أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع يوجين سولتيس هو أستاذ مساعد في كلية هارفارد للأعمال. وهو مؤلف المقالة المنشورة في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: "أين تكون شركتك أكثر عرضة للزلات فيما يتعلق بالنزاهة؟" (Where Is Your Company Most Prone to Lapses in Integrity؟).
يبحث سولتيس في جرائم الياقات البيضاء (جرائم الموظفين الإداريين) وأجرى مقابلات مع مدانين خلف القضبان. في حين يفكر أغلب الناس بفضائح الشركات ذات المستوى الرفيع، مثل فضيحة شركة إنرون، يقول سولتيس أن كل شركة كبيرة تعاني من بعض الزلات فيما يتعلق بالنزاهة. ويطرح أدوات عملية تساعد المدراء في التعرف على جيوب الانتهاكات الأخلاقية ومنعها من التفاقم وإلحاق الضرر المالي بالمؤسسة وتشويه سمعتها.
وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:
النص:
كيرت نيكيش: مرحباً بكم في برنامج إتش بي آر آيديا كاست المقدم من هارفارد بزنس ريفيو. أنا كيرت نيكيش.
في قضايا فساد الشركات التي ساءت سمعتها بصورة كبيرة، يتسبب مجرد ذكر اسم الشركة بإثارة الفضيحة المكلفة، كما هو حال إنرون وويلز فارغو وفولكس فاغن.
ولكن هناك أيضاً جميع أنواع الجرائم الأصغر التي يرتكبها الموظفون الإداريون كل يوم، والحقيقة هي أن كل شركة كبيرة فيها جيوب تقع فيها أمور مثل استخدام اللغة المسيئة أو صراعات المصالح أو ممارسات المبيعات الحازمة بصورة مفرطة، ويتم تجاهلها أو حتى الموافقة عليها بصمت. وإذا لم يكشف أمر هذه الزلات يمكن أن تتفاقم لتصبح تهديدات حقيقية للشركة.
يبحث ضيفنا في هذه الأمور التي تسمى "ثغرات النزاهة"، ولديه أدوات عملية لمساعدة المدراء في الانتباه للمشاكل المحتملة بسرعة ومنعها من التفاقم إلى مشاكل كبيرة.
يوجين سولتيس هو أستاذ في كلية هارفارد للأعمال وهو مؤلف المقالة المنشورة في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان: "أين تكون شركتك أكثر عرضة للزلات فيما يتعلق بالنزاهة؟" (Where Is Your Company Most Prone to Lapses in Integrity؟) كما ألف كتاب "لماذا يقومون بذلك: داخل عقل من يرتكب جرائم الياقات البيضاء" (Why They Do It: Inside the Mind of the White-Collar Criminal).
شكراً لوجودك معنا يا يوجين.
يوجين سولتيس: ذلك من دواعي سروري.
كيرت نيكيش: مكتوب لدي هنا في الملاحظات أنك ذهبت إلى السجن بسبب جرائم ذوي الياقات البيضاء. هل هذا صحيح؟
يوجين سولتيس: يكاد يكون هذا صحيحاً، ولكن هناك فارق هام، أنا ذهبت إلى هناك من أجل زيارة الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم ذوي الياقات البيضاء.
كيرت نيكيش: حسن، أنت تجري إذن بحثاً عن المجرمين الذين يرتكبون جرائم الياقات البيضاء، والمكان الذي يوجدون فيه هو السجن بالتأكيد.
يوجين سولتيس: إنه أسهل مكان للعثور على مجرمين معروفين.
كيرت نيكيش: أجل. كيف يبدو الذهاب إلى هناك؟
يوجين سولتيس: كان مرعباً جداً في المرة الأولى، وهو برأيي مطابق تماماً للصورة النمطية، فهو مكان بارد ومظلم وقذر وصاخب، إنه مكان كريه حقاً. وحتى السجون ذات الحراسة الخفيفة والمتوسطة، والتي تتسم بأنها نوع من السجون الفيدرالية، هي ليست مريحة تماماً.
غادرت السجن بعد ساعتين، حتى أني لم أشعر بالراحة في غرفة المحامين، وأؤكد لكم أنها أبعد ما يكون عن الراحة.
كيرت نيكيش: أجل. إلى من تحدثت وما الذي عرفته؟
يوجين سولتيس: تحدثت إلى قرابة 50 شخصاً ارتكبوا جرائم الياقات البيضاء، بدءاً من أشخاص تصدرت قضاياهم الصفحات الأولى من الصحف، من موظفي إنرون وووردكوم وبيرني مادوف، وصولاً إلى أشخاص آخرين من شركات محترمة جداً مثل ماكنزي وكيه بي إم جي (KPMG)، والذين قد لا تكون قضاياهم معروفة جداً، ولكنهم كانوا قادة استثنائيين بحق. إنهم موظفون استثنائيون في الشركات ارتكبوا سلسلة من الأخطاء التي كانت لها عواقب كبيرة.
كيرت نيكيش: أجل. الذين تصدروا الصفحات الأولى من الصحف أصبحوا معروفين لأنهم هدموا شركاتهم، أليس كذلك؟ أما الآخرين فقد أساؤوا لسمعة شركاتهم وتسببوا بالضرر المالي لها. وتدفع شركاتهم غرامات كبيرة، ولكن ربما لم ينالوا ذات الشهرة لأنهم لم يتسببوا بسقوط كارثي للشركة.
يوجين سولتيس: صحيح؟ السؤال الذي يبهرني ويلاحقني باستمرار هو، كيف يمكن لأشخاص يتمتعون بالذكاء والحكمة بهذا الشكل، وهم آباء عظماء، التورط في هذا السلوك بعد عقد أو اثنين من إدارة شركة بنجاح والعمل كقائد ضمن مؤسسة.
بشكل عام، عندما أتحدث عن هؤلاء الأشخاص المرموقين، القادة الكبار الذين يتورطون في جرائم الياقات البيضاء، أتحدث عن القادة غير العاديين المختلفين الذين يمتلكون شخصيات متنافسة من النمط (أ) ويرغبون بالنجاح. وفي الحقيقة، هم يرغبون بالنجاح بشدة لدرجة تؤدي بهم إلى التورط في هذه الأفعال المؤذية، وهذا ليس فقط لرغبتهم بجني المال، وإنما لأنهم يرغبون برؤية شركاتهم وزملاءهم ينجحون.
كيرت نيكيش: أجل. وهذا ما ينفي نوعاً ما مفهوم التفاحة الفاسدة، أليس كذلك؟ أي ينفي أنهم أشخاص سيئين أساساً من جميع النواحي، وأن الشركات لا يمكنها فعل شيء بشأن ذلك. ربما كان ذلك مبالغة في التبسيط، ولكن هل يعني ذلك أن المشكلة تكمن في الشجرة ذاتها وليس في التفاحة؟
يوجين سولتيس: لقد درس الأخصائيون النفسيون على مدى عقود الاختلاف بين الفرد والظروف المحيطة به، لأن الظروف على قدر كبير جداً من الأهمية. وعندما نبدأ بالتفكير في الضغط، أركز كثيراً على مدى ابتعاد العواقب عن المدير نفسه.
وإذا فكرنا في العواقب المترتبة على جرائم الياقات البيضاء، نجد أنها بعيدة جسدياً ونفسياً عن المدير الذي يرتكبها. ولذلك، عندما يشارك في نوع من المخالفة في الشركة، لن تبدو له مؤذية جداً، ولن تتضح إلا بعد مرور فصل أو عام كامل عليها. وهذا ما يجعل الاستمرار بهذه الأفعال واحداً تلو الآخر سهلاً دون الشعور بأهمية هذه التشعبات في حينها.
كيرت نيكيش: أجل. ولكن لا تنحصر المشكلة في هذه الأفعال فحسب، فإذا كانت لديك ثقافة تسمح بحدوث هذا النوع من الأفعال، هل يمكن أن تتسبب مجموعة أفراد كبيرة أو صغيرة بضرر جماعي؟
يوجين سولتيس: بالضبط. وبذلك تتغير الأمور مع مرور الوقت. فلننظر إلى بعض الأمور الكبيرة التي غالباً ما يتم ملاحقتها قضائياً في الولايات المتحدة، فنحن لدينا قانون الممارسات الفاسدة الأجنبية، كالرشوة، ولكن الرشوة في ألمانيا لم تكن قانونية فحسب، بل وخضعت في الحقيقة لخصم ضريبي حتى عام 1999.
ما أقوله هو أن هذا أشبه بقاعدة أو هيئة جديدة تم إنشاؤها. وهناك حالة أخرى ذات أهمية كبيرة في الولايات المتحدة، إذا كانت لديك أعمال تجارية مع إيران مثلاً بصفتك شركة أميركية، فستترتب عواقب وخيمة جداً على المؤسسة والأفراد على حد سواء. ولكن في أجزاء أخرى من العالم، في أوروبا وآسيا، لا مانع على الإطلاق من القيام بأعمال تجارية مع إيران، وتحاول هذه البلدان العثور على ثغرات تمكنها من الاستمرار في أعمالها التجارية مع إيران في ظل العقوبات الحالية.
ولذلك، يمثل بعض هذه الأمور تغيرات في البيئة الناظمة، وقد يكون بعضها سياسي، وهذا ما يجعلها صعبة بالنسبة لقادة الشركات.
كيرت نيكيش: أجل. كان أحد الأمور التي أثارت اهتمامي في بحثك الأخير وبعض الدراسات الجارية في هذا المجال، هو فهم إمكانية رؤية كثير من الطرق المختلفة لتطبيق الأخلاقيات ضمن شركة واحدة، أو مدى اعتماد الموظفين الأخلاقيين على موقعك الجغرافي أو المنصب الذي تشغله.
يوجين سولتيس: أعتقد أن كل قائد يود التفكير بأن شركته تمتلك ثقافة واحدة متجانسة، وبالتأكيد هناك أسباب جيدة تدفعنا لمحاولة تحقيق ذلك. ولكن عندما تبدأ بإدارة مؤسسة منتشرة في عشرات الولايات، أو في عشرات الدول، ولديك ما يزيد عن 100,000 موظف، سيكون هناك عدم تجانس. والسؤال هو، كيف تفهم ماهية هذه الاختلافات في الثقافة وكيفية مساهمتها في نشوء القضايا المتعلقة بالنزاهة أو احتمال غض النظر عنها، علماً أن هذه القضايا تعرض الشركة لخطورة تشوية السمعة وخطورة انتهاك النظم السارية؟
كيرت نيكيش: هل هناك مثال يمكنك ذكره بناء على الزيارات التي قمت بها إلى السجن، حيث تجد أن الموقع الجغرافي أو الوظيفة، كوحدة المبيعات مثلاً، تختلف كثيراً عن ثقافة جزء آخر من الشركة مما يؤدي إلى إفلاتها من الرقابة؟
يوجين سولتيس: أعتقد أنه بإمكاننا أخذ أحد الأمثلة البارزة، مثل شركة إنرون، وشركة آرثر أندرسون إل إل بي، إحدى شركات الخدمات المهنية الكبرى في قطاع المحاسبة. إذ كانت الأخيرة تعاني من تحديات واضحة في عمل فرعها في تكساس مع شركة إنرون، ولكن ذلك لا ينطبق على الشركة بأكملها أو على جميع موظفيها. وفي الحقيقة هذا أحد أسباب الانتقادات الشديدة التي أثيرت عندما قاضت الحكومة الشركة أو حتى بدأت بعريضة اتهام، وأدت في نهاية المطاف إلى تفكيك الشركة.
لم يكن الخطأ عاماً في الشركة بأكملها، وأنا أعتقد أن الصعوبة تكمن في أن تعرض أي شركة لأي ملاحقة جنائية، وهو أمر يتكرر كثيراً هذه الآونة، يؤدي إلى اعتبار الموظفين البالغ عددهم 10 آلاف أو 50 ألفاً فيها جميعهم مجرمين، وهذا ليس صحيحاً. فالملاحقة الجنائية تقول أن هذا الكيان بأكمله هو من ارتكب الجرم.
وهذا صعب برأيي لأنه يرمي تكاليف كثيرة على عاتق الموظفين أنفسهم والمساهمين أيضاً. كما يقترن كثير من العوامل الخارجية بهذه القرارت.
كيرت نيكيش: إذا كنت تدير هذه الشركات ولديك مكاتب في عدة مدن في أجزاء متفرقة من العالم وتتبع للعديد من الولايات القضائية المختلفة، فهل يجب عليك أن تتمكن من السيطرة عليها جميعاً؟
يوجين سولتيس: بالتأكيد. يزداد العالم تعقيداً بتزايد تأثير القوانين في أحد البلدان على الشركات في البلدان الأخرى. وتعد التشريعات العامة لحماية البيانات وقوانين الخصوصية في أوروبا مثالاً جيداً، فقد أصبح الناس في أوروبا شديدي الحساسية تجاه الخصوصية، في حين تختلف وجهات النظر بصورة جذرية حول كيفية استخدام بيانات العملاء وصور الموظفين في الولايات المتحدة والصين مثلاً.
ولا يتمثل ذلك باختلاف وجهات النظر من الناحية الأخلاقية فحسب، وإنما من ناحية كيفية تعاملنا مع هذه البيانات أيضاً. ولذلك، إذا كانت هناك شركة تملك فروعاً في الولايات المتحدة وأوروبا والصين، فسيكون من السهولة بمكان أن تؤدي مشاركة بيانات العملاء بين فروعها إلى عواقب تتعلق بالسمعة في الولايات المتحدة وغرامة كبيرة في أوربا رغم أنها كانت تاريخياً أمراً مسموحاً تماماً.
يصعب على أي إنسان التغلب على هذه التغيرات المختلفة لأنها تحدث على نحو سريع في هذا المجال. وكما يعلم الجميع، في العامين الأخيرين أصبحت هناك مجالات، كالتحرش والتمييز، قد لا تعتبر جرائم في معظم الشركات ولكن أعتقد أن الضرر الذي تتسبب به على السمعة أعظم من كثير من العقوبات المدنية والجنائية التي يمكن أن تفرضها السلطة التنظيمية.
كيرت نيكيش: مذهل. وعندما يكون لديك مثل هذه الشركة المتباينة بهذا الشكل، ولديك تنوع كبير في كيفية تلبية الموظفين للمعايير، فستحاول تلبية معيار واحد وهو الأخلاق.
يوجين سولتيس: تماماً، يجب أن يكون هذا هو الهدف على الأقل، وهو أمر صعب. أعتقد أن كثيراً من الشركات والقادة يرغبون بتصديق أن ما يقولونه في المعتكف السنوي أو ما يقوله قانون الأخلاق أو قانون السلوك هو ما يفعله كل موظف فعلاً. ولكن يأتي الموظفون من بيئات مختلفة، أي من شركات مختلفة، تتمتع بمستويات مختلفة مما يمكن اعتباره مسموحاً هنا، وجغرافيات مختلفة وأجزاء مختلفة من العالم، ولذلك يختلف ما يعتبر سلوكاً مقبولاً بصورة كبيرة.
كيرت نيكيش: لذلك يفهم كل منا هذه العبارة على نحو مختلف عن الآخر.
يوجين سولتيس: قامت شركة إرنست آند يونغ بعمل مثير للاهتمام حقاً، إذ أجرى فريقها مقابلات مع مدراء حول الأشكال المختلفة للسلوك العدواني، كدفع رشوة لكسب صفقة مثلاً، إذا تمعنت بشيء من عملهم ستجد أن هناك بلداناً معينة، حيث يقول 20 أو 30% من المدراء أنهم مستعدون لدفع النقود من أجل كسب صفقة ما تفادياً لتفويت فرصة كبيرة.
بينما في بلدان أخرى، كالولايات المتحدة وسويسرا، على الأقل سيرفض معظم المدراء هذا الأمر بشدة. هناك من سيدفع المال بالطبع، ولكن قلة قليلة جداً منهم سيعترفون فعلاً برغبتهم الحقيقية بذلك، لأن العواقب معروفة جيداً.
كيرت نيكيش: تضم جميع الشركات قسماً للامتثال، أليس كذلك؟ وتضم قسماً للشؤون القانونية وأنظمة وإجراءات فاعلة من أجل محاولة مراقبة الأنشطة غير المشروعة أو المشبوهة والتعرف عليها واجتثاثها والحد من تعرضهم لها. هل تفشل هذه الأمور أم أنها غير كافية؟
يوجين سولتيس: تكمن المشكلة في القياس، لا يمكنك إدارة عملية إذا لم تتمكن من قياسها. وما أظهرته أبحاثي هو أنه يجب على المؤسسات بذل الوقت والموارد في سبيل تحديد ما تحصل عليه مقابل الاستثمار. سواء كان نظام تدريب، أم نظام تحقيقات أم وقتاً يقضيه أفراد الإدارة العليا مع موظفي المجال من أجل تبليغهم ما ينبغي أن تفعله الشركة، ماذا ينتج عن هذا الوقت المبذول؟
كيرت نيكيش: لقد حددتَ استبانة يمكن للشركات إجراءها من أجل معرفة ما يجري فيها أو فهمه والمواضع التي تكمن المشكلة فيها، وقد أعجبتني لشدة بساطتها. فهي تطرح ثلاثة أسئلة بصورة أساسية على المدراء أو الموظفين في الشركة، السؤال الأول: هل رأيت أي أمر مشبوه؟ والثاني: هل قمت بالتبليغ عنه بصورة أساسية؟ والثالث: إذا لم تبلغ عنه، ما السبب الذي منعك؟ ما الذي يمكنك معرفتك من خلال هذه الأسئلة الثلاثة؟
يوجين سولتيس: يمكن القول ببساطة أنها وسيلة للتعرف على النقط الحساسة، فهناك شركات ما زالت تملك نظاماً للتحقيقات وتخصص خطاً هاتفياً ساخناً للإبلاغ عن الأنشطة غير المشروعة ولكنها لا تتلقى اتصالات عليه. وقد تتلقى اتصالاً بين الفينة والأخرى فقط. ولكن السؤال هو: ماذا يقبع تحت هذا الجبل الجليدي، ما الذي لا تراه؟ وما نحاول فعله من خلال هذه الاستبانة هو أن نسأل: أين تقع هذه المشكلات الجديدة دون أن نعلم عنها شيئاً؟
وهذا لا يعني أن هذه الشركة ليست عظيمة أو أن هناك مخاوف من أمور كالانتقام مثلاً، وإنما تقول الحقيقة التي اكتشفتها فعلاً في بعض هذه النتائج إن الموظفين لا يرغبون برؤية زملائهم يطردون. ولذلك فهم لا يقولون شيئاً عن هذه المخالفات، ليس لأنهم غير قادرين على التعرف عليها أو لأنهم لا يرغبون بذلك لأنها تقلقهم، بل لأن النتائج هي ما يقلقهم.
وبذلك، تكون هذه الاستبانة طريقة للتغلب على هذه المشكلات قبل أن تصل إلى عناوين الصحف الرئيسية بأي حال من الأحوال.
كيرت نيكيش: كانت الإحصاءات هنا مثيرة للاهتمام إلى حد ما، إذ أصبح احتمال تبليغ الموظفين عن سرقة ممتلكات الشركة أو مخالفات المحاسبة أكبر، وتقل الأرقام قليلاً فيما يتعلق بتبليغ الموظفين عن الهدايا غير الملائمة أو صراعات المصالح، ولكن مع ذلك، يحتمل أن يبلغ أقل من نصف الموظفين عن حالة سرقة أو ما شابه. لذلك بطريقة ما، تبين لنا هذه البيانات أنه من الطبيعي ألا يبلغ الجميع عن كل شيء، ولكن إذا كانت هذه الأرقام أعلى من بعض المعايير، فسنستطيع فهم مكان وقوع المشكلات أو أين يمكن أن يبلغ الموظفون عن أمر ما.
يوجين سولتيس: بالضبط. وما يجب القيام به هو إجراء هذه الاستبانة عبر المؤسسة، وليس بالضرورة لكل الموظفين، وإنما لمجموعة عشوائية في مجالات وجغرافيات وأقسام مختلفة من أجل معرفة أين ترتفع هذه الأرقام أو تقل.
يتعامل كثير من الشركات اليوم مع النزاهة والأخلاق وبرامج الامتثال لديها كنوع من لباس موحد يناسب الجميع، فتقدم لجميع من في المؤسسة نفس أنواع التدريب ونفس نمط القيادة على سبيل المثال. ولكن في الواقع، هناك مناطق معينة تشكل نقاطاً ساخنة، ألن يكون من الجيد التعرف عليها وتخصيص المزيد من الموارد لها؟ هذا ما نفعله أياً كان في أي عملية أخرى وأي قسم آخر في الشركة، ولكن الغريب أننا لم نبدأ بتنفيذه فعلاً في المجالات المتعلقة بالنزاهة والامتثال.
كيرت نيكيش: هذه فكرة مثيرة للاهتمام، إذا كان أحد متاجرك مثلاً يعاني من مبيعات منخفضة، فستذهب إليه وتحاول معرفة مشكلته، أو إذا كان أحد المتاجر ناجح جداً، ستذهب إليه وتحاول معرفة ما الذي يجعله ناجحاً بهذا الشكل، وهذا ما يجب فعله بالنسبة للأخلاق بصورة أساسية.
يوجين سولتيس: نعم هذا صحيح. وهذا لا يحصل فعلاً إلا بعد وقوع مشكلة ما، فبعد أن تقع مشكلة رشوة في بلد ما، تبدأ بالنظر بتطبيق مجموعة كبيرة من برامج التدريب وتعيين مدراء جدد ووضع محفزات مختلفة. ولكن ألا تريد القيام بذلك قبل أن تترتب عليك غرامة قانونية كبيرة؟ وقبل أن تصبح على صفحات الصحف الأولى؟
تحاول استبانة بسيطة كهذه مساعدة المدراء في تحقيق ذلك دون الحاجة لإجراء مجموعة كبيرة من التحقيقات بهدف التعرف على هذه المشاكل. ونعود ونقول أننا لا نحاول تحديد موظفين أو مدراء فاسدين، وإنما نحاول فهم أماكن وجود النقاط الساخنة. ببساطة لأن ضغوط خط العمل تختلف، ويمكننا المساعدة في معرفة كيفية التغلب عليها كي يتمكن المدراء والموظفون من إبقاء أنفسهم بعيداً عن العناوين الرئيسية للصحف.
كيرت نيكيش: إذا كنت تعرف شركات استخدمت الاستبيان أو عملت معها، هل يمكنك إعطاءنا بعض الأمثلة عن النتائج التي وجدوها أو الطرق التي اتبعوها لاتخاذ إجراءاتهم في حال تعرفوا على شيء ما لم يكونوا قادرين على اكتشافه لولا هذه الاستبانة؟
يوجين سولتيس: كانت هناك نتائج حول بعدين جغرافيين، وخصوصاً حول الدول المختلفة أو الأقسام المختلفة. على سبيل المثال، ستجد هذه الاختلافات إذا قارنت قسم المبيعات بوظيفة ذات طابع إداري أكثر، وبصورة عامة، ما لاحظته هو أن الشركات تقول: فلنعدل نوع التدريب وأنواع الإشراف، أو المراقبة، التي سنطبقها.
مثلاً، سيكون التدريب الشخصي عموماً أكثر فاعلية من التدريب العام عبر الإنترنت، ولن تتمكن معظم الشركات من دفع تكاليف التدريب الشخصي للجميع في جميع أنحاء العالم،
إذن، ماذا ستفعل؟ ستطبق التدريب الشخصي على الموظفين في أعلى المراتب، بينما تطبق التدريب على الإنترنت للبقية، ولكن ربما كان عليك الاستثمار أكثر في التدريب الشخصي، ليس لكبار القادة فقط وإنما عبر المؤسسة بأكملها، ولكن في أجزاء محددة منها وفي أقسام فرعية ضمن مناطق جغرافية معينة، ويمكننا المساعدة في تحديدها.
كما أنه في بعض الأحيان، يكون كثير من برامج التدريب هذه والقوانين، أمور وقائية غير كافية. فهناك مناطق تحتاج أحياناً إلى الاستثمار أكثر في الإشراف على هذه المجموعة والتفكير فيه ملياً، من خلال دراسة تقارير التكلفة وزيادة إجراءات الفحص النافي للجهالة.
وأقول مجدداً، هذا مكلف جداً، وكما يقول معظم الناس عن الامتثال، يمكن أن يكون عبئاً على الموظفين. ولذلك يجب ألا تفرضه على الجميع. ولكن سيكون ذلك مجدياً بالنسبة لمجموعة فرعية من منطقة ترى أنها نقطة ساخنة، أي منطقة عالية الخطورة. لأنه مهما كانت التكاليف الإضافية الصغيرة التي سأفرضها على تلك المنطقة الصغيرة، فستكون أقل بكثير من خضوع الشركة بأكملها لقضية تنظيمية، لأن القضايا التنظيمية، بما فيها الغرامات والعقوبات الجنائية لا تفرض على بعض الوحدات الفرعية فقط.
فوزارة العدل لن تقول أن هذا القسم الفرعي داخل هذا البلد هو الذي ارتكب عملية الاحتيال، بل سيقول العنوان الرئيس في صحف وول ستريت أن الشركة الفلانية ارتكبت عملية احتيال. وهذا ما يسبب الدمار الكبير للشركة.
كيرت نيكيش: أجل. هل يعني ذلك أن المستثمرين قد يأخذون انطباعاً خاطئاً عن الشركات عندما يحدث شيء كهذا؟ يمكن للشركة إيجاد مكان المشكلة سواء كان نقطة ساخنة أو موقعاً معيناً أو مجموعة من الموظفين، وذلك لن يكون دليلاً على أن هذه المشكلة موجودة في باقي أنحاء الشركة كما تقول عناوين الصحف الرئيسية والعقوبات. كم مرة تكون المشكلة في قسم معين من الشركة فقط مقارنة بوجود قيادة فاسدة تقوم بأعمال فاسدة من القمة؟
يوجين سولتيس: في مشروعنا الأخير، أردت حقيقة أن أعرف ما هو الفارق بين الفهم العام لتكرار عمليات الاحتيال وما يجري في الواقع؟ لذلك، قمت أولاً بأخذ الشركات التي تم تداولها علناً، انظر كم مرة تواجه إحدى هذه العقوبات التنظيمية التي تفرضها وزارة العدل أو لجنة الأوراق المالية والبورصة، ستجد أنها أقل مما تواجهه من الجانب المدني، أقل من 5% سنوياً. لذا فهي نادرة جداً.
فلننظر داخل الشركة، أخذت بيانات من ثلاث شركات من مجموعة فورتشن 100، وهي شركات كبيرة جداً ونظرت إلى الأوقات التي وجدت فيها انتهاكات داخلية مثبتة بالأدلة، كالاحتيال والرشوة، أو أي أمر يمكّن المدعي العام من اتهام الشركة نظرياً على الأقل بسلوك إجرامي. كم مرة حدث ذلك؟
في الحقيقة، وجدت أنه يحدث مرة كل ثلاثة أيام وسطياً، وفي حين أن الجمهور يعتبر أن هناك شركات جيدة وشركات سيئة، وأن هناك شركات ترتكب عمليات احتيال وأخرى لا تفعل ذلك، إلا أنه في الواقع هناك قدر معين من المخالفات في أي شركة مهما كان حجمها. ووظيفة الإدارة هي ضمان أن تقع هذه المخالفات مرة واحدة كل ثلاثة أيام وليس ثلاث مرات في اليوم الواحد. وألا تبلغ قيمة عملية الاحتيال عشرات أو مئات الآلاف من الدولارات، أو ملايين الدولارات، بل أن تقف عند مبالغ صغيرة غير هامة يمكن معالجتها داخلياً.
كيرت نيكيش: أجل، فهذه ليست حرائق كبيرة، وأنت تحاول إيجادها وإخمادها ثم إيجاد الجمر وإخماده حيثما وجدته يتوهج.
يوجين سولتيس: والفكرة هي: كيف تضمن بقاءها جمراً فحسب؟ فالاستبانة ليست إلا محاولة لمعرفة طريقة واحدة لتحقيق ذلك. وللأسف، أعتقد أن أغلب الشركات في العالم تتبع مبدأ "الجهل نعمة"، وجزء من أسباب ذلك هو هذا النوع من المجتمع القانوني، فأنت لا ترغب بتحويل الجمر إلى حريق بنفسك.
ولذلك، نفكر أحياناً أن علينا معالجة هذه المشكلة عن طريق التعامل معها داخلياً وليس إثارة ضجة كبيرة، لأن الضجة تصبح علنية. والتشبيه الذي أحب استخدامه هنا هو أن مخالفات الشركات هذه تشبه الألم الذي تعاني منه في حلقك ويمكنك محاولة تجاهله. ولكن مالذي سيحصل إذا تفاقم وازداد سوءاً؟
وإذا لم تسع لمعالجته، كما هو الحال مع المخالفات، وإذا اتبعت مبدأ "الجهل نعمة"، فهناك احتمال أن يختفي من تلقاء نفسه، قد لا تحتاج إلى الذهاب للطبيب، ولكن هذه حالة نادرة وفي أغلب الأحيان يجب عليك العثور على العلاج الصحيح. وهذا ما تسعى له الاستبانة، محاولة معرفة نوع العلاج الذي تحتاج إليه، إلى أي جناح من الصيدلية ستذهب من أجل العثور على الدواء الذي سيخلصك من الألم في حلقك بأسرع وقت ممكن؟
كيرت نيكيش: ماذا تفعل في هذا الحال؟ التدريب الشخصي هو أحد الأمور التي يمكن فعلها، ولكن ماذا لو حدث أمر اضطرك للتوقف، ربما لم تكن تعلم عنه شيئاً ولم تكتشفه بصفتك قائداً للشركة، ويجب عليك الآن معالجته، ولكن كيف؟ هل تخضعه للعقوبة؟ هل تستأصله؟ هل تطرد بعض الموظفين؟ هل تعيد تدريبهم وتصفح عنهم؟ ماهي الأدوات التي يجب عليك استخدامها لمعالجة المشكلة فور اكتشافك لها؟
يوجين سولتيس: السؤال هو: ما هو السبب الرئيسي لهذه المخالفة؟ في بعض الأحيان، يكون هناك أشخاص يتعمدون ارتكاب المخالفة وتكون لديهم حوافز معينة ويسعون للتقدم، وفي بعض الأحيان يكون السبب بسيطاً كعدم وضوح السياسات أو الإجراءات. فيظن الموظفون أنهم يؤدون أعمالهم كما يجب وأنهم يطبقون ما كان يطبق في الشركات التي كانوا يعملون بها سابقاً، ولكن يتضح أن إجراءات شركاتهم السابقة لم تعد ملائمة أو أنها لا تطبق في هذه الشركة.
لذلك يجب عليك وضع السياسات وتوضيحها للموظفين، ويجب عليك مساعدة الموظفين كي يساعدوا أنفسهم عن طريق إيجاد طرق سهلة للالتزام بتلك السياسات. وكل من أتحدث إليهم بشأن برنامج الامتثال الذي يخضعون له، ألاحظ منذ البداية أن لديهم كتاباً مفصلاً عن سياسات الشركة، ولكن كثيراً من هذه الكتب يكون نسخاً قديمة، وبعضهم لم يتسن له تطبيقه لأنه يتطلب الكثير من أعمال التنسيق بين مجموعات الموظفين المختلفة، فلا يعلمون شيئاً عن السياسات الفعلية إلا بعد مرور بضعة أشهر.
وأقصد بالسياسات الفعلية السياسات التي يعاقبون على مخالفتها، والتي من المفترض أن يطبقوها ضمنياً. فالحال هو كما قال مارفن باور في وصف الثقافة: "طريقتنا في العمل هنا". وهو أمر صعب في مجال سياسة النزاهة.
كيرت نيكيش: وفي النهاية، أنت تحاول تفادي الضرر الذي سيلحق بالسمعة، وتحاول تفادي الضرر المالي المتمثل بالغرامات التي تفرضها السلطات التنظيمية كما تحاول عدم دخول السجن.
يوجين سولتيس: بالضبط. وأفضل طريقة للتفكير بسبب قيامنا بكل ذلك، هي ما قمت بتدريسه لوقت طويل في غرفة الصف وفي العمل مع الشركات، وهي تتمثل بالتحدث عن برامج الامتثال التي يخضعون لها. وقد علمت أن أياً ممن حضروا معي في غرفة الصف أو في الشركات التي عملت معها أو الأشخاص الذين تحدثت إليهم بشأن برامج التدريب، قد فكر يوماً يأن يتورط في أي شيء يمكن وصفه بأنه مخالفة شركة.
ولكن تشير البيانات إلى غير ذلك، إذ تقول أنه على المدى الطويل، هناك أشخاص أذكياء جداً وحكماء وهم آباء وأزواج رائعين سيرتكبون مخالفات تترتب عليها هذه العواقب الوخيمة، التي لا تنحصر بمجرد دفع غرامة مالية وإنما يمكن أن تؤدي إلى دخول السجن. ولذلك ما آمل أن أتمكن من فعله من خلال أدوات كهذه هو مساعدة الموظفين على التقدم خطوة إلى الأمام من أجل مساعدة شركاتهم ومساعدة أنفسهم أيضاً.
كيرت نيكيش: شكراً جزيلاً لك يا يوجين على حضورك إلى البرنامج والتحدث في هذا الشأن.
يوجين سولتيس: ذلك من دواعي سروري. شكراً جزيلاً.
كيرت نيكيش: كان ذلك يوجين سولتيس. وهو أستاذ مشارك في كلية هارفارد للأعمال. وهو مؤلف مقالة: "أين تكون شركتك أكثر عرضة للزلات فيما يتعلق بالنزاهة؟" (Where Is Your Company Most Prone to Lapses in Integrity?). التي نُشرت في عدد مايو/ أيار - يونيو/ حزيران عام 2019 في مجلة هارفارد بزنس ريفيو وفي موقع هارفارد بزنس ريفيو HBR.org.
هذه الحلقة من إنتاج ماري دوي. وحصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكارت. ومدير الإنتاج الصوتي لدينا هو آدم باكولتز
.
نشكر استماعكم لبرنامج أتش بي آر آيديا كاست. أنا كيرت نيكيش.