طلب منك رئيسك في العمل في أحد الأيام أن “تفكر بأسلوب غير تقليدي” في أحد المشاريع. وهكذا، قررت أنت وفريقك أن تعملوا لوقت متأخر حتى منتصف الليل، وبذلتم جهداً كبيراً من العصف الذهني يتجاوز كل الأوصاف التقليدية. ثم نجحت بعد ذلك في التوصل إلى فكرة رائعة، وحضّرت عرضاً تقديمياً رائعاً، لكن فكرتك رُفضت في نهاية المطاف.

نتمنى أن نكون قادرين على تمييز الأفكار الرائعة بمجرد رؤيتها، لكن الواقع مختلف تماماً. فالأبحاث تبين أننا لسنا بالبراعة التي نظنها في إدراك قيمة التفكير الابتكاري. في الواقع، قد يكون المدراء أسوأ بقليل حتى. ففي تجربة أجرتها جينيفر موللير، كان المدراء أكثر ميلاً إلى رفض الأفكار نفسها التي أثارت حماسة العملاء. إضافة إلى ذلك، من المعروف أن الأفكار الأكثر إبداعاً تبدو مستحيلة أكثر من غيرها، حتى وإن كانت قابلة للتنفيذ بالكامل. وهو ما يفسر خيار المسؤولين التنفيذيين في شركة كوداك (Kodak) بإهمال الكاميرات الرقمية بعد تطوير أولى هذه الكاميرات في مختبراتها. لقد كانت دقة الكاميرا سيئة للغاية، ولم يتخيلوا أنها ستتمكن يوماً ما من التفوق على الكاميرا العادية التي تعمل بالفيلم. حدث الأمر نفسه مع المسؤولين التنفيذيين في شركة زيروكس (Xerox)، الذين شهدوا ابتكار مركز الأبحاث التابع للشركة في مدينة بالو ألتو لواجهة المستخدم الرسومية (وهي إحدى الميزات الرئيسية للحاسوب الشخصي) ولكنهم اختاروا عدم الاستثمار في هذه التكنولوجيا. لم يكن واضحاً بالنسبة لهم في ذلك الوقت كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد الشركة المختصة بآلات النسخ، ولهذا، تركوا المجال مفتوحاً أمام رواد الأعمال للاستفادة من هذه الفرصة.

قد تمنح هذه الأمثلة شيئاً من الراحة لأولئك المبتكرين من بيننا الذين قوبلت أفكارهم بالرفض، ولكنها لا تقدم لهم طريقة أفضل لإقناع الآخرين بأن أفكارهم تستحق الاستثمار فيها. من حسن الحظ، ثمة بعض الأبحاث التي يمكن أن تقدم المساعدة في هذه المسألة.

ففي 1962، نشر أستاذ علم الاجتماع في جامعة أوهايو الحكومية، إيفيريت روجرز، الكتاب الذي بات مشهوراً اليوم: “انتشار الابتكار” (Diffusion of Innovation)، وصاغ مصطلح “المتبني السبّاق” (early adopter). أجرى روجرز مشروعاً بحثياً واسع النطاق حول تفسير انتشار الابتكارات. إذ أراد تحديد الخصائص المشتركة بين الأفكار والمنتجات النادرة التي نجحت في قطع كل المسافة الفاصلة بين المتبنين السبّاقين والمتأخرين.

جمع روجرز البيانات من أكثر من 500 دراسة حول تفسير تبنّي الأفكار بين الأشخاص والمؤسسات. وتوصل في نتيجة البحث إلى تحديد 5 عوامل على أنها العناصر الأساسية التي تؤثر في قرارنا بتبني الأفكار أو رفضها، وهي: الفائدة النسبية، والتوافق، والتعقيد، وقابلية التجريب، وقابلية المراقبة.

الفائدة النسبية

الفائدة النسبية هي الانطباع الذي تشكله فكرة أو منتج ما بالتفوق على المعيار الموجود حالياً. فإذا أمكنك تقديم فكرتك على أنها فكرة مؤثرة تتميز بأفضلية إيجابية مقارنة بمجموعة المنتجات الموجودة والمعروضة حالياً أو العمليات الموجودة والمستخدمة حالياً، فسوف يزداد احتمال تجربتها.

التوافق

يشير التوافق إلى الإجابة عن السؤال التالي: إلى أي حد تبدو الفكرة امتداداً منطقياً للوضع الراهن؟ لا يكفي أن تتميز الفكرة بفائدة نسبية كبيرة فقط. فالجهة التي تعرض عليها الفكرة بحاجة أيضاً إلى معرفة كيفية الانتقال من الوضع الراهن إلى المستقبل الأفضل الذي تعدُ به. وكلما كانت فكرتك أقل توافقاً مع الأنظمة الموجودة حالياً، أصبح تبنيها أكثر صعوبة.

التعقيد (أو السهولة)

يشير التعقيد (أو السهولة) إلى درجة سهولة استيعاب الناس للفكرة الجديدة أو لاستخدام المنتج الجديد. فإذا كان عليك توضيح نكتة ألقيتها على مسامع الآخرين، فهذا يعني أنها لن تكون مضحكة بالنسبة لهم. وبالمثل، إذا كان عليك قضاء وقت طويل وأنت تشرح للآخرين كيف يمكن تطبيق فكرتك أو كيف ستجدي نفعاً، فهذا يعني أنها لن تستهويهم على الإطلاق. هذا أحد الأسباب التي جعلت العبارة التالية “إنها أشبه بفكرة شركة أوبر ولكن في مجال…” أسلوباً واسع الانتشار لعرض الأفكار الجديدة في مجال الأعمال. وعلى الرغم من أنها قد تبدو مبتذلة، فإنها ناجحة في تفسير الأفكار والمفاهيم بسهولة.

قابلية التجريب

تمثل قابلية التجريب مقدار الجهد المطلوب في تطبيق الفكرة الجديدة أو إجراء التجارب على المنتج الجديد. فإذا كانت الفكرة الجديدة تتطلب وقتاً طويلاً واستثماراً ضخماً قبل تحقيق أي فائدة منها، فمن المستبعد أن تبدو جديرة بالتجربة. وإذا كانت تجربة الفكرة على نطاق ضيق عملية متعذرة، فمن المستبعد أن تصبح جديرة بالتبني على نطاق واسع.

قابلية المراقبة

تشير قابلية المراقبة إلى درجة وضوح النتائج للأشخاص الذين يجربون الفكرة. إذا افترضنا أن الفكرة قابلة للاستيعاب بسهولة، وتتميز بتوافقية عالية، وسهلة التجريب، فإن الفائدة النسبية يجب أن تكون ملحوظة بسهولة بالنسبة للآخرين. وإذا أردت تحقيق الانتشار لفكرة ما، يجب على أولئك المجربين الأوائل لها أن يحصلوا على نتائج واضحة لإطلاع الآخرين عليها.

عند استيفاء جميع هذه العوامل الخمسة، يصبح احتمال تبنّي الأفكار على نطاق واسع أكبر بكثير. وعلى هذا النحو، فإن هذه العوامل تمثل اختباراً حقيقياً مفيداً لتقييم إذا ما كانت إحدى الأفكار جاهزة لتقديمها إلى العالم، أو حتى إلى رئيسك في العمل. وبغض النظر عن حماستك لفكرتك الجديدة، يجب أن تجري عليها عملية تقييم حيادية وفقاً لهذه العوامل الخمسة. يجدر بهذا أن يوفر مقياساً جيداً لمعرفة إذا ما كانت حماستك ستتحول إلى نجاح. إذا كان معظم هذه العوامل ضعيفة، فقد يكون من الأفضل لك أن تعيد النظر في فكرتك، أو أن تحسّن عرضك التقديمي لها.