سؤال من قارئة: يركز عملي على تصميم أماكن العمل في مؤسسات القطاع الحكومي. أتعامل مع عدد من الأقسام الحكومية التي تبنت في الأعوام الأخيرة مساحات المكاتب المفتوحة بهدف زيادة التعاون بين الموظفين. فبدلاً من الحجيرات التقليدية الصغيرة، عملت هذه المؤسسات على زيادة المساحات المشتركة وتقليص المساحات الشخصية من أجل إنشاء بيئة عمل تعزز رفاهة الموظف. واليوم بالطبع في ظل واقع التباعد الاجتماعي الجديد يشعر عملائي أن تصميم المكاتب هذا سيحدّ من شعور موظفيهم بالأمان.
سؤالي هو:
كيف يمكننا مساعدة هذه المؤسسات في إنشاء بيئة عمل تعزز رفاهة الموظف في زمن الجائحة وما بعدها؟ وحتى مع زوال الخطورة، هل سيرغب الموظفون بالجلوس على مسافة قريبة من زملائهم من جديد؟ كيف يمكننا معالجة هذه المشكلة؟
يجيب عن هذا السؤال كل من:
دان ماغّين: مقدم برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
أليسون بيرد: مقدمة برنامج "ديير آتش بي آر" من هارفارد بزنس ريفيو.
إيثان بيرنستاين: أستاذ في "كلية هارفارد للأعمال".
إيثان بيرنستاين: بحسب خبرتي، عندما سألنا الموظفين عما إذا كانوا يرغبون في العودة إلى مكاتبهم أجاب معظمهم بنعم. لكن إذا سألناهم عن رغبتهم في العودة إلى مكاتبهم التي تفصل بينها ألواح زجاجية مرتدين كمامات وأقنعة مع إلغاء غرف الطعام المشتركة والحاجة إلى الوقوف في الطابور لركوب المصعد وتقليص عدد دورات المياه المستخدمة وغير ذلك من القيود، فالجواب هو لا.
ولذلك قرر كثير من القادة والموظفين عدم إجراء هذه التغييرات ومواصلة جهودهم للتوصل إلى أفضل الطرق لإنجاح العمل من المنزل. وتشير أبحاثنا إلى أنه وبعد مرور 6 أشهر على انتشار الجائحة توصل معظم الموظفين إلى طرق فعّالة للعمل من المنزل وليس لديهم رغبة في العودة إلى المكاتب مع هذه القيود، ومع ذلك فهم يفتقدون بعض الأمور التي اعتادوا عليها في المكاتب والتي يمكن أن نوفرها لهم إذا أعدنا تصميم المكاتب وفق هذا الهدف.
لاحظنا 3 أمور تشكل تحدياً في العمل من المنزل، الأول هو إلحاق الموظفين الجدد بالعمل وتدريبهم، والثاني هو تعزيز العلاقات، والثالث هو التشجيع على بناء روابط وصلات العمل، أي التواصل بين زملاء العمل الذين لا يربط بعضهم ببعض سوى عملهم في مكان واحد ولا يمكن أن يستمر التواصل بينهم إلا ضمنه، وتساعد هذه الروابط على تدفق المعلومات والمعارف وزيادة الابتكار وكل ما يتعلق بصحة المؤسسة المستقبلية. هذه الأمور جميعها تتم عن طريق الاجتماع في مكان العمل وجهاً لوجه. لكن على الرغم من أن مكان العمل المفتوح يبدو غير آمن في هذه الفترة بسبب عدم تحقق شروط التباعد الاجتماعي نظراً لقرب المسافات بين الموظفين، فقد يكون من الممكن استخدام هذه المساحات المفتوحة واستغلال مرونتها لمحاولة ضمان أن يتمكن الموظفون من رؤية بعضهم البعض والاجتماع بطرق آمنة مع الحفاظ على مسافة مترين بين الموظف والآخر ومنحهم شعوراً بأنهم معاً يسمع بعضهم بعضاً من دون تعريض أحد للخطر. وسيكون ذلك رائعاً. وربما سيسمح لنا ذلك باستعادة الشعور بالانتماء إلى المنظومة ويعيد إلينا روابط أسبوع العمل ويتيح لنا التعرف على زملائنا في الشركة والتحدث إليهم عن العمل بعيداً عن اجتماعات منصة "زووم" أو "تيمز". سيبدو الأمر أشبه بالتقاء شخصين على طاولتين منفصلتين في المقهى.
دان ماغّين: عندما تحدثت مع موظفين في شركات مختلفة تولد لديّ انطباع أن كثيراً من المسؤولين عن أماكن العمل هذه يعتبرون الفواصل الزجاجية وإشارات التباعد الإرشادية على الأرض وتحديد عدد الحاضرين في غرف الاجتماعات تدابير مؤقتة قصيرة الأجل، بناء على فكرة أن اللقاح سيتوفر وستعود الأمور إلى طبيعتها سريعاً. لذا يتعين على صاحبة السؤال إخبار العملاء أننا سنخضع لتغييرات دائمة في أساليب عملنا، ويبدو من سؤالها أنها تدرك ذلك. كيف يمكنها إخبارهم بأن الفواصل الزجاجية لن تكون إجراء مؤقتاً لعدة أشهر فحسب؟
إيثان بيرنستاين: بحسب ما أسمعه من الموظفين الذين أتحدث إليهم دائماً عن هذه الأمور، فإن العودة إلى الوضع المعتاد السابق تبدو محبِطة حالياً، والعملاء والموظفون ليسوا مستعدين لسماع أحد يقول لهم إن كل هذا هو محاولة للصمود في هذه الفترة الصعبة بانتظار أن يصبح بالإمكان العودة إلى ما كانت الأمور عليه سابقاً، بل يرغبون في سماع أن كلّ ما نمر به الآن من إحباط وألم وكلّ ما حققناه من الابتكارات والعمل الجيد الذي نقوم به لن يذهب هباء، لذلك يتعين علينا أن نبني افتراضاتنا على أن اللقاح سيتوفر بعد فترة محددة ونفكر بما ستكون الأمور عليه بعد ذلك مستفيدين مما حققناه في الأشهر الماضية وما نحاول تحقيقه اليوم.
دان ماغّين: تشير صاحبة السؤال إلى أن عملاءها ينتمون إلى النقابات التي تتمتع بقوة كبيرة. كيف يؤثر ذلك على طبيعة المحادثة التي يجب أن تجريها معهم؟
إيثان بيرنستاين: قد تتغير طبيعة المحادثة بسبب تغير الأطراف المشاركة فيها، لكن أرجو أن يكون هذا التغيير نحو الأفضل. يبدو أن الجميع يشاركون فيما يحدث منذ البداية، وكلما ازداد عدد المشاركين في مناقشة طريقة القيام بالأمور اليوم وفي المحادثات المستقبلية حول طرق العمل في الواقع المستقبلي الجديد كانت النتائج أفضل، ويمكن للنقابات أن تفيد في اقتراح ما يمكن لإدارة المؤسسة فعله، وستنفذ الإدارة هذه الاقتراحات بكل سرور.
أليسون بيرد: ليس بالضرورة أن تعقّد النقابات الأمور، وأفهم مما سبق، أن علينا التخلي عن جميع افتراضاتنا السابقة والتحدث إلى الموظفين عما يريدونه هم، والتفكير بكل هذه الأمور باتباع نهج التفكير التصميمي، ويمكن أن تساعد النقابات في ذلك. فهي تناصر الموظفين ويجب على المدراء دائماً مناصرة الموظفين أيضاً، لاسيما في هذه الفترة. كنت أعمل عن بعد من قبل انتشار الجائحة، وكنت أعتبر أيام عملي في المكتب فرصة للتواصل الاجتماعي. إذ كنت أقابل زملاء لم ألتق بهم منذ زمن وأتحدث إليهم، وأرتب مواعيد لتناول الغداء معهم. وكنت أعقد جميع اجتماعاتي في هذه الأيام، وكانت تتمتع بأهمية كبيرة وتمنحني طاقة على نحو لم يكن سيتحقق لو أني عملت في المكتب طوال الأسبوع. من المجدي أن نعيد النظر في كل الأمور والبدء من الصفر.
إيثان بيرنستاين: يجب احترام قوانين النقابات التي تطالب بحصول الموظفين على حجيرات بحجم محدد، لكن يبدو أن علينا إعادة النظر في القوانين والأمور التي كانت منطقية فيما مضى، ليست المؤسسات وحدها أو الموظفون وحدهم بحاجة إلى ذلك، بل الجميع بحاجة إليه. ربما كان علينا استخدام غرفة المعاطف لغرض آخر، لكن إذا وقفت قوانين النقابات في وجه ذلك فستتسبب بمشكلة. أعتقد أن الجميع يتفقون على أنه من الضروري أن نتمتع بمرونة أكبر في هذه الفترة.
أليسون بيرد: تملك صاحبة السؤال خيارين من أجل إنشاء بيئة عمل تعزز رفاهة الموظف، الأول هو اقتراح أن يستخدم عملاؤها مساحات العمل المفتوحة كما هي ولكن مع إجراء بعض التعديلات، مثل الفواصل الزجاجية والكمامات الواقية وتقسيم العمل إلى ورديات والدخول من دون لمس الأبواب مثلاً، وتقليص المساحات المشتركة واستخدام أنظمة أفضل لتنقية الهواء. لكننا لا نعتقد أن عملاءها يرغبون في الاستماع إلى حديث عن العودة إلى ما كانت عليه الأمور في السابق. لذا نشجعها على التفكير في عالم ما بعد الجائحة وبطريقة للاعتماد على الجوانب الإيجابية من العمل عن بعد واستعادة أفضل جوانب العمل في المكتب والعمل بالتعاون مع قادة هذه المؤسسات ونقاباتها والموظفين أنفسهم بصورة مباشرة. الآن هو الوقت الأمثل لإعادة النظر في القوانين والمستلزمات وإنشاء مكان العمل المستقبلي.