يمكن أن تحمل عملية البحث عن وظيفة في طياتها بعض التحديات النفسية ويغلب عليها الإحباط والإحراج في بعض الأحيان. يحمل مسار التوظيف احتمالات الرفض غير المبرّر والتعرض لأسئلة تثير الحرج أو عدم الارتياح، بالإضافة إلى احتمالية التقييم بموجب معايير غامضة. يمكن أن يكون البحث عن فرصة عمل أيضاً مخاطرة بمسيرتك المهنية وحتى بهويتك وشخصيتك.
لهذا السبب، قد يؤجل كثير من الأشخاص الانخراط في سوق العمل على الرغم من إدراكهم ضرورة اتخاذ هذه الخطوة. على سبيل المثال، في إحدى المرات، قدمت الدعم والإرشاد الوظيفي لأحد ممثلي خدمة العملاء، الذي كان يدرك ضرورة ترك وظيفته. بعد مرور عامين من تعيينه، لم يتلقَّ أي زيادة في الراتب ولم يحصل على ترقية، لذلك، بدأ يشعر بالملل وعدم التقدير. كان لديه كثير من الأعذار التي أدت إلى تأخير اتخاذ هذه الخطوة؛ إذ كان يخشى البحث عن وظيفة جديدة لأن تجربته السابقة تركت له آثاراً نفسية سيئة. كان متردداً في خوض رحلة التوظيف الشاقة لأنه يعلم شح الفرص الوظيفية في ظل الظروف الاقتصادية التي يشهدها العالم. لذلك، آثر البقاء ضمن أروقة الشركة، ليجد نفسه ضمن قائمة المسرّحين من الوظيفة بعدما أجرت الشركة عملية إعادة هيكلة.
بالطبع، أنا لا أقصد أنه يجب عليك ترك وظيفتك في كل مرة تشعر فيها بالملل. لكن من المفيد أحياناً تحليل وضعك الحالي بحثاً عن علامات تشير إلى إمكانية وجود فرص أفضل. في حال استمرار وجودك في وظيفة غير مرضية، فمن الممكن ظهور بعض العلامات التحذيرية مثل الشعور بالملل والشكوى واللوم ومشاعر الإحباط والغضب أو حتى الشعور بالقلق وعدم الارتياح في نهاية العطل الأسبوعية بسبب شعورك بالرهبة من الذهاب إلى العمل في اليوم التالي. من العلامات التحذيرية المحتملة على وجود خلل وظيفي في مؤسستك تكرار عمليات التسريح واللجوء الدائم إلى الاستعانة بخدمات خارجية والتغييرات الإدارية المتكررة. في كلتا الحالتين، يكون الوقت قد حان لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
إليك بعض الاقتراحات التي تمكّنك من التعامل مع وضعك الحالي في العمل دون الحاجة إلى الانخراط في عملية البحث عن وظيفة جديدة:
كن مستعداً. احرص على تحديث سيرتك الذاتية بانتظام وتوضيح اهتماماتك وتطلعاتك المهنية. يجب أن تعكس السيرة الذاتية أهدافك المهنية والمعرفية التي تنوي تحقيقها في المستقبل. ابدأ بالتحدث مع زملائك بطريقة مدروسة حول اهتماماتك المهنية. تمكن مناقشة ذلك دون ذكر رغبتك في البحث عن وظيفة جديدة؛ إذ قد يبدي بعض الزملاء استعدادهم لمساعدتك في تحقيق أهدافك المهنية العامة.
حاول تنويع بعض مهام وظيفتك الحالية. يمكن أن يعيد هذا الأسلوب إشعال حماسك الوظيفي، حتى وإن لم يكن بمقدورك ترك وظيفتك الحالية. في ظل عمليات التسريح التي يشهدها بعض الشركات، قد تتضاعف فرص التعلم والتطوير من خلال استغلال المهام الإضافية المتوافرة، لذلك، بادر بالتطوع لتولي مسؤوليات ومهام جديدة. يُنصح بالتطوع في المشاريع التعاونية بين الأقسام المختلفة، ما يتيح لك التواصل مع الزملاء ذوي الخبرة واكتساب خبرات قيّمة منهم. في حال إثبات كفاءتك في هذه المهام الجديدة، فمن الممكن أن يُخفَّف عنك بعض مهامك الحالية. استمر في طلب مزيد من المسؤوليات والمهام، سواء كنت تتلقى تعويضاً مالياً عنها أو لا. إذا كانت هذه المشاريع تعزز سيرتك الذاتية فمن المؤكد أنك ستحصل على التعويض المناسب عاجلاً أو آجلاً. هل سمعت يوماً عبارة "يجب أن تحصل على الوظيفة قبل أن يمنحوك إياها"؟ حسناً، هكذا تجري الأمور.
ابحث عن وظيفة جديدة في شركتك الحالية. غالباً يكون البحث عن فرص مهنية داخل الشركة نفسها أسهل من البحث عن وظيفة جديدة خارجها. خصص بعض الوقت شهرياً لتصفح قسم الوظائف الشاغرة على موقع شركتك الإلكتروني. أين توجد فرص العمل الجديدة؟ هل يوجد بعض الفرص المتاحة لك هناك؟ إذا كانت شركتك تسرّح الموظفين، فمن المحتمل أنها تعيّن آخرين في مواقع أخرى. حاول بناء شبكة من العلاقات مع الأشخاص في تلك الأقسام التي تشهد عمليات توظيف، وتقدّم بطلب لفرص العمل المتاحة.
حافظ على التواصل المنتظم مع شبكة علاقاتك المهنية. يُعد ذلك جزءاً أساسياً من استراتيجية التواصل المهني. من المهم الاحتفاظ بقائمة بأسماء الأشخاص الذين تربطك بهم علاقات قوية، والذين انتقلوا من مكان عملك أو زملاء المدرسة أو الجامعة، بالإضافة إلى معلومات الاتصال بهم. حافظ على التواصل المنتظم مع هؤلاء الأشخاص، حتى تتمكن من الاستفادة من شبكة العلاقات هذه عند الحاجة.
حاول تجربة شيء جديد كل عام. حاول الانضمام إلى نادٍ أو ممارسة نشاط ما، أو الاشتراك في دورة تدريبية، أو الانخراط في عمل تطوعي. احرص على التعرف إلى أشخاص جدد واحصل على معلومات الاتصال بهم. حاول ربط أنشطتك الحالية بأهدافك المهنية الجديدة إذا كنت تنوي تغيير مسارك الوظيفي. على سبيل المثال، إذا كنت مهتماً بالانتقال من مجال المبيعات إلى التسويق، فيمكنك الالتحاق بدورات في مجال التسويق والانضمام إلى الشركات التي تُعنى بهذا الشأن لتعزيز مهاراتك.
إذا كنت لا تزال تواجه صعوبة، فحاول الابتعاد قليلاً عن ضغوط العمل والتفكير بوضوح. لا تهمل الجوانب الأخرى المهمة في حياتك، مثل العائلة والأصدقاء والأنشطة الاجتماعية والهوايات الشخصية وغيرها. اعمل بجد وشغف، لكن حافظ على مساحة لنفسك وحياتك. ستلاحظ أن الأشخاص الذين يملكون اهتمامات وعلاقات خارج إطار العمل، والذين يتمتعون ببعض الاستقلالية عن وظائفهم، يتصرفون بطريقة مختلفة. يتمتع هؤلاء الأشخاص غالباً بثقة وقوة ومرونة أكبر، ما يسهّل عليهم مواجهة تغيرات سوق العمل.
يمكن البحث عن وظيفة جديدة تدريجياً وبطريقة مدروسة دون الحاجة إلى ترك وظيفتك الحالية فجأة. ستمنحك هذه الإجراءات مزيداً من التحكم في حياتك المهنية وتضفي الحيوية على حياتك العملية.