منذ وقت ليس ببعيد، عملت مع واحدة من زبائني التي كانت وقتها قد دخلت إلى عالم الإدارة للمرة الأولى. كانت هذه الزبونة، تدعى هند، والتي تُعتبر موظفة محترمة للغاية في قسم التسويق في إحدى شركات الأدوية، قد كلّفت بقيادة فريق التسويق. وكانت تسألني دوماً: كيف ابدأ إدارة فربق العمل؟ وضمن منصبها الجديد هذا، كانت مسؤولة عن توجيه مجموعة من موظفي التسويق الأذكياء الذين كانوا من عديمي الخبرة (معظمهم كانوا أصلاً من أقرانها)، حيث طُلب منهم وضع خطط وبرامج ترويجية لمجموعة من الأدوية التي ستُباع على المستوى العالمي. وتطلّب ذلك تجميع بيانات حول السوق، والتوجهات المالية، فضلاً عن المعلومات التي تخصّ المنافسين. وكان عليهم بعد ذلك العمل مع أشخاص متخصصين في الحقل الطبي وفي مجال تنظيم قطاع الأدوية، ومع الوكالات الإعلانية، ومدراء المنتجات، والموظفين المحليين في كل بلد من أجل تحديد شكل الخطط النهائية.
لقد كانت هند بارعة جداً في تنسيق هذه الجهود بمفردها، لكن العديد من أعضاء فريقها وجدوا صعوبة ومعاناة في الحصول على المعلومات المناسبة خلال الوقت الصحيح، ووجدوا صعوبة في استخلاص أهم النتائج، من خلال التعاون مع أشخاص ينتمون إلى مجموعات مختلفة ضمن الشركة. لقد أظهروا ببساطة فشلهم في وضع منتج عالي الجودة. وبما أن هند لم تكن ترغب في أن تخيب آمال مديرها بها، ولا تتجاوز المهلة النهائية المعطاة لها لتسليم الخطط، فقد شمّرت عن ساعديها، ونزلت إلى الميدان، وبدأت تنجز معظم العمل بنفسها، حيث كانت تتولى زمام الأمور نيابة عن أي عضو في الفريق حالما كان يواجه أي مشكلة، كما كانت تتسلم العمل مع الموظفين من الأقسام الأخرى، فضلاً عن تصحيح الخطط وإعادة كتابتها كلما استلزم الأمر ذلك.
اقرأ أيضاً: أسئلة القراء: ماذا أفعل إذا اكتشفت أن أحد مدراء فريقي يتسم بالتسلط وكثرة المطالبات؟
في الوقت ذاته، كان يتعيّن على هند أن تتولى مسؤولياتها الجديدة، والتي شملت رفع تقارير تبيّن سير الأوضاع، وتقييم برامج التسويق الحالية، وتحديد موازنات الفريق، فضلاً عن حضور اجتماعات الموظفين، واجتماعات الأقسام، والاجتماعات مع الفرق العالمية والتي تتم عبر الهاتف أو الفيديو، وغير ذلك من الاجتماعات التي بات حضورها الآن إلزامياً. وسرعان ما صارت تعمل لمدة 15 ساعة يومياً مع اضطرارها إلى القدوم للمكتب خلال عطلة نهاية الأسبوع. ومع ذلك، لم تكن قادرة على إنجاز الأعمال المطلوبة منها بالجودة المتوقعة. كانت تعلم بأن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم على هذا النحو، لكنها لم تكن تجد الوقت المناسب لتقرر كيفية التصرف بطريقة مختلفة.
كيف ابدأ إدارة فربق العمل؟
المؤسف في الأمر هو أن هذا السيناريو شائع جداً لدى الأشخاص الذين يتولون منصب الإدارة للمرة الأولى، علماً بأن نسب الفشل لديهم، بحسب الدراسات، تصل إلى 50% خلال السنة الأولى. ورغم أن بعض ذلك قد يُعزى إلى سوء الاختيار أو ضعف التدريب والإرشاد، فإن جزءاً منه يقع تحت سيطرة هؤلاء المدراء أنفسهم. من أكثر العقبات شيوعاً والتي تقف عائقاً في طريق المدراء الجدد هو إخفاقهم في رسم الحدود الصحيحة ضمن وظيفتهم الجديدة. وأنا أشير هنا إلى الحدود الواضحة التي تبيّن بجلاء ما يجب على المدير الجديد فعله، وما لا يجب عليه فعله، والمدة الزمنية التي يجب أن يقضيها في العمل، وكيف سيُقاس النجاح. وعادة ما تصبح هذه الخطوط ضبابية مع محاولة المدير الجديد التهافت في الصعود نحو الأعلى لتبرير حصوله على الترقية، فغالباً ما يؤدي أكثر مما هو مطلوب منه من أجل تحقيق نتائج عظيمة. وليس هناك مشكلة في هذا الأمر بحد ذاته. لكن المشاكل تنشأ عندما لا يكون هناك حوار متواصل مع أعضاء الفريق، والأقران، والمدراء بخصوص تعريف "النجاح" و"النتائج"، ومن يتحمل مسؤولية ماذا. فمن دون وجود حدود واضحة، سرعان ما يمكن للمدراء الجدد أن يصابوا بالتخمة جراء العبء الكبير الملقى على عاتقهم والذي يفوق قدرتهم على إدارته.
اقرأ أيضاً: إذا لم تفلح جهودك الابتكارية فانظر من يرأس الفريق
في حالة المديرة هند، لقد شعرت بالمسؤولية للتأكد من أن كل ما ينجزه فريقها كان مثالياً، ما كان يعني بأنها كانت تضطّر غالباً إلى التدخل لإنجاز بعض الأمور بنفسها. هذه العادة السيئة بعثت برسالة إلى الآخرين مفادها أنهم يتحملون مسؤولية "أقل". ونتيجة لذلك، لم يكن فريقها يتعلم كيف ينجز عملاً عالي الجودة بنفسه. كما أن موظفي الأقسام الأخرى لم يكونوا يتعاونون بكفاءة (فقد كانوا يرسلون المعلومات بطريقة مشتتة ومتقطعة وبأي شكل يناسبهم). ولم يكن مديرها يضطلع بأي دور في مساعدتها على تحسين العملية. وكان كل شيء يقع على كاهلها.
رسم الحدود مع الموظفين
في نهاية المطاف، وبمساعدة من أحد المرشدين، علمت هند أنها يجب رسم حدود من خلال توضيح دورها مع جميع الأطراف المعنية.
بادئ ذي بدء، عمدت إلى التأكد من أن أعضاء فريقها يعلمون "بأنهم" مسؤولون عن وضع خطط عالية الجودة، وبأنها "هي" من سيزودهم بالأدوات، والتدريب، والإشراف الضروري لإنجاز هذه المهام. بعبارة أخرى، لم تكن وظيفتها تتمثل في التغطية على الآخرين، أو في التدخل في كل مرة لم يكونوا واثقين فيها ما الذي يجب عليهم فعله؛ بل كانت وظيفتها هي أن تساعدهم على النجاح اعتماداً على قدراتهم الذاتية. وللقيام بذلك، اعتمدت هند على تجربتها كمسؤولة تسويق متفوقة. ووضعت نماذج للخطط الجيدة، وما تتضمنه من عناصر رئيسية، وعرضت هذه الخطط على أعضاء فريقها. وعقدت جلسات حوارية بهدف مراجعة الجوانب المختلفة لعملية التخطيط – مثل تحليل البيانات السوقية وإدارة عملية الامتثال – وأدارت بعض النقاشات بين أعضاء الفريق وخبراء الشركة. كما عقدت اجتماعات دورية شخصية مع كل موظف يعمل معها، بحيث يكون بمقدورها تقديم رأيها فوراً إلى الموظف، بما يسمح له بتحسين أدائه.
اقرأ أيضاً: إدارة أصحاب الأنا المتضخمة لضمان نجاح كامل الفريق
بالنسبة لمعظم المدراء الجدد، لا تُعتبر هذه النقلة نحو التدريب والتوجيه سهلة. فقد يبدو أن من الأسهل لك أن تنجز كل شيء بيديك، لكننا رأينا كيف يمكن لهذه النزعة أن تكون مدمرة للغاية. كما أن المدراء الجدد مثل هند يمكن أن يظلوا عالقين في حالة من أداء العمل نيابة عن مرؤوسيهم، الأمر الذي يمنع أعضاء فرقهم هؤلاء من تطوير المهارات التي يحتاجونها للنجاح.
كما تعلمت هند أيضاً كيف ترسم الحدود مع أقرانها الجدد، أي رؤساء الأقسام الأخرى في الشركة. فقد اجتمعت مع هؤلاء المدراء لوضع مجموعة من الترتيبات بخصوص مستوى الخدمة، وكيفية حصول التعاون بين مختلف الأقسام والوظائف. وبهذه الطريقة، فإن أي معلومات كان فريقها يحتاجها من قسم المالية أو المبيعات أو أي قسم آخر، كانت تصل في الوقت المحدد وبالشكل المطلوب. وفي نهاية المطاف، سمح هذا الأمر لفريقها بإدارة سير العمل بطريقة أفضل، وأصبح من الأسهل بالنسبة لها تقديم يد العون عندما كان يحصل أي سوء تفاهم.
أخيراً، جلست هند مع مديرها لتعرّف دورها بوضوح أكبر، وتقرر معنى النجاح بالنسبة لها. فأحد الأخطاء الشائعة التي يرتكبها المدراء الذين يتولون منصبهم للمرة الأولى هي الافتراض بأن كل هدف مهم، ويجب تحقيقه في أسرع وقت ممكن. وبما أن هند لم تكن تمتلك صورة واضحة عن التغيّر الذي طال أولوياتها السابقة بعد توليها لمنصبها الجديد، فقد وقعت في ذلك الفخ؛ حيث حاولت أن تفعل كل شيء. وعندما عملت أخيراً مع مديرها من أجل التمييز بين أولوياتها القديمة والجديدة، وتمكّنت من أن ترى وبوضوح ماذا كان منتظراً منها في منصبها كمديرة.
اقرأ أيضاً: 4 طرق لمساعدة فريقك في تجنب وسائل الإلهاء الرقمية
وفي نهاية الإجابة عن سؤال: كيف ابدأ إدارة فربق العمل؟ إن البدء بخوض هذه النقاشات المتعلقة برسم الحدود، ومعاودة طرحها عندما تقتضي الضرورة، هو جزء أساسي من تعلّم كيفية الإدارة. فهو يتطلب الشجاعة في المقام الأول (وخاصة إذا كنت تحاول تبرير ترقيتك أمام مديرك). ولكن دون هذه النقاشات، فإنك ستقع في فخ تضطر معه إلى تولّي مسؤوليات غير واقعية، الأمر الذي سيحد من نجاحك ونجاح فريقك. كما أن ضبط هذه الحدود بفعالية يمنحك طريقة لمضاعفة أثرك عبر الآخرين، وهذا دور جوهري لأي مدير، في نهاية المطاف. ناهيك عن أن ذلك ينطوي على قدر أكبر من المتعة مقارنة مع العمل لمدة 15 ساعة يومياً.
اقرأ أيضاً: 4 طرق لخلق ثقافة تعلّم ضمن فريق عملك