يميل كل محترف أحياناً إلى تأجيل العمل على بعض المشاريع، ومن السهل في الواقع تأجيل المهام المملة والروتينية، مثل تقديم تقارير المصروفات، والمهام التي تسبب الاستنزاف العاطفي مثل كتابة تقرير مراجعة أداء سلبي لأحد الموظفين. تشير البحوث إلى أن التسويف هو استراتيجية العقل اللاواعي لتجنب المشاعر السلبية، وليس إشارة إلى الفشل الأخلاقي أو علامة على الكسل.

ولعلّ أحد أسباب التسويف الشائعة لدينا هي عدم وضوح المشاريع أو عدم وجود هدف محدد لها، ما يجعلنا نشعر بـ “العجز المهني” لجهلنا كيفية بدء العمل على المهمة وماهية المسؤوليات المطلوبة منا. أوضحتُ في كتابي الذي يحمل عنوان اللعبة الطويلة الأمد (The Long Game) أن التسويف يعطّلنا عن تحقيق أهدافنا البعيدة الأمد، حتى عندما نقضي وقتنا في العمل على أمور غير مهمة. وإذا لاحظتَ أنك تتجنب عنصراً معيّناً في قائمة مهامك باستمرار على الرغم من أهميته لنجاحك المستقبلي، فإليك 5 نصائح مفيدة لتجنب هذه العادة.

تحديد الهدف بوضوح

قد تكون بعض المشاريع التي يُكلّفك بها مديرك أو زميلك مبهمة وغير واضحة مثل: “اكتب مقترحاً لطلب المنحة” أو “استكشف هذه الفرصة”. هل يرغب في الحصول على مستند مفصّل من 20 صفحة، أم يكفيه ملخص قصير من صفحة واحدة؟ هل يريد تقريراً يُقدّم إلى أعضاء مجلس الإدارة أم معلومات سريعة ومختصرة؟ قد لا نُدرك أحياناً نطاق المهمة بسبب “استجابة الجمود”، ما يستلزم منا مراجعة الأسس الأولية للمهمة لفهمها. ما الذي طُلب منك على وجه التحديد؟ ما النتيجة المرجوة، وما تقديرك للوقت المطلوب لتحقيقها؟ قد يساعدك فهم الهدف في تجنب الارتباك والتردد.

حدد خطوات واضحة

قد لا تتجلى لك طريقة تحقيق الهدف المنشود حتى لو كانت الرؤية واضحة، أو حتى لو كنت تسعى إلى تحقيق رؤيتك الشخصية. وقد تكون لديك قائمة مهام مليئة بالأنشطة الممكنة لكنك غير قادر على تحديد المهم منها أو تصنيفها بحسب الأولوية، لا سيما إذا كنت تتعامل مع مهمة لم يسبق لك العمل عليها (مثل إطلاق منتج جديد). (هل يجب عليك إنشاء مجموعات تركيز؟ أم تطوير نموذج أوّلي؟ أم كتابة خطة تسويقية؟ أم اختبار استراتيجية التسعير؟)

من المفيد في تلك الحالات التحدث مع الزملاء الذين عملوا على مهام مشابهة في الماضي، أو تعيين استشاري ذي خبرة أو دراسة أعمال الآخرين السابقة في مجالك بعناية وإجراء تحليل عكسي عليها لفهم كيفية تحقيقهم النجاح. ليس من الضروري أن تقلّد خطواتهم السابقة بحذافيرها، بل يكفي أن تكون على دراية بأفضل الممارسات السابقة وأسوئها لتضع خطة أولية وتتخذ قرارات مستنيرة بشأن الممارسات التي ترغب في تجنبها، ولعل ابتكاراتك تحسّن مستوى تلك الخطوات وتطورها بالفعل.

اتخاذ إجراءات (صغيرة)

قد تبدو المشاريع غير الواضحة والغامضة ضخمة وتستغرق وقتاً طويلاً لإنجازها، ما يستلزم تأجيلها عادة إلى آخر قائمة الأولويات. لكن الأستاذ في جامعة ستانفورد، برايان جيفري فوغ، يشير إلى أن اتخاذ إجراء، ولو كان صغيراً، يخلق حافزاً إيجابياً يُعين على إكمال المهمة (فكتابة فقرة واحدة من تقرير التقدم تدفع الشخص إلى كتابة التقرير بأكمله)، في حين أن تحديد مهمة يمكنك إنجازها، حتى لو لم تكن ضرورية (مثل إرسال بريد إلكتروني أو إصلاح تخطيط العرض التقديمي)، يكسر حلقة الكسل ويُسهّل عليك مواصلة المهمة في المستقبل.

وضع آليات ضغط

من المرجح أن الإرادة وحدها لن تكفي لتحفيزك إذا كنت تعاني التسويف في العمل: (“سأنهي هذا المشروع يوم الخميس بالتأكيد”)، بل لا بدّ لك من تحديد “آليات ضغط” لتجبر نفسك على الامتثال. يمكنك وضع آليات ضغط شخصية لتحمّل المسؤولية، مثل جدولة اجتماع أسبوعي مع مديرك أو زميل تثق به، مثلما يضمن تعيين مدرب شخصي التزام ممارسة التمارين الرياضية (لقد دفعت ثمن الجلسة وسيكون من غير اللائق التغيّب عنها في الصالة الرياضية).

يمكنك أيضاً اختيار العمل الافتراضي المشترك مع بعض زملائك كي تشعر بالمسؤولية عن إحراز تقدم في يوم معين، بحيث يعلن المشاركون عن المهام التي سيعملون عليها في بداية جلسة العمل ويُبلغون بالتقدم المحرز في نهايتها. كما يمكنك تحديد “قوانينك” لتحافظ على تقدمك في العمل. عندما كنت أشعر بالضغط بسبب اقتراب موعد نهائي، اعتدت أن أعمل على المهمة في مطعم (حتى لا يكون الجوع أو العطش عذراً) ولا أسمح لنفسي بالخروج إلى حين اكتمالها.

تقليل مصادر التشتيت

عقول البشر مجبولة على البحث عن مصادر الدوبامين، بما فيها “التشويق” الذي تولده قراءة الرسائل التي تصل إلى صندوق البريد الوارد والرد عليها وتصفّح المنشورات الجديدة في وسائل التواصل الاجتماعي، جميعنا نتفق على أن تلك العادات غير مُنتجة، لكننا نفشل في تجنبها. من السهل أن يتشتت انتباهك في العمل على مشروع معين حتى لو اتخذت الخطوات السابقة، لذلك من الضروري تقليل المشتتات مسبّقاً لئلا ترضخ لإغراء اختيار الانشغال بإحدى المهام الثانوية الكثيرة بسرعة (مثل طلب الشطيرة لاجتماع الغداء أو التحقق من عدد طلبات التواصل المُرسلة إليك على لينكد إن) بدلاً من التفرغ للمهام الهادفة الصعبة (والمبهمة).

اختبر عدة طرق لتختار منها ما يناسبك؛ كأن تبقي هاتفك في غرفة أخرى، أو تستخدم برنامجاً يقيّد وصولك إلى مواقع معينة، أو تعمل على كمبيوتر غير متصل بالإنترنت لتحقق تقدماً في مشاريع الكتابة التفصيلية.

التسويف طبيعة إنسانية، لكن مخاطره تختلف بحسب أهمية المهام، فعلى الرغم من أن تجاهل رسائل صندوق البريد الوارد أو تأجيل ملء بعض النماذج الإدارية هو وضع غير مثالي، لكن تأجيل المهام الضرورية غير العاجلة سيقوّض قدرتك على تحقيق أهدافك المستقبلية. وقد يساعدك اتباع هذه الاستراتيجيات على التغلب على عادة تسويف المهام الضرورية غير الواضحة، وسيكسبك قدرة أفضل على التخطيط للعمل وتنفيذه على المدى الطويل.