عندما ضرب إعصار ماريا بورتوريكو في سبتمبر/أيلول 2017، كانت واحدة من أعنف العواصف التي ضربت هذه الجزيرة على الإطلاق. فقد لقي نحو 3,000 شخص حتفهم، وهناك أجزاء من الجزيرة ما زالت تتعافى من آثار الإعصار، مفتقرة إلى الكهرباء والمياه النظيفة بعد أكثر من عام على حدوثه.
وقد كان تأثير الإعصار هائلاً على واحدة من أكبر الشركات في بورتوريكو، وهي مجموعة شركات "غروبو فيري رانجيل" (Grupo Ferré Rangel)، وتدير المجموعة المملوكة لعائلة رانخيل أكبر شركة إعلامية في البلاد (جي إف آر للإعلام)، فضلاً عن شركات أخرى تركز على مشاركة العملاء "شركة لينك أكتيف" (LinkActive) والعقارات "شركة كينغ بيرد" (Kingbird). وقد أجرت هارفارد بزنس ريفيو مؤخراً مقابلة مع كل من رئيسة الشركة ماريا لويزا فيري رانخيل والمديرة التنفيذية للإبداع لورين فيري رانخيل لمناقشة كيف تغيرت شركة جي إف آر منذ إعصار ماريا.
وقالت ماريا لويزا: "بعد إعصار ماريا، لن تكون بورتوريكو كما كانت أبداً. ترتكز ذكرياتنا على حقيقة أننا خلدنا إلى النوم مدركين لحقيقة واحدة، أو بلد واحد، أو جزيرة واحدة. وبعد 24 ساعة استيقظنا في مكان مختلف". وفيما يلي نسخة معدّلة وموجزة من حوارنا.
هارفارد بزنس ريفيو: بصفتكم ناشرين ومحررين، كان عليكم تغطية أحداث هذه الكارثة في حين كان يواجه موظفوكم وأعمالكم عقبات غير عادية. كيف تعاملتم مع الأمر خلال تلك الأيام والأسابيع الأولى؟
ماريا لويزا: "كانت بورتوريكو مدمرة تماماً، وتأثرت جميع أعمالنا أيضاً. داخل غرفة الأخبار، كانت لدينا عائلات تعيش في الكافيتيريا وقاعات المؤتمرات ومراكز التدريب وغيرها. وكان هناك أكثر من 200 شخص يعيشون في غرفة الأخبار الخاصة بنا لمدة أسابيع. كان علينا أن نقيم مركزاً لرعاية الأطفال، ومركزاً للتموين، وتوفير النقود لأنه لم تكن هناك طريقة متاحة للأشخاص لسحب الأموال من البنوك، وتوفير سيارات لهم، خاصةً للمراسلين؛ للانتقال من مكانٍ إلى آخر. كنا قلقين طوال الوقت حيال وجود ما يكفي من الوقود للمولدات، وكان ذلك من أجل موظفينا فقط. عندما كان الأمر يتعلق بالعمل، كنا كأننا عدنا إلى الوراء 20 عاماً؛ فكنا نوزع الصحيفة كمنتج مطبوع. لقد كانت الجزيرة بأكملها معزولة عن العالم.
كان الأمر بمثابة سباق لتغيير أنفسنا. كنا مسؤولين عن إعلام الجميع والربط بينهم في بيئة معقدة للغاية. منذ اللحظة الأولى، ولأن مهمتنا هي إتاحة التواصل بين الأشخاص، كان علينا أن نستجمع قوانا ونؤدي عملنا. لكن الإعصار أجبرنا على أن نرى أنفسنا بطريقة مختلفة. أصبحت مراكز الاتصال الخاصة بنا هي مراكز اتصال الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ، وكنا نوفر الكهرباء والمياه لممتلكاتنا التي تعد جزءاً من أعمالنا العقارية؛ ولذلك بدأنا في تأجير مساحات صغيرة للأشخاص الذين كانوا يحتاجون إلى العودة لأعمالهم ولكن لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه. منحنا مساحات لمنظمات غير حكومية؛ حتى يمكنهم أيضاً أن يكونوا أول المستجيبين في حالات الطوارئ. بدأنا التفكير في الخدمات الأخرى التي يمكننا تقديمها، وكان هذا هو الوقت الذي بدأنا فيه إعادة تركيز أعمالنا.
ماذا تقصدين بإعادة التركيز؟
ماريا لويزا: إن الإعصار أجبرنا على توسيع تفكيرنا، وتحدي تصورنا عما نعتقد أنه كان يمكننا فعله، وما كنا قادرين على تحقيقه في أوقات الأزمات. قدم الإعصار لنا أيضاً فرصاً لاستكشاف المناطق المجهولة؛ فنحن الآن نتطلع إلى تطوير أعمال أخرى وتعزيز وجودنا في الصناعات الأخرى. على سبيل المثال، ومن خلال تجربة مراكز الاتصال الخاصة بنا، ننافس للحصول على مراكز الاتصال في الولايات المتحدة ومنطقة البحر الكاريبي، ونقيّم أيضاً فرص توفير مساحات عمل مشتركة. وننظر في إمكانية تنفيذ مشروع للإسكان بأسعار ملائمة مع مجموعة يمكنها بناء منازل سريعاً، وباستخدام تقنية جديدة مقاومة لتأثير الأعاصير، وتحقق الاكتفاء الذاتي بعد أي حالة طوارئ من خلال الألواح الشمسية المتكاملة وحزم البطاريات. نستثمر أيضاً في إنشاء الألواح الشمسية المقاومة لتأثير الأعاصير والقابلة للتنفيذ على مختلف الأسطح. بالإضافة إلى ذلك، نقيّم فرص الاستثمار في الشركات الناشئة الصغيرة التي توفر حلولاً لتسهيل المعيشة.
هذه الفرص وُلدت من رحِم الأزمة. ذلك أن النظام البيئي قد تغير، وتغيرت كذلك بورتوريكو. كنا بحاجة إلى تعديل خطتنا لإفساح المجال واغتنام الفرص التي برزت في مجالات الإسكان والطاقة والخدمات.
ما الذي جعلكم مستعدين لهذه الفرص؟
لورين: في الواقع، لم يكن أحد مستعداً لعواقب إعصار ماريا. ولكن ضرورة تخطي الأزمة وإعادة أعمالنا إلى مسارها منحتنا القدرة على رؤية الاحتياجات، ومن ثم هذه الفرص التي كانت واضحة بعد الإعصار، وحددنا المهمات التي يجب القيام بها. فالإعصار أجبرنا على رؤية أنفسنا بطريقة مختلفة.
ماريا لويزا: كانت أعمالنا قادرة على العودة فوراً بعد إعصار ماريا؛ لأننا خططنا لتوفير المولدات ومحركات الديزل والبنية التحتية للتكنولوجيا. على سبيل المثال، كان لدينا ثلاثة موردين لخدمة الإنترنت، ورغم أنه لم يكن هناك اتصال داخلي، فإننا كنا قادرين على بث تغطيتنا واستمرارها على مواقعنا الإلكترونية للأشخاص خارج بورتوريكو. كنا نركز بشكل كبير على تغطية أخبار بورتوريكو ومساعدة العالم في إدراك ما كان يحدث هنا. كانت الصحيفة المطبوعة هي المصدر الوحيد للمعلومات المتاحة في تلك اللحظة، وكنا ندرك أهمية تزويد الأشخاص بالمعلومات التي يمكن أن تنقذ حياتهم؛ ولذلك قررنا توزيع الصحيفة مجاناً.
كان للإعصار تأثير مالي كبير، وخاصة بالنسبة للشركة الإعلامية. لم تكن لدينا أي إعلانات لأن معظم المعلنين أغلقوا مكاتبهم وكانت وكالاتهم دون كهرباء. أدى التشغيل المستمر لعملياتنا، والنفقات الإضافية للمحركات والوقود والطعام، ثم تكلفة رعاية موظفينا وعائلاتهم، دون تحقيق أي إيرادات، أدى ذلك كله إلى تكبدنا خسائر بقيمة 14 مليون دولار أميركي، والتي كنا نعتمد على بند انقطاع العمل في وثيقة التأمين الخاصة بنا لتغطيتها، لكن حتى هذه اللحظة لم نتلقَ أي أموال من هذا الجانب في التأمين. وبصفتنا عائلة، كان علينا سداد هذه الأموال لاستمرار عمل شركة الإعلام لمدة أشهر، إلى أن بدأت أموال الإعلانات في العودة ببطء. أصبحت إمكانية إدارة العمليات دون ديون واقعية للغاية؛ لأننا إذا كنا بحاجة إلى دفع فوائد على القروض والديون - بالإضافة إلى الخسائر التي كانت قيمتها 14 مليون دولار - كان من المستحيل بالنسبة لنا أن نستمر في تشغيل العمليات.
بعد فترة وجيزة من الإعصار، كان عليكم تقليل النفقات في شركة الإعلام. هل كان ذلك متعلقاً بالخسائر، أم كان رغبة في الاستثمار بأجزاء جديدة أخرى من الأعمال -الألواح الشمسية، والإسكان، ومراكز الاتصال، وما إلى ذلك؟
ماريا لويزا: "كان هذا واحداً من أصعب القرارات في حياتنا. كانت أمامنا تحديات هائلة، وكان علينا إجراء تغييرات في جميع أنحاء الشركة؛ لمواصلة مهمتنا. فيما يتعلق بالشركة الإعلامية، كنا بحاجة إلى مراجعة العمليات والبحث عن الكفاءات. كانت صناعتنا في خضم تحول كبير، وتأثير الإعصار جعل الأمور أسوأ بكثير؛ ولهذا السبب كان من الصعب للغاية اتخاذ هذه القرارات، لكنها كانت ضرورية أيضاً للحفاظ على أعمالنا خلال وقت صعب للغاية. على الجانب الإنساني، كنا نعلم أن بعض هذه القرارات كان مؤلماً، ولكن في النهاية كان علينا ضمان الحفاظ على أعمالنا وسط هذه الأزمة.
هل تشعرين بأن الشركة قد استقرت؟ وكم من الوقت استغرقت عودة الأمور إلى طبيعتها؟
ماريا لويزا: كان الوضع فوضوياً للغاية لفترة من الزمن؛ لأنه كان عليك الصمود في كل يوم. لم نكن نعلم ما إذا كان لدينا ما يكفي من وقود الديزل، ولم يكن معظمنا يعيشون في منازلهم. وعندما كنت تقود سيارتك في جميع أنحاء بورتوريكو، لم تكن هناك إشارات مرور ولا رجال شرطة. كان هناك حظر تجول إجباري، أي لم يكن بإمكاننا الخروج إلى الشوارع بعد الخامسة مساءً. استمر هذا الوضع نحو شهر.
في اللحظة التي بدأنا نشعر فيها كما لو كان لدينا روتين نتبعه، شعرنا بأن الفوضى تقل. حتى لو كان ذلك يعني الوجود في العمل وجمع القمامة في مكتبك فحسب. ثم، عندما بدأت الكهرباء تعود، شعرنا بالأمان أكثر. ثم عادت المياه، وبدأنا نشعر بمزيد من السيطرة على الوضع. كان ذلك بعد الإعصار بأربعة أشهر.
لم يتوقف أي من أعمالنا، لكن اللحظة التي كنا قادرين فيها على تشغيل عملياتنا بالكامل كانت مهمة جداً. هذا لا يعني أننا لم نواجه مشكلات؛ فقد كنا نخسر أموالاً. وكان ذلك حين أدركنا أنه علينا صياغة استراتيجية جديدة، وأننا لم يكن لدينا وقت كافٍ، وأننا علينا التحرك بسرعة كبيرة.
يبدو أنه على الرغم من أن الفوضى كانت تقل، فقد كان هناك الكثير من الأمور التي كانت لا تزال غير مستقرة بالنسبة للكثير من الأشخاص. كيف طرحتم استراتيجية جديدة حين كان الموظفون يشعرون بالضغط فعلاً؟ هل كانت فكرة جيدة من الأساس أن تطرحوا استراتيجية جديدة في ذلك الوقت؟
ماريا لويزا: كان تركيزنا ينصب على التأكد من سلامة موظفينا وأنهم في طريقهم للتعافي التام، لكننا بدأنا سريعاً جمعهم للعمل معاً عن قرب بأساليب جديدة، وللعمل في فرق وعبر أقسام مختلفة. كانت هذه الفرق تعلم أن الشركة كانت مستقرة لكنها تحت التهديد. يمكنكم تخيل تفكيري في أمور مثل: "كيف يمكنك إخبارهم بأن كل شيء سيكون على ما يرام؟ وكيف يمكنك تحفيزهم؟" خلال اجتماعاتنا الاعتيادية مع كل الفرق وفي كل قاعات المؤتمرات، ألصقنا مقولة شهيرة لونستون تشرشل: "المتشائم يرى الصعوبة في كل فرصة، والمتفائل يرى الفرصة في كل صعوبة". ألصقنا أيضاً مقولة لمارتن لوثر كينغ الابن: "إذا كنت لا تستطيع الطيران؛ فاركض، وإذا كنت لا تستطيع الركض؛ فامشِ، وإذا كنت لا تستطيع المشي؛ فازحف، لكن مهما كنت تفعل فعليك مواصلة التقدم للأمام". أردنا أن يعلم الموظفون أن أهم شيء لنا هو مواصلة التقدم للأمام والاحتفال بذلك. تلك العقلية ساعدتنا حقاً.
بخلاف تغيير الاستراتيجية، كيف أثر إعصار ماريا على أعمالكم؟ وما الدروس المستفادة التي تعلمتموها؟
ماريا لويزا: تعلمنا كيفية التعامل مع الطوارئ التي نتعرض لها. كنا نعتمد كثيراً على التكنولوجيا لدرجة أننا تغافلنا عن أساسيات مثل كتابة قائمة على الورق بالأماكن التي يعيش فيها موظفونا. لم تكن الحواسيب تعمل، ومن ثم لم يكن بإمكاننا إرسال رسائل البريد الإلكتروني. الآن لدينا قائمة تحتوي على كل معلومات موظفينا، وأضفنا خطوطاً أرضية منتظمة كدعم احتياطي للاتصالات، ونعمل الآن على تحديد الأماكن التي يعيش بها موظفونا وكيفية الوصول إليهم فعلياً في حالة الطوارئ، وكذلك إنشاء مراكز للطوارئ في مباني التوزيع ومباني مراكز الاتصال الخاصة بنا.
وفي الشركة الإعلامية، كنا منشغلين جداً في تغطية الأخبار والصمود في تلك اللحظة، لدرجة أننا قد نسينا أن موظفينا كانوا يعانون. نظرنا إلى الخارج كثيراً وغطينا خسائر بورتوريكو، لكننا ربما لم ننظر إلى الداخل بما يكفي. أدركنا بشكل متأخر أنه – في حين كنا نعمل قلب الأزمة ونركز في الحصول على المعلومات - كان ينبغي أيضاً أن تكون لدينا مجموعة تلبي احتياجات موظفينا ولديها المساحة والوقت للتعامل مع ما حدث لهم على المستوى الفردي أيضاً؛ وذلك من أجل تقديم المشورة على سبيل المثال. الآن نعمل على إنشاء برنامج للتعافي لمساعدة الموظفين في التعامل مع الصدمة التي تعرض لها الجميع. وهذا الجانب المهم كان بمثابة درس مستفاد لنا.
لقد احتفلتم بذكرى مرور 100 عام على تأسيس شركة جي إف آر، وذكرى مرور عام على إعصار ماريا. ما الذي تفكرون فيه أكثر؟ وما الذي أنتم متفائلون بشأنه؟ وما الذي أنتم قلقون بشأنه؟
نحن نفكر في المستقبل، وضرورة التعامل مع الفوارق الاجتماعية التي كشفت عنها هذه الكارثة. ونفكر في كيفية أن نصبح مرنين وكيفية مواصلة التحوّل، إلى أن يكون لدى كل أسرة في بورتوريكو سقف آمن فوق رؤوسها، ومرافق صالحة وبأسعار ملائمة، وحصول كل أسرة على تعليم جيد، وخدمات صحية، ووظائف، وأمان، وطعام على موائدها. هذا هو العمل الذي سيستمر حتى تعود أعمالنا واقتصادنا إلى المسار الطبيعي، ويعود النسيج الاجتماعي لمجتمعنا ويتعافى.
عاشت عائلتنا في بورتوريكو لأكثر من قرنٍ، ونخطط للاستمرار للعديد من السنوات القادمة. لقد كنا موجودين ومخلصين لبورتوريكو في أوقات الرخاء، ولكن الأهم من ذلك، في أوقات الشدائد، تلك التي تذكرنا جميعاً بمدى قوتنا.