تؤمن إحدى عميلاتي الشابات، ولنطلق عليها اسم جولي، بأن لديها رسالة. راودت جولي فكرة منذ فترة طويلة، لكنها تدرك الآن أنه ليكون لفكرتها تأثير حقيقي، يجب أن تخرج بها إلى العلن. تؤمن جولي بأن هناك عدداً لا يُحصى من الأطفال الأذكياء الموهوبين المحرومين الذين استبعدوا من التعليم التقليدي لأسباب متنوعة، وبالتالي لن يتمكنوا من استثمار إمكاناتهم. لدى جولي حماسة كبيرة لفكرتها التي تتمثل في مساعدة هؤلاء الأطفال المنسيين على استثمار إمكاناتهم، وذلك بتقديم إرشادات عملية تساعدهم على تحقيق أهدافهم وأحلامهم. ألقت بعض الكلمات حول هذا الموضوع أمام عدة مجموعات وجمعيات مختصة بالتعليم، وعرضت أفكارها عبر محتوى متنوع، لكنها تريد الارتقاء بها إلى مستوى أعلى، وتريد أن تطلق مبادرة.
سألتني جولي: ما الذي يجب أن أفعله لنشر فكرتي؟ هل أتوجه للمدونات والتغريدات؟ هل أكتب كتاباً؟ هل أجري دراسة استقصائية؟ هل أعرض فكرتي عبر ندوات منصة تيد إكس (TEDx)؟ هل أجري ندوة حوارية؟ هل أجري مجموعة مما ذكرت؟ وبأي ترتيب؟
من حيث المبدأ، تريد جولي أن تصبح ما أطلق عليه اسم "رائد الأفكار" وهو الشخص الذي يؤسس عملاً منسّقاً حول فكرة راسخة في أعماقه بهدف تحقيق أثر من خلال التأثير في طريقة تفكير الناس وسلوكهم، وبالتالي إحداث تغيير في مؤسسة أو منظومة.
ثمة رواد أفكار طموحون في كل مكان، في الشركات وقاعات الدراسة والمجتمعات بجميع أنواعها في جميع أنحاء العالم. ربما تعرف أحدهم، ربما أنت واحد منهم، ولكن ليست لديك أداة قوية لصناعة التأثير (قلة من الناس لديها ذلك) وتتساءل كيف يمكنك أن تجعل فكرتك تتفوق على كل الأفكار الأخرى التي تتنافس على جذب الانتباه، وما السبيل إلى ذلك؟
عليك أن تعرض فكرتك على الملأ، وهو ما يعني الدخول إلى "مجتمع الأفكار" ذلك المكان الساحر والخطر حيث تنتشر مقاطع الفيديو على نطاق واسع، وحيث تغري النجومية في منصة تيد (TED)، وينشر آلاف المؤلفين الجدد أعمالهم كل يوم، وحيث تحوّل متاجر الأفكار مثل آيديو (IDEO) توليد الأفكار إلى أعمال تجارية. كانت توجهات جولي صائبة، ستحتاج بالتأكيد إلى الكثير من التدوين والتغريدات والدراسات الاستقصائية والخطابات، ستحتاج إلى كل ما يلزم، ولكن قبل ذلك كله عليها الإجابة عن الأسئلة الآتية:
- ما هدفي؟ يندفع الناس إلى الظهور على الملأ لأسباب شتى، كالرغبة في الشهرة والثروة وحلم قيادة حملة تغييرية. لكن الذين يرغبون في إحداث تغيير إيجابي للآخرين هم الذين يحققون تأثيراً حقيقياً طويل المدى. لذا اسأل نفسك: ما هدفي مما أفعله؟ رائد الأفكار سيزار ميلان (الذي بنى إمبراطورية كبيرة حول أفكاره بما فيها العديد من الكتب والبرامج التلفزيونية وأقراص الفيديو الرقمية والسلع) خبير في سلوكيات الكلاب ومعروف بلقبه "هامس الكلاب"، ولكن دافعه الحقيقي هو الحد من سوء معاملة الحيوانات -والأطفال- في المجتمع. كلما رغبت في مساعدة الآخرين، زاد تأثيرك.
- كيف تعبّر قصتي عن الفكرة؟ يجب أن تثير مشاعر الناس لكي يستجيبوا للفكرة، لذلك يروي رواد الأفكار قصصاً شخصية. تحدث غاندي، الذي أعتبره رائد أفكار نموذجي، عن طرده من مقصورة قطار من الدرجة الأولى في جنوب إفريقيا بسبب لون بشرته. كانت تلك الحادثة بداية فكرته عن مقاومة اللاعنف. إذا تمكنت من إثارة مشاعر الناس بفكرة، فسوف يتقبلونها من أعماقهم.
- كيف يمكن للناس تطبيق فكرتي؟ تترسخ الأفكار عندما نتمكن من استخدامها في حياتنا اليومية. ضع نماذج لأساليب تطبيق أفكارك بنفسك ومكّن الناس من تكييفها مع حالاتهم الخاصة. يقدم دانيال كانيمان نظرية معقدة في التفكير، ويقدم أيضاً إرشادات عملية حول صناعة أفضل القرارات، ونتيجة لذلك حظي كتابه الأخير باهتمام كبير. كلما زاد استخدام الناس للفكرة زاد إيمانهم بها.
- هل لدي ما يكفي من المواد الداعمة؟ ينبغي التعبير عن الفكرة بطرق مختلفة لكي يفهمها الناس على نحو أفضل وبطرقهم الخاصة. تحتاج إلى تعزيز فكرتك بالتحليلات والقصص والحقائق والبيانات والمراجع والأمثلة. لدى خبير الاستراتيجيات جورج ستوك قاعدة أساسية لتجميع المواد الداعمة: اجمع ما يكفي من المواد حتى تتمكن من التحدث عن فكرتك ليوم كامل، ولا تفقد اهتمام جمهورك. كلما كان فهم الفكرة قوياً، زادت أهميتها لدى للناس.
- مَن جمهوري المستهدف؟ من المثير للدهشة أن العديد من أصحاب الأفكار الطموحين لا يعرفون جمهورهم المستهدف. من سيتأثر بفكرتك أكثر من غيره؟ من تريد التأثير في تفكيره وسلوكه أكثر من غيره؟ استهدفت مؤلفة كتاب "الفرنسيات لا يسمن" (French Women Don't Get Fat) ميراي غيليانو في كتابها النساء المثقفات في منتصف العمر، لكنها اكتشفت أن الأمهات الشابات والفتيات المراهقات والمديرات التنفيذيات الطموحات -حتى الرجال- استجابوا لأفكارها. كلما كان جمهورك أكثر تنوعاً، كان تأثيرك أوسع نطاقاً.
- كيف ترتبط فكرتي بـ "مسار فكري" أكبر؟ لا توجد فكرة أصلية بالكامل، فمعظمها تحسينات على مجموعة من الأفكار الموجودة سابقاً. يستند رواد الأفكار الناجحون إلى أفكار من سبقهم من العظماء، وهم يعترفون بذلك عادةً. من المهم ألا تحاول الادعاء بأنها فكرتك وحدك. كلما نسبتها للآخرين زاد احتمال أن ينسبها الناس إليك.
عندما تفكر في طرح فكرة على الجمهور، من الصعب تفادي التركيز في البداية على أساليب طرحها، مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتحدث في وسائل الإعلام. لا عيب في ذلك لأن كتابة المدونات وإلقاء المحاضرات يساعدانك على تطوير الفكرة وصقلها، ولكن عليك الإجابة عن هذه الأسئلة المهمة أيضاً. وكلما فعلت ذلك، زادت فرصة وصول فكرتك إلى الناس. في نهاية المطاف، أنت وفكرتك شيء واحد بالنسبة للآخرين. لا يمكنك الادعاء، على الأقل ليس لفترة طويلة.