ملخص: تشير معدلات الدوران الوظيفي والانتقال إلى نظام العمل الهجين والغموض المستمر الذي يلف المستقبل إلى احتمال أن يعاني جميع موظفيك من الشعور بعدم الاستقرار. وتعني هذه الاضطرابات احتمال أن يشعر الموظفون وحتى القدامى منهم الذين قضوا أعواماً في بناء سمعتهم ضمن المؤسسة وكأنهم يبدؤون الآن من الصفر، وذلك يعود بعواقب هائلة على الأداء والابتكار والرفاهة. وسيتمكن المدراء من تعزيز تماسك الفرق وأدائها ورفاهة أفرادها عن طريق استثمار فصل الخريف المقبل على اعتباره فرصة مناسبة من أجل إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد. تقترح المؤلفة 5 خطوات يمكن للمدراء اتباعها.
قالت لي صديقتي نجلاء، وهي مديرة أولى في قسم التسويق: "أنا أقدم الموظفين في فريقي. لكني أشعر وكأني موظفة جديدة".
على الرغم من أنها تعمل في شركتها منذ 4 أعوام فقد تسببت التغييرات الكثيرة التي شهدناها مؤخراً في شعورها بعدم الاستقرار. بعد أن استقال مديرها في شهر يونيو/حزيران عملت نجلاء في وضع معلّق على مدى شهر كامل إلى أن تم تعيين مدير جديد، ثم بدأت بالحضور إلى المقر المكتبي يومين في الأسبوع، لكن سرعان ما توقفت عن ذلك نظراً للمخاوف التي أثارها انتشار الفيروس المتحور دلتا. ثم غادر 3 من زملائها الفريق وحلّ محلهم 4 موظفين جدد.
قالت نجلاء: "أشعر أني لا أعرف أحداً في فريقي. يمكنني البحث عن المستندات بسهولة شديدة، لكن عدا عن ذلك أشعر وكأني انضممت إلى الفريق بالأمس"
نجلاء ليست الوحيدة التي تشعر وكأنها موظفة جديدة في الشركة التي تعمل فيها منذ أعوام، ونظراً لخبرتي في مجال العواطف في العمل وعملي كمديرة المحتوى في شركة "هومو" (Humu) التي تركز على تغيير السلوك في مكان العمل، أعمل بصورة دائمة في مساعدة القادة والمدراء والفرق على اتباع طرق أفضل في العمل. ولاحظت من خلال البيانات والمحادثات قوتين تزعزعان استقرار الموظفين: الدوران الوظيفي غير المسبوق وحالة الغموض. ارتفع عدد الموظفين الذين ينتقلون من وظائفهم إلى مستويات قياسية في حالة يسميها الخبراء "الاستقالة الكبرى"، وفي الوقت نفسه بدأت الفرق في الانتقال إلى نظام العمل الهجين.
وتعني هذه الاضطرابات احتمال أن يشعر الموظفون وحتى القدامى منهم الذين قضوا أعواماً في بناء سمعتهم ضمن المؤسسة وكأنهم يبدؤون الآن من الصفر، وذلك يعود بعواقب هائلة على الأداء والابتكار والرفاهة. عندما نبدأ العمل في بيئة جديدة أو مع زملاء جدد نشعر بانعدام الأمان لأننا لم نحظ بفرصة لإثبات أنفسنا بعد، وشكوكنا بأنفسنا تقلل احتمالات أن نتمكن من اقتراح أفكار مبتكرة جديدة أو طرح الأسئلة التي تراودنا أو أخذ فترات الراحة التي نحتاج إليها.
تساعد عملية إعداد الموظفين الجدد الفعالة الأفراد في استعادة ثقتهم بأنفسهم وتقلص الوقت الذي يحتاجون إليه للنهوض واستئناف العمل. لكن فوائد هذا النوع من الدعم المنظم ليست حكراً على الموظفين الجدد فقط، فإن إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد أمر مطلوب في شركتك حالياً.
إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد
إذا كنت قائداً، ستكون أسوأ استراتيجية تتبعها هي أن تكتفي بالانتظار مكتوف الأيدي على أمل أن ينجح موظفوك في التغلب على الاضطرابات الكثيرة. بل يجب أن تستفيد من بطء العمل في شهر أغسطس/آب الماضي وتهيئ المدراء من الآن للقيام بعملية إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد في فصل الخريف المقبل. وفيما يلي 5 خطوات أقترح أن تشجع المدراء على اتخاذها الخريف المقبل.
ابدأ بالتواصل
عندما استعلمت من نجلاء عما فعله مديرها للتقريب بين أفراد فريقها هزت رأسها وقالت: "لم يفعل الكثير".
لا عجب أنها شعرت بالانفصال عن العمل، ففي فترات الدوران الوظيفي المرتفع يجب أن تحرص بشدة على خلق فرص لتعارف الموظفين.
ومن أجل إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد وإعداد فريقك للنجاح استثمر في التواصل العاطفي في أسرع وقت وبأكبر قدر ممكن. حدد مواعيد لاجتماعات فردية عشوائية لمدة 30 دقيقة وابدأ هذه الاجتماعات بسؤال لطيف مرح، (سؤالي المفضل: "ما هو نوع الطعام الذي لا يحظى بما يستحق من التقدير؟") الطقوس أيضاً هي طريقة رائعة لخلق مساحة يتحدث الموظفون فيها عن أنفسهم، جرب تقنية "الإنجاز والإخفاق والفكاهة"، حيث يتحدث كل موظف عن إنجاز واحد وإخفاق واحد وموقف مضحك مما عاشه في الأسبوع المنصرم.
رحّب بالمساهمات الفريدة
إحدى أولى الرسائل التي يجب أن يسمعها مرؤوسوك منك هي أن كلّ ما يميزهم سيحظى بالتقدير. في تجربة لإعداد الموظفين وزع الباحثون عشوائياً موظفين جدد على 3 مجموعات خضعت كل منها لجلسة ترحيب مختلفة. في جلسة المجموعة الأولى طُلب من الموظفين التفكير في مساهمة وجهات نظرهم الفريدة في نجاحهم ضمن أدوارهم الجديدة، وفي جلسة المجموعة الثانية طُلب من الموظفين التفكير في سبب افتخارهم بالانضمام إلى الشركة، في حين كان التركيز في جلسة المجموعة الثالثة على تدريب الموظفين على المهارات. بعد 6 أشهر كانت احتمالات استقالة الموظفين في المجموعة الأولى أقلّ، وحققوا درجات أعلى من رضا العملاء مقارنة بالمجموعتين الأخريين.
في الاجتماعات الفردية يمكنك أن تطلب من كل موظف التفكير في مهاراته والطريقة التي تمكّنه من استخدام هذه المهارات في دوره الحالي، ثم وزع المهام الأولية بناءً على هذه المحادثات على نحو يتيح للأفراد استعراض قدراتهم. وفي اجتماعات الفريق أثنِ صراحة على الاقتراحات الجديدة، جرب أن تقول شيئاً مثل: "لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة، شكراً لتنبيهنا إليه".
ساعد الموظفين ليتعرف كلّ منهم على مهارات الآخرين
تتمتع الفرق الأكثر فاعلية بمستوى عالٍ من "المعرفة المشتركة"، أي الفهم الجماعي لخبرات أفراد الفريق ومسؤوليات كلّ منهم وطرق تعاونه مع الآخرين لإنجاز العمل. ولبناء هذه المعرفة المشتركة احرص على خلق فرص مبكرة تمكّن أفراد الفريق من التعاون فيما بينهم واكتشاف كلّ منهم مواهب زملائه الفريدة. كما يمكنك إنشاء سلسلة رسائل إلكترونية أو إطلاق قناة يمكن لأعضاء الفريق نشر مشاكلهم فيها ليشاركهم من يملكون الخبرة اللازمة أفكارهم.
أجرت مديرة ممن تحدثت إليهم سباق سرعة مدته 3 ساعات طلبت فيه من أفراد فريقها الذي تم تشكيله حديثاً إعادة تصميم مجموعة شرائح عرض تقديمي لمشروع ريادي للمبيعات، وبعد ذلك عملت على تيسير اجتماع لاستخلاص المعلومات حيث ناقشت المجموعة المساهمة الفريدة لكلّ فرد. أدى هذا التمرين إلى تجديد طاقة أفراد الفريق وساعد كلاً منهم في فهم مواهب الآخرين الفريدة بصورة أفضل.
احرص على حشد الجميع حول مهمة مدتها 3 أشهر
المكاسب السريعة تعزز الحماس والثقة، ولمنح فريقك القوة كي يحقق انتصارات مشتركة سريعة اجمع أفراده حول هدف طموح قصير الأجل قابل للتحقيق. كلف مدير في قسم الهندسة يدعى أنس فريقه بمهمة مدتها 3 أشهر لإطلاق ميزة منتج جديدة كان العملاء يسألون عنها منذ أعوام. وبذلك أدى تحديد هدف معين ومؤثر إلى جعل عملية توزيع الأدوار وتحديد العمليات ضمن الفريق أسهل. وضع فريق أنس خططاً لمدة 30 و60 و90 يوماً، وكان أفراده يجتمعون عند نهاية كل أسبوع للاحتفال بتقدمهم المشترك والتحدث عن إنجازاتهم الفردية والاحتفاء بها.
احرص على وضع قواعد ثقافية واضحة
عندما تكون موظفاً جديداً، يمكن أن تصبح الأمور الصغيرة التي تبدو محيرة مصدراً كبيراً للتوتر (مثلاً، "هل يمكنني إيقاف الفيديو أثناء المكالمات الطويلة؟"). للتغلب على هذه المخاوف احرص على تحديد موعد لجلسة خاصة يتفق أفراد الفريق فيها على القواعد الثقافية والعاطفية. أثبت العلم أن تحديد توقعات واضحة مسبقاً له تأثير قوي على أداء الموظفين. وفيما يلي بعض الأسئلة التي يمكنك طرحها للبدء:
- كيف يمكننا ضمان أن تبقى أصوات زملائنا الذين لا يعملون ضمن المقرّ المكتبي مسموعة؟
- كيف سنتعقب التقدم ونشارك المستجدات فيما بيننا على مدار الأسبوع؟
- ما هي الطريقة التي يفضلها كلّ منا لتلقي الآراء والتقييمات؟
- ما هي المبادئ التوجيهية التي يجب أن نتبعها في الاجتماعات؟
- ما الذي يُسمح لنا فعله؟ (مثلاً، أخذ فترات استراحة أو طرح الأسئلة).
احرص على تدوين إجاباتك وحفظها في مكان يسهل على الجميع الوصول إليه.
عزز المعايير الصحية المثمرة لتقدير الموظفين.
يعدّ استعراض العمل الممتاز أو الإشادة بالسلوكيات الداعمة من أسرع طرق تعزيز الحماس وإنشاء صورة أوضح لما يحظى بالتقدير ضمن فريقك وتعزيز المعايير الصحية على نحو إيجابي. خذ مثلاً الاحتفال بجهود مجموعة صغيرة من الموظفين بدلاً من الاحتفال بجهود موظف واحد أو كافة الموظفين. في تجربة ميدانية قام الباحثون بتقسيم الموظفين إلى مجموعات مكونة من 8 أفراد لكل مجموعة، ثم أرسلوا بطاقات شكر على الجهود المبذولة إما إلى الموظف صاحب أعلى أداء في المجموعة، أو إلى الموظفين الثلاثة أصحاب أعلى أداء في المجموعة، أو إلى كافة الأفراد في المجموعة. أدى توجيه التقدير للموظفين الثلاثة أصحاب أعلى أداء في المجموعة إلى ارتفاع مستوى الأداء العام في مجموعتهم بدرجة أكبر من المجموعات الأخرى.
وأخيراً، احرص على خلق فرص ليشيد كل موظف بأقرانه أيضاً. أثبتت الأبحاث أن إطراء الزملاء يمنح الموظفين الجدد شعوراً بالترابط مع المؤسسة بسرعة أكبر مقارنة بإشادة المدراء. في شركة "هومو"، أنشأنا قناة على منصة "سلاك" بعنوان "تشجيع الأقران" (#cheersforpeers). وفي كل شهر يؤهل الموظف الذي تمت الإشادة به على القناة أو الذي أشاد بزميله للدخول في قرعة على جائزة.
تشير معدلات الدوران الوظيفي والانتقال إلى نظام العمل الهجين والغموض المستمر الذي يلف المستقبل إلى احتمال أن يعاني جميع موظفيك من الشعور بعدم الاستقرار. وسيتمكن المدراء من تعزيز تماسك الفرق وأدائها ورفاهة أفرادها عن طريق استثمار فصل الخريف المقبل على اعتباره فرصة مناسبة من أجل إعداد جميع الموظفين للعمل من جديد.