إنشاء ثقافة التحسين المستمر

6 دقائق
ثقافة التحسين المستمر

ماذا تعرف عن ثقافة التحسين المستمر تحديداً؟ سجل عدد من النظم الصحية مكاسب مثيرة للإعجاب في تحسين النتائج ورضا المرضى وخفض التكاليف وذلك بتطبيق "نظام تويوتا للإنتاج" (TPS) لإعادة تصميم إجراءات العمليات الطبية والإدارية وفق منهجية "لين" (lean)، من أجل القضاء على الهدر وزيادة الجودة. ولكن في جميع الحالات الكثيرة جداً، بدأت هذه الجهود بالتلاشي عند مغادرة القائد الذي أيد نظام تويوتا في المؤسسة. ورأينا ذلك عن كثب، فهذا ما حدث في شركة "ثيداكير" (ThedaCare) التي يقع مقرها في مدينة ويسكونسن. عندما غادرها أحدنا (وهو جون توسان) في عام 2008، تراجع أداؤها من حيث الجودة (بحسب قياسات معايير برنامجَي "ميديكير" (Medicare) و"ميديك إيد" (Medicaid) للخدمات الطبية للمؤسسات التي تتبع نموذج "نيكست جينيريشن" (Next Generation) للرعاية المسؤولة)، حيث أصبح الأداء متوسطاً بعد أن كان الأفضل في البلاد.

من خلال أبحاثنا في مجال الرعاية الصحية وغيرها من القطاعات، حددنا مجموعة من الممارسات التي يمكنها إيقاف هذا الانهيار والحفاظ على ثقافة تحسين الأداء المستمر بعد رحيل القائد الذي كان يطبق نظام تويوتا بشغف. وهي تشمل ما يلي: دمج نظام تويوتا مع تخطيط تسلسل القيادة للرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة، وغرس سلوكيات منهجية "لين" لدى المدراء على جميع المستويات، وإنشاء قصص النجاح الخاصة بك، وتأسيس نظام تويوتا للتشغيل.

ممارسات ثقافة التحسين المستمر

حددنا هذه الممارسات من خلال دراسة عدة مؤسسات رائدة للرعاية الصحية في مختلف أنحاء العالم، ولكنها ستؤتي ثمارها للقادة والفرق الذين يكافحون من أجل مواكبة مطالب العملاء، ويتجاوزون الترتيب الهرمي الداخلي، ويبنون نظاماً دائماً للتحسين المستمر للأداء.

شمول نظام تويوتا في التخطيط لتسلسل القيادة. كان مستشفى سانت ماري العام في كيتشنر، أونتاريو، مصنفاً على أنه الأول على أفضل 3 مستشفيات من حيث السلامة في كندا على مدى 3 أعوام متتالية. ولكن منذ 6 أعوام، تراجع المستشفى في القائمة، وتدنت مرتبته كثيراً بسبب ما حدث فيه من عديد من الأخطاء الجسيمة غير المعتادة كسقوط المرضى. وضع الرئيس التنفيذي دون شيلتون نصب عينيه القضاء على تلك الأخطاء بمجملها، وحقق نجاحاً من خلال بناء ثقافة وتأسيس إجراءات تحسين للأداء تتطلب مشاركة ممرضي خطوط العمل الأمامية في تحديد المشكلات وحلها. في إحدى الوحدات مثلاً، انخفضت نسبة سقوط المرضى أكثر من 80% خلال عام واحد، حيث صمّم الممرضون إجراءات عمل قياسية مفصلة وتطبيقها.

كان شيلتون يفكر في تقاعده مسبقاً في الوقت ذاته. وأدرك أنه من أجل استمرار نظام تويوتا في مستشفى سانت ماري بعد مغادرته، يجب عليه جعل أعضاء مجلس الأمناء الذي يدير المستشفى، وهم أشخاص من خارجه، يستوعبون النظام ويدعمونه بحماس. ولتحقيق هذا الهدف، دفعهم لقضاء بعض الوقت مع موظفي الخطوط الأمامية في المستشفى، ضمن غرفة الطوارئ، ووحدات المرضى الداخليين، والعيادات. فبدأوا بملاحظة إجراءات تحسين الأداء المستمرة ومعرفة ما تبدو عليه نظم الدعم. ونتيجة لذلك، أدى ذلك إلى تغيرهم. إذ بدأ أعضاء المجلس بالتجول في القاعات وطرح الأسئلة، ساعين لفهم كيف يزودهم العمل اليومي بالمعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات الاستراتيجية.
وعندما شارف شيلتون على التقاعد في العام الماضي، وضعت لجنة التوظيف في المجلس قائمة من المعايير لاختيار خليفته. وكان على رأس قائمة المعايير امتلاك المعرفة والخبرة في ثقافة تحسين الأداء المستمر.

واختير أندرو فالكونر، وهو طبيب إسعاف دُرِّب على الإدارة وفق منهجية "لين"، وسبق أن عمل في مستشفى كوينزواي كارلتون في أوتاوا، كندا، بقيادة مبادرات تسعى لتقليل وقت انتظار المرضى لتلقي العلاج وتحسين تجربتهم الكلية. لا يزال مستشفى سانت ماري اليوم من أفضل المستشفيات أداء فيما يتعلق بسلامة المرضى بإدارة الرئيس التنفيذي الجديد، ولكن أداءه المميز ربما يكون قد تباطأ بسبب عدم التزام مجلس الإدارة بالاستمرارية.

وإدراكاً لضرورة وجود المجالس التي تعتبر نظام تويوتا مهماً، ضمَّن بعض المؤسسات الصحية معيار الخبرة في نظام تويوتا ضمن معايير اختيار الأعضاء الجدد. إحدى هذه المؤسسات هي مؤسسة الرعاية الصحية "بيند" (Bend) في سانت تشارلز في ولاية أوريغون، التي يرأسها دان شويت، إذ وضعت معايير مرتبطة بنظام تويوتا لمرشحي مجلس الإدارة، وهي التي تشمل ما يلي: هل يطرح المرشح أسئلة مفتوحة؟ هل يملك الفضول بشأن سير العمل؟ والأهم، هل لدى المرشح استعداد لتطبيق مبادئ نظام تويوتا، كأن يذهب إلى موقع العمل والتعلم كي يستخدم ما يتعلمه لتوجيه نفسه في دوره في إعداد الاستراتيجية والرؤية؟

غرس سلوكيات منهجية "لين" في المدراء على جميع المستويات. بعد إجراء دراساتنا في مركز ويكسنر الطبي في جامعة ولاية أوهايو (Ohio State University Wexner Medical Center)، ومركز "مايو كلينك" (Mayo Clinic)، ومستشفى زوكربيرغ سان فرانسيسكو العام (Zuckerberg San Francisco General Hospital)، وجدنا أنه على الرغم من النجاح الكبير لكبار قادة هذه المراكز في طرح أدوات تحسين الأداء المستمر، فإن بعضهم يعاني من صعوبات في غرس سلوكيات منهجية "لين" لدى المدراء والفرق على جميع المستويات.

ومن أجل إدخال نظام تويوتا ضمن نسيج مستشفى زوكربيرغ، أنشأت الرئيسة التنفيذية سوزان إيريليش خطة تطوير للأطباء البالغ عددهم 55 طبيباً وقادة الموظفين المرتبطين بنظام تقييم ذاتي مطبق في المستشفى، الذي يتتبع 5 أبعاد سلوكية جديرة بالملاحظة. مثلاً، لمعرفة ما إذا كان المدراء يقودون فرقهم بتواضع، يتابع المستشفى ما إذا كانوا يحضرون إلى مواقع عمل الخطوط الأمامية من أجل فهم كيفية أداء العمل. وما إذا كانوا، عند تواجدهم هناك، يطرحون أسئلة مفتوحة ويزيلون العراقيل التي يواجهها موظفو الخط الأمامي في محاولتهم لحل المشكلات.

ماذا لو كان المدراء الذين يشكلون قدوة في هذه السلوكيات منشغلين بأمور أخرى أو يتركون هذه الإجراءات؟ في دراسة عشوائية لأكثر من 30 فريقاً من فرق الرعاية الصحية الأولية في مركز مايو كلينيك، لاحظنا بدء تراجع ثقافة التحسين المستمر لأن الأطباء الذين يقودون التجمعات اليومية، وهي اجتماعات قصيرة للفرق تهدف لإدارة الجودة والسلامة، منشغلون بواجباتهم الأخرى، أو لأنهم تركوا إجراءات الرعاية الصحية الأولية. ووجدنا في عديد من الحالات، أن الممرضين وموظفي الاستقبال لديهم معلومات هامة ولكنهم لا يشعرون بالراحة في مشاركتها. وفي هذه المراكز، توقفت التجمعات اليومية تماماً في نهاية المطاف.

وفي عيادات مركز مايو حيث ازدهرت التجمعات اليومية، كانت الفرق تتبادل قادة تجمعاتها، ما كان يتيح للممرضين أو موظفي الاستقبال غالباً التقدم نحو دائرة الضوء في اجتماعات تحسين الأداء المستمر اليومية هذه. وكانت الفوائد الرئيسة لهذا النهج أنه ألغى التسلسل التنظيمي الهرمي بين الفرق، وكان أفرادها يتحدثون بصراحة عن الصعوبات التي تواجههم في عملهم على تحسين رعاية المرضى.

أنشئ قصص النجاح الخاصة بك. يعني دعم ثقافة تحسين الأداء المستمر ونشرها محاربة الجمود ومجابهة عدم الرغبة في تغيير عادات العمل، حتى السيئة منها. وإحدى الطرق الفاعلة لتحقيق ذلك هي التركيز على حل المشكلات الحقيقية داخل مؤسستك، وليس التحدث عن قصص نجاح الآخرين. وقد شهدنا نجاح هذا الأسلوب عندما عملنا مع الأطباء والممرضين في المركز الطبي بجامعة ولاية أوهايو على بحث يهدف للحدّ من إعادة إدخال المرضى الذين أجريت لهم عمليات زرع الكلى إلى المستشفى مرة أخرى. إذ قاومت مراكز الرعاية الصحية فكرة أن استراتيجيات التطوير المستمر الناجحة في المستشفيات الأخرى ستنجح فيها، ولذلك سرعان ما أدركنا أن التفاخر بذكر اسمَي تويوتا وعيادة كليفلاند أدى إلى زيادة مقاومة التغيير.

ولتغيير هذه العقلية، ركزنا على عزل المشكلات في وحدات تلك المراكز وحلها. إذ يؤدي إظهار وجود المشكلة في الظروف اليومية للفريق إلى إثراء المناقشات التي تقود إلى التغيير وتقلل من احتمالات تخلي الفريق عن المبادرة أثناء إجراء تغيير في القيادة. وفي مثالنا هذا، كان فريق زرع الكلى قادراً على الحد من إعادة إدخال المرضى إلى المستشفى بنسبة 9% على مدى 9 أشهر في عام 2017، واستمر في التحسن حتى بعد رحيل مدير العيادة الطبية. وكان هذا النجاح ملهماً للفرق الأخرى في المركز الطبي من أجل دراسة إجراءاتهم وتغييرها.

إنشاء نظام تويوتا للتشغيل. وصل معظم مدراء المؤسسات الطبية إلى مناصبهم من خلال نجاحهم في حل المشكلات، لكونهم الأبطال الذين أنقذوا المواقف والمرضى. ولكن للأسف، ليست البطولات الفردية كافية. وسيموت ما يقارب 250 ألف مواطن أميركي بسبب الأخطاء الطبية هذا العام، وجزء كبير من السبب في ذلك هو نظم التشغيل الاستبدادية التي لا تسمح لموظفي الخطوط الأمامية بتقديم معلوماتهم. ووجدنا أن "الخلطة السرية" لدعم ثقافة تحسين الأداء المستمر هي اتخاذ نظام تويوتا كأسلوب حياة في المؤسسة بأكملها، وإلا لن تكون التحسينات مستدامة.

وأحد المستشفيات التي تفعل ذلك هو مستشفى الأطفال المرضى "سيك كيدز" في تورونتو، كندا. إذ يبدأ نظام العناصر العشرة فيه مع فرق الخطوط الأمامية التي تتجمع عند بدء عمل كل وردية للإشارة إلى المشكلات التي تقوم مجموعات صغيرة بحلها بعد ذلك. ويجري الإبلاغ عن هذه النجاحات بالإضافة إلى المشكلات التي لا يمكن إيجاد حل فوري لها يومياً بشكل مرئي للمدراء على المستويات المتوسطة والعليا، كي يتضح ما إذا كانت المؤسسة رابحة أم خاسرة بحسب مقاييس الأداء الرئيسة ومعرفة التحديات العالقة. ساعد هذا النظام المستشفى في تقليل عدد إصابات الخط الرئيس، وهي مشكلة شائعة يمكن الوقاية منها، بنسبة 45% وخفض مدة الانتظار في قسم الطوارئ بنسبة 14%. وتتبع مؤسسة رعاية صحية أخرى نهجاً مماثلاً، وهي مؤسسة إنترماونتين للرعاية الصحية (Intermountain Healthcare)، ويقع مقرها في مدينة سولت ليك.

هناك عوامل كثيرة يمكن أن تؤدي إلى زوال ثقافة التحسين المستمر بالفعل، ولكن كانت العوامل التي ركزنا عليها هي العوامل المشتبهة والمتكررة. ووجدنا أنه كان من الممكن تفادي هذه العثرات والإخفاقات لو أن المؤسسات طبقت المعايير التي تحدثنا عنها، وأنه من الممكن جعل نظام تويوتا أسلوب حياة يدوم طويلاً بعد مغادرة البطل الذي أسسه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي