عليكم أيها المدراء إعادة ضبط مستوى توقعاتكم

3 دقائق

يحتمي الجميع في بيوتهم، ويعملون من المنزل لبعض الوقت، وهذا هو الوضع الراهن في معظم أنحاء البلاد، ولكن هناك من يلمسون صعوبة حقيقية في مواكبة هذا التغيير، ويكمن التحدي في قدرتهم على إنجاز حجم العمل المطلوب منهم في ظل عيشهم مع آخرين، سواء كانوا زملاءهم بالسكن أو أزواجهم أو أطفالهم، وفي المقابل، هناك هؤلاء الموظفون الذين يعيشون بمفردهم في المنزل وأصبح بإمكانهم تجنب أي تنقلات، وربما يظن المرء أنه من البديهي أن يرتفع مستوى إنتاجية هؤلاء الأفراد أو أن يظل كما هو على الأقل، نظراً للدراسات التي تشير إلى زيادة حجم الأعمال المنجزة لدى الأفراد الذين يتبعون نظام العمل عن بعد.
لا شك أن ذلك ينطبق على البعض، إلا أن محادثاتي مع عشرات العملاء والزملاء خلال الشهرين الماضيين أثبتت لي العكس، فبغض النظر عن وضع كل شخص، فإن السمة السائدة التي تنطبق على العاملين بالمهن المختلفة عبر قطاعات متعددة لا تقتصر على انخفاض معدلات الإنجاز لديهم، ولكن يمتد الأمر أيضاً لشعورهم بالإرهاق النفسي والذهني والجسدي.

ونتشابه نحن وأنظمة مستشفياتنا من حيث امتلاك كل منا لقدرات محدودة، فبالإضافة إلى التحديات الملموسة العديدة التي يواجهها العديد من الموظفين الآن في سبيل إنجاز العمل، هناك العديد من التحديات غير الملموسة التي نواجهها جميعاً والتي تقوض قدرتنا على العمل إلى حد كبير، وتشمل الآتي:

الإجهاد النفسي والمعرفي

فرضت علينا الجائحة "ضريبة" نفسية ومعرفية استنفدت القدرات المحدودة للأفراد التي كانت تُوجَّه في ظل الظروف العادية السابقة إلى العمل وحده، ونتيجة لذلك يعاني الآن الكثيرون إجهاداً نفسياً ومعرفياً زائداً بصورة ملحوظة أكثر من المعتاد، ويشمل ذلك أيضاً أولئك الذين يعانون الحد الأدنى من المشتتات داخل منازلهم.

فربما يتظاهر العديد من الأشخاص أنهم "على ما يرام"، ولكنهم في حقيقة الأمر قلقون على صحتهم أو صحة أحد أحبائهم ممن يُصنَّفون ضمن الفئات الأكثر عرضة للخطر، أو تجدهم يعانون شعوراً بالذنب لتقصيرهم في العمل أو في مساعدة أطفالهم في شؤونهم الدراسية، أو يخوضون صراعاً مباشراً مع تداعيات الفيروس، فقد صرحت لي إحدى العميلات أنها كانت مضطرة للتفكير في طريقة لإخبار أطفالها أن جارهم المسن قد وافته المنية نتيجة لإصابته بمرض "كوفيد-19". والآن بعد أن بدأت الولايات المتحدة في إجراءات إعادة الفتح التدريجي واتجاه المؤسسات للتفكير في كيفية العودة إلى مقرات العمل، ربما يشعر الموظفون بمخاوف إضافية بشأن سلامتهم خلال الفترة المقبلة.

وسواء كانت مشاعر الجزع أو القلق أو الحزن أو الذنب مشاعر واعية أم لا، فإنها أشبه بالروتين، فهي موجودة باستمرار، لكنها تشغل مساحة محدودة من أذهاننا، فقد أثبت البحث الذي أجراه روي باوميستر أن كبح مشاعرنا أو تزييفها، وهو ما قد يفعله المرء بهدف إنجاز العمل، له نتائج سلبية، وذلك أنه يستنزف إرادتنا المحدودة ويُضعف قوانا.

الإجهاد الناتج عن التعاطف مع الآخرين

ثمة ظاهرة أخرى تتسبب في شعور الأفراد بالإنهاك وهي الإجهاد الناتج عن التعاطف مع الآخرين، ففي سبيل إظهار التعاطف مع الآخرين وبذل الجهد لفهم ظروفهم الشخصية لتقديم المزيد من الدعم لهم، فإننا نستنفد طاقاتنا وقدراتنا الذهنية عن غير قصد، وقد صرحت لي إحدى العميلات في مجال الاستشارات الإدارية، وتُدعى تريشا، أن محاولاتها للاطمئنان على السلامة النفسية لأفراد فريقها سببت لها الشعور بالإنهاك، وهو ما لم تكن تتوقعه، وأنا شخصياً، بصفتي مدرّباً تنفيذياً ونظراً لطبيعة مهنتي التي تتطلب مني تقديم "المساعدة"، فبعد تواصلي مع عدد من القادة لتقديم الدعم لهم، شعرت بنفاد طاقتي بالكامل بحلول الساعة الثالثة مساء ولازمني هذا الشعور لأيام، على الرغم من حصولي على قسط كاف من النوم، كما يشعر عدد من زملائي في مجال التدريب بالأثر ذاته.

الإجهاد الجسدي

يوثق العديد من البحوث حقيقة أن حالتنا النفسية تؤثر بصورة مباشرة على صحتنا الجسدية، حيث أثبتت الدراسات أن 80% من زيارات المرضى للأطباء للشكوى من أعراض جسدية تنطوي على مشكلة اجتماعية عاطفية، ولاسيما أن الاضطرابات التي عانى منها الكثير من الأفراد منذ بدء الجائحة أدت إلى زيادة معدلات الإصابة بالاكتئاب والقلق، وقد تؤدي هذه الأوضاع إلى الشعور بالتعب الجسدي وربما يمتد الأمر للتعب المزمن بالنسبة للعديد من الأفراد، بالإضافة إلى شعورهم بضعف التركيز والذاكرة والحرمان من النوم، ما يجعلنا نشعر بالتعب وبضعف إنتاجيتنا.

يدرك أي مدير ناجح أننا بحاجة إلى التكيف مع الوضع الحالي، وهذا يعني أنه يجب على المدراء إعادة ضبط توقعاتهم على المدى القصير على الأقل، وفيما يلي بعض المبادئ التوجيهية للمدراء حول ما يبدو عليه هذا الأمر في الواقع التطبيقي:

افعل:

أعد ترتيب الأولويات الخاصة بالمشاريع والمواعيد النهائية، عليك تحديد الأمور التي يمكن تأجيلها (أو إلغاؤها تماماً) وتحديد المواعيد النهائية التي يمكن تمديدها.

أعد تقييم مستوى التفاصيل أو الجودة المطلوبة لهذه المشاريع ومعايير النجاح التي وضعتها لها، وحدد الأمور الجيدة بالقدر الكافي أو القابلة للتحقيق على أرض الواقع.

أعد توزيع الأعمال بصورة متوازنة بين أعضاء الفريق، مع أخذ الوقت لفهم أوضاعهم الشخصية والاختلافات الفردية في قدرات كلٍ منهم.

لا تفعل:

توقع نفس مستوى التفاعل من جانبهم أو تفرغهم كما في السابق.

افتراض أن الآخرين يتعاملون مع هذا النوع من المواقف مثلك أو بالطريقة ذاتها التي تعاملوا بها مع أنواع أخرى من المواقف العصيبة في وقت سابق، فهذا الوضع مختلف تماماً.

افتراض أن الآخرين سيخبرونك عندما يشعرون بالإرهاق أو عند حاجتهم إلى المساعدة، فلا بد أن تمنحهم تصريحاً واضحاً للقيام بذلك وتظهر لهم أن طلبهم للدعم أمر مرحب به.

لنكن واضحين، نحن لا نعني بإعادة ضبط مستوى التوقعات أن يبدأ المدراء في تقليص المسؤوليات أو التراخي، أو أنه لا ينبغي عليهم السعي لتحقيق النتائج أو مساءلة الموظفين، فهذه الجائحة كسباق الماراثون الذي نخوضه معاً، وفي ظل إجراءات الاحتماء داخل المنازل، يُعد تعديل توقعاتنا الخاصة بمستويات إنتاجية الآخرين أمراً مؤقتاً، ومن خلال إعادة ضبط مستويات التوقعات الآن، سيستطيع المدراء الحصول على أداء أفضل من موظفيهم على المدى الطويل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي