لا يعتقد 60% من الموظفين أن لديهم الفرصة لتقديم أفضل ما لديهم من أداء دائماً في العمل، وفقاً لتقرير حالة العمل الأميركي لعام 2017. وللأسف، أحد التفسيرات الشائعة لذلك أن المدير يشغل نفسه بأداء مهامهم عوضاً عنهم. في دراستنا المطوّلة التي استمرت 10 أعوام حول القيادة التنفيذية، يجد 67% من 2,700 قائد صعوبة في التخلي عن مهامه في منصبه السابق، إذ يميل القادة بشدة إلى الاستمرار بتأدية مهامهم التي كانت سبباً في نجاحهم عندما يترقون في المؤسسات التي يعملون بها. والضغط التنظيمي الناتج؛ أي الآثار المترتبة عن تأدية القادة لمهام دون مستواهم التنظيمي، يؤدي إلى تقييد المرؤوسين المباشرين وإضعاف شعورهم بالرضا عن وظائفهم، وبالتالي يُجبرون على أداء مهام أدنى من مهام مناصبهم أيضاً.

وفي حال كنت تشعر أن رئيسك في العمل يتدخّل في عملك أكثر من اللازم، فأنت بالتأكيد لست وحدك في ذلك، لكن انتشار هذه الظاهرة لا يعني أن علينا تقبّلها. سواء كان مديرك الرئيس التنفيذي أو مشرفاً من المستوى الأول، فمن مصلحة كل منكما أن ينجح في عمله، وليس في عمل الآخرين. صحيح أن فكرة مواجهة رئيسك قد تكون مخيفة، إلا أن النتائج مفيدة أكثر مما تظن. وبما أن غالبية القادة، لا سيما الذين يشغلون مناصب عليا في المؤسسات، لا يتلقون ملاحظات رائعة من مرؤوسيهم، فمن اللطيف أن يتطوع أحدهم بذلك. وثمة تفسيرات عدة لسلوك مديرك المحبط. إليك 5 خطوات بوسعك اتخاذها لمساعدة مديرك على التركيز على مهامه الخاصة، ما يتيح لك حرية أداء مهامك.

تقصَّ مدى إدراك مديرك لما يفعل من خلال توضيح الافتراضات المسبقة

يجب ألا تفترض أن مديرك يدرك أنه يؤدي مهامك، ولتكن خطوتك الأولى الاتفاق على توقعات كل منكما. اطلب من مديرك أن يخبرك بالمهام التي يتوقع منك إنجازها ونطاق مهامك في نظره، وفي حال كانت إجابته تتماشى مع وجهة نظرك، فهو غير مدرك لتدخّله المفرط. وإن كانت إجابته تشير إلى نطاق مهام أضيق بكثير مما كنت تظن أن دورك يشمله وتبرر مستوى تدخّله، فالمحادثة التي يجب أن تبدأ بها تدور حول افتراضاتكما غير المتطابقة حول مهام وظيفتك الحقيقية.

وفي كلتا الحالتين، تتيح لك المحادثة تبيان افتراضاتك حول مهام وظيفتك. أخبِر مديرك عن موقفك من تدخّله بعملك، وفي حال اتفقتما على نطاق مهامكما، اذكر أمثلة محددة عن إفراط تدخّله بعملك وسبب شعورك أن ذلك العمل من واجباتك. وإن لم تتفقا على نطاق عملك، فأخبره بسبب شعورك أن تضييقه نطاق عملك يعوق تطورك ولا يسمح لك بتحقيق كامل إمكاناتك ورضاك الوظيفي.

سله إن كنت مقصراً في عملك

قد يكون تدخّل مديرك المفرط في عملك شكلاً من أشكال الملاحظات المستترة، وذلك قد يشعرك بالضيق. اسأله إن كان يرى طريقة أدائك مهامك غير مناسبة، وفي حال بدأ بطمأنتك وأخبرك أنه يعتقد أنك تقدّم أداء رائعاً، فذلك يسهل عليك طرح مثال على سبب سؤالك. شجعت مؤخراً رئيسة تنفيذية للتسويق في إحدى المؤسسات التي أتعامل معها على اتباع هذا الأسلوب مع مديرها الذي يشغل منصب الرئيس التنفيذي. إذ يفتخر بعمله السابق في التسويق على الرغم من مرور أكثر من عقد على أدائه له، وكانت كلما طرحت عليه حملة جديدة للعلامة التجارية، تدخّل بحماس عبر “اقتراحات” تُغير مسار الحملة برمتها، وكان يستمتع بذلك لدرجة أنه كان عاجزاً عن رؤية الإحباط الذي يسببه لها. وعندما أعربت له عما تشعر به من ضعف وحرج أمام الفريق وبعدم أهمية وجودها بسبب تدخلاته، شعر بالأسف الشديد. سمح له تركيز الحديث عليها وليس عليه باكتشاف نقص التواصل بينهما، وأدى إلى محادثة مثمرة حول تغيير سلوكه.

وفي المقابل، إن أشار مديرك في العمل إلى أنه يشعر بخيبة أمل من أدائك، فتحدث عن ذلك. أخبره أنك تريد أن تقدم أداءً مميزاً في عملك، وأنك تشعر بالضيق لأنه يرى أن الطريقة الوحيدة لإنجاز العمل هي أن يؤديه بنفسه. واطلب من مديرك تقديم الملاحظات والتوجيه عندما لا يلبي عملك توقعاته، بدلاً من التدخّل وأداء العمل نيابة عنك. وفي كلتا الحالتين، قد لا يدرك الأثر السلبي لتدخّله الذي يعتبره “مساعدة”، وإن بدأت بالطلب منه تنظيم توزيع المهام فستشجعه على دعوتك إلى الالتزام به في المقابل.

أشِر إلى الآثار السلبية غير المقصودة

لتدخّل مديرك غير المرغوب فيه آثار سلبية بعيدة المدى أكثر مما يمكن أن يدركه، فهو يضعكما في موقف سيئ. في مثال الرئيسة التنفيذية للتسويق الذي ذكرناه آنفاً، شاهد الجميع في الفريق سلوك الضغط الذي مارسه الرئيس التنفيذي، وفي إحدى المقابلات التشخيصية لتلك الحالة، قال أحد أفراد فريقها :”نعلم جميعاً من هو الرئيس التنفيذي الفعلي للتسويق هنا”. فلفتت الرئيسة التنفيذية للتسويق انتباه الرئيس التنفيذي إلى تلك الجملة في أثناء محادثتهما. بصرف النظر عن دافع مديرك، فتدخّله المفرط في عملك ليس حلاً منطقياً، لأنه يشير إلى أنه يفضل أداء مهامك بدلاً من مهامه، ويجعله يبدو وكأنه لا يثق بك. لضغط تدخّله في عملك آثار متلاحقة، وتؤدي بك إلى الانخراط أكثر مما يجب في أداء مهام دون مستواك. فإن كان يتدخّل على نحو مفرط في عملك، فمن المحتمل جداً أنه يفعل ذلك مع موظفين آخرين، ما يعرّض أداء الفريق بأكمله للخطر. قد يفعل ذلك بحسن نية، مثل محاولة تقديم المساعدة أو إظهار قيمة ملموسة أو “التعاون والمساعدة”، لكن الآثار السلبية غير المقصودة تفوق بكثير أي “مساعدة” يقدّمها.

ابحثا عن حلول بديلة معاََ

ساعد مديرك على توضيح أهداف تدخّله. قد يكون سبب تدخّله هو أنه يستمتع بعملك أكثر مما يستمتع بعمله، وبخاصة إذا كان عملك هو عمله السابق. وقد يظن أنه أفضل منك، وقد تتفوق خبرته على خبرتك، ولذا قد يخشى أن يضعه عملك في موقف سيئ. ولعل السبب رغبته في الشعور بحاجة موظفيه إليه بوصفه مديرهم، لذا يتدخّل ليشعر أنه مفيد لمن يقودهم. لكل هذه الاحتياجات أساس منطقي، لكن التدخّل المفرط في عملك ليس طريقة استراتيجية لتلبية أي منها.

ثمة مستوى مقبول من تدخّل المدير في عمل موظفيه، فيجب مثلاً أن يكون على اطلاع دائم بمجريات العمل، ويمكنه في بعض الأحيان أن يقدم خبرة إضافية لتحسين النتائج. مهما كانت الأسباب، تفاوض مع مديرك في العمل للتوصل إلى مستوى تدخل مُرضٍ ومعقول للطرفين ويلبي حاجات كل منكما.

لا تؤجل الحل

للسماح بتراكم مشاعر الاستياء السامة آثار خطِرة. وكلما أجّلت الحل، زاد احتمال شروعك في اختلاق دوافع لتدخّل مديرك وتأليف المبررات لسلوكه. ففي حالة عميلتي التي ذكرتها آنفاً، وصلت الرئيسة التنفيذية للتسويق إلى ذروة غضبها عندما التجأت لي، وكانت تنوي الذهاب إلى مكتب الرئيس التنفيذي لتصبَّ جام غضبها عليه وتقول له: “لماذا وظفتموني هنا؟ إذا كنت تريد هذا المنصب اللعين فخُذه، وتوقف عن إذلالي بـ “اقتراحاتك” السلبية العدوانية التي يعرف الجميع أنها تصحيحات لعملي”. من الواضح أن ذلك كان سيسبب كارثة.

يؤدي القادة غالباً مهام دون مستواهم بنية حسنة، ويتدخّلون على نحو مفرط في عمل الموظفين تحت قيادتهم. لا تفترض أن مديرك يدرك أنه يفعل ذلك ولا تفترض الأسباب، قدِّم خدمة لنفسك ولمديرك بمساعدته على العودة إلى مسار عمله الصحيح، وإتاحة الفرصة لك بالنجاح في مسار عملك.