يمكن للصراعات التي تنشأ غالباً ضمن فرق العمل، أن تجعلك تتوقف عن التعاون مع الفريق كتعبير عن حالة اليأس، أو التراجع والجلوس في المكتب، ومتابعة الحياة المهنية بسعادة من دون الاهتمام بإدارة الفريق. إلا أنّ القيام بمثل هذه الأمور ليس بالأمر السهل على الإطلاق فالتعاون وروح الجماعة يبقى أجمل، ويمكنك من خلال استخدام عقلك في حالة نشوب الصراعات، الحصول على النتائج المشجعة التي ترغب بها. فإذا دخل فريقك في صراع ووجدت أنّ عضوين منه لم يعد بإمكانهما العمل مع بعضهما، كيف يمكنك إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح مع إنهاء التزاعات في الفريق بأكمله؟، وكيف يمكنك تحويل مسار فريق يشوبه الخلل لآخر يمكنه النجاح بشكل جماعي؟
ما يقوله الخبراء عن كيفية إنهاء التزاعات في الفريق
تُعد الصراعات جزءاً من عملك ضمن الفريق، وبالرغم من أنها تبدو مزعجة في كثير من الأحيان إلا أنها الحالة الطبيعية. تقول جين بريت (Jeanne Brett) الأستاذة الحاصلة على تميز (DeWitt W. Buchanan, Jr) في مجال حل النزاعات ضمن المؤسسات، بكلية كيلوغ للدراسات العليا في الإدارة التابعة لجامعة نورث وسترن، ومديرة مركز بحوث حل النزاعات بالكلية نفسها، ومؤلفة مشاركة لكتاب "حل النزاعات" (Getting Disputes Resolved): "سيكون هناك صراعات ونزاعات في المجموعة بشكل دائم، لا بل يجب أن تكون، حتى لو كانت المهام بسيطة." وترى بريت أنّ فهم سبب نزاع الفريق، واختيار الوقت المناسب للتدخل، ومنع مثل هذه الأفعال في المستقبل، تُعتبر مهارة هامة يجب أن يتمتع بها كل قادة الفرق.
أوقف النزاع قبل حدوثة
ترى بريت أنه لسوء الحظ يفترض معظم قادة الفرق أنهم سيتعاملون مع الخلافات عند حدوثها، لذلك تنصح هؤلاء بالتدخل مبكراً والقيام باستعدادات قبل حدوث الخلافات، وهنا تقول: "يجب وضع إجراءات صارمة لإدارة النزاعات في مكان العمل قبل أن تبدأ بالظهور، لأنها آتية لا محال". وبحسب بريت، ستساعدك هذه القواعد والإجراءات في التعامل مع مشاكل عملك بشكل أسرع.
اقرأ أيضاً: دراسة حالة: عندما يكره اثنان من كبار قادة الفريق بعضهما بعضاً
يقول ريتشارد بوياتزيس (Richard Boyatzis) أستاذ مواد السلوك التنظيمي في كلية ويثرهيد للإدارة (Weatherhead School of Management) بجامعة كيس وسترن ريزرف، ومؤلف مشارك في كتاب "القيادة البدائية: تعلم القيادة مع الذكاء العاطفي" (Primal Leadership: Learning to Lead with Emotional Intelligence): "يعد حل الخلافات بعد حدوثها جحيماً ويحتاج إلى مجهود جبار". كما يعتقد ، أنّ التأكيد على مشاركة أعضاء الفريق لنفس الهدف والقيم والهوية يُعتبر إجراء استباقياً هاماً لمنع النزاعات. يقول بوياتزيس: "على الفريق أن يخصص وقتاً كبيراً للتحدث عن نفسه من خلال عقد الاجتماعات". وفي الاجتماعات عوضاً عن التركيز على قضايا أسهل وأكثر واقعية مثل الأهداف والقياس، دع المجموعة تتفق أولاً على غايتها، ويجب القيام بمثل هذه الأمور عند بداية تشكل الفريق وخلال وجوده.
يُذكر أنّ بوياتزيس، كان جزءاً من ائتلاف تجاري (عبارة عن مجموعة من الشركات التجارية)، كانوا يجتمعون مرتين في العام آخر عقدين، حيث أنّ الاجتماع كان يبدأ في كل مرة بقراءة أعراف ومعايير الفريق التي أتفقوا عليها منذ 10 أعوم. ويعتقد بوياتزيس، على الرغم من أنّ البعض يرى هذا الإجراء أمراً غير مألوف، إلا أنّ ذلك ساعدهم على بقاء الفريق متماسكاً ومُركزاً.
كيف ومتى تتدخل من أجل إنهاء التزاعات في الفريق بأكمله؟
تتضمن بعض الصراعات الأكثر شيوعاً خلافات حول المهام والمعايير والطريقة في العمل، وبغض النظر عن سبب الصراع في فريقك، يمكنك اتباع هذه الإرشادات البسيطة التي يمكن أن تساعدك في حل الخلافات بسرعة.
-
تدخل بسرعة
عندما ترى عضوين أو أكثر من الفريق دخلوا في صراع، كلما تدخلت بشكل أسرع كانت النتيجة أفضل، فالخلافات عندما تبدأ ترتفع فيها حدة العواطف، لذلك يصعب السيطرة على الوضع فيما بعد، كما أنّ السماح للصراع في الاستفحال يمكن أن يؤدي إلى جرح في المشاعر وغضب وضغينة دائمين.
هنا يشير بوياتزيس، إلى أنّ خلاف بسيط يمكن أن يتحول إلى صراع خطير بأجزاء من الثانية، لذا على قادة الفرق أن يكونوا على بينة وانتباه لديناميكية وإحساس الفريق عندما يتسلل أي خلاف.
-
ركز على أعراف ومعايير الفريق
يرى الخبراء أنّ أفضل طريقة لحل الخلافات في الفرق عند اندلاعها هي الرجوع إلى شيء اتفق عليه الأعضاء من قبل أو إلى عمل يمكنهم القيام به مجتمعين. ربما تكون أعراف ومعايير الفريق صريحة أو ضمنية، وإن لم تكن تمت مناقشتها مسبقاً كفريق، ربما يكون هذا الوقت هو الأفضل لعقد محادثات حولها.
إلى جانب ذلك، كن حذراً ألّا تضع هذه المعايير والأعراف الجديدة في إطار النقاش حول خلاف ما، بل ركز على وضع قواعد الاشتباك للمضي قدماً.
-
حدد اتفاقاً مشتركاً
عملك كقائد للفريق يُحتم عليك مساعدة المتخاصمين للوصول إلى اتفاق. تقول بريت في هذا الصدد: "المفتاح الرئيس في هذا الجانب هو احترام وجهة نظر كل طرف". ويرى بوياتزيس، أنّ الطريقة الوحيدة للوصول إلى اتفاق يكمن في التحدث مع المتخاصمين بشكل مباشر، ويشرح ذلك بالقول: "معظم قادة الفرق يقاطعون الحوارات القصيرة أو لا يُجرونها بشكل شامل".
ووفقاً لبريت، عندما تعلم تفاصيل الخلاف بشكل كامل بين أي عضوين أو أكثر ضمن الفريق، فأنت بحاجة إلى التوصل لقرار الحل، وفيه يجب الأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر الطرفين المتخاصمين. وهنا يمكن القول أنّ قرار اللجوء إلى تسوية غالباً ما يكون له دلالة سيئة في عالم الأعمال، إلا أنّ القرار لا يجب أن يكون إجابة تُعشر بالازدراء وتحط من قدر أي طرف، بل يجب أن توحد اهتمامات كلا الطرفين. لذلك، اربط القرار كلما أمكن بالأهداف والقيم والهوية المشتركة بين المتخاصمين لأن ذلك يمكن أن يساعدهما في مقابلة بعضهما وجهاً لوجه.
اقرأ أيضاً: إدارة الاختلافات: التحدي الأبرز في الاستراتيجية العالمية
التحرك بعد الخلاف
يرى بوياتزيس، أنّ أفضل حل لمداواة جراح المتخاصمين في الفريق هو البدء بالعمل من جديد، لذلك، قم بإعطائهم مهمة سهلة أمام المجموعة ليستطيعوا إعادة بناء ثقتهم بأنفسهم كفريق، وهنا باعتبارك قائد للفريق، يمكن أن تكون مثالاً لهم عبر تحركك السريع وتركيزك على العمل. وإذا تم نبذ الأشخاص المتخاصمين بسبب الخلاف، اعمل جاهداً على إعادتهم إلى الجماعة من خلال إعطائهم عمل هام أو التماس آرائهم. وإذا ما جُرحت مشاعرهم بسبب الخلاف، ربما من الأفضل منحهم إجازة وعدم إشراكهم في مهمة مشتركة وذلك لفترة قصيرة.
إلى جانب ذلك، وللمضي قدماً في المستقبل سيكون أمراً مفيداً أن تُنشئ عملية مراقبة منتظمة لمعرفة كيف يعمل الجميع مع بعضهم البعض، كما أنّ هذه العملية ستساعدك على تحديد المشاكل قبل تحولها إلى خلافات متفاقمة.
مبادئ يجب تذكرها من أجل إنهاء التزاعات في الفريق
قم بهذه الأمور:
- ضع إجراءات صارمة لإدارة النزاعات في مكان العمل قبل أن تبدأ بالظهور.
- تدخل بسرعة عندما ينشأ خلاف بين أعضاء الفريق.
- دع أعضاء الفريق يعملون مع بعضهم مرة أُخرى في أسرع وقت ممكن.
لا تقم بهذه الأمور:
- لا تفترض أنّ أعضاء الفريق يوافقون على القيم والهدف والرؤية المشتركة.
- لا تدع الخلافات تتفاقم وتمر دون مراقبة.
- لا تتجاوز الخلاف دون التحدث عنه كفريق.
دراسة حالة رقم 1 حول طرق إنهاء التزاعات في الفريق: حل الخلافات الشخصية في فريق يُدار ذاتياً
كان غاري هارتمان (Gary Hartman) يحضر اجتماعاً مع الشركاء في شركته الصغيرة المتخصصة بالاستشارات في مدينة بوسطن عندما نشب خلاف ضمن الفريق.
جميع الشركاء الموجودين والذين عددهم 8 كانوا يجتمعون مع بعضهم في شهر ديسمبر/كانون الأول من كل عام، لاتخاذ قرار بشأن التعويضات، وهو موضوع حساس وضع له الفريق قواعد للمناقشة. وخلال الاجتماع يقدم كل شريك الإنجازات التي حققها وتقدمه من ناحية الأهداف السنوية، ثم يحق للشركاء طرح الأسئلة بأسلوب مهذب لتوضيح الأمور. وفي حال وجود مشاكل أكثر خطورة عادة ما كان يطرحها الشركاء قبل الاجتماع ليكون هناك قدرة على معالجتها خارج هذا الإطار الرسمي.
وخلال عرض إحدى الشركاء وتدعى سوزان، كان هناك شريك يدعى روبرت، يقوم بمقاطعتها وسؤالها حول حقيقة ما تقوله. أوضح روبرت خلال الاجتماع أنه سمع محللاً يقول أنّ أحد المشاريع التي استشهدت بها سوزان بنجاحها فيه، كان بالرغم عنها. وقال المحلل أنّ سوزان أساءت للعميل بشكل متكرر، وكانت تحضر الاجتماعات متأخرة، ولم تفعل شيئاً يذكر.
في البداية سمح الشركاء الآخرون لروبرت أن يدلو بدلوه، إلا أنّ غاري أدرك وبعض من الشركاء أنّ سوزان أهينت علناً. يقول غاري بهذا الصدد: "من الجدير بالاهتمام أن يطرح الأعضاء في الفريق وجهات نظرهم، لكن ليس بتلك الطريقة التي استخدمها روبرت، خاصة وأنّ الأدلة التي قدمها كانت مسموعة ولم يتفق الفريق من قبل على كيفية تقديم المعلومات الخارجية".
وعلى اعتبارهم فريق يدار ذاتياً، كان عليهم أن يقرروا كيفية التعامل مع حقيقة أنّ أحد الشركاء استهان بآخر. وقرروا أن يعلنوا صراحة قاعدة كانت ضمنية: أنّ أي شيء يحتمل أن يكون ضاراً أو مؤذياً للمشاعر بين شريكين ينبغي التعامل معه بين الاثنين أولاً، وإذا لم يتوصلا إلى حل وقرار، وقتها يمكن تقديمه إلى الفريق الأوسع ولكن بتمهل.
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق العمل المدارة ذاتياً تسوية النزاعات؟
إلى جانب ذلك، طلب الفريق من سوزان وروبرت مناقشة مشكلة العميل مع بعضهما وحلها. وأنشأ الشركاء فريقاً فرعياً لمعالجة الكيفية التي يمكن أن تستعرض فيها المعلومات والتحليلات الخارجية في مناقشة التعويضات مستقبلاً، وكانت من مسؤوليات الفريق التعامل مع المواجهات، والنظر إلى جميع الأطراف، ووضع توصية متوازنة ومتطورة للشركاء.
دراسة حالة رقم 2: تركيز أعضاء الفريق على الهدف المشترك من أجل إنهاء التزاعات في الفريق
كان على كيلي جونسون (Kelley Johnson) المالكة لفندق صديق للبيئة بدولة بليز الواقعة في شمال أميركا الوسطى، التعامل بشكل اعتيادي مع ديناميكيات الفريق، وبما أنّ الفندق يقع في منطقة نائية، ويعمل فيه نحو 25 موظفاً بدوام كامل يعيشون هناك لفترات طويلة تستمر أسابيع في كل مرة. فإنّ هذه البيئة المتقاربة يمكن أن تحدث فيها صراعات، إذا لم تتم إدارتها بشكل جيد.
كان يدار الفندق من قبل 4 مدراء، إحداهم كانت كاتجا (Katja) وهي مغتربة من ألمانيا، تدير المكتب الرئيسي وتهتم بالكادر الوظيفي في غياب جونسون، ومدير آخر يدعى كارلوس (Carlos) وهو بليزي، مسؤول عن خدمة النزلاء.
تُعرف كاتجا بتنظيمها ودقتها في عملها، أما كارلوس يُعرف بذكائه عندما يتعلق الأمر بخدمة العملاء، إذ يُشعر كل نزيل بأنه يحصل على معاملة خاصة. تقول جونسون عنه: "كارلوس لديه القدرة على أن يشعر الشخص وكأنه أول شخص في التاريخ يشاهد أفعى ما".
في الشتاء الماضي طلبت كاتجا من كيلي أن تستغني عن كارلوس لأنها شعرت أنه لا يقوم بواجبه العملي على أكمل وجه، إذ ينسى مهامه بشكل متكرر، وغير مبال لعمله في الأعمال الورقية، وكانت تشعر بالإحباط وتعتقد أنها تعمل بجد أكثر منه بمرتين. وكان كارلوس قد أشتكى لكيلي سابقاً حول كاتجا، معبراً عن استيائه من انتقاداتها وشعوره بأنها كانت باردة تجاه عملاء الفندق.
رأت كيلي أنّ الاثنان لم يفهما ويقدرا موهبة بعضهما، لذلك طلبت من كاتجا أن تأخذ خطوة للخلف وتراجع الوضع. صحيح أنّ كارلوس كان يفشل في القيام ببعض مهامه كما هو مبين في مسماه الوظيفي، إلا أنّ عمله للفندق بشكل عام كان لا يقدر بثمن. واعترفت كيلي بأنه ينبغي تغيير مسماه ليرتقي إلى مستوى التوقعات، وتحدثت إلى كاتجا وكارلوس وأقرت بأنهما يُعتبران قيمة ثابتة للفريق، وطلبت منهما تقدير عمل بعضهما. وبما أنّ الاثنان كانا جزءاً من خطة تقاسم أرباح الفندق، ما يعني أنّ جزءاً من راتبهما يتوقف على الأعمال التجارية، طلبت منهما التركيز على هذا الهدف الأكبر ورمي الخلافات خلفهما.
وبعد إعادة وضع شكل التوقعات، وجد كارلوس وكاتجا طريقة للعمل مع بعضهما من خلال اعترافهما أنّ كلاً منهما لديه أسلوب مختلف عن الآخر في العمل، وأنّ كلاهما يهتم في نهاية المطاف بنفس الهدف وهو جعل الفندق ناجحاً بعد إنهاء التزاعات في الفريق بأكمله.
اقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع الخلافات بين أعضاء فريقك؟