أسند "عبد الكريم" ظهره على كرسيّه مكفهرّ الوجه، فلقد طلبت منه الإدارة مرة أخرى إحراز زيادة بمقدار 8% على حجم مبيعات قسمه هذا العام، وعلى عاتق مَن سيقع حمل تحقيق ذلك الهدف؟ طبعاً على عاتقه هو وعليه الاستفادة من دور العلم في تطوير فرق المبيعات.
ما أجمل الأيام الخالية، حينما كان "عبد الكريم" يعلن ببساطة أن هدف قسمه تحقيق زيادة في المبيعات بنسبة 10% وكان يوزّع المهام على مناطق البيع التي كان مسؤولاً عنها بسهولة كما توزَّع الزبدة على الخبز، ومن ثمّ يعتمد على مندوبي المبيعات المسؤولين عن كل منطقة أو منتج في تحقيق المطلوب. وبالطبع كان بعض أولئك المندوبين يُقصّرون في بلوغ حصصهم، لكن "صنّاع الصفقات" الحقيقيين كانوا يعوّضون الفرق.
لقد تغيّرت الأوضاع وباتت أقسام الشراء لدى زبائن "عبد الكريم" اليوم تستخدم برمجيات حاسوبية لاختيار مزوّدين لمشترياتها الروتينية، وهنا تتفوّق الحسابات الاقتصادية البحتة على العلاقات الشخصية. أما عمليات الشراء الأكثر تعقيداً، فتحتاج إلى حلول خاصة ومتكاملة من البداية إلى النهاية، ولا يمكن إتمام تلك الصفقات المعقدة من قبل شخص واحد مهما اجتهد في لعب الغولف مع عملائه ونسج العلاقات الطيبة معهم. بل إنك تحتاج في معظم الأحيان إلى فريق كامل من الخبراء المنتج الذي تبيعه والقطاع الذي تعمل فيه، ناهيك عن الحوافز الوفيرة والكثير من الدعم الإداري.
الحقيقة المرّة، التي كان "عبد الكريم" يعرف أنه سيواجهها عاجلاً أم آجلاً، هي أنه كان منهكاً ومغلوباً على أمره. فلم يعد أي شيء ذو علاقة بعملية البيع بسيطاً أو يمكن توقّعه والتحكم به كما كان سابقاً. نموّ بمعدل ثمانية في المئة؟! كان "حسام" تائهاً بكل معنى الكلمة.
إن بدت هذه الحكاية الصغيرة مألوفة بالنسبة لك، فذلك لأن المدراء غالباً ما يواجهون مشاكل مشابهة. فعلى مدار السنوات القليلة الماضية، واجهنا مثل هذه التحديات بالتعاون مع العشرات من كبار المدراء التنفيذيين الذين كانوا في نفس وضع "عبد الكريم". فبالرغم من تغيّر العالم من حولهم، ظلّ أولئك المدراء يُملون على مرؤوسيهم الأهداف التي تصلهم من الإدارة العليا، معتمدين على المنهج التقليدي القديم القائم على زيادة عدد مندوبي المبيعات على الأرض، على أمل أن بعضاً من أولئك المندوبين الجدد سيتمكّنون مرة أخرى من إنقاذ الوضع وتحقيق نسب المبيعات المطلوبة. وحتى الشركات الرائدة التي تلتزم الممارسات المثلى في العمل كشركة "جنرال إلكتريك" على سبيل المثال، ما زالت تتذكّر أسلوب العمل الارتجالي الذي كانت تتّسم به جهودها في المبيعات. إذ كانت الشركة تعطي كل مندوب مبيعات حصّته وتقول له: "حظاً سعيداً، اذهب وحقّق حصّتك"، حسب ما يذكر "ميشيل بايلوت" الذي سبق له أن عمل 22 سنة مندوباً للمبيعات في الشركة، ويشغل الآن منصب رئيس "تمويل المعدات" في الولايات المتحدة، وهو فرع التمويل التجاري في شركة "جنرال إلكتريك".
اقرأ أيضاً: 4 مبادئ على أقسام المبيعات تطبيقها للتأقلم مع الأزمة
واليوم يجري قادة المبيعات الملمّون بآخر التطورات تغييراً جذرياً لطريقة إدارة مجموعاتهم. فهُم يعيدون ابتكار طرق البيع لتلبية متطلبات ظروف السوق المتغيّرة. ويعملون على توسيع قوائم الزبائن المستهدفين لتشمل زبائن لم يكونوا سابقاً يخطرون على بال أحد. كما أنهم يرفعون إنتاجية مندوبي المبيعات لديهم، ليس من خلال توظيف الأشخاص الأكثر موهبة، بل عبر تمكين مندوبيهم الحاليين من بيع المزيد من المنتجات. (انظر العرض التوضيحي بعنوان "زيادة عدد المندوبين أم زيادة إنتاجية المندوب الواحد؟") وبالمحصلة نرى أن شركات أولئك القادة البارعين تنمو أحياناً بمعدلات مذهلة. فقسم "بايلوت" – وهو مجموعة كبيرة في قطاع ناضج - قد أضاف 300 مليون دولار من الأعمال الجديدة (ما يشكّل نمواً عضوياً بنسبة 10% تقريباً) في العام 2005 فقط، الأمر الذي يعزوه "بايلوت" بشكل خاص إلى إعادة ابتكار آلية عمليات البيع. وبالمثل، ضاعفت شركة "ساب أميركاز" (SAP Americas)، بإدارة الرئيس والمدير التنفيذي "بيل ماكديرموت"، أعمال ترخيص البرمجيات لديها في غضون ثلاث سنوات، محقّقة بذلك زيادة في حصتها في السوق بمقدار 17 نقطة.
يمكننا أن نطلق على القاسم المشترك بين هؤلاء القادة اسم "المنهج العلمي لزيادة فعالية فرق المبيعات". وهو عبارة عن طريقة عملية لإدخال القواعد والأسس العلمية إلى فن البيع، وعدم التعويل على حدس وموهبة مندوب المبيعات فحسب – وهي المواصفات التقليدية لصانع الصفقات - بل تعتمد أيضاً على البيانات والتحليلات والآليات والأدوات التي يتم توظيفها في إعادة رسم حدود الأسواق وزيادة إنتاجية فرق المبيعات. ولا يتمثّل الهدف هنا في إقصاء صنّاع الصفقات أو الاستغناء عنهم، بل في تضييق الهوّة بين إنتاجية صنّاع الصفقات الذين غالباً ما يشكلون نسبة 15% إلى 20% من فرق المبيعات، وإنتاجية باقي المندوبين. فالشركات التي تُجيد استخدام تكتيكات المنهج العلمي في عملية البيع وجدت أن تحسّن إنتاجية نجوم المبيعات وصناع الصفقات يؤدي إلى تحسّن أداء مندوبي المبيعات ذوي الأداء المنخفض بشكل ملحوظ ويحقق قفزات في الإنتاجية قد تصل إلى 200%. ومن شأن مثل هذه الزيادات أن تحسّن أداء فريق المبيعات ككل، وتوفّر على الشركة أيضاً نفقات توظيف مندوبين جدد. فلقد شهدت بعض الشركات التي تتّبع هذا النهج زيادة في معدّل مبيعاتها للمندوب الواحد بنسب وصلت إلى 50% في غضون عامين أو ثلاثة، مع أن معظم الزيادات تقع بالقرب من علامة 30%.
اقرأ أيضاً: تحديد أهداف أفضل للمبيعات باستخدام التحليلات المحوسبة
من غير المحتمل أن يؤلّف أديب آخر مثل "آرثر ميلر" مسرحية جديدة حول مندوبي المبيعات الجدد الذين يمارسون هذا النهج الجديد لأن الدراما تكمن اليوم في النتائج لا في التفاصيل. وإذا كان "مستقبل الشركات والأعمال أساسه الدراسة والتخطيط لا الارتجال"، على حدّ تعبير أحد قادة المبيعات، فإن استيعاب هذا العلم قد يشكّل الشرط المطلوب تحقّقه في الرجال والسيدات المسؤولين عن جلب الإيرادات إلى الشركة.
إدخال العلم في عملية البيع
يُدرك "بايلوت" رئيس قسم تمويل المعدات في شركة "جنرال إلكتريك" مدى اتّساع عملية إعادة ابتكار نهج البيع وشمولها. فحتى منتصف التسعينيات كانت الشركة لا تزال تتوقع من فرق المبيعات لديها أن تقوم بنفسها بتجميع قواعد بياناتها الخاصة بالزبائن المحتملين في كل منطقة وبترتيب أولئك الزبائن حسب الأهمية والأولوية. حتى إن مدراء المبيعات الميدانيين في الشركة قد عملوا بأنفسهم على إضافة أسماء الزبائن يدوياً في قاعدة بيانات الفرع الذي يديرونه وكانوا يصنفونها في فئتين: فئة الزبائن ذوي الأولوية العالية، وفئة الزبائن ذوي الأولوية المنخفضة. ويتذكر "بايلوت" قائلاً: "كنا نعتمد في عملنا على دليل الهاتف والجرائد ولوحات الدعاية المرسومة على الحافلات التي تمر بنا ولوحات الإعلان المطبوعة على الأبنية. وبحلول العام 2004، أدركتُ أن على فرع "التمويل التجاري" في شركة "جنرال إلكتريك" أن يُدخل العلم إلى عمليات البيع لديه".
ولقد تمثّلت خطوة "بايلوت" الأولى في تغيير طريقة تقسيمه لشرائح الزبائن – باستخدام البيانات التي كانت تحتوي على سجلات المعاملات السابقة للشركة. وضمّت قاعدة البيانات الجديدة معلومات مثل كودات التصنيف المعيارية المكوّنة من أربعة أرقام، ونوع المعدات المستأجرة وما إلى ذلك. ثم طلب "بايلوت" من المدراء الميدانيين في شركته إنشاء قائمة بمواصفات الزبائن المحتملين، أي المعايير التي يعتقدون بوجود علاقة بينها وبين احتمال تعامل الزبون مع الشركة. ثم أخذ "بايلوت" المواصفات الأربعة عشرة التي توصّل إليها المدراء وطبّق عليها المعادلات الارتدادية الإحصائية بالمقارنة مع قاعدة بيانات المعاملات، وانتقى ستة معايير أظهرت نسبة ترافق عالية مع احتمال تعامل الزبون مع الشركة. فإذا كانت نتيجة اختبار الزبون المحتمل جيدة فيما يخصّ المعايير الستة –مثل حجم إنفاقه المالي المتوقَّع وعدد استماراته لعقد صفقات ومعاملات جديدة – كان احتمال تعامله مع الشركة كبيراً.
وهكذا أنشأ الفرع قائمة بزبائنه المحتملين مصنَّفين وفق المعايير الستة، ثم اختبر هذه القائمة الجديدة لمدة من الزمن، فاكتشف أمراً لافتاً. يقول "بايلوت": "وجدنا أن الزبائن المحتملين المتصدّرين للقائمة والذين يشكّلون 30% منها كانت فرصة تعاملهم معنا أكبر بثلاث مرات من فرصة تعامل باقي الزبائن المحتملين في أسفل القائمة والذين يشكّلون 70% منها". وبعبارة أخرى، فإن تلك المجموعة المتصدّرة للقائمة كانت تضمّ الزبائن المحتملين الجدد ذوي الأولوية العليا – مع العلم أن حوالي نصفهم فقط كانوا قد صُنِّفوا سابقاً كزبائن محتملين ذوي أولوية عليا. وفي المحصلة حدّدت الشركة 10,000 صفقة جديدة محتملة ذات أولوية عالية كانت ستغفلهم لولا اعتمادها المنهج العلمي الجديد.
بيد أن الفرق الأكبر لم يكن زيادة مساحة سوق البيع فحسب، بل إن المعلومات الجديدة قد أتاحت للمدير "بايلوت" أيضاً فرصة أن يعيد تشكيل فريق المبيعات. فتمكّن مثلاً من الشروع بالمهمة الصعبة المتمثلة في إعادة هيكلة مناطق البيع مع ضمان أن تحتوي كل منطقة منها على فرص بيع وفيرة. وفي بعض الحالات، كان ذلك يعني تضييق بعض المناطق المخصّصة استناداً إلى حجم الزبائن المحتملين المهمّين في تلك المناطق، وإعادة تقييم مناطق أخرى، أو حتى خلق مناطق بيع جديدة كلياً. ويفيد "بايلوت": عندما تنظر إلى السوق بهذا النوع من المنظور العلمي، لن تكون عندك مناطق تعرف مسبقاً أنها بطبيعتها لا يمكن أن تقدم نتائج مُرضيةً.
وعلى جبهة إدارة الأداء، سمحت تلك البيانات للمدير "بايلوت" أن يساعد المندوبين الجدد والأقل خبرة على الوصول إلى المستوى المطلوب. ويقول بايلوت: "إن الجزء الأكبر من عملية إعادة هيكلة وتوزيع مندوبي المبيعات يتركز أساساً على توجيههم نحو الأهداف الصحيحة. فإن تمكّنت من ذلك، فسوف تدفع بعجلة الإنتاج نحو الأمام بخطوات كبيرة".
وكذلك وظّف "بايلوت" تلك البيانات والمعلومات في تسليح فرق مبيعاته بأدوات وآليات جديدة تساعدهم في عملهم على الأرض، مثل إطلاقه حملات تسويق موجّهة تركّز على شرائح الزبائن المحتملين الأكثر قيمة وأهمية. وبات كل زبون محتمل وكل صفقة جديدة مربوطَين إلى إحدى حملات التسويق. وكما يقول "بايلوت": "يساعدك ذلك في تحديد ما الأمور التي تعطيك نتائج جيدة، وما الأمور التي لا تعطي أي نتائج، وأين يجب عليك مضاعفة الأموال المستثمرة تسويقياً لضمان إيرادات أكبر".
إن الزيادة التي حققها الفرع والتي بلغت 300 مليون دولار في أعمال جديدة لعام 2005، تعكس أمرين اثنين: ارتفاع في خط مسار المبيعات، وزيادة بنسبة 19% في معدّل إتمام الصفقات في سوق كانت الشركة تعتقد سابقاً أنه في طور البلوغ ولا ينطوي على فرص كبيرة للنمو. ويقول "بايلوت" بأن تلك الإيرادات إنما "تأتي من زبائن نعلم أننا ما كنا سنتوجه إليهم لولا اتّباعنا المنهج العلمي الجديد. ففي المحصّلة، يتمثّل جوهر ما نقوم به في تصميم أعمالنا تصميماً يتكامل مع أعمال الزبائن وإيجاد الطرق التي تساعدهم على النموّ".
تحديد الأهداف
يعدّ تحديد أهداف البيع السنوية بمثابة الخطوة الأولى لأية شركة على مسار وضع خطة البيع ككل. وكما رأينا في قصة "عبدالكريم" في بداية المقالة، كان من عادة قادة المبيعات تحديد الأهداف تقليدياً بالاعتماد على تطلعات وطموحات الإدارة العليا للشركة. وبما أن تلك التطلعات عادة ما تعكس توقعات المساهمين، فلا يمكن تجاهلها أبداً. بيد أن قادة المبيعات يلجؤون في كثير من الأحيان وبشكل غير مبرَّر إلى تطبيق تلك الأهداف على جميع مناطق البيع ومختلف شرائح الزبائن، دون تجميع البيانات الأساسية حول السوق والمنافسين والتي من شأنها أن تجعل من أهدافهم أكثر واقعية. ولأن وجود اختلافات بين مناطق البيع وفئات الزبائن أمرٌ ممكن، فإن أهداف مندوبي المبيعات التي لا تأخذ هذا الاختلاف بعين الاعتبار غالباً ما تكون إما مرتفعة أو منخفضة بشكل غير واقعي – ومن شأن أي من الحالَين أن يحبط فرق المبيعات ويبدد عزيمتها.
فكرة المقالة باختصار
على مر سنوات عديدة، كانت الشركات تعتمد على الحدس الداخلي والموهبة الفطرية في تحقيق أهداف مبيعاتها. بيد أن قادة المبيعات الملمّين بآخر التطورات قد تعلّموا تبنّي نهج يعتمد على العلم أكثر من السابق للاستجابة لمتطلبات السوق المتغيرة. ولا يستند هذا النهج في العمل إلى الحظ بل يعتمد على البيانات والتحليلات والمعالجات والأدوات لزيادة الإنتاجية الفردية لمندوبي المبيعات بطريقة قابلة للقياس. ويمكن لقادة المبيعات بلوغ هذا الهدف عبر استخدامهم مجموعة مكوّنة من أربعة معايير مختصرة في كلمة "توب سيلز":
1- عروض مفصّلة على قياس متطلبات العملاء تلبي احتياجاتهم الفردية.
2- الاستفادة الأمثل من الأتمتة والأدوات التكنولوجية والإجراءات.
3- إدارة الأداء بشكل يركّز على إدارة المدخلات الفردية ومكافأة المخرجات القوية.
4- نشر فرق المبيعات بحيث تُوزَّع فيها الموارد بطريقة منهجية ومنظَّمة.
وفي حين أن هذه الرافعات بإمكانها رفع إنتاجية جميع مندوبي المبيعات، إلا أن فاعليتها تكون أكبر فيما يخص مندوبي المبيعات ذوي الأداء المنخفض، وبمقدورها أيضاً تضييق الهوّة بين أداء نجوم المبيعات وسواهم. وبوسع أي شركة تريد الاحتفاظ بميزتها التنافسية في السوق العالمي أن تستفيد من هذا النهج في البيع القائم على العلم والذي يتميز بأنه أكثر عملية وواقعية
وللتعرّف على كيفية عمل العلم الجديد في مجال تحديد الأهداف، فلننظر إلى كيفية عمل شركة "سيسكو سيستمز" على توظيف التكنولوجيا للتنبؤ بمبيعاتها. فقد أنشأت الشركة موقعاً، يمكن للمدراء الدخول إليه ومتابعة أداء فرق المبيعات – في قوائم مصنَّفة حسب مناطق البيع وخطوط الإنتاج وما إلى ذلك- لحظة بلحظة وبجميع المستويات حتى مستوى الأفراد المسؤولين عن حسابات فردية. كما يحتوي الموقع أيضاً على بيانات حول مسارات مبيعات المندوبين بما فيها حجم كل فرصة بيع محتملة ونوع التكنولوجيا التي يطلبها الزبون ومن هي الجهات المنافسة. ويتولى المدراء مسؤولية إجراء لقاءات دورية لمناقشة مسارات البيع لدى المندوبين، وإنتاج تنبؤات جديدة منبثقة عن البيانات وذلك كل أسبوع. ثم يراكمون الأرقام التي يحصلون عليها ويصدرون تنبؤات أسبوعية وشهرية وربعية. ويقول "إندر سيدوو" نائب رئيس شركة "سيسكو" للاستراتيجية والتخطيط على مستوى العالم: "إن دقة تنبؤاتنا الربعية غالباً ما تكون ضمن نسبة 1% إلى 2% زيادةً أو نقصاناً".
وجدت الشركات التي تستخدم المنهج العلمي في تحسين إنتاجية فرق المبيعات أن مندوبي المبيعات ذوي الأداء المنخفض يحققون قفزات ملحوظة في الإنتاجية قد تصل إلى 200%.
غير أن شركة "سيسكو"، شأنها شأن سائر الشركات ذات الأداء المتميّز والتي تلتزم بالممارسات المثلى في أعمالها، لا تبقى دون حراك. ففي العام الماضي زوّدت مندوبيها بأحدث أجهزة المساعد الرقمي الشخصي، وتقوم الآن ببناء تطبيقات خدمة الزبائن على تلك الأجهزة مصمّمة خصّيصاً بهدف زيادة إنتاجية المندوبين. ويساعد أحد هذه التطبيقات في تسريع عملية إدخال البيانات، في حين يسمح تطبيق آخر للمندوبين بتتبّع آخر نشاطات زبائنهم (كطلب بعض قطع غيار المعدات أو تحويل فاتورة). كما أعطت "سيسكو" جرعة تحفيز كبيرة لمندوبيها من خلال تطبيق على الإنترنت يحسب لهم نسبة تعويضاتهم الشخصية. فكما يقول "سيدوو": "بمقدور المندوب في الواقع الدخول إلى هذا التطبيق وتحديد أين وصل في صفقات هذا الربع، ويخبره التطبيق معنى هذا بالنسبة له [مالياً]".
أما شركة "أجريكو نورث أميركا" (Aggreko North America)، وهي إحدى فروع شركة "أجريكو" (Aggreko) لتأجير المعدات والتي تتّخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، فقد تبنّت قبل عامين نهجاً علمياً لتحديد الأهداف حقق نتائج مذهلة: ففي عام 2005، ارتفع حجم مبيعاتها بنسبة 29%، كما زادت إنتاجية فرق المبيعات لديها بنسبة 90%. وحسب ما يفيد رئيس الشركة "جورج ووكر"، فإن عملية تبنّي النهج العلمي تبدأ من الأعلى نحو الأسفل. إذ يجمع المدراء التنفيذيون بيانات إقليمية حول المحرّكين الأساسيين في القطاع في كل سوق من الأسواق العمودية للشركة – كتكرير النفط، وإنشاء المباني وما إلى ذلك- ومن ثمّ يحسب هؤلاء المدراء حصة الشركة من كل سوق بغية تحديد أهداف النمو. وفي المرحلة التالية تأتي مهمة تطبيق النهج نفسه من القاعدة إلى القمة: إذ يضع مدراء المبيعات بناءً على هذه البيانات تصوّراً حول مناطق البيع والزبائن المحتملين والحصص المخصّصة لكل مندوب من مندوبي المبيعات وذلك بضرب حجم السوق المحتمل بالحصص المستهدفة لكل سوق. ومن خلال عملية تكرار تشاركية وتفاعلية بين المندوبين المحلّيين والإدارة العليا يمكن ضمان اتّساق توقعات مندوبي المبيعات المنفردين مع الأهداف الكلية للشركة.
رفع الإنتاجية
كان من عادة مدراء المبيعات أن يفترضوا أن إحراز نموّ واضح في مبيعات الشركة يتم بالنظر إلى أداء العام الماضي ثم احتساب عدد مندوبي المبيعات الإضافيين الذين يجب على الشركة توظيفهم، مع الأخذ بالحسبان حجم السوق الجديد المحتمل والمدة الزمنية اللازمة لكل مندوب جديد حتى يبدأ بتحقيق العائدات.
منهج البيع العلمي 'توب سيلز'
لم يعد الاعتماد على مندوبي المبيعات المميزين والتأمل بحدوث الأفضل كافياً في عصرنا الراهن، بل يتعيّن على أي منظمة تعمل في مجال البيع وتسعى إلى رفع إنتاجيتها أن تعتمد منهجاً علمياً في البيع يقوم على أربع رافعات هي:
تفصيل العروض (Targeted offerings). على مقاس متطلبات الزبائن المستهدفين. صمّم عروضك بما يناسب متطلبات كل شريحة من شرائح عملائك، واضمن أن يبيع مندوبوك المنتجات المناسبة للزبائن المحتملين المناسبين.
الاستخدام الأمثل للأتمتة والأدوات والإجراءات (Optimized automation, tools, and procedures). ادعم أدواتك التكنولوجية بإجراءات صارمة لإدارة للمبيعات، مثل مناقشة مسارات المبيعات بدقة وتفصيل، وإعادة النظر بمخططات الزبائن ومخططات مناطق البيع بشكل دوري ومنهجي بناءً على معايير ومبادئ موحدة، وتحديد عمليات توزّع الزبائن الرئيسيين المحتملين مع عملية متابعة وتحقق للتقدّم في دورة المبيعات لكل من المندوبين والشركاء، إضافة إلى لوحات التحكّم الإلكترونية للمندوبين ومناطق البيع.
إدارة الأداء (Performance management). داوم على مراقبة وإدارة المدخلات، كمقاييس مسارات المبيعات وعروض المنافسين، لكن اربط مكافآت المندوبين بالمخرجات. واحسب المدة الزمنية التي يحتاجها المندوبون الجدد قبل أن يبدأوا بتحقيق العوائد، وأدخلها في خطط مبيعاتك. وقدّم التدريب والأدوات اللازمة لتخفيض تلك المدة الزمنية. وأدخل مقاييس الأداء والحوافز وتطور المهارات في أنظمة التعويضات كي تكافئ المندوبين ذوي الأداء المرتفع.
نشر فرق المبيعات (Sales force deployment). وزّع موارد المبيعات توزيعاً منهجياً، واربط بين طرق البيع وأقنيته وبين حاجات وتحديات كل شريحة من شرائح الزبائن. وشكّل فرقاً للتعامل مع صفقات البيع المعقدة، وادعم المندوبين بكل ما يلزم لرفع إنتاجيتهم إلى أعلى قدر ممكن.
أما الشركات التي تعتمد منهجاً علمياً، فإنها تتبع مساراً مختلفاً تماماً. فهي تركّز اهتمامها أولاً وقبل كل شيء على زيادة إنتاجية المندوب الواحد. وتستطيع تلك الشركات المضي قدماً في هذا التوجه لأن رفع الإنتاجية لم يعد أمراً غامضاً ومُبهَماً بالنسبة لإدارات هذه الشركات (انظر الشريط الجانبي المعنون "منهج البيع العلمي "توب سيلز"). بل إن هذه الإدارات قد تعلّمت كيفية استخدام أربع رافعات تجعل من زيادة الإنتاجية أمراً يمكن توقعه وإدارته.
تفصيل العروض على مقاس متطلبات الزبائن المستهدفين. تعلم معظم الشركات كيف تقوم بجمع المعطيات التي تمكّنها من تقسيم زبائنها إلى شرائح مختلفة. بيد أن الشركات التي تتّبع المنهج العلمي تعمل على رفع إنتاجية فرق المبيعات لديها من خلال اتخاذ خطوة إضافية في عملية التقسيم إلى شرائح. إذ تقسّم هذه الشركات عملائها تقسيماً منهجياً وفقاً لعوامل متعددة كالقيمة الكامنة للزبون، وحصته في محفظة الزبائن، والسوق العمودية التي ينتمي إليها، ونمط المنتج الذي يشتريه، وطريقة البيع المعتمدة معه. كما تعمل تلك الشركات على تعريف الأدوار وتفصيل الحوافز بما يساعد مندوبي المبيعات على اقتراح العروض وتفصيل عمليات البيع بما يناسب كل شريحة زبائن على حدة. ويتعيّن على مندوبي المبيعات في هذه الشركات أن يمتلكوا فهماً عميقاً لشرائح الزبائن الذين يتعاملون معهم. فما من حزمة واحدة من المنتجات والخدمات تصلح لجميع شرائح الزبائن. ولما كانت غالبية صفقات البيع في أيامنا هذه لا يمكن إتمامها من قبل شخص واحد فقط، فإن هذه الشركات الناجحة تعرف كيف تدعم طريقة العمل كفريق ذو تصميم وإدارة مدروسين بعناية.
وهكذا كان للعروض المفصلة على مقاس متطلبات الزبائن الأفراد الذين يملكون ثروة صافية تزيد على 25 مليون دولار أميركي أثر كبير على العمليات المصرفية الخاصة في مجموعة "سيتي غروب". فالمجموعة تقدّم خدماتها لرجال الأعمال والمطوّرين العقاريين والمحامين والرياضيين المحترفين وغيرهم من الشرائح المختلفة التي تمتاز كل واحدة منها بتحدياتها واحتياجاتها الخاصة والفريدة. ويقول "تود طومسون" الرئيس والمدير التنفيذي لقسم إدارة الثروة العالمية في مجموعة "سيتي غروب": "لقد تغيّر هذا القطاع كثيراً خلال الخمسة عشر عاماً الماضية. فبعد أن كانت أعماله تتركز على بيع الأسهم والسندات ومن ثم صناديق الاستثمار المشتركة وغيرها من العمليات القائمة في معظمها على المعاملات التجارية". أما اليوم فلم تعد أعمال "سيتي غروب" تركز على بيع المنتجات الاستثمارية – وهي سلع يمكن شراؤها وبيعها في أي مكان - بل أصبحت تهتم بتقديم خدمات إدارة الثروة والنصائح حول كيفية تحقيق الأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد. وباتت المنتجات بحد ذاتها، على أهميتها، تحتلّ اليوم مكانة ثانوية.
من غير المحتمل أن يؤلّف أديب آخر مثل "آرثر ميلر" مسرحية جديدة حول مندوبي المبيعات الجدد الذين يمارسون هذا النهج الجديد لأن الدراما تكمن اليوم في النتائج لا في التفاصيل.
ولإنجاز هذا التحوّل حافظت مجموعة "سيتي غروب" على أمرين اثنين: الأمر الأول، عوضاً عن مجرد زيادة حجم قاعدة المستشارين والمصرفيين فيها، استثمرت المجموعة أموالها في تطوير مهارات الموظّفين والمنصّات التي يعملون عليها، وذلك من خلال تأمين الموارد والتدريب لمصرفيّي القطاع الخاصّ على أيدي أساتذة جامعات رائدة في مجال إدارة الأعمال. والأمر الثاني، قسّمت الشركة عملائها إلى شرائح حسب نمطهم وخصّصت لكل شريحة فريق عمل مصمَّماً خصّيصاً ليلبي حاجاتها المختلفة عن حاجات الشرائح الأخرى. ويقول "طومسون": "لدينا مجموعة من المنتجات، بما فيها أدوات إدارة المخاطر التي جرى تصميمها خصّيصاً لتناسب حاجات المطوّرين العقاريين. وهكذا عندما يذهب فريق اختصاصيّينا لمقابلة المطوّرين العقاريّين، فإنهم يكونون أكثر معرفة باحتياجاتهم وأكثر استعداداً لتلبيتها من المنافسين". كما يتم تشجيع مصرفيي القطاع الخاص – وهم منسّقو فرق العمل- على توسيع مدى وصول خبرات إدارة "سيتي غروب" في السوق، بما يشمل التعامل بأوراق الملكية، والمداخيل الثابتة، وإدارة الائتمانات، وحتى إدارة أموال روّاد الأعمال. ويقول "طومسون": "خلال العام المنصرم شجعنا موظفينا على التفكير في كيفية حلّ مشاكل الزبائن، فشهدنا ازدياداً كبيراً في الأصول المالية من أولئك العملاء". والنتيجة كانت أن مصرفيّي القطاع الخاص في مجموعة "سيتي غروب" في الولايات المتحدة الأميركية حقّقوا عائدات وسطية بمقدار 5.5 ملايين دولار للمندوب الواحد، مقارنة مع حوالي 4 ملايين للمندوب الواحد في باقي القطاع".
الاستخدام الأمثل للأتمتة والأدوات والإجراءات. لقد بات مصطلح "أتمتة فرق المبيعات" يتردّد بكثرة في الآونة الأخيرة. كما درجت الشركات على توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات في تحسين إنتاجية فرق المبيعات. وتستخدم شركة "أجريكو نورث أميركا" برمجيات إدارة العلاقة مع الزبائن CRM التي تتضمن "برنامج التنبؤ بالربحية"، الأمر الذي يسمح لمندوبي المبيعات بتعديل عروضهم إذا ما وجدوا أن هوامش الربح في تلك العروض ليست كما يجب أن تكون. ويعقد قسم "التمويل التجاري" التابع لشركة "جنرال إلكتريك" اجتماعاً دورياً كل يوم اثنين خاصاً بقضايا البيع يجري تيسيره من قبل "حجرة تحكّم رقمية" تسمح للمدراء بالدخول إلى مسارات مبيعات المندوبي ومراقبة أدائهم. أما شركة "سيسكو" المشهورة بأدوات البيع لديها القائمة على شبكة الإنترنت، فتعرف أن التكنولوجيا لا تكون فعالة إلا إذا كانت مكمِّلة وداعمة لإجراءات دقيقة وصارمة لإدارة المبيعات (مثل المناقشات الدورية والمفصّلة لمسارات المبيعات، وذلك بالاعتماد على توصيفات واضحة ومفهومة لمختلف مراحل مسارات المبيعات وعلى توجيه منهجي ومدروس للزبائن المحتملين إلى المندوبين المختلفين).
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع فرق المبيعات أن تزدهر في عالم رقمي؟
ويُظهر التحوّل الجذري الذي جرى في شركة "ساب أميركاز" للبرمجيات بوضوح شديد الأهمية الكبرى للإجراءات المنهجية في هذا المجال. فعندما استلم "ماكديرموت" إدارة الشركة عام 2002 كان أول إجراء اتّخذه، هو تحديد أهداف محدّدة لمندوبي المبيعات تعكس إمكانات السوق، وهي 500,000 دولار في الربع الأول، و750,000 دولار في الربع الثاني، وهكذا.. وبمجرد تحديد أهداف ربعية على هذا النحو، تغيّر تفكير العديد من المندوبين بشكل كلّي: فلقد كان مندوبو "ساب" سابقاً يعوّلون على قوة أدائهم في الربع الرابع للتغطية على تقصيرهم طوال العام. وعوضاً عن ترك المندوبين يتدافعون ويتنافسون لتحقيق أهدافهم السنوية في نهاية العام، وضع "ماكديرموت" معايير جديدة لمسارات المبيعات وطلب من المندوبين أن يَضمَنوا وجود ثلاثة أضعاف أهدافهم السنوية ضمن مسارات مبيعاتهم على أساس متجدد في كل ربع من العام. ولضمان إشراك الشركاء المهمّين في جهود البيع التي تقوم بها الشركة (مثل "آي بي إم غلوبال سيرفيسز" و"أكسنتشر" اللتان تستخدمان برمجيات شركة "ساب") قرر "ماكديرموت" إسناد نصف محتوى مسار مبيعات كل مندوب على الأقل إلى أحد الشركاء ممن أبدوا استعداداً للعمل مع الشركة في فريق عمل مشترك من أجل إتمام الصفقات.
غير أن مجرّد تحديد هذه الأهداف لا يكفي، بل يتعيّن على الإدارة من أجل تحقيق تلك الأهداف أن تدعم مندوبيها من خلال الإجراءات الإدارية ومواد البيع وأدوات الأتمتة القادرة على قياس المؤشرات والنتائج الأساسية. فمثلاً يجب إبقاء المندوبين على اطلاع دائم حول التوجهات الأساسية الحديثة في القطاع وحول أي من عروض منتجات "ساب" المتكاملة قد يكون الأنسب بالنسبة للشريحة الهدف في الوقت الراهن. وعندما يحدد مندوبو شركة "ساب" العملاء الذين يرجّح أن يستفيدوا من عروض الشركة لمواكبة توجّه جديد في القطاع، يقول "ماكديرموت": "يصبح لزاماً على جميع مقدراتك التسويقية وإمكاناتك المتوفرة في مسارات مبيعاتك أن تتوجّه نحو إقناع هؤلاء العملاء بأنهم يفوّتون على أنفسهم إيرادات بقيمة مئات ملايين الدولارات إذا لم يستفيدوا من عروضك".
دور جديد لصنّاع الصفقات
لطالما نجح موظفو المبيعات ذوو الأداء المرتفع في تحقيق متطلبات شركاتهم. لكن هل بمقدورهم أيضاً أن يساعدوا بطرق أخرى؟ ومع قناعتنا بعدم وجود بديل عن الاستراتيجية السليمة لتقسيم المهام في العمل بين عمليات وقيادة وأدوات وحوافز، إلا أننا نعتقد أيضاً بأن الشركات غالباً ما تُخفق في الاستفادة الكاملة من مقدرات موظفي المبيعات المميّزين لديها.
غير أن هذا الأمر قد يكون في طور التغيّر. إذ أننا نشهد اليوم كيف أن مستشاري علاقات البيع مثل "أندرو سوبل" أحد مؤلفي كتاب "عملاء مدى الحياة" (Clients for Life) و"تيم لايشمان" من شركة "لايشمان بيرفورمانس استراتيجي" (Leishman Performance Strategy) الاستشارية، يستفيدون من مبادئ العلوم الإدراكية ليثبتوا أن من الممكن التعرّف على السلوكيات الأساسية لنجوم المبيعات وتعليمها لزملائهم الأقل منهم نجاحاً. ومن خبرتنا في هذا المجال، يمكننا القول إن أفضل الشركات تسعى إلى اتّباع هذا النهج بدلاً من اللجوء أولاً إلى البحث عن نجوم مبيعات جدد. وتعمل تلك الشركات على تعريف دور جديد لصنّاع الصفقات لديها يتمثّل في الإشراف على زملائهم في العمل وتعليمهم مهارات نسج العلاقات التي قد تبدو فطرية لا يمكن تعلّمها. كما تعمل تلك الشركات على جعل صنّاع الصفقات لديها يعلّمون الموظفين الجدد كيفية تبسيط سلوكيات الفوز بالزبائن إلى خطوات عملية يمكنهم اكتسابها والتعوّد عليها لتصبح جزءاً من شخصيتهم.
فلقد اعتمدت إحدى شركات الخدمات الدوائية هذا المنهج بالتحديد: فأنشأت برنامج تدريب مؤلّفاً من ثلاث مراحل يعتمد على تشكيل ثنائيات من نجوم المبيعات من جهة (المسؤولين عن حوالي نصف إيرادات الشركة) والموظفين الجدد من جهة أخرى. وفي مرحلة "الخطوات الأولى" يعلّم النجوم الموظفين الجدد أسرار سوق الخدمات الدوائية ويصطحبونهم إلى مقابلات البيع التي يجرونها حتى يُعاينوا عن كثب كيف يعمل نجوم المبيعات الكبار. وفي مرحلة "المشي" يبدأ الموظفون الجدد أنفسهم بإجراء مقابلات البيع – لكن برفقة زملائهم النجوم وتحت إشرافهم مع الاستفادة من نصائحهم وملاحظاتهم. أما فيما تبقى من السنة (مرحلة "الجري")، يلتقي النجوم بالمندوبين الجدد لمناقشة مدى تطوّرهم وتبادل الأفكار والخبرات معهم. وكانت مدة البرنامج حوالي سنة كاملة، جرت الاستفادة فيها من رغبة النجوم في إظهار مهاراتهم ونقلها للآخرين وكذلك من رغبتهم في كسب المزيد من المال: فلقد حصلوا على عمولة مقدارها 1% من جميع الإيرادات التي حقّقها الموظفون الجدد المشتركون في البرنامج.
إدارة الأداء. لدى غالبية الشركات سويات متوقعة من تناقص صفقات البيع بناءً على ما إذا كان المندوبون يحققون فعلاً نسب بيعهم المتوقعة أم لا في فترة زمنية محددة. غير أن بعض الشركات قد أضافت سويات أعمق من سويات تحليل الأداء من شأنها أن تجعل توقّع حجم المبيعات أكثر وثوقية، وبالتالي تسهل إدارته والتحكم به. فعلى سبيل المثال لجأت شركة "ساب" إلى تحليل المدة الزمنية التي يحتاجها المندوب الجديد لكي يغدو منتجاً، وكيفية تطوّر إنتاجيته بعد ذلك في كل شريحة من شرائح الزبائن (كشريحة الزبائن الدوليين، وشريحة الشركات الكبرى، وما إلى ذلك). كما قدّرت الشركة أيضاً معدّل إنتاجية مندوبيها المخضرمين، وهو الأمر الذي يساعد إدارة الشركة على توزيع الموظفين على الشرائح والمناطق بطريقة أكثر فاعلية، إضافة إلى الكشف في وقت مبكر عن عدم مطابقة الموظفين الجدد للمعايير المطلوبة. ويقول "ماكديرموت": "عادة ما يصل الموظفون الجدد إلى أدائهم الحقيقي بعد 12 شهراً. فإذا لم يحققوا الأداء المطلوب خلال هذه المدة، فلن يحققوه مطلقاً. وهذا ما يحدث فعلاً مع 10% من موظفينا الجدد".
ولعلّ سر الاحتفاظ بالموظّفين الجدد يتمثّل في تأمين كل ما يحتاجونه لتحقيق النجاح. ويجب ألا يُترك هذا الأمر للصدفة بل يجب أن يكون نتيجة للتخطيط المبني على المعطيات. ولقد وجدنا في دراستنا أن كل واحدة من الشركات الناجحة تعتمد على قياس مُدخَلات عمل المندوبين (مسار مبيعات المندوب، والوقت الذي يمضيه في جذب الزبائن، أو مقابلات البيع التي ينجزها) ومخرجاته، لمساعدتهم على الإمساك بزمام عملية البيع. وكما يقول "ماكديرموت": "إن أغفلت مقاييس وتقييمات العمليات الداخلية، ونظرت إلى النتائج فقط، فإنك تخسر أهمّ عنصر في عملية البيع ككل، ألا وهو المستقبل".
فضلاً عن ذلك تعمل أفضل الشركات على منح المندوبين الناجحين فرص التطوّر والنموّ. وهكذا يُشير المدير التنفيذي في مجموعة "سيتي غروب" والذي يتولّى أيضاً أعمال إدارة الثروة في شركة "سميث بارني" التابعة للمجموعة، إلى أن المستشارين الماليين الناجحين في شركته لا يحصلون فقط على نسب أعلى من العوائد التي يدرّونها على الشركة، بل إنهم يُكافَؤون أيضاً بإمكانية تطوير أنفسهم كي يتمكنوا من توسيع خبراتهم العملية في إدارة الثروة وتعميقها.
وتعمل الشركات التي تستند إلى الحقائق والمعطيات العلمية على ربط الحوافز بالسلوكيات التي تلعب دوراً أساسياً في نجاح المندوبين مالياً، وقد يكون التطبيق العملي لهذه الفكرة هو تعديل إجراءات القياس والعمولات على نحو يحول دون اتّكال المندوبين المخضرمين على صفقات بيع أنجزوها بنجاح في الماضي. وقد يعني ذلك أيضاً تفصيل أنظمة التعويض لتتناسب ونوع الصفقات التي يقوم بها المندوبون. فمثلاً يتبع شركة "أجريكو نورث أميركا" أحد خطوط أعمالها ويسمّى "أجريكو بروسس سيرفيسز" وهذا الخط يقدم خدمات هندسية لدعم وإكمال معدّات التحكّم بدرجة الحرارة التي تؤجّرها الشركة لمنشآت تكرير النفط وغيرها. والمندوبون الذين يبيعون هذه العروض – التي غالباً ما تتطلّب دورة مبيعات طويلة ومعقدة - لا يعملون على قاعدة العمولات الثابتة، بل يحصلون على مرتّبات مرتفعة نسبياً إضافة إلى علاوات مرتبطة بتحقيق الأهداف، في حين أن المندوبين الذين يبيعون عروض تأجير المعدّات الأقلّ تعقيداً، كمعدات البناء مثلاً، يحصلون على نسبة أعلى من تعويضاتهم على شكل عمولات.
نشر فرق المبيعات. إن طريقة عمل الشركة في السوق –كيف تنظّم وتشغّل لا مندوبيها فحسب، بل مواردها في البيع والدعم والتسويق والتزويد أيضاً- هي جزء حيوي من عمليات البيع للشركة. وأي شركة تلاحظ أن مندوبيها ينجذبون إلى الجزء الأدنى من السوق حيث صفقات البيع السهلة بدلاً من السعي نحو الصفقات المربحة ولا تسارع إلى تصحيح هذا التوجه، إنما تواجه مشكلة حقيقية في نشر فرق المبيعات لديها. فهي وببساطة لا توظّف مواردها في المكان الذي يدرّ عليها الأرباح الأعظم.
وهناك طريقة بسيطة لتصحيح مشكلة نشر فرق المبيعات، وذلك برسم خريطة للسوق اعتماداً على معلومات تفصيلية حول الشرائح السوقية ومن ثم مقارنتها مع خريطة انتشار المندوبين. والنقطة الأساسية هنا تكمن في اعتماد البيانات بدلاً من الحدس الداخلي للتعرّف على أماكن أفضل الصفقات المحتملة ومطابقة تلك المعلومات مع الشركات التي يزورها الزبائن لإجراء لقاءات البيع.
إن اعتماد الشركة على مقدرات مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يمتلكون القدرة على الإقناع ونسج العلاقات العامة، أصبح بكل بساطة غير كافٍ.
ويمكن لهذا المنهج التحليلي لنشر فرق المبيعات أن يذهب أبعد من مجرد مطابقة أماكن توزّع المندوبين مع أماكن توزّع زبائن محتملين بعينهم. فالشركات التي تتبنّى الممارسات المثلى عادة ما تقيس أداءها من حيث تطابق منهج البيع مع الزبون المناسب.
وعلى سبيل المثال، تعتمد غالبية الشركات طيفاً واسعاً من قنوات البيع: قناة البيع المباشر، وقناة البيع الداخلي، وقناة البيع عبر الإنترنت، وقناة البيع عبر وسطاء أو باعة محسّنين للمنتجات وما إلى ذلك. ولعلّ امتلاك معلومات تفصيلية حول سلوك وربحية شرائح الزبائن وتفصيلات تلك الشرائح من شأنه أن يساعد مدراء المبيعات التنفيذيين على اتخاذ القرارات الصائبة حول الطريقة الأنجع لنشر وتوزيع الموارد المختلفة المتاحة. فمثلاً من الأفضل توجيه استفسارات شراء أو استئجار المعدات الاستهلاكية في شركة "أجريكو نورث أميركا" إلى مندوبي المبيعات عبر الإنترنت أو عبر الهاتف، في حين أن الاستفسارات حول المشاريع الاستشارية الكبرى من المفضّل توجيهها إلى مندوبي المبيعات الاختصاصيّين. ولعلّ المندوب المناسب لأعمال الشركة ذات الصلة بالإنشاءات، حسبما يقول رئيس الشركة "ووكر"، ليس بالضرورة أن يكون اختصاصياً في أعمال الإنشاء، بل هو مندوب "يعرف كيف يُجري خمسين لقاء بيع في الأسبوع الواحد" ويستطيع إتمام الصفقات بسرعة. ويتابع "ووكر": "إن المندوب المثالي لأعمال شركة "أجريكو" في مجال تكرير النفط إنما هو شخص معتاد على صفقات البيع ذات الإجراءات والمدد الزمنية الطويلة وعلى الحلول المعقدة القائمة على قدر كبير من التكنولوجيا.
وهنالك سؤال آخر تطرحه الشركات الرائدة في المبيعات على نفسها: هل يُمضي مندوبو المبيعات الميدانيون أكبر قدر من وقتهم في نشاط البيع فعلاً؟ فعند قياس الوقت الذي يمضيه مندوبو المبيعات "بعيداً عن الزبائن" نجد أنه في كثير من الأحيان يتجاوز نصف ساعات يومهم. وإذا ما اكتشف مدراء المبيعات التنفيذيون هذا النوع من المشاكل، فإن أمامهم تشكيلة من الأدوات يمكنهم اللجوء إليها. فقد يستطيعون تكليف بعض الموظفين المساعدين بجزء من مهام المندوبين الإدارية. وقد يرغبون في إعادة تنظيم قطاعات البيع على الأرض بغية تخفيض ساعات السفر. كما يمكنهم أيضاً تبسيط أنظمة العمل التي من المفترض أن يتعامل معها المندوبون. فقبل بضعة سنوات، حدّد مدراء المبيعات التنفيذيون في شركة "سيسكو" هدفاً لهم يتمثّل في تقصير الوقت الذي يمضيه مندوبوهم بعيداً عن البيع بمقدار عدد من الساعات أسبوعياً وكلّفوا قسم تكنولوجيا المعلومات مسؤولية تحقيق هذا الهدف. وفي المحصلة أدى ذلك إلى زيادة إيرادات الشركة بمئات ملايين الدولارات.
تتضافر جميع هذه الرافعات الأربعة لتزيد من إنتاجية فرق المبيعات. غير أن المثير في الأمر هو أن الأثر الأكبر لهذه الرافعات يقع على المندوبين ذوي الأداء المنخفض، الأمر الذي يؤدي إلى تضييق الهوة في الأداء بين نجوم المبيعات وسواهم. وعندما درسنا نتائج برنامج منهجي لزيادة فعالية فرق المبيعات جرى إطلاقه في عدة فروع لأحد كبار مزوّدي الخدمات المالية في كوريا، وجدنا أن بعض الفروع قد شهدت ارتفاعاً وصل إلى 44% في حجم مبيعاتها الأسبوعي، في حين شهدت الفروع الأخرى انخفاضاً بلغ نسبة 6%. وقد شهد الربع الأعلى أداءً بين مندوبي خدمة الزبائن ارتفاعاً في بيع المنتجات بنسبة 6%، فيما بلغ ذلك الارتفاع نسبة 59% بين مندوبي الربع الثاني من حيث الأداء، و77% بين مندوبي الربع الثالث، وحقق مندوبو الربع الأسوأ أداءً نسبة مذهلة وصلت إلى 149%. كما إن برنامجاً مشابهاً نُفِّذ في مكاتب شركة خدمات مالية عالمية أخرى في كوريا، قد أظهر نتائج مشابهة، لكنها غير مطابقة. فقد تراوحت الزيادة في الأصول المالية المدارة من قبل هذه الشركة بين 2% بالنسبة للربع الأفضل أداءً، و33% بالنسبة للربع الثاني، و54% بالنسبة للربع الثالث، و44% بالنسبة للربع الأخير.
ما وراء الممارسات المثلى
بات العثور على مندوبي المبيعات الموهوبين واجتذابهم والمحافظة عليهم اليوم أصعب من أي وقت مضى. ولم يعد بمقدور الشركات الاعتماد عليهم بالطريقة التي درجت عليها في الماضي. وكما يقرّ "طومسون" من مجموعة "سيتي غروب": "لقد غدا استقدام نجوم المبيعات من الشركات المنافسة مكلفاً بشكل لا يُصدّق". كما أن الاعتماد على مقدرات مجموعة صغيرة من الأفراد الذين يمتلكون القدرة على الإقناع ونسج العلاقات العامة، أصبح بكل بساطة غير كافٍ لضمان نمو مستدام وقابل للتوقع (انظر الشريط الجانبي المعنون "دور جديد لصنّاع الصفقات").
لحسن الحظ، لا يتعيّن على مدراء المبيعات مثل "عبد الكريم" الاعتماد كليّاً على صنّاع الصفقات لتحقيق أهداف المبيعات. بل بوسعهم الحصول على نتائج أفضل بكثير من فرق المبيعات ككل من خلال السير على منهج علمي راسخ لضمان سوية مرتفعة من أداء فرق المبيعات. وهذا العلم كأي علم آخر يتطوّر ويتقدّم مع مرور الزمن. وبالنظر إلى أن الأدوات والآليات التي قدّمناها في هذه المقالة تمثّل الممارسات المثلى في يومنا هذا، يمكننا التوقّع بثقة شبه أكيدة بأنها بعد بضعة سنوات ستصبح إجراءً أساسياً يتعيّن على أي شركة تأمل أن تكون قادرة على المنافسة في السوق العالمي أن تلتزم بالانتباه إلى دور العلم في تطوير فرق المبيعات التزاماً صارماً.
اقرأ أيضاً: كيف يمكنك حقاً تحفيز فريق مبيعاتك؟