إليكم هذه القصة التي تتحدث عن عادات العظماء وكيفية اكتسابها، ارتسمت على وجوه الحاضرين الستة حول الطاولة تعابير ليس من المعتاد رؤيتها في غرف الشركات، وتراوحت ما بين الارتباك والحيرة والإحراج التام. هؤلاء الحضور هم موظفون يتميزون بالطموح والنجاح شاركوا في مجموعة تدريب الأقران، بناء على ترشيح مدرائهم لهم لحضور برنامج تطوير القدرات القيادية، وكان سبب مظهرهم غير المعهود هذا، هو التقييم الذي أُنهي للتو والذي يقول إن معظمهم وقع في أزمة تامة في محاولة إدارة وقته وطاقته.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لهاتفك أن يساعدك على اكتساب عادات أفضل؟
وبعد أن تسببت نتائجهم بإهانتهم، كانت المهمة التي أوكلت إليهم على الفور هي تحديد تغيير صغير في إحدى عاداتهم من أجل تحسين وضعهم. وكما هو الحال في عشرات مجموعات التدريب التي أشرفت عليها، وضع المشاركون، الذين يتمتعون بالإمكانات العالية والأداء المتميز ويعانون من ضغط كبير، خططاً طموحة. فالرجل الذي لم يمارس الرياضة قط يتعهد بالذهاب إلى النادي الرياضي لمدة 30 دقيقة يومياً، والمرأة التي تغرق في رسائلها الإلكترونية حتى منتصف كل ليلة تخطط لقضاء ساعة من القراءة الممتعة قبل النوم، والرجل الذي أنهى لتوه وجبة الحلوى الثانية يقسم أنه سيمتنع عن السكر تماماً.
لقد مررنا جميعنا بذلك، عندما نجد أنفسنا في مواجهة مشكلة تتطلب تغيراً في السلوك ننقض عليها بأهداف كبيرة، لنجد أنفسنا فيما بعد عالقين في حلقة مفرغة من الإحباط. فنحن على اعتبارنا مهنيين ناجحين، مبرمجون على استراتيجية "كل شيء أو لا شيء". ولكن الأهداف الكبيرة مرهقة أكثر مما هي محفزة، وهي تتطلب جهداً كبيراً لإنجازها والحفاظ عليها في حياتنا المزدحمة. ويولد العجز عن تحقيق هدف كبير دوامة سلبية من الإحباط الذي يعيق العمل في المستقبل. وبدلاً من السير إلى الأمام نجد أنفسنا ننزلق إلى الوراء.
عظيم أن نرفع سوية أحلامنا، ولكن تحقيق أهداف كبيرة يحتاج إلى البدء بخطوات صغيرة، عبر عادات صغيرة جداً، وهي المكونات الصغيرة للعادات الكبيرة. ستساعدك العادات الصغيرة جداً على إنجاز أهداف كبيرة عن طريق تفكيك العمل الطموح إلى أعمال أصغر وقابلة للإنجاز أكثر على مدى فترات طويلة من الزمن. على سبيل المثال، عندما بدأت عادة الركض، كانت عادتي الصغيرة جداً تتمثل في تجهيز ملابس الرياضة ليلاً، وارتدائها في الصباح قبل فعل أي شيء آخر. وعندما تمكنت من الالتزام بالذهاب إلى النادي الرياضي، كانت العادة الصغيرة التالية هي المشي على جهاز المشي لمدة 10 دقائق كل يوم. وبعد عامين، تمكنت من الجري لمسافة 10 كلم، وهو ما كنت أسعى لتحقيقه على مدى عقدين من الزمن بلا جدوى. وبذلك، تصبح الأهداف الكبيرة قابلة للتحقيق فجأة.
ليست فكرة تنفيذ أهداف كبيرة عن طريق العادات الصغيرة جديدة، فقد ناقشها آخرون وكتبوا عنها فيما مضى، ولكن ما زلنا نعاني من صعوبات في تطبيقها. فنحن قد لُقنّا التفكير بالأهداف الكبيرة من دون تنفيذ الأمور الصغيرة، ونتلقى المكافآت على ذلك دائماً. وقد نشعر بالسخافة إذا قمنا بأمور صغيرة، وسيبدو لنا تخصيص الوقت لها غير مجد، ولذلك نقنع أنفسنا بعدم فعلها منذ البداية.
حتى أن إدخال أي تغيير صغير إلى عاداتنا سيكون أصعب علينا مما نتخيل. وفي الحقيقة، لن تحدث التغييرات السلوكية الكبيرة بين ليلة وضحاها، وإلا لقمنا بها منذ زمن طويل جداً، ولكننا غالباً ما نحط من شأن مقاومتنا للتغييرات الصغيرة أيضاً. فكل تغيير في روتيننا وعاداتنا الراسخة صعب.
اقرأ أيضاً: ولاء المستهلك مُبالغٌ في تقديره ركِّز على العادات بدلاً من الولاء
كيفية اكتساب عادات العظماء
ومن أجل النجاح في إدخال العادات الصغيرة، يجب أن تتمعن فيها ملياً وأن تصمم الخطوات اللازمة كي تضمن استمرارها. تذكر ذلك وفكر بهذه الخطوات الخمس للبدء:
حدد عادة "متناهية في الصغر"
يحتاج المشاركون في ورشتنا عادة إلى ما يتراوح بين ثلاث إلى ثماني محاولات قبل أن يتمكنوا من تحديد أمر صغير بما يكفي ليعتبر عادة صغيرة جداً. وعندما أقول لهم إن القراءة لمدة ساعة كل ليلة هي عادة كبيرة جداً، يجعلون هدفهم القراءة لمدة 45 دقيقة، ثم 30، وهكذا دواليك. فأقول لهم في النهاية: "ستعلمون أنكم وصلتم إلى مستوى العادة الصغيرة جداً عندما تصلون إلى أمر صغير جداً لدرجة أنكم تفكرون أنه غير جدير بالقيام بفعله"، وفي مثالنا، يكون هذا الأمر الصغير هو قراءة فقرة واحدة كل ليلة. في مجموعات التدريب التي نشرف عليها، لا يشاد بالمشاركين إلا عندما يحققون هدفاً بأدنى سقف ممكن، دون أن يتجاوزوه. حدد هدفاً صغيراً.
طبق هذا المبدأ على مهمة يومية
تتمثل فائدة العادات الصغيرة جداً في إمكانية تأديتها كل يوم بأقل قدر من الجهد. ومن الضروري تطبيق العادة الجديدة يومياً كي تصبح عادة طبيعية، وإذا كانت صغيرة بما يكفي لن تشعر برغبة قوية في تأجيلها من يوم إلى آخر. ولكن، مهما كان حجم المهمة، من السهل أن تنشغل عنها وأن تجد أعذاراً لعدم القيام بها أو تنساها من أجل أن تكتسب عادات العظماء تدريجياً، ولذلك يجب أن تقوم بها يومياً في نفس الوقت مع عمل آخر تقوم به بلا تفكير أو بعده مباشرة. أيجب عليك قراءة فقرة كل ليلة؟ يمكنك القيام بذلك وأنت تنظف أسنانك. التأمل لمدة 30 ثانية كل يوم؟ قم بذلك في انتظار آلة إعداد القهوة.
اقرأ أيضاً: من الصّعب التخلّص من العادات القديمة... لكنها تزول في نهاية المطاف
راقب تقدمك
كما يقال، "ما يتم قياسه، يُنجز". مجدداً، إذا كانت عملية القياس طويلة ومفصلة، فلن تكملها ولن تستطيع اكتساب عادات العظماء بشكل فوري. يستخدم كثير ممن أدربهم قائمة تسمى "قائمة نعم" وهي تحتاج إلى 20 ثانية يومياً لإتمامها. اكتب العمل الذي تريد إنجازه، وضع تحت كل تاريخ رمزاً يدل على "نعم" وآخر يدل على "لا"، كي تضع إشارة عليه إذا نفذت المهمة أو لم تنفذها. يكتشف الناس عادة فوائد مفاجئة "لقائمة نعم"، بما فيها تحديد نمط للتقدم أو التراجع في جهودهم.
استمر بثبات لفترة طويلة
من الصعب أن تفكر بأمر صغير تبدأ به، ولكن الالتزام به أصعب. على سبيل المثال، تمثلت العادة الصغيرة جداً لأحمد في القيام بتمرين الضغط مرتين يومياً. وبعد تنفيذها لعشرة أيام متتالية وتسجيلها على "قائمة نعم"، أصبح متلهفاً ليقوم بالمزيد. فقام في اليومين التاليين بخمسة تمارين ضغط، ثم زاد العدد إلى 10 وأضاف 20 دقيقة من التمارين بعدها. فكانت النتيجة المؤسفة، إذ توقف أحمد عن ممارسة التمارين بعد شهرين لأنه وسع أهدافه بصورة غير منطقية بسرعة. يجب أن تثبت على العادة الصغيرة جداً لمدة أسبوعين متتاليين على الأقل قبل أن تشعر بالملل منها، ومن ثم يمكنك زيادتها بنسبة 10% فقط.
اطلب المساعدة في تحميلك المسؤولية
قد يبدو غريباً أن تحضر شريكاً يراقب تأديتك المهمة يومياً، سواء كانت قراءة فقرة أو القيام بتمريني ضغط. ولكن وجود أناس يدعمونك ويحاسبونك سيرسخ السلوك الجديد، كما سيساعدهم في المقابل. يتضمن برنامج القيادة التي ذكرناه آنفاً، اجتماعات مجموعات الأقران مرة كل أسبوعين، حيث يرسل المشاركون تقارير عن عاداتهم الصغيرة جداً أسبوعياً يذكرون فيها عدد الأيام التي نفذوا فيها المهمة أثناء الأسبوع ليُعلموا المجموعة عن التقدم الذي أنجزوه. وعندما لا يتمكن أحد المشاركين من الاستمرار في تنفيذ المهمة، تقدم له المجموعة مساعدة لتحسينها أو معالجة العراقيل التي يواجهها في تنفيذها. إذا لم يكن لديك مجموعة لتدريب الأقران، فلم لا تطلب من مجموعة أصدقاء يتراوح عددهم ما بين الثلاثة والستة ممن يهتمون بالتغيير، أن يبادلوك قوائم "نعم" كل أسبوع. احرص على وجود مجموعة صغيرة من الأصدقاء، وليس شخصاً واحداً، فهذا يؤسس رابطاً أقوى للمساءلة في حال انسحاب أحدهم. تشكل المساءلة البسيطة على عدم تحقيق هدفك الصغير حافزاً لك، حتى ولو عنى ذلك أن تكمل مهمة اليوم قبل التواصل مع المجموعة مباشرة.
اقرأ أيضاً: ماذا تعلمت من ستيفن كوفي مؤلف كتاب العادات السبع؟
عندما تريد تغيير سلوك ما واكتساب عادات العظماء بطريقة صحيحة، سيكون القفز مباشرة إلى هدف كبير مضيعة للوقت. ويجب عوضاً عن ذلك أن تجري تعديلات ضئيلة متزايدة إلى أن تصبح جزءاً من ذاكرة عضلاتك. ابدأ بأمر صغير كي تحقق نتائج كبيرة.
اقرأ أيضاً: ما هي العادات التسع التي تقود إلى قرارات سيئة للغاية؟