تقرير خاص

الذكاء الاصطناعي يُعيد صياغة مشهد سوق العمل: المستقبل يبدأ الآن

4 دقيقة
سوق العمل
shutterstock.com/Summit Art Creations
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

الذكاء الاصطناعي هو أحدث التكنولوجيات المزعزعة (Disruptive) التي تؤجج المخاوف بشأن تسارع الأتمتة واستيلائها على وظائف البشر من جهة، وتعزز الآمال بتحقيق مكاسب إنتاجية سريعة من جهة أخرى. وهو يتساوى في ذلك مع الابتكارات التكنولوجية السابقة كلها.

يستخدم الذكاء الاصطناعي مجموعات من خوارزميات المعالجة التكرارية السريعة التطور للتعلم من قدر هائل من البيانات، ويبحث عن الأنماط فيها لتنفيذ المهام بكفاءة وفعالية أكبر. في كل مرة يعالج فيها نظام ذكاء الاصطناعي البيانات، فإنه يختبر أداءه ويقيسه ويكتسب خبرات إضافية، وتدور عملية تعلم الآلة هذه في بيئة كان البشر يتمتعون فيها حتى وقت قريب بميزة نسبية في استنتاج القرارات من التدريب الذي يتلقونه أو من تجاربهم السابقة.

سوق كبيرة وآثار غير واضحة في التوظيف

في عام 2023، قُدّرت قيمة حجم السوق العالمية للذكاء الاصطناعي بمبلغ 150.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن تشهد نمواً بمعدل نمو سنوي مركّب قدره 36.8% من عام 2023 إلى عام 2030 مع توقعات بأن تصل الإيرادات إلى 1,345.2 مليار دولار في نهاية الفترة. ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي بهذه الوتيرة السريعة، تُطرح أسئلة بشأن أثره المحتمل في أسواق العمل.

من الناحية النظرية، يبدو الأثر الجوهري للذكاء الاصطناعي في التوظيف غامضاً، ففي حين أنه سيحل محل بعض العاملين، لكنه سيؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة أيضاً لأنه سيساعد العاملين على تقديم أداء أفضل وأعلى كفاءة ويخفض تكاليف الإنتاج ويعزز الإنتاجية. ويمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً أن يخلق وظائف جديدة لأن استخدامه يتطلب أداء مهام جديدة ولا سيما فيما يخص العاملين أصحاب المهارات المكمِّلة للذكاء الاصطناعي.

لم تجد الدراسات التجريبية في هذا المجال حتى الآن أدلة كثيرة على أن الذكاء الاصطناعي يحدث آثاراً سلبية كبيرة في التوظيف، وقد يرجع ذلك إلى حقيقة أن معدلات تبنّي الذكاء الاصطناعي لا تزال منخفضة نسبياً، أو إلى تردد الشركات في تسريح العاملين على المدى القصير و(أو) حاجتها إلى الوقت لتطبيق هذه التكنولوجيات الجديدة بعد تبنّيها.

آثار الذكاء الاصطناعي في سوق العمل

بالنظر إلى المستقبل، يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أنه بحلول عام 2025 قد يؤدي استخدام الذكاء الاصطناعي إلى زوال 85 مليون وظيفة وخلق 97 مليون وظيفة جديدة في آن معاً، وتدعم هذه الأرقام دراسات أخرى خلصت إلى أن غالبية الوظائف والقطاعات ستخضع إلى الأتمتة جزئياً فقط، وأن الذكاء الاصطناعي سيكون مكمِّلاً لها لا بديلاً عنها.

يبيّن الشكل رقم 1 أدناه الوظائف التي من المرجح أن تبقى والتي من المرجح أن تختفي بحلول عام 2025. على سبيل المثال، من المتوقع أن يشهد الطلب على مبرمجي التطبيقات ومتخصصي قواعد البيانات والشبكات أعلى نمو بنسبة 32%، وفي المقابل يتوقع أن ينخفض ​​الطلب على العاملين في مجال صناعة الألبسة ومصممي الباترونات (نماذج أبعاد الجسم على الورق) ومن يؤدون عملية قص القماش (المقص دار)، بنسبة 12%.

المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي، وغولدمان ساكس، ولينكد إن (تقرير مستقبل العمل)، وتحليل مؤسسة وايتشيلد (Whiteshield).

آثار متفاوتة بحسب المهنة والموقع الجغرافي

في حين أن البيانات المذكورة أعلاه تُظهر النتائج على المستوى العالمي، فمن الأهمية بمكان أن نفهم كيف يتفاوت تأثير استخدام الذكاء الاصطناعي من بلد إلى آخر وضمن البلد الواحد. وجدت دراسة حديثة أجرتها منظمة العمل الدولية فوارق كبيرة بين البلدان، إذ تطول تأثيرات الذكاء الاصطناعي بنسبة 0.4% من إجمالي الوظائف في البلدان المنخفضة الدخل، في حين ترتفع النسبة في البلدان المرتفعة الدخل إلى نسبة 5.5%. وقد يرجع ذلك في المقام الأول إلى اختلاف تركيبة الوظائف من بلد إلى آخر، فنسبة الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وتتضمن تأدية مهام قائمة على المعرفة أعلى في البلدان ذات الدخل المرتفع.

من الأمثلة على ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة، فباستخدام أداة استكشاف سوق العمل من مؤسسة وايتشيلد (Whiteshield Labour Navigator)، وجدنا أن نحو ثلث الوظائف التي من المحتمل أن تختفي بسبب الذكاء الاصطناعي توجد في مهن مثل عمال النظافة والمعاونين لهم ومنظفي واجهات المباني، وما إلى ذلك. 

الجدول رقم 1: أكثر المهن عرضة للاختفاء بسبب الذكاء الاصطناعي في الإمارات العربية المتحدة

أثر الذكاء الاصطناعي في زوال الوظائف في دولة الإمارات العربية المتحدة، على مقياس من 0 إلى 100.

تخفيف أثر الذكاء الاصطناعي من خلال جاهزية البنية التحتية الرقمية

لا يرجع التفاوت في آثار الذكاء الاصطناعي في أسواق العمل بين البلدان فحسب إلى الهياكل المهنية غير المتجانسة، أو إلى درجة تجهيز العاملين وإعدادهم للعمل بكفاءة وفعالية جنباً إلى جنب مع الآلات، ولكن أحد الأسباب المهمة لهذا التفاوت هو عدم المساواة في الوصول إلى الذكاء الاصطناعي والبيانات. فقد خلص تحليل مؤسسة وايتشيلد إلى وجود ترابط قوي بين قدرة سوق العمل في الدولة على التكيف مع الذكاء الاصطناعي من جهة وجاهزية البيانات والبنية التحتية الرقمية من جهة أخرى (الشكل رقم 2). تستخدم عدة اقتصادات ناشئة بالفعل تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الأساسية مثل الزراعة الذكية وتحديد الجدارة الائتمانية، لكن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لم تُعتمد على نطاق واسع حتى الآن على الرغم من أنها توفر فرصاً هائلة للتنمية الاقتصادية.

تمثل حالة الولايات المتحدة مثالاً توضيحياً مقنعاً، إذ من المتوقع أن يؤدي الدمج الاستراتيجي للذكاء الاصطناعي في أماكن العمل إلى خلق وظائف أكثر بـ 4.8 أضعاف الوظائف التي من المحتمل أن تختفي بحلول عام 2030 (الشكل رقم 3)، وهذا يؤكد الدور الحاسم للأطر الرقمية وأطر البيانات المتقدمة في تخفيف تحديات التوظيف إضافة إلى خلق فرص العمل وسط ثورة الذكاء الاصطناعي التي نشهدها.

وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، تمثل النساء 22% فقط من متخصصي الذكاء الاصطناعي الذين يمثل الرجال 78% منهم.

سياسات موائمة لتحقيق أثر مستقبلي إيجابي

خلصت الدراسات التجريبية أيضاً إلى أن التحيز ضد المرأة هو أحد آثار الذكاء الاصطناعي، وقد يرجع ذلك إلى حالة عدم المساواة القائمة حالياً بين الرجل والمرأة في المهن المتخصصة بالذكاء الاصطناعي على مستوى العالم، وسيطرة الرجال تقريباً على الوظائف التي ستخضع غالباً إلى الرقمنة، فضلاً عن التحيز ضد المرأة في التكنولوجيا نفسها. ومن خلال استخدام مجموعة ملائمة من السياسات، يوفر الذكاء الاصطناعي فرصة لمعالجة هذه التحديات وغيرها من التحديات الاجتماعية والاقتصادية ومنها الخصوصية والأمن وثقة الجمهور والتحيزات الخوارزمية والاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.

وهناك مجموعة من السياسات التي يمكن تسخيرها لتعزيز مكاسب الإنتاجية التي يَعِد الذكاء الاصطناعي بتحقيقها، وذلك من خلال التركيز على الإجراءات التدخلية التي تعمل على تحسين مهارات العاملين وقدرتهم على التكيف بدلاً من مناقشة احتمالات أن تحل الآلات محلهم،  وهذا الأمر يستدعي مراجعة سياسات التعليم وإكساب المهارات لمحو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في مستويات مختلفة من التعليم الرسمي ومن ضمنها المدارس، لإعداد موظفين قادرين على أداء عمل يتكامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي. وفي حين ستكون مهارات الذكاء الاصطناعي المتخصصة مطلوبة، فالتغيير في متطلبات المهارات سيكون أوسع بكثير لدعم مهن مثل محللي البيانات وعلماء البيانات ومطوري البرامج والتطبيقات والمتخصصين في التجارة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وهي الأدوار التي تعتمد اعتماداً كبيراً على التكنولوجيا. مع انتشار الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع، ستزداد أهمية امتلاك العاملين في مختلف المهن مجموعة واسعة من المهارات المعرفية والشخصية للتفاعل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي بفعالية، كما يجب أن تشجع السياسة العامة أصحاب العمل على توفير قدر أكبر من التدريب لضمان التعلم مدى الحياة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .