لا، لا يتعلق الأمر بك أنت فقط. إذا شككت يوماً في أن مديرتك كانت في كامل تركيزها وجهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها مفتوح أمامها، فتوقف عن الشك. على الرغم من احتجاجاتها قائلة “كلّي آذان مصغية، تفضّل أكمل”، فإنها لم تكن كذلك. حسمت البحوث قبل عقود السؤال عما إذا كان بإمكاننا أنا وأنت فعل شيئين في وقت واحد. والإجابة هي: لا يمكننا ذلك. ولكن أظهرت بحوث جديدة أن حتى وجود الهاتف المحمول، فما بالك بشاشته المضيئة والإشعارات المستمرة، يعوق قدرتنا على التواصل.

المشكلة هي أن الأخلاق لم تواكب التكنولوجيا. في استطلاع عبر الإنترنت، وجدت أنا وزملائي أن ما يقرب من 9 من كل 10 أشخاص يقولون إن أصدقاءهم أو أفراد عائلاتهم يتوقفون على الأقل مرة واحدة في الأسبوع عن إعارتهم أي انتباه بسبب تركيزهم على شيء ما في أجهزتهم الرقمية. ويقول 1 من كل 4 أشخاص إن هذه المقاطعات تسببت في خلافات خطيرة مع صديق أو أحد أفراد العائلة.

إذاً، ماذا تفعل عندما تتعرض لهذه المقاطعات؟ وفقاً لاستطلاع آخر أجرته شركة فايتال سمارتس (VitalSmarts)، لا يفعل الأشخاص الكثير. إذ يبدي شخص واحد فقط من كل 10 أشخاص اعتراضه للشخص الذي لم ينتبه له، بينما تظل الغالبية العظمى صامتة إما عن طريق تجاهل السلوك (37%) وإما من خلال رمقه بنظرات امتعاض وغضب أو إظهار الاستياء بطرق غير لفظية أخرى (26%) وإما الانسحاب ببساطة (14%).

ينتظر الكثير منا أن تتطور المعايير الاجتماعية من تلقاء نفسها لتواكب مجموعة من المواقف الاجتماعية الجديدة التي نتعرض لها. ولكن لن يحدث ذلك. فالمعايير تتطور عندما تبدأ مجموعة كبيرة من الأشخاص مواجهة هؤلاء الذين ينتهكونها. وفي كل مرة يُلفَت انتباه شخص ما إلى هذا الأمر، فإنه لا يتعلم فحسب، بل يُلفت نظر كل مَن يشهد هذه اللحظة الحاسمة أيضاً، فيقولون لأنفسهم أشياء من قبيل: “الرد على هاتفي في أثناء العزاء لن يجعلني محبوباً”.

إذاً، كيف يمكننا تسريع هذا التغيير الضروري، خاصة في مكان العمل؟ لنفترض أنك محبَط من زملاء العمل الذين يقاطعونك للرد على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية، أو سئمت من تقديم عروض تقديمية في الاجتماعات لأشخاص يتفقدون بريدهم الإلكتروني.

يجب أولاً أن تبدي اعتراضك. وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو محرِجاً وغير مريح، فإن استجابتنا الجماعية لهذه السلوكيات ستضع معايير جديدة للتصرفات المهذبة. فيما يلي بعض الطرق لبدء العملية:

أجرِ نقاشاً حول البيانات

إذا كنت تحاول تغيير المعايير في مجموعة ما، فيمكنك البدء بمشاركة “السبب”. شارك دراسات مثل تلك التي ذكرناها أعلاه. وإذا لم يقتنع الأشخاص بتأثير ذلك على التواصل الاجتماعي، فأظهِر لهم الأدلة على أن وجود الهاتف المحمول يُضعف الإنتاجية أيضاً. لا تُثِر هذا النوع من النقاش بعد تجاوزات واضحة لأن أعضاء الفريق قد يشعرون بالخجل أو يتخذون موقفاً دفاعياً. ويمكن أن يؤدي تلطيف الأجواء وإضفاء المرح على الموقف إلى تسهيل مناقشة المشكلة. أشرِك المجموعة في محادثة حول الجوانب الإيجابية والسلبية لوجود أجهزة تغريهم لتفقدها في أثناء محاولات إجراء حوار مثمر. واقترح وضع قواعد أساسية مثل “كن منتبهاً بالكامل” و”ضع الهاتف في الحقيبة”.

تحدث بشكل شخصي

إذا كنت تحاول تغيير معيار ما مع شخص واحد (المدير أو شريك الحياة أو صديق)، فلا تُكرِهه على ذلك بالبيانات، تحدث بشكل شخصي. مجدداً، لا تُثِر المشكلة في أثناء انشغالهم بهواتفهم، بل انتظر إلى اللحظة التي لا تشعر فيها بالضعف والتي لن يشعروا فيها بالخجل. ثم قل شيئاً مثل: “لاحظت أنني أشعر بشعور مختلف للغاية في محادثاتي مع الأشخاص عندما تشتت التكنولوجيا انتباهي أو انتباههم. لذلك، أود أن أتعهد لك بأن أعيرك كامل انتباهي عندما تتحدث معي، وأن تتعهد لي بالمثل. وإذا لم يكن الوقت مناسباً لك لتعيرني كامل انتباهك، فسأنتظر إلى أن يكون الوقت مناسباً. فهل توافق على ذلك؟”.

تمسَّك بالحدود، وهذا هو الجزء الصعب

عليك الالتزام بالمعايير، وإبداء اعتراضك عندما ينتهكها الآخرون. وهذا يعني أنك إذا ألقيت نظرة خاطفة على أحد أجهزتك بطريقة وافقت على عدم استخدامها، فعليك الاعتراف بذلك. وفي اللحظة التي ترى فيها الآخرين يفعلون الشيء نفسه، كن مستعداً للإقرار بهذا الانتهاك بوضوح دون فرض عقوبات. إذا كنت تحاول تغيير معايير المجموعة، فاطلب من كل عضو فيها أن يتحمل معك مسؤولية إجراء هذا التغيير. اتفق على عبارة بسيطة وواضحة تستخدمونها بوصفها طريقة للتذكير بأنه ينبغي عدم استخدام التكنولوجيا في هذا الوقت. وإذا كنت تحاول تغيير المعايير في اجتماعاتك مع شخص واحد، فجرّب شيئاً مثل “يبدو أنك تريد تفقُّد بريدك الإلكتروني، أتود القيام بذلك لاحقاً؟”. قد تُكوِّن عداوات أو قد يرمقونك بنظرات استياء أو قد يتخذون موقفاً دفاعياً في المرات القليلة الأولى التي تحاول فيها التصدي لهذه الانتهاكات، فكن مستعداً لذلك. لكن ثق بأن اتساق الأخلاق مع المعايير الجديدة لن يستغرق وقتاً طويلاً.

تتيح لنا التكنولوجيات المتوفرة اليوم التواصل بسرعة وفعالية مع شبكة كبيرة من الأصدقاء والمعارف الذين لم نكن لنتمكن من التواصل معهم لولاها. وفي حين أن لهذه التطورات فوائد كبيرة، فإنها يجب ألا تطيح بالمعايير الاجتماعية للاحترام والكياسة والأدب، خاصة مع أولئك الذين نولي لهم الاهتمام الأكبر. حان الوقت لأنْ نتعلم إبداء اعتراضنا والتصدي لهذه المقاطعات والوصول بأمان إلى فهم متبادل للاستخدام المناسب لها في حياتنا.