أود في السطور القادمة أن أسلط بعض الضوء على إعداد الجيل الجديد من قادة الأعمال وأهمية المبادرات الخلاقة التي تطلقها دولة الإمارات بهدف توفير التوجيه والإرشاد الميداني لقادة الأعمال الشباب، حتى يتمكنوا من المساهمة في تعزيز اقتصاد دولتنا. ولعل أهم منطلق في مقاربتنا لموضوع إعداد الكوادر الوطنية وتمكينها، يتمثل بالأقوال المأثورة للوالد المؤسس، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي رأى أن بناء الرجال أصعب من بناء المصانع، كما أن تقدم الدول يُقاس بعدد أبنائها المتعلمين. لا شك أن هذه الرؤية الحكيمة تؤكد أهمية بناء الإنسان من خلال التعليم والتدريب وتطوير الذات، وهو أمر شكل قاعدة الأساس التي تقوم عليها عملية تنمية الموارد البشرية بهدف بناء الاقتصاد وتنويعه في أبوظبي ودولة الإمارات.
اقرأ أيضاً: لماذا يتجنب الكثير من المدراء توجيه الثناء؟
بالنظر إلى التحديات المختلفة التي يواجهها الشباب اليوم، فإني مقتنع تماماً أن الآباء المؤسسين لدولة الإمارات العربية المتحدة كانوا قد وضعوا نموذجاً لا يزال يشكل منهاجاً ملائماً لمجابهة هذه التحديات. وفي هذا السياق، فإن رؤية المؤسس (رحمه الله) تمثل نبراساً تهتدي به الأجيال المتعاقبة. وما يميز عالم اليوم هو حجم الفرص المتاحة، في المجال المهني وفي الحياة عموماً، مما يجعل الاختيار أو المفاضلة بينها مربكاً في بعض الأحيان.
فمن واقع تجربتي الشخصية، وحينما كنت أفكر بالتعليم الجامعي والتخصص المهني والمسار المهني الذي أرغب الالتحاق به بعد التخرج، كانت الخيارات المتاحة لي واضحة نسبياً، حيث التحقت بالعمل بشركة "بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)" كأول محطة في مسيرتي المهنية، وأمضيت فيها سنتين بعد التخرج، ومن ثم كان هناك خيار آخر هو التوجه نحو العمل في مجال الاستثمار، وهو الطريق الذي مضيت فيه بعد ذلك.
وعند الحديث عن التنمية الاقتصادية ودور الكوادر الوطنية في بناء اقتصاد متنوع، لا بد من الإشارة إلى الرؤية الثاقبة للآباء المؤسسين لدولة الإمارات، الذين وضعوا الأسس الراسخة للتنمية، فحققت أبوظبي قفزات نوعية وقطعت خطوات سريعة في مسيرتها نحو بناء اقتصاد متنوع، الأمر الذي عزز من مكانتها في عدد من قطاعات الأعمال العالمية، التي يشغل فيها أعداد كبيرة من المواطنين الإماراتيين مواقع قيادية متميزة في مختلف مجالات الابتكار، ويمثلون قدوة للأجيال القادمة كي لا يظلوا أسرى للتقليد، بل يتجاوزا ذلك إلى آفاق أرحب.
تجربة دولة الإمارات في إعداد الجيل الجديد من قادة الأعمال
إن بناء اقتصاد المعرفة يتطلب إتاحة الفرصة لكل أفراد المجتمع للمساهمة في تنمية بلاده، وفي ذات الوقت تحقيق طموحاته الذاتية وتشكيل مستقبله على النحو الذي ينشده، وهذا بالطبع شرط أساسي لبناء الاقتصاد والمجتمع على أسس الاستدامة.
لقد أصبحت دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم مركزاً للمعرفة، فهي تضم مؤسسات أكاديمية رائدة عالمياً ساهمت في ترسيخ ثقافة البحث والابتكار. والمهمة التي أمامنا الآن هي كيفية الاستثمار الأمثل للمواهب والقدرات البشرية، ومن هنا تأتي أهمية برنامج "خبراء الإمارات" كمبادرة تجد منا الدعم والتأييد.
اقرأ أيضاً: كيف يستفيد المدراء التنفيذيون من المرشدين؟
إن قطاعات الأعمال الاقتصادية الجديدة التي نعمل على إنشائها توفر عشرات الآلاف من فرص العمل للمواطنين وتمكن القطاع الخاص من المشاركة في تعزيز تنافسية الاقتصاد الإماراتي بتنوع قطاعاته، وبالتالي المساهمة في تعزيز القدرات التنافسية لدولة الإمارات على المستوى العالمي وفي مختلف المجالات.
ومع أن الفرص المتاحة لشباب اليوم تبدو أكثر من ذي قبل، إلا أن العالم أضحى أكثر تعقيداً ولم تعد الفرص واضحة المعالم كما كان الوضع في السابق. ولعل من أهم أسباب ذلك أن التقدم التكنولوجي فتح فرصاً وأطلق أفكاراً جديدة لا حد لها، كما أنه يؤسس لواقع جديد في عالم الأعمال من خلال الابتكار في مجالات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة، وهذا يعني بالضرورة أننا نحتاج لأنواع مختلفة من المهارات لمواجهة تحديات العمل في المستقبل.
لا يقتصر هذا الأمر على أبوظبي أو دولة الإمارات فحسب، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة أن هناك اليوم 1.2 مليار شاب ينتمون إلى الفئة العمرية 15 – 24 عاماً يمثلون 16% من مجموع سكان العالم. وكل هؤلاء الشباب بحاجة إلى فرص عمل مستقبلية، وهم على قدر كبير من المعرفة بالتكنولوجيا ويمتلكون مهارات عالية. غير أن دراسة صادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي استندت إلى تقديرات جهات العمل، أشارت إلى أنه ما لا يقل عن 54% من جميع العاملين على مستوى العالم سوف يحتاجون بحلول العام 2022 إلى إعادة تأهيل لمواكبة التطورات التكنولوجية.
اقرأ أيضاً: كيف تستطيع إرشاد شخص لا يعرف أهدافه المهنية؟
إن ما يميز دولة الإمارات هو الرؤية الثاقبة التي تحلى بها الآباء المؤسسون وحرصهم على نقل ثمار تجاربهم إلى أبنائهم وبناتهم. وبفضل ذلك تشكل لدينا قاعدة غنية من الفرص الجديدة والمشاريع الجديدة وبالتالي ترجمة الأفكار النيرة إلى واقع ملموس.
ولعل من الأمثلة الواقعية التي يمكن طرحها في هذا المقام، منصة التكنولوجيا "Hub 71"، التي تم تأسيسها في أبوظبي وتشارك فيها شركة مبادلة للاستثمار كشريك استراتيجي جنباً إلى جنب مع شركات عالمية مثل "مايكروسوفت"، وصندوق "سوفت بنك فيجن"، وسوق أبوظبي العالمي. وقد أتيح لي أن أشاهد عن قرب كيف تتضافر التكنولوجيا والابتكار والعلاقات الدولية لخلق فرص جديدة للشباب. إن أكثر ما يثير اهتمامي هو هذه الشبكات والعلاقات لأنها توفر البيئة المثالية للتدريب والتعلم والتطوير، وبالتالي فتح مسارات جديدة للشباب الإماراتي الطموح.
إن توفير بيئة حيوية للتوجيه والتدريب والتعليم والدعم شرط أساسي لاستثمار الفرص التي مهد لها آباؤنا المؤسسون وسارت على نهجهم قيادتنا الرشيدة من أجل إعداد الجيل الجديد من قادة الأعمال بطريقة صحيحة. ولا شك أن لدى كل منا دور يمكن أن يلعبه في دعم شبابنا الموهوبين لتحقيق طموحاتهم، ولهذا السبب فإنني مفعم بالحماس للمشاركة في برنامج "خبراء الإمارات"، كما أعتبر ذلك شرفاً عظيماً لي.
اقرأ أيضاً: كيف تبني علاقة رائعة مع مرشدك؟