أطلقت شركة أمازون سنة 2013 برنامجاً يدعى أمازون سمايل (AmazonSmile) من أجل تسهيل عملية التبرع على زبائنها، يتيح هذا البرنامج للعملاء الذين يستخدمون النسخة البديلة من السوق الإلكترونية أمازون سمايل دوت كوم (AmazonSmile.com) بدلاً من أمازون دوت كوم (Amazon.com) اختيار مؤسسة خيرية لتمنحها أمازون نسبة صغيرة من أرباح مشترياتهم. نسمي هذه المبادرة برنامج “التبرع بالوكالة” حيث تؤدي أمازون دور وكيل لزبائنها، من خلال تقديم هبات خيرية باسمائهم.

أسهمت أمازون سمايل في جمع مبالغ ضخمة للعمل الخيري، وأوردت الشركة أن هذه المبادرة أدت إلى جمع نصف مليار دولار من التبرعات المالية الخيرية خلال السنوات العشر الماضية. وبينما يتزايد عدد المؤسسات التي تعمل على تعزيز تأثيرها المجتمعي، فإن نجاح مبادرة أمازون سمايل أثبت أن برامج التبرع بالوكالة يمكن أن تكون طريقة ذات قيمة للشركات من أجل الوفاء بالعطاء. لكن شركة أمازون أعلنت في يناير/كانون الثاني من العام الحالي أنها ستوقف برنامج أمازون سمايل، وأوضحت في رسالة إلكترونية إلى عملائها أن: “البرنامج لم ينمُ لإحداث التأثير الذي كنّا نأمله، إذ غالباً ما كانت قدرتنا على التأثير محدودة للغاية في ظل كثرة المؤسسات الخيرية، التي يتجاوز عددها مليون مؤسسة في العالم”. تلقّى الفاعلون في القطاع الخيري هذا الخبر بإحباط ورأوا أن مبلغ 449 مليون دولار الذي تبرعت به أمازون يمثل قيمة مالية كبيرة، لكن وفقاً للناطق الرسمي باسم الشركة فإن متوسط التبرعات السنوية التي حققتها مبادرة أمازون سمايل لم يتجاوز 230 دولاراً لكل مؤسسة.

أظهر بحثنا أن قلق أمازون بشأن تأثير مبادرة أمازون سمايل كان مضلَّلاً من ناحيتين: أولاً، يُظهر أن تأثير البرنامج كان أكبر مما تصورته شركة أمازون، وهذا يعني ثانياً أنه كان بإمكان الشركة الاحتفاظ ببرنامج أمازون سمايل والاستمرار في جني فوائده من خلال إجراء تعديل بسيط بتخصيص تبرعاته لعدد أقل من المؤسسات الخيرية.

الفوائد غير المباشرة

لماذا كان تأثير أمازون سمايل أكبر مما تصورته أمازون؟ لأن برامج التبرع بالوكالة مثل مبادرة أمازون سمايل تحقق فوائد تتجاوز تأثيرها المباشر.

فشعبية هذه البرامج لا تتزايد فقط في أوساط المستهلكين وإنما في أماكن العمل أيضاً، حيث بدأت الشركات على سبيل المثال التخلي عن تحفيز موظفيها بالطرائق التقليدية القائمة على المكافآت فقط، وشرعت في منح “مكافآت ذات تأثير اجتماعي” (وهي إنفاق مكافآت الموظفين على أشخاص آخرين في شكل تبرعات خيرية).

وقد درسنا في بحث حديث إن كانت برامج التبرع بالوكالة، بغض النظر عن تأثيرها المباشر، قادرة على حثّ المستهلكين والموظفين على تبني سلوك آخر له تأثير اجتماعي، وتساءلنا: هل يصبح المستهلكون والموظفون مثلاً بعد المشاركة في تجربة التبرع بالوكالة أكثر إقبالاً على تقديم التبرعات الخيرية خارج إطار هذه البرامج؟

وللتوصل إلى جواب أجرينا مجموعة من التجارب، فوظفنا 3,000 مشارك عبر الإنترنت في 4 تجارب، وزعناهم عشوائياً على مجموعتين؛ مجموعة “تبرع بالوكالة” (يخوضون فيها تجربة التبرع بالوكالة) ومجموعة “تحكم” (لا تتاح للمشارك فيها تجربة مماثلة). ثم أتحنا لكل مشارك المجال لتقديم تبرع خيري أو التصرّف على نحو أناني، ما سمح لنا بالتأكد من قدرة تجارب التبرع بالوكالة على تحفيز المشاركين على الإحسان بدرجة أكبر.

درسنا في 3 تجارب تأثير عمليات التبرع بالوكالة التي صُمّمت لتحاكي سياقات أماكن العمل، ولهذه الغاية وظفنا مشاركين باعتبارهم موظفين مؤقتين وكلفناهم بحلّ بعض الأحجيات؛ في مجموعة التبرع بالوكالة كافأنا المشاركين على حل الأحجيات بمكافأة ذات تأثير اجتماعي نمنح من خلالها هبة مالية باسمائهم لمؤسسة خيرية، وفي مجموعة التحكم لم نكن نعطي بالمقابل أيّ مكافأة للمشاركين على العمل الذي ينجزونه.

وفي التجربة الرابعة حاولنا بدلاً من ذلك أن نعكس برامج التبرع بالوكالة على سياقات المستهلكين، فوظفنا مشاركين كي يتصفحوا مجموعة من المنتجات على منصة أمازون ويختاروا منتجاً واحداً لشرائه؛ في مجموعة التبرع بالوكالة كان المشاركون يطّلعون على المنتجات عبر منصة أمازون سمايل (ويقرؤون بعض المعلومات عن المنصة، علماً أن هذه التجربة أُجريت قبل وقف هذا البرنامج)، وفي مجموعة تجربة التحكم كان المشاركون يطّلعون على المنتجات نفسها لكن عبر منصة أمازون المألوفة، التي لا يقرؤون فيها أي معلومة عن مبادرة أمازون سمايل.

حفزت تجارب التبرع بالوكالة المشاركين بدرجة كبيرة على تبني السلوك الخيري لاحقاً في كل تجربة من التجارب الأربع. ففي تجربتنا على موقع أمازون سمايل مثلاً اختار 39.5% من المشاركين في مجموعات التبرع بالوكالة (الذين وُجّهوا نحو منصة أمازون سمايل) أن يهبوا المكافأة التي حصلوا عليها لأعمال خيرية عند نهاية التجربة، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 29.2% من المشاركين في حالة التحكم (المشاركون الذين وُجّهوا نحو منصة أمازون المألوفة).

وأبرزت هذه النتائج التأثير المحتمل لمبادرات التبرع بالوكالة في تحفيز الناس على العطاء الخيري في النهاية، سواء كانوا من المستهلكين أو من الموظفين في أماكن العمل، ما يميزها بتأثير غير مباشر يضاف إلى قيمتها الاجتماعية. كما تتطرق نتائجنا إلى العمليات النفسية التي يمكن أن تحفز من خلالها مبادرات التبرع بالوكالة سلوكاً خيرياً لاحقاً لدى الناس، حيث أفاد المشاركون في تجارب التبرع بالوكالة خاصة أنهم يشعرون أنهم أصبحوا أكثر ميلاً للإحسان ويتوقعون أن يراهم الآخرون كذلك، وارتبطت هذه المشاعر إيجابياً بالتبرع لأعمال الخير في نهاية التجربة.

تخلص هذه التجربة إلى أن مبادرة أمازون سمايل ربما حفزت بشكل غير مباشر المستهلكين على اتباع سلوك إحساني بطرائق أخرى علاوة على تأثيرها المباشر. أطلق خبراء الآداب المهنية مؤخراً دعوة للتعامل مع مسألة صناعة القرارات الأخلاقية باعتبارها مشكلة تصور، مقترحين ضرورة عمل صناع القرار وقادة المؤسسات على خلق ظروف تشجع المبادرات الحميدة. ونحن نعتقد أن برامج التبرع بالوكالة يمكن أن تكون أسلوباً مهماً تستخدمه المؤسسات، من خلال تخصيص مكافآت ذات تأثير اجتماعي وبرامج تسويق للتبرع بالوكالة، للمساعدة على خلق ظروف يمكن أن تحفز موظفيها والمستهلكين على العمل الخيري.

ما قلّ وأفاد

تطرّق بحثنا أيضاً إلى مسألة كيفية تنفيذ برامج التبرع بالوكالة على النحو الأمثل، واهتممنا خاصة بمعرفة ما إن كان دمج الاستقلالية في مثل هذه البرامج مهماً وتساءلنا: هل من المهم السماح للمستهلكين والعمال باختيار المؤسسة الخيرية التي ستستقبل تبرعاتهم التي سنقدمها نيابة عنهم؟

وللإجابة عن هذا السؤال قارنّا من خلال تجاربنا الآثار النهائية لنوعين من حالات التبرع بالوكالة. فكان على بعض المشاركين اختيار المؤسسة الخيرية التي سنقدم لها تبرعاتهم نيابة عنهم (التبرع بالوكالة مع الاستقلالية في اختيار الجهة المستفيدة)، بينما اخترنا نحن للآخرين هذه المؤسسة (التبرع بالوكالة دون استقلالية الاختيار).

وقد اكتشفنا بشكل مثير للاهتمام أن برامج التبرع بالوكالة حفزت المشاركين على التبرع الخيري في كلتا الحالتين بالدرجة نفسها، حتى في الحالة التي لم يكن من حقهم فيها اختيار الجهة المستفيدة من تبرعاتهم. وعلاوة على ذلك عبّر المشاركون عن شعورهم أنهم محسنون (وتوقعوا أن يراهم الآخرون محسنين أيضاً) بغض النظر عن استقلاليتهم في الاختيار.

يشير بحثنا بناءً على ذلك إلى أنه كان بإمكان شركة أمازون إجراء تعديل بسيط على برنامج أمازون سمايل لتجاوز قلقها بشأن تأثيره المحدود، وكان بإمكانها خاصة تعديل مبادرة أمازون سمايل للحد من استقلالية المستهلكين في اختيار المؤسسة الخيرية التي سيدعمونها بمشترياتهم.

كما أشرنا أعلاه فقد قررت شركة أمازون وقف البرنامج لأنها شعرت أن هباتها الخيرية كانت محدودة جداً، وكان من الممكن تجنّب ذلك لو انتقت شركة أمازون على سبيل المثال مؤسسة خيرية واحدة عالية التأثير كل سنة ليخصص لها زبائن أمازون سمايل تبرعاتهم. وفي هذا الإطار كشفت إحصائيات حديثة أن تأثير التبرع للمؤسسات الخيرية الأكثر فعالية -كالتي تنصح بها مؤسسة غيف ويل (GiveWell) المتخصصة في تقييم المؤسسات الخيرية- أكثر تأثيراً 100 مرة تقريباً من التبرع للمؤسسات الخيرية المتوسطة. وفقاً لبحثنا، كان من الممكن أن يؤدي تحديد مؤسسة خيرية واحدة عالية الفعالية لدعمها من طرف مبادرة أمازون سمايل إلى معالجة مشكلة “التأثير المحدود” والحفاظ على التأثير غير المباشر للبرنامج من خلال الاستمرار في تحفيز المستهلكين على تقديم الهبات الخيرية.

مقترحات للمستقبل

يقترح بحثُنا على الشركات التي ترغب في تحسين تأثيرها المجتمعي الاهتمام ببرامج التبرع بالوكالة بغض النظر عن قرار شركة أمازون وقف برنامجها، نظراً للفوائد المباشرة وغير المباشرة التي يمكن أن تقدمها هذه البرامج. فتأثيرها يظل قائماً حتى عندما يشارك فيها المستهلكون والعمال بشكل اعتباطي وبخيارات محدودة أو دون خيارات فيما يتعلّق بطبيعتها. كما ينصح بحثنا الشركات بالتأكد من اتخاذ إجراءين مهمَّين فيما يخص تطوير برامج التبرع بالوكالة: 1) على الشركات أن تدمج هذه البرامج في منظومة حوافزها وعروض منتجاتها وبرامج تسويقها، ثم 2) أن تحرص في تصميم برامجها على اختيار مؤسسة خيرية واحدة عالية التأثير أو بضع منها فقط.

تحفز برامج التبرع بالوكالة المستهلكين والعمال على العطاء بطرائق مؤثرة، ونأمل أن يشجع بحثنا هذا المزيد من المؤسسات على استخدام هذه البرامج للإسهام في القضايا المؤثرة والمهمة، وحثّ العملاء والموظفين على ذلك أيضاً.