الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

كيف تبتكر منتجات قابلة للنمو والتوسع مع جمهورك؟

6 دقيقة
التقادم المقصود
جيه استوديوز/غيتي إميدجيز

في الماضي، كانت الشركات تستخدم استراتيجية التقادم المقصود (Planned Obsolescence)، أي أنها تصمم عمداً منتجات ذات أعمار محدودة حتى يضطر العملاء إلى التخلص منها وشراء المزيد؛ بدءاً من المصابيح الكهربائية المصممة لتحترق بعد عدد محدد من الساعات وصولاً إلى الهواتف الذكية التي يتباطأ أداؤها مع التحديثات البرمجية الجديدة، أتقنت الشركات فن تطوير المنتجات التي يضطر العملاء إلى استبدالها على نحو متكرر.

أدى التقادم المقصود إلى توفير مصادر دخل موثوقة، ولكن بتكلفة هائلة تتمثل في تزايد النفايات البيئية وتراجع ثقة العملاء وإهدار الفرص لتشكيل علاقات أعمق معهم. ومع تزايد كل من المخاوف المتعلقة بالاستدامة وأهمية ولاء العملاء، يتساءل العديد من المدراء التنفيذيين حول سبل التخلص من استراتيجية التقادم المقصود وتصميم منتجات قابلة للنمو.

تكمن الإجابة في فهم الطرق التي تطبقها الشركات المبتكرة بالفعل لإجراء هذا التحول. في مقالنا الأخير في هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "صمم منتجات لن تفقد قيمتها مع مرور الزمن"، بالإضافة إلى مقابلة في المدونة الصوتية آيديا كاست (IdeaCast) من هارفارد بزنس ريفيو مع فيجاي غوفينداراجان، تحدثنا عن ​​مفهوم المنتجات القابلة للنمو (PTG)، وهي المنتجات التي تتكيف وتتوسع وتتحدث بطرق تناسب الاحتياجات المتطورة للمستخدم على نحو أفضل.

يمثّل مشروع بريمروز (Project Primrose) من شركة أدوبي (Adobe) درساً متقدماً في تطوير المنتجات القابلة للنمو؛ إذ إنه يوضح كيف تستطيع المؤسسات الانتقال من تطوير المنتجات المحدودة الاستخداما إلى تطوير الحلول التكيفية التي تتغير مع احتياجات العملاء. في حين أن الموضة السريعة تتبع نموذج التقادم المقصود، أي يصمم الخبراء فيها الملابس التي تصبح غير دارجة أو تبلى بسرعة، يمثل بريمروز تحولاً جذرياً في هذا المجال؛ إذ إنه يتضمن لباساً تزداد قيمته بمرور الوقت من خلال قدرته على التكيف والتطور.

الدروس المستقاة من مشروع بريمروز

صمم فريق البحث في شركة أدوبي عام 2013 مقطع فيديو يعرض فكرة سترة تغيّر مظهرها بناءً على الظروف الجوية. وعندما قدّمت الشركة هذه السترة المتغيرة الشكل أول مرة، كان ذلك عرضاً تصورياً بحتاً لم يترافق مع طرح منتج مادي، بل كان مجرد لمحة خيالية عن كيفية تطور الأجهزة القابلة للارتداء. بمرور الوقت، طوّر الفريق هذه الرؤية وأجرى مشروعات مثل مشروع غلاس وينغ (Glasswing)، وهو صندوق عرض شفاف يضع طبقات من الرسوم المتحركة الرقمية التفاعلية فوق الأشياء المادية لإنشاء تجارب غامرة من الواقع المختلط. بناءً على هذه الرؤى، حول الباحثون فكرة الملابس الديناميكية الأولية إلى مشروع برايمروز، وهو فستان مكتمل ومتكيّف إلكترونياً صممه مصمم الأزياء شبه الراقية، كريستيان كوان، وظهر أول مرة في أسبوع الموضة في نيويورك عام 2024.

على الرغم من أن فستان بريمروز غير متاح للشراء، فإنه يمثل مرحلة جديدة من دورة الحياة تجاوزت فيها الشركة الفكرة البسيطة ووصلت إلى منصة بحثية فعالة تثبت أن المنسوجات يمكن أن تمثّل أوساطاً سريعة الاستجابة ومتطورة. سيؤدي هذا النوع من التكنولوجيا إلى جعل الأزياء أكثر ديناميكية وتفاعلية بدلاً من أن تبقى ساكنة، ما يفتح المجال لتطبيق هذه التكنولوجيا في المنشآت الفنية ومجال الديكور المنزلي وخلفيات المتاجر وحتى الأحداث البارزة. في جوهره، يمثل فستان بريمروز لمحة عن طريقة مزج المنتجات المستقبلية للفن والتكنولوجيا والتصميم في تجارب قابلة للتكيف دون حدود وتركّز على المستخدم.

يوضح تطور المشروع ثلاثة مبادئ أساسية لتطوير المنتجات القابلة للنمو الناجحة، وهي تفيد في حل مشكلة التقادم المقصود مباشرة.

1. الرؤية القابلة للتوسيع

على الرغم من أن المفهوم الأولي يتناول حالة استخدام واحدة (الملابس المستجيبة للطقس)، أدرك فريق أدوبي إمكانات أوسع، وبدلاً من تطوير العديد من المنتجات التي ستصبح غير قابلة للاستخدام في النهاية، تصور الفريق منصة يمكنها إحداث ثورة ليس فقط في مجال الأزياء، بل في عروض البيع بالتجزئة والتصميم الداخلي والمنشآت المعمارية أيضاً.

2. التميّز المتعدد التخصصات

جمع الفريق بين إنشاء النماذج الأولية للأجهزة وتطوير البرمجيات والخبرة في هندسة المنسوجات، ما مكنه من تحقيق ابتكارات ثورية في الإلكترونيات المرنة والمواد الذكية كان من المستحيل تحقيقها باستخدام النهج التقليدي المنعزل الذي يركز على التقادم السريع.

3. القيمة المستدامة

بدلاً من إنتاج العديد من الملابس المصممة ليستبدلها المستخدم موسمياً، يقدم مشروع بريمروز حلاً قابلاً للتكيف يقلل كمية النفايات ويولّد مصادر جديدة للقيمة من خلال التحول الرقمي. يتناقض هذا النهج على نحو صارخ مع نهج شركات تجارة التجزئة للأزياء الفائقة السرعة مثل تيمو (Temu) وشي إن (Shein)، التي تعتمد نماذج أعمالها على إنتاج آلاف الطرازات الجديدة أسبوعياً بأسعار منخفضة للغاية، ما يشجع استهلاك المنتجات المحدودة الاستخداما. على الرغم من أن هذه الشركات واجهت انتقادات متزايدة بسبب تأثيراتها البيئية وإسهامها في توليد نفايات المنسوجات، تبين المنتجات القابلة للنمو مثل فستان بريمروز كيف تجعل التكنولوجيا الاستهلاك المستدام للأزياء ممكناً دون خفض تنوّع الطرازات وتقليل الخيارات المتاحة للمستهلك.

تحديد إمكانات تطوير المنتجات القابلة للنمو

بناءً على تجربة أدوبي وأبحاثنا في مجال تطوير المنتجات في مختلف القطاعات، حددنا خمسة أسئلة رئيسية يجب على المدراء التنفيذيين طرحها عند تقييم إمكانات تطوير المنتجات القابلة للنمو.

1. تحليل الاحتياجات المتغيرة

بدلاً من التساؤل عن مدى سرعة احتياج العملاء إلى استبدال المنتجات، اسألهم عن تغير احتياجاتهم بمرور الوقت. ارسم خريطة لتغيّر الاحتياجات في سوقك المستهدفة لتحديد الفرص المتاحة لتطبيق الحلول التكيفية.

2. إمكانية دمج التكنولوجيا

ما هي التكنولوجيا الناشئة التي قد تمكن منتجك من خدمة أغراض متعددة؟ استخدمت أدوبي الإلكترونيات المرنة والمواد الذكية والبرمجيات لتزويد فستان بريمروز بالقدرة على التكيف.

3. آليات الحصول على القيمة

بدلاً من الاعتماد على عمليات الشراء البديلة، كيف يمكن أن يؤدي تعزيز قدرة المنتج على التكيف إلى توفير مصادر إيرادات جديدة؟ فكر في استراتيجية تسعير المكانة ونماذج الاشتراك ومسارات الترقية والخدمات التكميلية.

4. تأثير الاستدامة

ما هي كمية النفايات التي يمكن التخلص منها من خلال جعل منتجك قابلاً للتكيف بدلاً من أن يكون منتجاً محدود الاستخدام؟ حدد هذه الفوائد لوضع خطة العمل.

5. تقييم القدرة على التطوير

ما هي الخبرات والموارد التي ستحتاج إليها للانتقال من استراتيجية التقادم المقصود إلى تطوير المنتجات القابلة للتكيف؟

تطبيق استراتيجية المنتجات القابلة للنمو

بمجرد تحديد إمكانية لتطوير منتج قابل للنمو، فكر في الخطوات أدناه التي تعاكس التصميم التقليدي القائم على التقادم.

القدرة الوظيفية الأساسية

ابدأ بمنتج أساسي جيد يلبي الاحتياجات الأساسية قبل إضافة ميزات متقدمة بوقت طويل. يضمن هذا النهج الذي يركز على الأساس أولاً أن يحصل العميل على القيمة حتى قبل تحقيق قدرات التكيف على نحو كامل.

تمكّنت أدوبي من فعل ذلك في مشروع بريمروز؛ إذ بدأت بفستان يمكن ارتداؤه يلبي احتياجات الموضة الأساسية ثم أضافت قدرات رقمية تحويلية. يضمن هذا التطوير المتسلسل أن تبقى المنتجات مفيدة مع تطورها وخفض مخاطر التطوير في آن معاً.

قابلية التركيب

صمم بنية المنتج بطريقة تمكّنك من تزويده بالإضافات وإجراء التعديلات في المستقبل من خلال الاعتماد على وحدات مستقلة وموحدة. يولد هذا النهج قيمة متبادلة؛ إذ تولد الشركات إيرادات جديدة من خلال مبيعات الوحدات وترقيتها بينما يستفيد العملاء من التحسينات المستهدفة دون استبدال المنتج بالكامل.

يجسد نموذج بريمروز ذلك من خلال بتلاته الرقمية (البكسلات الديناميكية)، وهي وحدات مستقلة يمكن التحكم فيها وتحديثها إفرادياً، ما يتيح للفستان التطور دون الحاجة إلى إعادة تصميم كاملة. يحدث هذا النهج التركيبي تغييراً جذرياً في طريقة تطوير المنتجات والحصول على القيمة بمرور الوقت.

خلق مسارات النمو

طوّر خططاً واضحة لكيفية تطوّر منتجك بمرور الوقت من خلال التقدم التقني والابتكار في نموذج العمل. يتطلب ذلك إنشاء خرائط لتوسيع الميزات، وتحديد فرص الترقية، وتطوير آليات للحصول على القيمة تعود بالنفع على الشركة والعميل.

لا تشمل خريطة مشروع بريمروز التوجيهية التحسينات الفنية على إمكانات العرض الرقمي فحسب، بل تشمل أيضاً إنشاء منصات للمصممين لتصميم طرازات جديدة وبيعها، ما يبيّن كيف تساعد مسارات النمو على توسيع القيمة على مستوى المنظومة بأكملها.

قياس النجاح

تمثل المنتجات القابلة للنمو تغييراً جوهرياً في طرق توليد الشركات للقيمة واستفادتها منها. ويتطلب النجاح في هذا النموذج الجديد من الشركات ما يلي:

  • الاستثمار في الخبرة الوظيفية المتعددة التخصصات لتمكين الابتكار المستمر.
  • تطوير استراتيجيات طويلة الأجل لتطوير المنتج بدلاً من دورات التقادم المقصود.
  • إنشاء قدرات التصنيع المرنة.
  • تشكيل علاقات أوثق مع العملاء من خلال التطوير المستمر للمنتج.

لتقييم مبادراتك لتطوير المنتجات القابلة للنمو، احرص على تتبع ثلاثة مقاييس رئيسية تتناقض مع النماذج التقليدية القائمة على التقادم:

  1. مدة تفاعل العملاء: بدلاً من قياس الوقت المستغرق حتى استبدال المنتج، احرص على قياس المدة التي يقضيها العملاء في استخدام منتجك والتفاعل معه على نحو نشط.
  2. الإيرادات لكل عميل بمرور الوقت: تتبّع القيمة التي تحصل عليها من خلال نمو المنتج بدلاً من مبيعات استبداله.
  3. الحد من الأثر البيئي: تحديد كمية النفايات واستهلاك الموارد التي تمكنت من تجنّبها من خلال الاستغناء عن استراتيجية التقادم المقصود.

نموذج المنتجات القابلة للنمو هو نموذج تصميمي لا يقتصر على المنتجات "الذكية" فقط. قد يختلف مستوى التطور التكنولوجي في هذه المنتجات بناءً على العميل المستهدف. نرى في قطاع الملابس أمثلة أخرى على المنتجات القابلة للنمو؛ إذ تصنع شركة بتيت بلي (Petit Pli) ملابس مستوحاة من هندسة الطيران والفضاء يمكن أن تنمو إلى 7 أحجام وتحاكي نمو الطفل، بينما تصنع شركة أريتو (Aretto) أحذية باستخدام تكنولوجيا حاصلة على براءة اختراع تتكيف مع نمو الأقدام.

في أي قطاع، المنتجات التي ستهيمن في المستقبل هي تلك القابلة للنمو مع مستخدميها وتتكيف مع السياقات الجديدة وتولد قيمة مستدامة بمرور الوقت. كما أثبتت أدوبي من خلال مشروع بريمروز، يكمن السر في إدراك ما يتجاوز حالات الاستخدام الأولية وتصور منصات لإمكانات لا حصر لها. انتهى عصر استراتيجية التقادم المقصود وبدأ عصر المنتجات القابلة للنمو.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي