العنصر المفقود في إعادة هيكلة “كرافت هاينز”

5 دقائق
shutterstock.com/Pavel Kapysh

ثمة وصفة موحدة لإعادة هيكلة الشركات ظلت متبعة لعقود، وتتمثل في شراء شركة، ثم خفض التكاليف، ثم إعادة الاستثمار لتحقيق النمو، وجني الكثير من المال، ولكن في بعض الأحيان لا تجدي هذه الوصفة نفعاً، وقصة شركة "كرافت هاينز" خير مثال على ذلك، ففي مطلع هذا العام تكبدت الشركة خسائر فادحة في أقل من 24 ساعة، بمقدار 4.3 مليار دولار على وجه التحديد، وعلى مدار سنتين كلف الفشل الذريع شركة "بيركشاير هاثاواي" 20 مليار دولار، في خسارة قد تكون الأسوأ لها على الإطلاق.

في عام 2015، حدثت عملية اندماج كبرى بقيمة 63 مليار دولار بين "كرافت" و"هاينز" بدعم من شركة "بيركشاير هاثاواي" المملوكة لوارن بافيت وشركة الأسهم الخاصة البرازيلية "ثري جي كابيتال" (3G Capital)، وكان وضع ميزانية صفرية هو محور جهود فريق الإدارة في إعادة هيكلة الشركة عن طريق إجراء تحسينات واسعة النطاق في خفض التكاليف من أجل تعزيز هوامش الربح وتحقيق قيمة مضافة. أعلن بافيت عن دعمه للعملية، كما أن شركة "برجر كنغ" كانت قد نجحت في تنفيذ استراتيجية مماثلة في خفض التكاليف وتنفيذ عمليات اندماج قادت شركتها الأم "ريستورانت براندز إنترناشونال" (Restaurant Brands International) إلى تحقيق أرباح بنسبة 20% سنوياً، فتوقع معظم المحللين أن هذه العملية ستتم بسلاسة.

وللأسف، خلت هذه العملية من أي سلاسة.

بينما كان المستثمرون متعطشين للنمو، لم يكن بوسع شركة "ثري جي" تغيير إرث العلامات التجارية لـ "كرافت هاينز" بسرعة تكفي لتلبية طلب المستهلك على منتجات صحية وطازجة، وفي بعض الأحيان منتجات أرخص تحمل العلامة التجارية الخاصة، فبينما كانت منتجات، من قبيل "جيلو" و"كولايد" و"فيلفيتا"، مكدسة على الأرفف، كانت خريطة المنتجات الغذائية بالمتاجر الكبرى تتغير ساحبةً البساط من تحت أقدام "كرافت هاينز"، فلم تتمكن من التكيف مع هذه التغييرات بسرعة كافية، لأن تركيزها الحاد على خفض التكاليف بصورة حادة أخل بشكل كبير بقدرتها على الابتكار من أجل مواكبة هذه الخريطة المتغيرة، ومن ثم يمكن القول إن المخالفات المحاسبية، كما أسفر عن ذلك تحقيق هيئة الأوراق المالية والبورصات، هي نتائج إضافية للتركيز الشديد على التكاليف.

في النهاية، لا بد أن يفهم القادة أن وتيرة التغيير متسارعة في كل مكان، وليس في مجال المواد الغذائية المعلبة فقط. ومن وجهة نظرنا، فإن تجربة "كرافت هاينز" توضح لنا إلى حد بعيد أن الطرق التقليدية لإعادة الهيكلة محفوفة بالمخاطر المتزايدة، وأن أي جهد يبطئ أو يحد من قدرة الشركة على الابتكار من شأنه أن يؤدي إلى نتائج كارثية.

عندما تؤدي إعادة الهيكلة إلى خنق الابتكار

إن البشر مجبولون بيولوجياً على الاستجابة لكل من التهديدات والفرص من خلال مسارين يثيران المشاعر والأعصاب والهرمونات، وأخيراً التصرفات، ونطلق على هذين المسارين: مسار النجاة ومسار الازدهار.

تمثل مبادرات إعادة هيكلة الشركات لمعظم الأشخاص تهديداً يثير في أدمغتهم استجابة "النجاة" بصورة قوية، ذلك أن مشاعر الخوف والشك والغضب تؤجج الإحساس بانعدام الثقة في الإدارة، وتجعل التركيز كله منصباً على التخلص من هذا التهديد، الأمر الذي لا يترك مجالاً للقدرة على التفكير الإبداعي، واستجابة "الكر أو الفر" هذه موجهة إلى حماية النفس، ومن ثم يختفي أي انتباه إلى مشكلات العمل التجاري وفرصه في النمو. في تلك الحالات المتطرفة المشابهة لـ"كرافت هاينز"، يؤدي مسار النجاة المبالغ فيه إلى تنشيط استجابة "التجمد" عن طريق تغذية مشاعر اليأس والإحباط اللذين لا يعزز أي منهما الابتكار ولا النمو.

وفي المقابل، يرتبط مسار الازدهار بالبحث عن الفرص والتفكير التوسعي، وهذه تحديداً هي العقلية التي تقود إلى الابتكار والإبداع واغتنام الفرص الجديدة. وبينما يمكن أن يكون كلا المسارين قويين، فعندما يشتد مسار النجاة، فإن الضجيج والتشتت اللذين يخلقهما يطغى على الازدهار.

عندما تتوقف عن الخفض الحاد للتكاليف، تتبدد مشاعر القلق والخوف والغضب بمرور الوقت، ومن ثم تتحسن الإنتاجية الفردية، وتؤدي الفرص الجديدة إلى تنشيط الازدهار، وإذا كنت بارعاً فستبتكر وتنمو، ولكن تلك هي المشكلة. المشكلة هي أن العودة إلى التوازن بين التخلص من التهديدات، والبحث عن الفرص يستغرق وقتاً، وأنت لا تملك رفاهية الوقت على الإطلاق.

تهدئة مسار النجاة المبالغ فيه

إذن، كيف يمكنك أن تهدئ من مسار نجاة مبالغ فيه، بينما تجري عملية إعادة الهيكلة؟

يعتبر الغموض أكبر مصدر للقلق، وعندما لا تسد الإدارة احتياجات الأفراد في أثناء فترة التغيير، فسيفعل الموظفون ذلك بأنفسهم، لأن هذه هي الطبيعة البشرية، ويعد تجاهل هذه الحقيقة تقصيراً من جانب القادة.

"لماذا يحدث ذلك؟"، و"ما الذي يحدث بالضبط؟" و"ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لي؟"، هذه ثلاثة أسئلة من بين أسئلة عديدة قد تتبادر إلى أذهان الموظفين في أثناء بذل جهود إعادة الهيكلة، وإذا أجاب القادة إجابات اجتهادية تخلو من الشفافية والوضوح، فقد يخلق ذلك سحابة أكبر من الشك والحيرة، فيزداد مسار النجاة شدةً.

وتوضيح ما يحدث وسببه أمر منوط بالقادة، وغالباً ما يتلخص ذلك في مساعدة الأفراد على رؤية الصورة الأشمل. وبالنسبة إلى "كرافت هاينز"، فقد يعني ذلك التركيز على الحاجة إلى خفض التكاليف بوصفها خطوة ضرورية لتطوير الشركة من خلال توفير موارد للابتكار من أجل استثارة الزبائن والبقاء في صدارة المنافسة.

كثيراً ما يثير أي تغيير كبير مشاعر جياشة، وعندما تُترك هذه المشاعر مكبوتة، فقد تزداد شدة، لذا فإن منح الموظفين وسائل صحية للتعبير عن مخاوفهم وإحباطاتهم وأسئلتهم من شأنه أن يساعد على معالجة هذه المشاعر وتوجيهها على نحو مثمر. إن ضمان منح المدراء موظفي الخط الأمامي فرصاً للبوح بهذه المشاعر يمكن أن يقطع شوطاً طويلاً في الحد من القلق.

لا بد أن تمتد وسائل التواصل إلى أبعد من رسائل البريد الإلكتروني وكلام الاجتماعات، وأفضل القادة هم من يكونون حاضرين ومتاحين دائماً، ويتحدثون عن الفرص المتاحة، ويجسدون رؤيتهم لمؤسستهم، بحيث تنعكس هذه الرؤية على المحادثات اليومية التي يجريها القادة مع الموظفين بشأن أسباب إعادة الهيكلة، وعملية صنع القرار، والتحديات والفرص المرتقبة، فمن هذه المناقشات سيكتسب الموظفون فهماً أفضل عن التغيير وكيفية الانسجام معه في المستقبل كأفراد. وعلى الرغم من أن ذلك لن يقضي على القلق، فإن امتزاجه بالشعور بالإنصاف والسخاء والتماسك والصلابة والاهتمام الصادق، سيهدئ مسار النجاة المستعر في نفوس الموظفين.

تنشيط مسار الازدهار

يقصد بتنشيط الازدهار شغل المؤسسة بالمزيد من التركيز على الفرص، مهما بدت التحديات شاقة، وغرس ثقافة مليئة بالمشاعر الإيجابية، مثل الشغف والفخر والسعادة والإحساس بالمودة. وفي هذه البيئة، ينفذ نشاط القادة والمدراء وكلماتهم إلى قلوب الموظفين، وليس عقولهم فقط، كما أن هذه الكلمات ستلهم الموظفين وترغّبهم في الانخراط في العمل، وليس مجرد تأدية وظائفهم فحسب.

وبدعوة الموظفين إلى المشاركة في مبادرة إعادة الهيكلة، بغض النظر عن وظائفهم ومناصبهم، يمكن تغيير هذا التحول برمته، فلم يعد التغيير أمراً مخيفاً للموظفين، بل عبارة عن رحلة يشكل الموظفون جزءاً منها. وتكمن إحدى طرق دعوة الموظفين إلى المشاركة في سؤالهم كيف يرون تغيير مسؤولياتهم، بدلاً من إخبارهم بالطريقة التي ستتغير بها مناصبهم، وثمة طريقة أخرى تكمن في إشراك مجموعة من الموظفين في المساعدة في عملية صنع القرارات بشأن توقيت وسبل ترك الموظفين للمؤسسة، وهذه الطريقة لها ميزة إضافية تتمثل في توفير الأسباب أمام اتخاذ قرارات أفضل.

إن تمكين الجميع من الإسهام، ولو بشكل محدود، في عملية إعادة الهيكلة منذ البداية من شأنه أن يبني جسوراً من الثقة ويثير عقلية الازدهار. قد لا تشهد ذلك في كثير من الأحوال، ولكنه يحدث بالفعل، ففي عام 2012 بدأت عملية اندماج بين داري نشر "بنغوين"، و"راندوم هاوس"، وأرجع ماركوس دول، الرئيس التنفيذي، جزءاً من سلاسة هذا الاندماج إلى "تنفيذه على طريقتهم" وإلى فكرة أنهم "عملوا على إعداد هذا الاندماج وتنفيذه معاً بروح الفريق". لم يكن هذا الاندماج يشبه العديد من عمليات الاستحواذ التي أجروها سابقاً في شيء، حيث كان هناك المزيد من التركيز على الفرص وإشراك الموظفين والتأني في خلق النجاحات الصغيرة والمبتكرة، وكل هذه الأمور تنشّط الازدهار، لتكون المحصلة النهائية: أسهل وأسرع اندماج.

إن وتيرة التغيير هي التي تعيد كتابة قواعد إعادة الهيكلة، وكما اتضح لنا من حالة "كرافت هاينز" فإن الشركات في جميع القطاعات في حاجة إلى طريقة تهدئ بها مسار النجاة وتنشط مسار الازدهار، مع تقليل التشتت والسماح للمؤسسة بتسريع عجلة الابتكار والنمو، والتركيز على المستقبل. وكل من يتجاهلون هذه الحقائق يجازفون أكثر مما يتخيلون.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي