دراسة حالة: هل يمكن أن تنجح وحدة عمل تتبنى نموذجين للإيرادات؟

13 دقيقة
ابتكار نموذج الإيرادات في شركة

تعرض دراسات الحالة التي تصيغها هارفارد بزنس ريفيو على هيئة قصص خيالية المشكلات التي يواجهها القادة في الشركات الحقيقية وتقدّم الحلول التي يراها الخبراء. ويستند هذا التقرير إلى دراسة حالة من كلية لندن للأعمال بعنوان "ابتكار نموذج الإيرادات في شركة "روش دياغنوستيكس" (Roche Diagnostics)" من تأليف ماركو بيرتيني ونادر تافاسولي.

مع استكمال عملية اندماج اثنتين من وحدات أعمال شركة "شير" (Scherr) للأدوية في مدينة فرانكفورت، أدرك بيتر نول، رئيس قسم التشخيص في الشركة أن الوقت قد حان لمعالجة مشكلة ملحة، إذ لم يكن للكيان الموحد نموذج إيرادات شامل.

أثقلت تلك المشكلة كاهله على مدار عام كامل، أي منذ أن أبدى الرئيس التنفيذي والفريق التنفيذي ومجلس الإدارة موافقتهم على عملية الاندماج. وعلى الرغم من عمل الوحدتين على تقديم منتجات متشابهة، فقد تبنّتا استراتيجيات مختلفة لجني الأرباح. وأسفر تعامل فرق مبيعاتهما مع نفس الزبائن عن إرباك المشترين المحتملين نتيجة حصولهم على عروض مختلفة من ممثلي فرق المبيعات. ولطالما ردد في عقله عبارة "إن هذا الوضع غير منطقي". وتمثّل السؤال الحقيقي الوحيد الذي جال في خاطره في ماهية نموذج الإيرادات الذي يجب أن يسود والنموذج الذي يجب يُلغى. في المقابل، لم يستطع إنكار حقيقة أن النماذج المرنة والمبتكرة التي اتبعتها الوحدتان لسنوات عديدة قد عادت بالنفع على الشركة أيضاً. هل كان متشدداً للغاية بشأن ضرورة اتباع استراتيجية واحدة في ظل هذا الوضع الفريد؟

نموذجا العمل

شغل بيتر منصب رئيس قسم التشخيص منذ فترة قصيرة نسبياً؛ إذ مضت سنوات عديدة على استحواذ شركة "شير" على شركتي "سيكوينت" (Siiquent)، وهي شركة ناشئة متخصصة في مجال تحديد تسلسل الأحماض النووية، وشركة "تيومك" (Teomik)، وهي مزود لمعدات إجراء البحوث، وكلتاهما حاصلتان على براءات اختراع قيّمة في مجال إجراء بحوث واختبارات التشخيص الوراثي، وبالتالي فاتته فرصة العمل في السنوات الذهبية للشركة، أي عندما كانت الملكية الفكرية لتلك الشركات محمية. باعت شركة "سيكوينت" كل ما تحتاج إليه المستشفيات ومختبرات التشخيص الكبيرة لإجراء اختبارات التشخيص الوراثي؛ وقدّمت شركة "تيومك" كل ما تحتاج إليه المعامل البحثية والجامعات لإجراء الدراسات الوراثية؛ كما قدّمت كلتاهما خدمات شاملة مثل التدريب المخصص، وإجراءات تحسين سير العمل، والدعم المباشر من فرق تضم أعضاء حاصلين على درجات الدكتوراه في حال تعطل المعدات. وهي خدمات لا يوجد أي شركة أخرى قادرة على تقديم مثيل لها.

أجرت شركة "شير" على مدى سنين عدة محاولات فاشلة لدمج الوحدتين لأنهما تبيعان أدوات ومعدات مماثلة، وكانت تتخلى عن فكرة الدمج بعد كل محاولة؛ ويعود سبب فشل تلك المحاولات إلى اتباع الوحدتين استراتيجيات مخصصة ومتباينة لكسب الأرباح وإلى تقديم كلتيهما أداءً جيداً على حد سواء، ولم تجد الشركة أي سبب مقنع لدمجهما.

لكن صلاحية جميع براءات الاختراع مآلها الانتهاء.

وكان المنافسون ينتظرون تلك اللحظة بفارغ الصبر. استهدفت شركة منافسة سوق عمل إحدى الوحدتين، ثم تبعتها شركتان أخريان، إلى أن استهدفت تلك الشركات مجتمعة أسواق عمل الوحدتين وباعت المنتجات بأسعار منخفضة. بدأت وحدتا "سيكوينت" و"تيومك" تخسران زبائنهما، وتم توظيف "بيتر" كرئيس تنفيذي لشركة "شير" لمعالجة هذه المشكلة الناشئة. أصيب "بيتر" بالذهول من الأسلوب الذي تتبعه الوحدتان في تسيير الأعمال، فقد كانتا تفتقران إلى التفكير الاستراتيجي.

واستخفّت رئيسة وحدة "سيكوينت"، وهي الباحثة الخبيرة السابقة إيزولد كرافت، بسؤال بيتر حول نموذج الإيرادات الذي تستند إليه استراتيجية وحدتها قائلة: "نموذج الإيرادات الذي نتّبعه؟ "نحن نكسب المال، الكثير من المال".

وعلى النقيض من ذلك، لم يكن رئيس وحدة "تيومك"، وهو البطل الأولمبي السابق لألعاب القوى إيمانويل غايغر، دفاعياً على الإطلاق بشأن سؤال بيتر، بل شرع في رسم مخططات تفصيلية على السبورة البيضاء في مكتبه. لكن بدلاً من أن يشرح نموذج إيرادات بسيط، أظهرت المخططات أنه لجأ مع الوقت إلى تعديل سياسات التسعير بهدف تلبية احتياجات الزبائن، ومراعاة معايير المحاسبة الداخلية، والتصدي لتهديدات المنافسين.

ثم طرح عليه بيتر سؤالاً صريحاً قائلاً: "إنك تتخذ كل خطوة تُتيح لك جني الأرباح، أليس كذلك؟"

ردّ إيمانويل بأنه فخور بمدى مرونة وحدته، وذكر أن الاستراتيجية التي يتّبعها هي العامل الوحيد الذي يُتيح لفريقه النجاح في المنافسة.

عقد رئيسا الوحدتين سلسلة من الاجتماعات التي دامت يوماً كاملاً خارج الشركة بهدف فهم سير عمل وحدتيهما بشكل دقيق. وتمكنت إيزولد التي تتمتع بسرعة البديهة والفصاحة من فهم الأساسيات على الفور وشرحها لإيمانويل.

وقالت: "إن عمل وحدتينا يشبه عمل كثير من الشركات التي تمارس أعمالها التجارية فيما بينها؛ فكلانا يبيع منتجين، ألا وهما الآلات والأدوات التي تستخدمها الآلات. تجني وحدتي أموالها من بيع الأدوات. فكّر في نموذج شفرة الحلاقة الكلاسيكي، بمعنى آخر، يمكنك بيع ماكينات الحلاقة بسعر التكلفة وجني الأرباح من بيع الشفرات. وتكسب وحدتك أرباحها من الآلات، وبالتالي لا يهم ما إذا كان الزبائن يشترون الأدوات منك أو من المنافسين الذين يقدمون أسعاراً منخفضة".

كان بيتر مستمتعاً برؤية إيمانويل يواجه صعوبة في فهم أن أدواته البحثية المتطورة تشبه "الآلات" وأن مجموعة المواد الاستهلاكية الكيميائية والبيولوجية تشبه شفرات الحلاقة التي لا تُستخدم إلا مرة واحدة. لكن إيزولد كانت محقة، وقد لاحظ بيتر بالفعل قدرة الوحدتين على ابتكار أساليب مختلفة لجني الأرباح على الرغم من أوجه التشابه بينهما.

قيمة الخدمات

عندما أسس فريق من العلماء الحائزين على جائزة نوبل شركة "سيكوينت"، كانوا مستعدين وراغبين في بيع تقنية التشخيص الوراثي إلى جميع الراغبين في شرائها. لكن تبين أن العمليات والمعدات كانت مكلفة للغاية للجميع باستثناء أكبر المستشفيات ومختبرات التشخيص في ألمانيا، وكانت تلك المؤسسات تتعرض لضغوط شديدة بشأن الميزانية لدرجة أن كبار مسؤوليها رفضوا عمليات الشراء المقترحة. وبعد أن أدرك المسؤولون التنفيذيون في شركة "سيكوينت" مدى ضآلة الأمل في كسب هوامش أرباح عالية من أجهزة الاختبار، قرروا السعي إلى تحقيق ربح مستدام من خلال بيع المركّبات البيولوجية والكيميائية ومجموعات أدوات الاختبار والمواد الاستهلاكية الأخرى.

وتوصلت شركة "سيكوينت" إلى طريقة مكنتها من تأمين هذه المواد الاستهلاكية بأسعار أرخص قليلاً من المخصصات المالية التي تدفعها شركات التأمين وقطاع الصحة الوطنية للمستشفيات والمختبرات، وهو ما جعلها مصدراً للإيرادات بالنسبة للمستشفيات. أحب الزبائن أيضاً مستوى الصيانة المتطور لدى الشركة، وهو ما قلّل من وقت تعطل أعمالهم. وما ساعدها على تحقيق النجاح أيضاً هو توفير خدمات مجانية قيّمة، فقد كان زبائنها ملزمين بإطار عمل تنظيمي صارم يتطلب منهم اتباع إجراءات محددة واستخدام مركّبات محددة، وساعدتهم وحدة "سيكوينت" في ذلك بأن أوضحت لهم أدق التفاصيل.

في الواقع، تعتزّ شركة "سيكوينت" بسعيها الدائم إلى الحصول على آراء الزبائن وتكييف منتجاتها مع رغباتهم. فعندما اشتكوا من عدم كفاءة فكرة فتح عبوة كاملة من الكاشف الكيميائي (المادة المتفاعلة) لإجراء اختبار واحد بكمية صغيرة جداً ومن ثم الاضطرار إلى التخلص من المواد المتبقية، سمحت لهم الشركة بتسديد ثمن الاختبارات التي يُجروها فقط والتزمت بتقديم الكاشف الكيميائي والمعدات التي يحتاجون إليها لإجراء الاختبارات.

في المقابل، كان نهج شركة "تيومك" مختلفاً تماماً. فقد كانت تبيع معدات ومواد إجراء البحوث البيولوجية منذ نصف قرن، لذلك عندما حصلت على براءات اختراع بشأن التقنيات العلمية الوراثية في أوائل العقد الأول من الألفية الثالثة، استمرت في التركيز على سوق البحوث. ونظراً لوجود العديد من مزودي المركّبات لزبائن تلك السوق وقلة القيود التنظيمية، اضطرت إلى المنافسة من خلال خفض الأسعار، وهو ما جعل هوامش الأرباح ضئيلة في المقابل. لكن معاهد "ماكس بلانك" والممولين الرئيسين الآخرين لبحوث الوراثة لم يعارضوا فكرة شراء الأدوات بأسعار مرتفعة، لذلك، كانت شركة "تيومك" قادرة على كسب هوامش كبيرة من الأرباح من بيع الأجهزة المحمية ببراءات الاختراع التي ساعدت العلماء على إجراء الدراسات الوراثية وكسب سمعة في المجلات العلمية المرموقة. وعلى الرغم من أن شركة "تيومك" لم تكن بحاجة إلى تقديم مساعدة تنظيمية لزبائنها، فقد قدمت دعماً احترافياً لهم عندما واجهتهم بعض المشكلات، وأتاحت لهم الحصول على مشورة مجانية حول مجموعة واسعة من الموضوعات.

وبالتالي، كما قالت إيزولد، جنت وحدة "سيكوينت" أرباحها من الأدوات، وحققت وحدة "تيوميك" أرباحها من الأجهزة، في حين لم تكسب أي منهما أموالاً من خدمات العملاء الواسعة التي تقدمانها.

مثّلت الشركتان أهداف استحواذ جاذبة لشركة "شير". ولكن بعد انتهاء صلاحية براءات الاختراع التي حصلتا عليها واشتداد المنافسة، أصبحت فكرة دمجهما منطقية، إذ سيؤدي توحيد فرق مبيعاتهما وعملياتهما إلى خفض التكاليف. وظهرت مشكلة أخرى أيضاً، إذ أصبح الخط الفاصل بين أسواق الوحدتين غامضاً. فقد بدأت بعض مختبرات التشخيص ضمن نطاق تسويق وحدة "سيكوينت" الاضطلاع بنفس الأعمال التي تؤديها المؤسسات البحثية في شركة "تيومك"، والاستثمار بكثافة في إعداد بحوثها الخاصة لتطوير اختبارات متخصصة. وتمكّنت تلك المختبرات بفضل تخصصها الجديد في إعداد البحوث من التغلب على بعض القيود التنظيمية المتعلقة بالرعاية الصحية وشراء مركّبات من وحدة "تيومك" بأسعار أقل مما كانت تقدمه وحدة "سيكوينت". وحصلت تلك المختبرات على يد العون من مندوبي مبيعات وحدة "تيومك" الذين انتابهم إحساس الفخر بتغلّبهم على وحدة "سيكوينت" التي يعتبرونها منافساً داخلياً.

نتيجة لذلك، سارع مجلس إدارة شركة "شير" إلى الموافقة على الاندماج، وأصبح مستقبل الوحدتين واحداً بعد ذلك. تشاركت إيزولد وإيمانويل القيادة في البداية، لكن الجميع كان يعلم أن أحدهما سيصبح الرئيس الوحيد في النهاية وأن الآخر سيغادر، وهو خيار صعب بالنسبة لبيتر الذي أحب كليهما وكن لهما الاحترام.

كان الجميع يعلم أيضاً أن الوحدتين ستتبعان نموذج إيرادات واحد فقط من الآن فصاعداً، كما أخبرهم بيتر. توقع بيتر أن الكيان الجديد، الذي يطلق عليه اسم "سيكوينت-تيومك"، سيكسب أرباحه من خلال بيع الأدوات أو الأجهزة. وأعلن قادة شركة "شير" في وقت سابق عن موقفهم الحيادي بشأن هذه المسألة، وتركوا القرار لبيتر.

جبهة موحدة

استمتع بيتر بالتحدي، فقد كان ماهراً في التخطيط وخبيراً استراتيجياً محنّكاً. وكان يتطلع إلى سماع مناقشة إيزولد وإيمانويل حول النموذج الذي يجب أن يسود، ودعاهما إلى اجتماع لبدء المناقشة. عندما دخل الاثنان إلى مكتبه، فاجأته لغة جسديهما.

جلس كل من إيزولد وإيمانويل على أريكة تعلوها لوحة كبيرة تضم رسماً تجريدياً بخطوط سوداء وبيضاء، وكانا مثل الصديقين اللذين اجتمعا لاحتساء الشاي. تجاذبا أطراف الحديث للحظة قبل أن يصرفا انتباههما إلى بيتر الذي لاحظ نظرة التحدي في أعينهما.

قالت إيزولد: "إن الاختيار بين الأدوات والأجهزة هو معادلة باطلة". أومأ إيمانويل رأسه معرباً عن موافقته.

شعر بيتر بالذهول.

تابعت إيزولد قائلة: "ما يهمنا هو الزبائن والمنافسون والموظفون. نحن نقدم للزبائن ما يحتاجون إليه؛ ونستجيب لمبادرات المنافسين؛ ونستمع إلى آراء الموظفين. وتلك هي الطريقة التي ندير بها أعمالنا والتي تحقق لنا النجاح. صحيح أن تلك الطريقة تفتقر إلى هيكل تنظيمي، وهي طريقة غير استراتيجية، وأعلم أنك مؤمن بضرورة الالتزام بنموذج واحد لجني الإيرادات، وأنا أحب اتباع استراتيجية يسودها المنطق وتحقق التواؤم مثل أي شخص آخر، لكن إبداعنا قد عاد علينا بالنفع بشكل رائع في سوق سريع التغيير. وتحولت نماذج الإيرادات القديمة التي تتبعها وحدتا "سيكوينت" و"تيومك" إلى طريقة مرنة لممارسة الأعمال".

وأضافت: "آمل أن تحافظ وحدة "سيكوينت-تيومك" على نموذج إيراداتها الحالي، والذي يضم في الحقيقة مزيجاً دائم التغيير من النماذج، وأن تمتلك السلطة للتحول إلى استراتيجيات وأساليب جديدة وفق ما تمليه عليها الظروف".

أومأ إيمانويل رأسه مُبدياً موافقته، وكان صوته أقوى من المعتاد: "إن العلاقات بين الشركات هي أمر معقد يا بيتر، وإجبارنا على اختيار نموذج واحد من شأنه أن يُسفر عن نتائج عكسية".

تساءل بيتر: "نتائج عكسية؟"

ردّ إيمانويل: "تأمّل قسم خدمة العملاء في الوحدة، إذ يحظى فريقنا من الحاصلين على درجة الدكتوراه بأهمية بالغة لأنه يُتيح لنا الحفاظ على صورة علامتنا التجارية المميزة. تُعتبر مهمة تقديم الخدمات جزءاً أساسياً من بناء العلاقات في الواقع، وهي خدمة يُشيد الزبائن بها، ومع ذلك، لا يساهم قسم خدمة العملاء في نموذج الإيرادات بشكل مباشر. لمَ نهتم إذاً إن كانت إحدى الوحدات تكسب إيراداتها من الأجهزة وليس من المركّبات، في حين تكسب الوحدة الأخرى إيراداتها من المركّبات وليس الأجهزة؟".

حاول بيتر جمع أفكاره، وقال: "حسناً إذاً، لنتناقش حول فكرة تقديم الخدمات بصفتها مصدراً ثالثاً محتملاً للإيرادات. لمَ لا نكسب المال من عملية تقديم الخدمات؟".

أجاب إيمانويل وهو يُلقي نظرة سريعة على إيزولد: "هذا ما نعنيه عندما نقول إننا نصغي إلى آراء موظفينا. لقد وجدنا أن مندوبي المبيعات لا يحبون بيع الخدمات. ذلك أن الأمر الوحيد الذي يدركه الزبائن هو وجود خط الدعم المباشر، لكنهم لا يدركون قيمة نصائحنا ومدى التدريب الذي تلقّاه المندوبون قبل أن يتواصلوا معهم. ولا يرغب ممثلو المبيعات حتى أن يوضحوا احتمال فشل أفضل المعدات أو حتى أفضل المركّبات في بعض الأحيان. وبالتالي، لن يكون بيع الخدمات دافعاً لتحقيق الربح".

قال بيتر: "حسناً، انسَ أمر بيع الخدمات الآن، لكن لا يمكنك المجادلة حقاً في أن عدم اتباع استراتيجية محددة هو النهج الأفضل لوحدتك. لم أسمع بنجاح نهج كهذا قط، إذ لن تتمكّن من معرفة كيفية اختيار الزبائن أو التعامل مع الوضع التنافسي دون نموذج إيرادات ثابت".

قالت إيزولد: "تتمثل استراتيجيتنا في الاستجابة للسوق، وقد يضيّق اتباع نموذج واحد للإيرادات علينا الخناق. تأمل نهج الدفع لقاء كل اختبار فقط. لقد ابتكرنا ذلك النهج استجابة لشكاوى الزبائن، وكسبنا من خلاله ولاءهم وتمكّنا من استبقائهم".

قال بيتر: "لكنه خلق خطراً أخلاقياً أيضاً، إذ تمثّلت العاقبة غير المقصودة في إحجام العملاء عن توخي الحذر أو الاقتصاد في استخدام المعدات أو المواد. ويوجد بالتالي كثير من الهدر والخسائر، وما زلنا لا نعرف إلى أي مدى سيضر ذلك النهج بالأرباح".

وأضاف: "ألا تلاحظان أن كليكما تحيدان عن نماذج إيراداتكما لتلبية احتياجات أحد الزبائن أو للاستجابة للمنافسين؟ إن هذا التفاعل العشوائي جنوني".

أجابت إيزولد: "الشيء الوحيد الجنوني هو فرض هيكل واحد صارم من شأنه أن يعيق عملنا عندما نحتاج إلى التحلي بالذكاء والمرونة والبراعة لمواكبة سوق ديناميكي".

أطال بيتر النظر إلى كل من إيزولد وإيمانويل. كان الاثنان متّحدين تماماً، وكانا يتحدثان من واقع خبرة طويلة، لكن صوت الشك الخافت في ذهنه كان يعلو.

تعليقات مجتمع هارفارد بزنس ريفيو

الاستراتيجية هي المرونة

تمتلك الوحدة استراتيجية بالفعل، وهي استراتيجية ناجحة، وتتمثّل في المرونة في تلبية احتياجات الزبائن. إن تعقيد عمل الوحدة يجعل وجود مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات أمراً ضرورياً لإرضاء الزبائن.

بيير بالمبيرغ (Pierre Palmberg): نائب رئيس قسم هندسة الحماية من الحرائق، شركة "سي أو دبليو آي" (COWI).

مشكلة زائفة

قد يكون وجود نماذج إيرادات متعددة مشكلة زائفة، كما تقول إيزولد. تنطوي القضية الأساسية على ما إذا كانت الوحدة قادرة على توليد القيمة وتقديمها والاستفادة منها. ويجب على بيتر التركيز على ضمان التدفق المستمر للابتكار لصالح تطوير الأجهزة والأدوات والخدمات بدلاً من محاولة توحيد نموذج الإيرادات.

لوكا أورلاسينو (Luca Orlassino): متخصصة في مجال التسويق الاستراتيجي والتنظيم، شركة "جي آي غروب" (GI Group)، إيطاليا.

جهل الزبائن

قد تتمكن أي وحدة تمتلك نموذجي إيرادات من مواصلة العمل، لكن هل يمكنها تحقيق ميزة تنافسية؟ كلا، وما لم يُجر بيتر نول مقايضات استراتيجية، فلن يحصل أي تواؤم في الموارد، ولن تكون حوافز فرق المبيعات واضحة، ولن يفهم الزبائن عرض القيمة.

فيكتور سانتوس مارتينز غوميز (Victor Santos Martins Gomes)، مدير البحث والتطوير، شركة "إينيل" (إينديسا سابقاً)، البرازيل.

السؤال: هل ينبغي لبيتر فرض هيكل نموذج إيرادات واحد أم السماح لوحدة "سيكوينت-تيومك" مواصلة النهج المرن؟

رأي الخبراء

بودو آيكهوف (Bodo Eickhoff): النائب الأول لرئيس شركة "روش دياغنوستيكس" (Roche Diagnostics)، ألمانيا.

سيكون من الخطأ أن يفرض بيتر نول نموذجاً واحداً للإيرادات على وحدة "سيكوينت-تيومك". لا حرج في اعتماد نماذج إيرادات مختلفة ضمن وحدة عمل واحدة، إذ سيتيح النموذج المزدوج للوحدة في هذه الحالة الحفاظ على ميزة تنافسية من خلال تلبية احتياجات زبائنها المختلفين بطرق مختلفة.

لجأنا بعد عملية اندماج وحدتين تابعتين لشركة "روش دياغنوستيكس" في ألمانيا، وهو الحدث الذي تستند إليه دراسة الحالة الخيالية هذه، إلى إصلاح عمليات المؤسسة المشتركة، وتمكّنا من كسب وفورات من خلال تحقيق قدر أكبر من الكفاءة في مجال الخدمات اللوجستية وتوحيد العمليات، مثل تقديم العروض للزبائن ووضع الطلبيات.

اعتقدنا في البداية أننا سنحصل على ميزة تنافسية من خلال توحيد نماذج الإيرادات أيضاً، وكنا نؤمن بقدرتنا على دمجها بطريقة ما. إلا أننا آثرنا الاعتماد على الحقائق، خاصة فيما يتعلق باحتياجات الزبائن.

لا حرج في اتباع نماذج إيرادات مختلفة ضمن وحدة عمل واحدة.

شغلتُ قبل إجراء عملية الاندماج بوقت طويل منصب مندوب مبيعات في إحدى الوحدات ثم مديراً في وحدة أخرى، وهو ما مكّنني من فهم احتياجات شرائح الزبائن المتباينة بالضبط. فقد اعتاد الزبائن في الوحدة الأولى على نظام بسيط يستند إلى عمليات الشراء النقدي لأدوات التشخيص، في حين اعتادوا في الوحدة الأخرى على استخدام نموذج الدفع لقاء كل اختبار، وهو نموذج مشابه للنموذج الذي وصفته إيزولد.

وأدركنا بعد تحقيق عملية الاندماج أن إلغاء أي من النموذجين أو تقويض عمل أحدهما سيقود إلى نتائج عكسية وسيمنعنا من تلبية تفضيلات الزبائن. وقد اختار بعض الزبائن حتى الشراء من كلا النموذجين، وذلك لأسباب تتعلق بهياكل شركاتهم ومتطلباتها التنظيمية. وقد نفقد شريحة كاملة من الزبائن في أسوأ السيناريوهات. وأدركنا بالفعل أهمية الاحتفاظ بنموذجي الإيرادات والسماح لهما بالعمل بشكل متزامن.

وأدركت أيضاً مدى أهمية السماح للكيان الموحد "سيكوينت -تيومك" بتبني نهج المرونة للتكيف مع احتياجات الزبائن المتغيّرة. ويُعدّ ابتكار نموذج الدفع لقاء كل اختبار مثالاً بارزاً على ذلك، ويُظهر رضا العملاء عنه مدى أهميته على المدى الطويل، لكن من الضروري أن تجد الوحدة طريقة لإدارة تكلفة المواد المهدورة التي تترتب على ذلك النموذج.

تمتّعنا في شركة "روش" بمرونة كافية مكّنتنا من كسب دخل من قسم خدمة العملاء، مثل خدمات التركيب والتدريب وتقديم المشورة، وذلك بعد أن فرضنا على الزبائن رسوماً لقاء تلك الخدمات، وأصبحنا أكثر شفافية في ذلك الخصوص، حيث سلطنا الضوء على قيمة تلك الخدمات أولاً ثم قدمنا لهم أسعاراً أقل في حال كانوا لا يرغبون فيها.

ولا يعني ذلك أنني أفضّل منح وحدة "سيكوينت-تيومك" حرية غير محدودة لارتجال استراتيجيتها، ولا أعتقد أن إيزولد كرافت أو إيمانويل غايغر سيرغبان في ذلك أيضاً. لكن ضع في اعتبارك أنهما يحاولان كسب المال في قطاع لا يمكنه تحقيق وفورات في الحجم. إن هذا القطاع مختلف عن قطاع الاتصالات الذي يولّد كل زبون جديد فيه مكاسب صافية تماماً، بينما يولّد كل زبون جديد في قطاع التشخيص تكاليف ثابتة جديدة وكبيرة ترتبط بنقل الآلات وتعيين موظفي الخدمات وتدريب الزبائن وصيانة المعدات وما إلى ذلك.

بمعنى آخر، إن مجال عمل كل من إيزولد وإيمانويل يشابه العمل في قطاع الحرف اليدوية، حيث يكون لكل مشكلة حل مخصص. لذلك، يجب عليهم مواصلة البحث عن طرق جديدة لزيادة الربحية من خلال الموارد الحالية، ويتطلب ذلك منهم خبرات عميقة من القدرة على تحقيق الإبداع والمرونة.

إيريك أختمان (Eric Achtmann): مستثمر تقني، ومتخصص في المجال الاستشاري للشركات، ومهندس معماري ومدير إدارة برنامج مشروع "مارلو" (Marlow) التابع لشركة "كوستا كوفي" (Costa Coffee).

تحتاج وحدة "سيكوينت-تيومك" إلى استراتيجية واحدة ومتماسكة تتوافق مع مؤسستها الحالية حتى تتمكن من انتهاز الفرص المناسبة لتحقيق النمو بنجاح، وإلا سيواصل موظفوها تبني نهج الانتهازية في ظل الظروف الخاطئة.

قد يكون من المفيد عند تصنيف المؤسسات التجارية في سياق الابتكار تشبيهها بالجيوش العسكرية، وتحديداً، "الجيش العامل" التقليدي مقابل وحدات "القوات الخاصة"، إذ لكل جيش مهام وخصائص ومزايا محددة.

إن دور الجيش العامل يشبه دور أي شركة كبرى، ويتمثّل في الغالب في تأمين الأراضي أو الحفاظ على الوضع الراهن. يعمل الجيش العامل في ظل قيادة وسيطرة صارمة من خلال عمليات موحدة تهدف إلى تنفيذ استراتيجية محددة مسبقاً. وتكون عملية صناعة القرار فيه مركزية، كما يكون الإبداع فيه موضع ترحيب دائماً طالما أنه لا يزعزع الخطة الرئيسة. لكن عادة ما تكون أنشطة الجيش العامل محدودة بسبب بعض أوجه القصور في طبيعته، ويمكنه استغلال الفرص بنجاح شرط وجود مهلة كافية للتخطيط والتعبئة. وتماثل شركات الإنتاج الكبيرة الجيوش العاملة في طبيعتها.

على النقيض من ذلك، يتمثّل دور القوات الخاصة في تحقيق أهداف جريئة بموارد محدودة في ظل قيود زمنية صارمة. وقد يعني ذلك غالباً استخدام السرعة وعنصر المفاجأة وتبني أساليب غير تقليدية. وعلى الرغم من وضوح أهداف الوحدة النهائية، تكون سلطة اتخاذ القرار موزّعة وتعتمد على المعلومات الآنية. ويعتبر التفكير المستقل والمرونة والحزم وتقبّل المخاطرة والغموض جزءاً من طبيعة وحدات القوات الخاصة. وبالمقارنة مع الجيش العامل، تمتلك وحدات القوات الخاصة قدراً ضئيلاً من أوجه القصور ويمكنها الاستجابة للتغيير والفرص بسرعة كبيرة. ويشبه رواد الأعمال وحدات القوات الخاصة في عملهم.

يطالب كل من إيزولد كرافت وإيمانويل غايغر بالتمتع بالاستقلالية لأن هدفهما الحقيقي يتمثّل في تحقيق الاستقرار.

تعتبر وحدة "سيكوينت-تيومك" المدمجة حديثاً جيشاً عاملاً. فقد استحوذت على شريحتين من شرائح الزبائن منذ فترة طويلة وهي تركز اليوم على الحفاظ على مكانتها في وجه المنافسين، لكنها لا تُظهر أي صفة من صفات المؤسسة التي من نوع القوات الخاصة. فابتداع طرق جديدة تراعي تفضيلات الزبائن فيما يتعلق بوسائل الدفع لا يمثّل ريادة أعمال مبتكرة. ومع ذلك، يرغب كل من إيزولد كرافت وإيمانويل غايغر في أن يجري التعامل مع الوحدة بصفتها وحدة هجينة، فهما يطالبان بالتمتع بالاستقلالية بهدف اغتنام الفرص لأن هدفهما الحقيقي يتمثّل في تحقيق الاستقرار.

وعلى الرغم من أنه سيكون من الحكمة أن يتبنّى بيتر نول نموذجاً واحداً للإيرادات، لا يزال بإمكانه خلق مساحة للابتكار الجذري من خلال تكوين فرق تضطلع بمجال الحمض النووي المطلوب ومنح الاستقلالية لعمليات وحدة "سيكوينت-تيوميك" الرئيسة في المقابل. إذ يمكن لتلك الفرق التصدي لتحديات معينة في ظل مواصلة الوحدة الأوسع عملها.

كوّنتُ في عام 2012 فريقاً مستقلاً من المصممين والمهندسين ورجال الأعمال وقدته بهدف إعادة تعريف قطاع "البيع الذاتي" (vending) العالمي لصالح علامة "كوستا" (Costa)، التابعة لشركة وايت بريدز (Whitbreads)، وهي ثاني أكبر سلسلة مقاهي في العالم. انطوت المهمة التي دامت 6 أشهر، فيما سميّ "مشروع مارلو"، على تطوير نظام بيع يعتمد على "الحواس الخمس" لتحضير القهوة المصنفة للتقديم في المقاهي. كان فريق "مشروع مارلو" مستقلاً ومشابهاً للجيش العامل في شركة "كوستا كوفي". استند عملنا إلى المبادئ العسكرية التي تعلمتها في مؤسسة "ماكدونل دوغلاس" (McDonnell-Douglas)، وإلى فرق تطوير المنتجات سريعة الاستجابة في "ماكنزي". دامت جلسات التواصل عادة أقل من 10 دقائق، في حين دامت جلسات صناعة القرار 24 ساعة. وحقق الفريق جميع أهداف المشروع الأصلية بشكل ملحوظ.

باختصار، من المهم ابتكار نموذج الإيرادات في شركة، ومن المهم أن تعمل وحدة القوات الخاصة إلى جانب جيش عامل شرط أن تكون مستقلة عنه. لذلك، تُعتبر محاولة دمج الوظيفتين في مؤسسة واحدة مهمة مستحيلة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي