصر القيمة بتباين القطاع الذي تظهر فيه والثقافة والعوامل الديموغرافية. فقد نجد مثلاً أن عنصر "الحنين" أو "التكامل" قد لا يعني الكثير لصغار المزارعين في الدول النامية، ولكنهم سيُظهرون اهتماماً أكبر بعنصر "الحد من المخاطر" أو "زيادة الدخل". أضف إلى ذلك أن عنصر "تحقيق الذات" قد كان عبر التاريخ بعيد المنال بالنسبة لمعظم المستهلكين، ذلك لأنهم يهتمون أكثر بالحفاظ على البقاء (حتى لو كانوا يجدون ذاتهم في شعائر روحية أو طقوس دنيوية). ولكن أي أمر يوفر الوقت أو يحد من الجهد أو يخفض التكلفة كان يحظى بقيمة أعلى.
زيادة العائدات
من أجل اختبار إمكانية ربط عناصر القيمة بأداء الشركة، وبالتحديد علاقات الشركة بالعميل وزيادة العائدات، قمنا بالتعاون مع مؤسسة "ريسيرش ناو إس إس آي" (Research Now SSI) وهي شركة لجمع البيانات والعيّنات عبر الإنترنت، وذلك لاستبيان آراء أكثر من 10,000 مستهلك أمريكي لخمسين شركة من الشركات الأمريكية. وقد قام كل شخص من المشاركين في الاستبيان بإعطاء تقييم، من واحد إلى عشرة، لكل عنصر من عناصر القيمة في كل شركة قام بشراء منتج أو خدمة منها خلال الأشهر الستة الماضية. وفي حال كان للشركات أقسام منفصلة ذات علامة تجارية معروفة، كالتأمين أو الخدمات البنكية، فقد كنا نعقد مقابلات منفصلة للحديث عن هذه الأقسام. ثم قمنا بالنظر إلى العلاقات بين هذه التصنيفات، باعتبار صافي مؤشر المروجين- وهو مؤشر شائع الاستخدام لتحديد مستوى ولاء العميل والمناصرة- ومستوى نمو العائدات في الشركة في الآونة الأخيرة.
الفرضية الأولى التي وضعناها، هي أن الشركات التي حققت أداءً جيداً في مختلف عناصر القيمة، سيكون ولاء العميل لها أكبر من بقية الشركات، وهذا ما أكده الاستبيان بالفعل. فالشركات التي أحرزت نتائج عالية (حصلت على 8 درجات أو أكثر) في أربعة أو أكثر من عناصر القيمة لدى 50 بالمئة على الأقل من المشاركين في الاستبيان- كما هي الحال في شركة آبل، وسامسونج، وأمازون، حيث حازت هذه الشركات في المعدل ثلاثة أضعاف صافي مؤشر المروجين عن تلك الشركات التي لديها نتيجة عالية واحدة، و20 ضعفاً مقارنة بالشركات التي لم تحرز أي نتيجة مرتفعة. لا شك أنه كلما زادت النتيجة كان ذلك أفضل- علماً أن محاولة وضع كافة العناصر الثلاثين في منتج أو خدمة أمر ليس واقعياً. وحتى في شركة ذات قاعدة ضخمة من المستهلكين مثل شركة آبل، وهي أحد أفضل الشركات التي درسناها أداءً، نجد أنها حققت نتيجة مرتفعة في 11 عنصراً فقط من العناصر الثلاثين. على الشركات إذاً أن تختار العناصر المناسبة لها إستراتيجياً كما سنوضح فيما سيأتي.
أما فرضيتنا الثانية، فهي أن الشركات ذات الأداء الجيد في عناصر متعددة ستحقق أرباحاً بمعدل أسرع من غيرها من الشركات. إن الأداء القوي في عدة عناصر يرتبط بالفعل مع مستوى أعلى وأكثر ثباتاً من نمو العائدات. فالشركات التي حصلت على نتيجة مرتفعة في أربعة عناصر أو أكثر كان النمو في أرباحها في الفترة الأخيرة أكبر بأربعة أضعاف من الشركات الأخرى التي كانت لها نتيجة مرتفعة في عنصر واحد فقط. والظاهر أن الشركات الناجحة تدرك كيف تجري المقارنة مع المنافسين وقد اختاروا بطريقة منهجية عناصر جديدة، ليحصل عليها المستهلك مع مرور الوقت (رغم أن معظم هذه الشركات لم تستخدم النموذج الذي نتبعه نحن).
قمنا بعد ذلك بالنظر فيما إذا كان بوسع عناصر القيمة أن تفسر النمو المذهل في حصة السوق لبعض المتاجر التي تعتمد حصراً على التسوق الإلكتروني. وقد ثبت هذا كذلك بالدليل العملي. فشركة أمازون على سبيل المثال حققت نتائج عالية في ثمانية عناصر أغلبها عملية، مما يوضح قوة إضافة القيمة لمنتج أساسي. فقد اختارت الشركة سمات المنتج التي تتسق إلى حد كبير مع تلك التي في نموذجنا، كما فعلت على سبيل المثال عندما أطلقت أمازون برايم عام 2005، حيث كان تركيز الشركة بدايةً على تقديم عنصري "الحد من التكلفة" و"توفير الوقت" وذلك عبر توفير خدمة توصيل غير محدودة خلال يومين مقابل 79 دولاراً سنوياً. ثم وسّعت الشركة خدمة برايم، لتشتمل على خدمة بث المواد السمعية والمرئية (توفير إمكانية الوصول وتقديم المتعة/التسلية)، بالإضافة إلى سعة تخزين غير محدودة على خوادم شركة أمازون (الحد من المخاطر)، وغير ذلك من السمات. كل عنصر جديد جذب مجموعة كبيرة جديدة من العملاء، وساعد على وضع خدمات أمازون في مكانة تتجاوز مجرد كونها سلعة. فقد اخترقت خدمة أمازون برايم قرابة 40 بالمئة من السوق الأمريكية، وصارت شركة أمازون من أقوى الشركات من ناحية القيمة المدركة لدى المستهلك. وقد أتاح ذلك للشركة أن ترفع من الرسوم السنوية لأمازون برايم إلى 99 دولاراً في العام 2015، وهي زيادة كبيرة بكل المعايير.
أنماط القيمة
كي نتمكن من مساعدة الشركات في التفكير بخصوص إدارة جانب القيمة من المعادلة بشكل مباشر أكثر، كان علينا أن نفهم كيف تُتَرجم العناصر إلى أداء ناجح في مجال الأعمال. هل بعض العناصر أكثر أهمية من سواها؟ هل يجب أن يكون التنافس بين الشركات على مستوى الجزء العلوي من هرم الاحتياجات أو قريباً منه كي تحرز النجاح؟ أم هل يسعُها النجاح إن تميزت على صعيد العناصر العملية وحسب؟ ما القيمة التي يراها العميل في الشركات التي تقدم خدمتها عبر الإنترنت مقابل شركات البيع عبر قنوات متعددة؟ لقد استخدمنا البيانات وتوصلنا إلى معرفة ثلاثة أنماط من نشوء القيمة.
بعض العناصر أهم من غيرها. وجدنا في كافة القطاعات التي درسناها أن الجودة المدركة تؤثر على مستوى مناصرة العميل للمنتج أكثر من أي عنصر آخر. أي لا بد أن تحقق المنتجات والخدمات حداً أدنى معيناً من الجودة، ولا يمكن لأي عنصر آخر أن يعوض الخلل الموجود على مستوى هذا العنصر.
أما ما سوى الجودة من عناصر، فأهميتها تختلف من قطاع إلى آخر. ففي مجال الأطعمة والمشروبات نجد، بطبيعة الحال، أن عنصر "الجاذبية الحسية" يأتي تقريباً في الدرجة الثانية. أما في قطاع الخدمات المصرفية فعنصر "تأمين الوصول للخدمات" و "المنفعة للورثة" (الاستثمار الجيد للأجيال القادمة) هما العنصران الأكثر أهمية. (انظر الملحق "أي عناصر القيمة أكثر أهمية؟"). إن عنصر "المنفعة للورثة" في واقع الأمر بالغ الأهمية في مجال الخدمات المالية عموماً، وذلك نظراً للرابط بين المال وتوريثه. أما في قطاع الهواتف الذكية، فنجد أن جاذبيتها الكبيرة تعود إلى العناصر المتعددة من القيم التي توفرها هذه الأجهزة للعميل فهي تحد من الجهد، وتوفر الوقت، وتربط بين الناس، وتحقق التكامل، وتقدم التنوع كما توفر المتعة والتسلية، وتوفر إمكانية الوصول، بالإضافة إلى القدرة على التنظيم. ولذلك نجد أن الشركات المصنعة لهذه الأجهزة، مثل أبل وسامسونج وإل جي حصلت على أعلى التقييمات من بين كافة الشركات التي درسناها.
يرى العملاء أن الشركات الرقمية تقدم قيمة أعلى. إن الشركات الموثوقة التي تقدم المنتجات أو الخدمات عبر الإنترنت تجعل العمليات التي يؤديها العميل أكثر سهولة وملاءمة. ولذا نجد أن الشركات الرقمية في طليعة الشركات التي حصلت على تقييم مرتفع في عنصري توفير الوقت وتجنب الإرباك. فقد حصلت شركة زابوس (Zappos) للتسوق الإلكتروني على ضعف الدرجة التي أحرزتها شركات أخرى تقليدية في هذين العنصرين وثمانية عناصر أخرى، متفوقة بشكل كبير على سواها من الشركات التقليدية. هنالك أيضاً شركة نتفليكس والتي حصلت على درجة أعلى من سواها في عنصر تنوع الخيارات، مما يعكس لنا نجاح هذه الشركة في إقناع العملاء، دون الحاجة لأي دليل موضوعي، بأنها تقدم مجموعة أكبر من الأفلام والمسلسلات.
ما تزال المتاجر التقليدية قادرة على التفوق في بعض العناصر. تتفوق المتاجر ذات قنوات البيع المتعددة على مستوى العنصر العاطفي والتجربة التي تغير نمط الحياة. فهذه المتاجر أكثر قدرة من المتاجر التي تعتمد البيع عن طريق الإنترنت، على تحقيق نتائج عالية في عناصر قيمة الشعار، والجاذبية، والانتماء للمنتج. كما يميل العميل الذي يحصل على المساعدة من الموظفين في هذه المتاجر إلى منحها تقييماً أعلى. بل ويمكن القول أن العناصر العاطفية قد ساعدت بعض المتاجر التقليدية على الاستمرار في عملها.
أضف إلى ذلك أن صافي مؤشر المروجين في الشركات التي تحرز درجات عالية على مستوى العناصر العاطفية أعلى، في المعدل، من الشركات التي تتفوق على مستوى العناصر العملية. وهذه الملاحظة تتوافق مع تحليل باين السابق والذي يُظهر أن التقنيات الرقمية تسبّب بعض التحولات في الأعمال التقليدية، وأنها لا تؤدي إلى سحقها. فالتداخل بين قنوات البيع التقليدية والرقمية، يجعل الشركة أقوى مما لو اعتمدت على قناة بيع واحدة. وهذا ما يفسر جزئياً سبب توجه بعض شركات البيع الإلكتروني نحو الاستثمار في افتتاح فروعٍ على الأرض، كما فعلت بعض المتاجر مثل واربي باركر وبونوبوز. تدل هذه الأنماط على وجود طرق متعددة لتحقيق النجاح عبر تقديم أشكال مختلفة من القيمة للعملاء. لقد حققت شركة أمازون التميز على مستوى العناصر العملية في سوق كبيرة، كما تميزت شركة آبل في أحد عشر عنصراً من عناصر القيمة في هرم الاحتياجات، وبعضها من أعلى هذا الهرم، مما يتيح للشركة أن ترفع من أسعارها. هنالك أيضاً شركة تومز (TOMS) والتي تتميز في أربعة عناصر، أحدهما هو "تجاوز الذات"، ذلك لأن الشركة تتبرع بحذاء للمحتاجين مقابل كل زوج حذاء يشتريه الزبون، وهذه استراتيجية تجذب فئة معينة من الناس الذي يهتمون بالتبرع للآخرين.
كيف نحقق الاستفادة من هذه العناصر
هذه الأنماط مثيرة بحد ذاتها، وهي توضح كيف تمكنت الشركات من التعامل مع الأزمات التي طرأت في مجال عملها. ولكن يلزم على أية حال أن تثبت هذه العناصر فائدتها في مواجهة التحديات في مجال الأعمال، وخاصة فيما يتعلق بزيادة الأرباح. بوسع الشركات أن تعزز العناصر التي تمثل القيمة الجوهرية لها، وهذا ما يساعدها على التميز على المنافسين الآخرين والوفاء باحتياجات العملاء بشكل أفضل. كما يمكن للشركات أن تضيف بعض العناصر الأخرى، لتوسيع مدى القيمة فيها من دون الاضطرار إلى التغيير الكامل على منتجاتها أو خدماتها.
وقد بدأت الشركات باستخدام نموذجنا بالعديد من الطرق العملية، بحيث نمت لدى الموظفين ذهنية "البحث عن القيمة". ومع أن العديد من رواد الأعمال الناشئين يجدون بذكائهم سبلاً لتقديم القيمة للعملاء كجزء من عملية الابتكار التي لديهم، ولكن هذا الأمر يصبح أصعب عندما تحقق الشركة النمو. إن قادة معظم المؤسسات الكبيرة يقضون وقتاً أقل مع العملاء، ويصيب عملية الابتكار شيءٌ من العقم عادة. وهنا يأتي دور هذه العناصر لتساعدهم في تحديد قيمة جديدة لتقديمها للعملاء.
قامت بعض الشركات بتحسين تصاميم منتجاتها لتزيد عناصر القيمة فيها. فشركة فانغارد (Vanguard) على سبيل المثال، أضافت منصة شبه أوتوماتيكية ومنخفضة التكاليف لتقديم التوجيهات للعملاء، وصار ذلك جزءاً أساسياً من خدماتها الاستثمارية، وذلك في محاولة من الشركة لتزويد العميل بكل ما يحتاج من المعلومات، مما يساعد في العديد من الحالات على الحد من المخاطر. وقد عمدت شركة لتصنيع المنشار الكهربائي والتي شعرت بعدم وجود ما يميزها عن المنافسين إلى استخدام عناصر القيمة لتحديد السبل التي ستجعل منتجاتها متميزة في السوق. لقد ركزت هذه الشركة على عنصر الجودة (والتي تبرز من خلال نتائج استخدام منتجاتها)، وتوفير الوقت، والحد من التكلفة. لقد كان لهذه العناصر الثلاثة أكبر الأثر على رضا العميل وولائه للمنتج، وقد تمكنت الشركة من تحقيق الميزة التنافسية مع الشركات الأخرى.
ثمة شركات أخرى استخدمت عناصر القيمة من أجل تحديد جوانب القوة والضعف في نظر العملاء. تكون البداية بمعرفة العناصر الأكثر أهمية للقطاع الذي تعمل به الشركة، وشكل المقارنة مع المنافسين الآخرين. فإن كان أداء الشركة ضعيفاً في العناصر الأساسية، فإنّ عليها معالجة ذلك قبل السعي لإضافة عناصر جديدة. لقد وجد أحد البنوك الكبيرة أنّه بينما كان يحقّق أداءً جيداً في عنصري "تجنّب الإرباك" و"توفير الوقت"، إلا أنّه لم يحرز نتيجة جيدة في عنصر "الجودة". فقام البنك بإجراء أبحاث مكثّفة للوقوف على السبب الذي يجعل تقييم الجودة فيه ضعيفاً، ثم أطلق مجموعة من المبادرات لتعزيز عمليات الحماية من الاحتيال، بالإضافة إلى تحسين تجربة العميل في تطبيقات الهاتف المحمول الخاصة بالبنك.
تكمن الفائدة التجارية الأكبر لنموذج عناصر القيمة في تطوير أنواع جديدة من القيمة لتقديمها للعملاء. وعادة ما تكون هذه الإضافات في مكانها حين يكون في وسع الشركة تقديمها باستخدام ما لديها من إمكانيّات والاستثمار فيها بشكل معقول، وحين تكون هذه العناصر متّسقة مع اسم الشركة.
في بعض الأحيان يكون اختيار العنصر الجديد أمراً في غاية الوضوح: فشركة أكرونيس وغيرها من شركات البرمجيّات أضافت خدمة التخزين الاحتياطي السحابي، لتعزيز علامة الشركة التي تعد مستخدمي أجهزة الحاسوب بالحدّ من المخاطر. والعنصر الأساسي الآخر في خدمة التخزين السحابي هو "القدرة على الوصول" وذلك لأنّه قد صار بوسع المستخدم الوصول إلى ملفّاته من أي جهاز حاسوب أو حاسوب لوحيّ أو هاتف ذكيّ موصول بشبكة الإنترنت.
ولكن لا يكون الأمر دائماً بهذا المستوى من الوضوح عند إضافة عناصر جديدة. لقد لاحظت شركة للخدمات المالية أنّها في حال تمكّنت من جذب المزيد من العملاء للاستفادة من خدماتها المصرفية، فإنّها قد تكون قادرة على تقديم خدمات التأمين، والاستشارات الاستثمارية، وغيرها من المنتجات. ولكن كيف لها أن تقوم بذلك؟ لقد توصّلت الشركة إلى الإجابة الأنسب بعد الخوض في ثلاث مراحل من الأبحاث النوعيّة تبعتها مرحلة رابعة للبحث الكمّي.
الاستماع الممنهج
قامت شركة باين بإجراء سلسلة من المقابلات مع العملاء الحاليين والمتوقعين في مختلف الولايات الأميركية، وكانت المقابلات فرديّة وجماعية. كان الهدف من هذه العمليّة فهم أولويّات العملاء فيما يتعلّق بالحساب الجاري، إضافة إلى معرفة مواطن انزعاجهم والأمور التي يمكن لهم تجاوزها، وتحديد الأسباب التي تجعلهم يعتمدون على أكثر من مؤسسة للحصول على الخدمات المصرفية.
جلسات "المفاكرة". قمنا بعد ذلك باستخدام العناصر لمعرفة التعديلات التي يستحسنها العميل في عنصر القيمة. لقد ساعدت البيانات التي توفّرت لدى شركة باين من خلال الاستبيان على تحديد العناصر التي كانت تعزّز مناصرة العميل للشركة على مستوى الخدمات المصرفية، ومنها "توفير القدرة على الوصول، والمنفعة للورثة، والحدّ من القلق". هذه المؤشرات، بالإضافة إلى الأبحاث الخاصة بالعملاء، كانت كفيلة بتوجيه جلسات المفاكرة مع فريق المشروع والذي يتألف من جميع الأقسام ذات العلاقة المباشرة بالعملاء في البنك، وليس قسم التسويق وحسب.
لقد جرى التباحث في هذه الجلسات حول العناصر التي يمكن استخدامها لتشكيل نواة الطرح الجديد. فعلى سبيل المثال، كان عنصرا "توفير القدرة على الوصول" و"الربط بين الناس" من العناصر المرغوبة، لأنّ البنك قد يكون قادراً على تأمين الوصول لصناديق ائتمان مشتركة أو ربط العملاء مع موظفي التخطيط المالي. ولكن الفريق قد قرّر في نهاية المطاف أنّه لا يمكن تطبيق أيّ من هذين العنصرين في هذا المجال، ويعود ذلك أساساً لأسباب تتعلق بالتكلفة. وبدلاً من ذلك قرر البنك تطوير اثني عشر مفهوماً تتعلق بالحسابات الجارية تدور حول عناصر الحد من التكلفة، وزيادة الأرباح، والحدّ من القلق. فقد كان الحدّ من التكلفة يشير إلى الرسوم المنخفضة التي يتقاضاها البنك، أما الحدّ من القلق فيشير إلى عمليات التوفير التلقائية. وقد كان هذا العنصر مهمّاً على نحو خاص، وذلك لأنّ معظم العملاء المستهدفين يعيشون على رواتبهم وكانوا يواجهون صعوبة في توفير المال.
تصميم المفاهيم النموذجية المرتكز على العميل. كل مفهوم يوافق عليه فريق المشروع يشتمل على توليفة مختلفة من سمات المنتج، والرسوم، ومستويات خدمة العميل. ويمكن تقديم العديد من هذه المفاهيم الجديدة من خلال تطبيق متطوّر على الهاتف المحمول بوسعه زيادة مستوى انخراط العميل مع البنك. وقد استخدم كافّة العملاء المستهدفين الهواتف المحمولة للخدمات المالية (وهذا يتوافق مع ملاحظاتنا السابقة بخصوص العديد من عناصر القيمة التي توفرها هذه الأجهزة).
وبعدها قامت شركة الخدمات الماليّة بإجراء مقابلات شخصيّة مع العملاء وحصلت على تقييمات سريعة أتاحت لها تصفية النماذج الاثني عشر إلى أربعة فقط لتعزيز القيمة. ثمّ وبالاعتماد على الآراء التي حصلت عليها من العملاء قامت بتنقيحها أكثر في المرحلة الرابعة الكميّة من العملية:
نموذج الاختيار الدقيق. قام فريق المشروع بعد تصميم النماذج الأربعة باختبارها مع آلاف العملاء باستخدام تحليل الاختيار المنفصل والذي يتطلب أن يقوم الناس بسلسلة من الاختيارات الصريحة عند عرض سلسلة من الخيارات الخاصة بالمنتج. وقد بدأ الباحثون بوضع قائمة مفصلة من السمات لكل نموذج -رسوم الصرّاف الآلي، رسوم السحب وكشف الحساب، ومراقبة الائتمان، وساعات خدمة العملاء وغير ذلك. وقد قدموا للمشاركين في المقابلات بعدد من الحسابات الجارية التي تختلف فيما بينها في هذه السمات، وطلب منهم اختيار النموذج من المجموعة التي يفضلونها. وقد جرى تكرار هذه العمليّة عدة مرات، إذ كانت السمات تختلف وفق تصميم تجريبي إلى أن توصل الفريق إلى تحديد التوليفة الأنسب من السمات.
لقد تمّ التوصّل في النهاية إلى خيارين اثنين، وقد أطلقهما البنك في السوق مؤخراً، وسيتمّ استخدام التحليل الديموغرافي للعملاء ومؤشر الزيادة على الطلب لتحديد الفائز النهائي.
نقطة البداية
تؤدي عناصر القيمة عملها على أفضل وجه حين ينظر قادة الشركة إليها باعتبارها فرصة للنموّ ولجعل القيمة أولويّة في الشركة. فيجب على أقل تقدير أن تكون على القدر ذاته من الأهمّية مع إدارة التكاليف، والتسعير، وولاء العملاء. ويمكن للشركات أن تنمّي الانضباط بخصوص تطوير القيمة في بعض الجوانب الأساسية:
طرح المنتجات الجديدة. إنّ نموذجنا قادر على توليد أفكار بخصوص منتجات جديدة أو عناصر إضافيّة لدعم المنتجات القائمة. وقد يتساءل المدير ويقول مثلاً: هل بوسعنا التواصل بطريقة جديدة مع عملائنا؟ هل بوسع عملائنا الاستفادة من استخدام تطبيقات جديدة؟ هل بوسعنا إضافية قيمة شفائيّة لخدماتنا؟
التسعير. ينظر المدراء عادة إلى عملية التسعير بوصفها أحد أهمّ دعامات إدارة الطلب، وذلك لأنّه في حال كون الطلب مستمراً، فإنّ زيادة الأسعار ستحقق زيادة مباشرة في الأرباح. ولكنّ زيادة الأسعار من شأنها التأثير على معادلة القيمة لدى العميل، ولذا فإنّ على أيّ نقاش بخصوص زيادة الأسعار أن يتضمّن إدخال عناصر إضافيّة للقيمة. تذكّر مثلاً كيف قامت أمازون بزيادة الرسوم بحكمة حين كانت قادرة على تسويغ تلك الزيادة خلال فترة من الوقت.
تحديد شرائح العملاء. تمتلك معظم الشركات طريقة معتمدة لتقسيم العملاء وفق عوامل ديموغرافية أو سلوكية، وهذا يوفّر فرصة لتحليل مفهوم القيمة لدى كل مجموعة من أجل تطوير المنتجات والخدمات بما يتناسب مع ذلك.
ويجدر بالمدراء في كلّ مرّة تسنح لهم فرصة لتعزيز القيمة أن ينطلقوا من استبيانٍ للعملاء الحاليين والمحتملين، وذلك لتحديد أداء الشركة فيما يتعلق بالعناصر التي تقدّمها (أو لا تقدّمها). ويجب أن يتعامل هذا الاستبيان مع المنتج والعلامة التجارية، وذلك لأنّ النتائج قد تختلف بين الأمرين. يمكن على سبيل المثال أن يوفّر منتج ما الكثير من القيمة للعميل، ولكنّه في الوقت ذاته يجد صعوبة في الحصول على خدمة أو دعم تقنيّ من الشركة.
وثمّة بعد تنظيميّ أيضاً في عناصر القيمة، فلا بدّ من اختيار شخص في الشركة تكون مسؤوليّته التفكير بالشؤون المتعلقة بالقيمة وإدارتها ومراقبتها. لقد أخبرنا مدير تنفيذي في أحد قنوات التلفاز المدفوعة في معرض حديثه عن النجاح الذي حققته شركة نتفليكس: "لديّ الكثير من الموظفين الذي يعملون على سمات المنتج وتحسين الخدمات، ولكن ليس لديّ أي موظّف مهمّته التفكير بعناصر القيمة المدركة لدى العميل بطريقة شاملة".
يبقى مفهوم القيمة متجذراً في علم النفس، مع أنّ عناصر القيمة قد تجعل هذا المفهوم أقل ضبابيّة وغموضاً. لقد أكّد أبراهام ماسلو على الإمكانات الجريئة والواثقة والإيجابية لعلم النفس. وبإمكان عناصر القيمة أن تساعد المدراء على إضافة القيمة إلى العلامة التجارية والمنتجات والخدمات بطريقة بديعة تمكّنهم من كسب رضا العميل-الحكم الفصل على القيمة.