ملخص: في حادثة مفاجئة، يقرر مجلس إدارة شركة أوبن إيه آي إقالة سام ألتمان من منصب الرئيس التنفيذي للشركة من دون ذكر سبب واضح تماماً. فما الأسباب المحتملة يا ترى، وهل للأمر علاقة بمتلازمة المؤسس؟
ها هو التاريخ يكرر نفسه مجدداً! فلا يعنّ على البال بعد الخبر المفاجئ بإقالة سام ألتمان من منصب الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إيه آي (Open AI) بتصويت من مجلس الإدارة، إلا خبر طرد ستيف جوبز من شركة آبل عام 1985 على يد مجلس الإدارة أيضاً. وألتمان هو أحد المؤسسين المشاركين لشركة أوبن، مثلما كان جوبز المؤسس المشارك لشركة آبل. غادر ألتمان منصبه بعد أن قرر مجلس الإدارة أنه "لم يكن صريحاً كفاية".
وعلى ما يبدو، فثمة لعنةٌ تحوم فوق رؤوس الرؤساء التنفيذيين المؤسسين؛ فما حدث مع ألتمان وجوبز حدث مع جاك دارسي الذي أُقيل من منصب الرئيس التنفيذي لتويتر عام 2008، وكارول بارتز التي أُقيلت أيضاً من منصب الرئيس التنفيذي لشركة ياهو عام 2011، والقائمة تطول.
لكن وبما أن ألتمان لا يمتلك أسهماً في شركة أوبن إيه آي، ولم ينل شهرته بسبب تألقه الهندسي مثل قادة التكنولوجيا الآخرين؛ ولكن بسبب ذكائه التجاري وبراعته في جمع رؤوس الأموال الاستثمارية ورهاناته على التكنولوجيا الطموحة، فما الذي دفع أهم شركة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي إذاً إلى إقالة رئيسها التنفيذي الشهير؟ وهل تصبّ دوافع الإقالة في خانة متلازمة المؤسِّس؟ وما الأسباب التي تدفع مجالس الإدارة إلى طرد الرؤساء التنفيذيين من مناصبهم أساساً؟
هل أُقيل سام ألتمان بسبب متلازمة المؤسِّس أم ثمة أسباب أُخرى؟
متلازمة المؤسِّس هي نمط سلوكي يصيب مؤسسي الشركات؛ إذ يصبح المؤسس الذي كافح وناضل لتأسيس شركته عقبة أمام تطورها ونموها. وغالباً ما يحدث ذلك عندما تصل الشركة إلى مرحلة معقدة تتجاوز القدرات الإدارية للمؤسِّس، أو تصبح الحاجة مُلحة إلى تغيير كبير؛ لكن المؤسس في كلتا الحالتين يرفض تغيير أسلوبه أو اعتماد نهج أو مهارات مختلفة تتماشى مع نمو الشركة وتغيُّر مسارها. وعلى الرغم من أن المتلازمة تصيب المؤسِّس بشخصه؛ فإن العواقب تنهال على الشركة وموظفيها والمستفيدين منها.
ومن أهم ما يميز هذه المتلازمة هو تباطؤ عملية صنع القرار، وهوس المؤسِّس بولاء أعضاء مجلس الإدارة والموظفين، والانقسامات والصراعات مع القادة الناشئين، ومقاومة التغيير، وفشل التحديث والابتكار. فهل كان ألتمان يا تُرى مصاباً بمتلازمة المؤسِّس؟ لمعرفة ذلك، قد يكون من المفيد طرح بعض الأسئلة بناءً على النقاط الأساسية التي تميز هذه المتلازمة؛ مثل:
- التحكم في صنع القرار: هل احتفظ ألتمان بسلطة كبيرة في اتخاذ القرار دون تفويض فعال؟
- مقاومة التغيير: هل أبدى ألتمان مقاومة للأفكار الجديدة أو التغييرات التي قد تتحدى الرؤية الأولية للمؤسسين؟
- التفويض المحدود: هل واجه ألتمان صعوبة في تفويض المسؤوليات والثقة بالآخرين في الأدوار القيادية؟
- أسلوب التواصل: هل اتبع ألتمان أسلوب اتصال استبدادي واتخذ القرارات دون تواصل أو تعاون شفاف؟
- القدرة على التكيف: هل أظهر ألتمان قدرته على التكيف مع الظروف المتغيرة، أم التزم على نحو صارم بالخطط الأصلية؟
- الرؤية البعيدة المدى: هل ركز ألتمان على نجاح المنظمة على المدى الطويل، أم ركّز على الحفاظ على فرض سيطرته الشخصية؟
قبل النظر فيما إذا كانت متلازمة المؤسس تنطبق على ألتمان أم لا، دعونا نعود قليلاً إلى بدايات الشركة. فقد تأسست أوبن إيه آي عام 2015 بوصفها مؤسسة غير ربحية ذات مهمة نبيلة تتمثل في ضمان أن الذكاء العام الاصطناعي يفيد البشرية جمعاء. كان هدف الشركة هو بناء برامج ذكاء اصطناعي بشفافية، وجعل منتجاتها وأبحاثها مفتوحة للجمهور حتى يتمكن العالم أجمع من الاستفادة منها.
وتعهّد وجهاء وادي السيليكون آنذاك بمبلغ مليار دولار لبدء التشغيل، ومن بين الجهات المانحة كان إيلون ماسك، وبيتر ثيل، وإيليا سوتسكيف، وسام ألتمان الذي أصبح الرئيس التنفيذي عام 2019. انسحب إيلون ماسك من مجلس الإدارة عام 2018 بسبب تضارب المصالح مع شركة تسلا. ثم أُعيدت هيكلة الشركة عام 2019، وتغييرها من غير ربحية إلى "الربح المحدد" لضمان القدرة على جمع رأس المال لتحقيق مهمة الشركة ورؤيتها، كما بدأت بتغيير طريقة مشاركتها للأبحاث والتقليل من شفافيتها، بحجة الحفاظ على سلامة المستخدمين وأمنهم من سوء الاستخدام.
وقد استطاع ألتمان عام 2019 الحصول على تمويل بقيمة مليار دولار من مايكروسوفت التي وافقت على ترخيص بعض تقنيات أوبن إيه آي وتسويقها. وتحت قيادته، استطاعت أوبن إيه آي إطلاق بوت الدردشة تشات جي بي تي ونموذج توليد الصور دال-إي (DALL-E) وأداة كتابة التعليمات البرمجية كود إكس (Codex). ولا داعي إلى ذكر ما أحدثته هذه المنتجات في العالم من أثر. لقد استطاع ألتمان أن يجذب رؤوس الأموال، وأن يبدي قدرة عالية على احتضان الأفكار الجديدة والتكيف مع الظروف المتغيرة، فما الذي دفع مجلس الإدارة إلى الإطاحة به، خصوصاً أنه لا يملك أسهماً في الشركة تدفعه إلى فرض سيطرته الشخصية على غرار ما قد يفعله قادة التكنولوجيا الآخرين؟
قد يعزى السبب إلى أسلوبه في التواصل مع مجلس الإدارة، بناءً على ما أعلنته الإدارة على الأقل؛ فوفقاً لما ورد في البيان الصادر عن شركة أوبن إيه آي، أنه "في أعقاب عملية مراجعة تداولية أجراها مجلس الإدارة، خلصت إلى أن ألتمان لم يكن صريحاً دائماً في اتصالاته مع مجلس الإدارة، ما عاق قدرته على ممارسة مسؤولياته. ولم يعد مجلس الإدارة يثق في قدرته على مواصلة قيادة أوبن إيه آي".
أو قد يعزى إلى خلافات حول استراتيجية الشركة ورؤيتها؛ فوفقاً لوكالة بلومبرغ للأخبار، فإن العديد من الخلافات قد نشبت ما بين ألتمان وأعضاء مجلس الإدارة، وخصوصاً مع المؤسس المشارك وكبير العلماء في الشركة، إيليا سوتسكيفر. من هذه الخلافات ما يمسّ باستراتيجيات الشركة ورؤيتها، وخصوصاً ما يتعلق بمدى سرعة تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وكيفية تسويقها، والخطوات اللازمة لضمان سلامتها وتقليل أضرارها المحتملة على الجمهور.
ومنها ما يتعلق بطموحات ألتمان الخاصة بريادة الأعمال؛ إذ كان ألتمان يتطلع إلى جمع عشرات مليارات الدولارات من صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط، بهدف تأسيس شركة ناشئة متخصصة في إنتاج شرائح الذكاء الاصطناعي، وذلك من أجل التنافس مع المعالجات التي تصنعها شركة نفيديا (Nvidia). وقد أثارت جهود ألتمان في جمع الأموال غضب سوتسكيفر وحلفائه في مجلس الإدارة، الذين راودتهم بعض المخاوف المتعلقة بأن الشركات الجديدة قد لا تشترك مع نموذج الإدارة نفسه المُتبع في أوبن إيه آي.
ما مصير ألتمان الآن؟
يُعد ألتمان أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد أثارت إقالته دهشة كبار المستثمرين والشركات الناشئة في جميع أنحاء وادي السيليكون، وأدخلت صناعة التكنولوجيا الواعدة في حالة من الحيرة، فضلاً عن أنها أثارت غضب الموظفين الحاليين والسابقين وقلقهم إزاء كيفية تأثير هذا الاضطراب الإداري المفاجئ في عملية قادمة لبيع أسهم بقيمة 86 مليار دولار. وعلى ما يبدو، فإن تخلي الشركات عن مؤسسيها يعد أحد التقاليد التأسيسية الراسخة في وادي السيليكون! لكن الدعم الذي ناله ألتمان من رؤساء وادي السيليكون أثار العديد من التكهنات بإمكانية إعادته إلى الشركة.
ووفقَ وكالة بلومبرغ، بذل بعض الموظفين والمستثمرين جهوداً حثيثة لإعادة ألتمان إلى منصبه السابق؛ فقد أشارت مصادر مطلعة إلى أن ألتمان منفتح على العودة لكنه يريد رؤية تغييرات في الإدارة، بما في ذلك تغيير أعضاء مجلس الإدارة الحاليين. ويسعى أيضاً للحصول على بيان يبرّئه من ارتكاب أي مخالفات. وقد وافق مجلس الإدارة في البداية على التنحّي من حيث المبدأ، لكنه رفض حتى الآن اعتماد ذلك رسمياً. ذهبت هذه التكهنات أدراج الرياح بعد أن أعلن ألتمان في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك بعد 48 ساعة تقريباً من إقالته، انضمامه إلى شركة مايكروسوفت لقيادة فريق بحث جديد متقدم في مجال الذكاء الاصطناعي.
لماذا يُطرد الرؤساء التنفيذيون؟
وجدت دراسة منشورة في مجلة الإدارة الاستراتيجية (Strategic Management Journal) عام 2020، أن قرار إقالة الرئيس التنفيذي لا يؤثر في هذا الشخص فحسب؛ بل يؤثر في معظم الرؤساء التنفيذيين في الشركات المنافسة، إذ يشعر هؤلاء بالقلق وانعدام الأمن الوظيفي، ما يؤثر سلباً في عملية صنع القرار الاستراتيجي، ويتراجعون عن المخاطرة، ويسمحون لفرص النمو بالضياع. أيّ يمكن القول إن إقالة الرئيس التنفيذي لها آثار مضاعفة في جميع أنحاء هذه الصناعة. ومع ذلك، ليس من الضروري أن يكون المؤسسون دائماً رؤساء تنفيذيين عظماء؛ بل ثمة العديد من الأسباب التي قد تدفع مجلس الإدارة إلى إقالة الرئيس التنفيذي؛ مثل:
- مشكلات الأداء أو الأخطاء الاستراتيجية.
- النتائج المالية الضعيفة، أو انخفاض قيمة الأسهم.
- أسلوب القيادة غير السوي والصراعات الشخصية مع مجلس الإدارة أو أصحاب المسهمين.
- الانتهاكات الأخلاقية، أو الخلافات القانونية، أو الافتقار إلى الشفافية ما قد يؤدي إلى انخفاض الثقة في الرئيس التنفيذي.
- الفشل في التكيف مع ديناميكيات السوق، أو الاستجابة غير الكافية للتغيرات السريعة في عالم الأعمال.
في نهاية المطاف، يمكن أن يؤدي مزيج من هذه العوامل، التي غالباً ما تتأثر بالمتطلبات المتطورة لبيئة الأعمال، إلى إقالة الرئيس التنفيذي لتسهيل التعافي التنظيمي أو تعزيز نمو الشركة. أما بالنسبة لسام ألتمان، فلا بد من أن توضح الأيام القليلة المقبلة المزيد من التفاصيل عن مستقبله مع أوبن إيه آي.