إذا كان دفع أجور مفرطة للرؤساء التنفيذيين هو أكثر طرق الإضرار بأموال الشركة، فستحتل عمليات إعادة شراء الأسهم المرتبة الثانية. تقول الحكمة التقليدية إن الرؤساء التنفيذيين يقومون بإعادة شراء الأسهم من أجل التلاعب بالسعر قصير الأجل للسهم، ويمولون عمليات إعادة الشراء هذه عن طريق تخفيض الاستثمارات، وبذلك تتضرر قيمة الشركة على المدى الطويل. وكما قالت السيناتور إليزابيث وارين: "تتسبب عمليات إعادة شراء الأسهم في ارتفاع الأسعار على المدى القصير. ولكن السبيل الحقيقي لرفع قيمة الشركة هو الاستثمار في المستقبل، وليس هذا ما يفعلونه". بدأت حكومة المملكة المتحدة بإجراء استقصاء بشأن عمليات إعادة الشراء نظراً لما تثيره من قلق لأنها: "قد تستبعد تخصيص فائض رأس المال في الاستثمار المنتج". وفي عام 2014، نشرت مجلة هارفارد بزنس ريفيو مقالة مطولة تنتقد هذه الممارسات.
يصلح هذا الاستخدام الشنيع لأموال الشركات لتصدر أهم عناوين الصحف. ولكن نادراً ما تكون هذه المزاعم مدعومة بأدلة واسعة النطاق، وغالباً ما تكون مدفوعة بسوء فهم لطريقة عمل عمليات إعادة الشراء.
إن الادعاء بأن الحاجة إلى إعادة شراء الأسهم يرغم الشركات على تخفيض الاستثمارات مناف للمنطق، وهناك وجهة نظر منطقية أكثر تقول: أولاً، تخصص الشركات التمويل للاستثمار بناء على الفرص المتوفرة. وإذا بقي لديها شيء من احتياطي السيولة النقدية بعد الاستفادة من جميع الفرص الاستثمارية التي تحقق القيمة، فستتمكن عندئذ من استخدامها في عمليات إعادة الشراء. وهذا ما يلقي الضوء على خطأ منطقي في الجملة المقتبسة آنفاً عن حكومة المملكة المتحدة، لأن "فائض رأس المال" المذكور يعرّف على أنه رأس المال المتبقي بعد القيام بجميع الاستثمارات المنتجة.
تقول الأدلة أن وجهة النظر هذه أكثر دقة. ونتج عن استبانة شاملة على التنفيذيين الماليين أن "عمليات إعادة الشراء تجرى بواسطة السيولة النقدية المتبقية بعد الإنفاق الاستثماري". ونتج عن أبحاث أخرى أن الرؤساء التنفيذيين يقومون بعمليات إعادة شراء كمية أكبر من الأسهم عندما تكون فرص النمو ضعيفة وعندما يكون لديهم فائض من رأس المال. فاستنزاف فرص الشركة في الاستثمار هو ما أدى إلى إجراء عمليات إعادة الشراء، وليست عمليات إعادة الشراء هي ما تسبب بتخفيض الاستثمارات.
كما أنّ المزاعم بأن عمليات إعادة الشراء تضعف الشركات على المدى الطويل ليست قائمة على البيانات. فالشركات التي تقوم بإعادة شراء أسهمها لاحقاً تتفوق على نظيراتها بنسبة 12.1% على مدى الأعوام الأربعة التالية، إذ لا تؤدي عمليات إعادة الشراء إلى تآكل القيمة طويلة الأجل للشركة، بل تولد القيمة عن طريق ضمان عدم إهدار فائض رأس المال. مثلاً، كانت قيمة شركة ياهو على مدى عدة أعوام تقدر بأقل من مجموع أجزائها، ويعود ذلك جزئياً إلى المخاوف من أنها ستهدر سيولتها النقدية على عمليات استحواذ ضعيفة. ولكن عموماً، وجد بحث واسع النطاق أنه في الشركات ذات الإدارة الرديئة، تقدر قيمة كل دولار نقدي واحد بما يتراوح بين 0.42 و0.88 دولار فقط، وهذا ما يلقي الضوء على إمكانية تعزيز القيمة ببساطة عن طريق عدم إهدار موارد الشركة.
أضف إلى ذلك أنّ عمليات إعادة الشراء توفر المرونة اللازمة كي تتمكن الشركات من تغيير مقدار الأرباح المقدمة لحاملي الأسهم كل عام. وحتى إذا قامت الشركة بإعادة شراء كمية كبيرة من الأسهم في العام السابق، يمكنها عدم إعادة شراء أي سهم هذا العام. وحتى بعد إعلان برنامج عمليات إعادة الشراء للعام الحالي، يمكن اتخاذ قرار بعدم الالتزام به دون وجود كثير من التبعات السلبية. إن عمليات إعادة الشراء أكثر مرونة بكثير من عمليات توزيع الأرباح، وهي الطريقة البديلة التي تتبعها الشركات من أجل إعادة السيولة النقدية إلى مستثمريها، وهو ما يساعد على عدم إثارة سخط كبير. وفي حين يمكن للشركة تقليب سياستها فيما يخص عمليات إعادة الشراء وتغييرها بناء على متطلبات استثماراتها، إلا أنه يجب عليها الحفاظ على مستوى الربح المعتاد فيها لأن تخفيض الربح يؤدي إلى هبوط كبير في سعر السهم. وهذا يعني أنه من الأفضل أن تعيد الشركات فائض رأس المال على شكل عمليات إعادة شراء (أو من خلال أرباح الأسهم الموزعة الخاصة) لأن زيادة الربح الاعتيادي ضمناً يلزم الشركة بالحفاظ على مستوى الربح الأعلى في المستقبل.
هناك أسباب أخرى تفسر جاذبية المرونة التي تتمتع بها عمليات إعادة الشراء. فالزبائن أصحاب البطاقات الائتمانية والشركات صاحبة خطوط الائتمان الدوار القابل للتجديد يثمّنون خيار تسديد ديونهم في أي وقت، ويقومون بدفع مبالغ إضافية خصوصاً عندما يكون معدل الفائدة مرتفعاً، أي معدل العائد الذي يطالب به المصرف، تماماً كما تقوم الشركات بعمليات إعادة الشراء عندما تكون أسعار الأسهم منخفضة ويكون معدل الأرباح الذي يطالب به حاملو الأسهم مرتفعاً. وإذا كانت بطاقة الائتمان لا تسمح للزبون سوى بتسديد الحد الأدنى من المدفوعات كل شهر، فلن يستخدمها أحد. وكذلك الأمر بالنسبة للشركات، إذا مُنعت من إعادة شراء أسهمها فقد لا تتمكن من إصدار أسهم لتبدأ بها، وسيكون عدد الشركات التي تطرح أسهمها في السوق أقل، وستلجأ إلى زيادة الديون من أجل تمويل نفسها. كما أن هناك سبب ثان لاعتبار الديون تشبيهاً صحيحاً، ألا وهو أن المدين الذي يسدد دينه هو في الواقع يقوم باستثمار يؤتي ثماره في المستقبل، إذ يخفض التزاماته بالفوائد المستقبلية. وبالمثل، ستدفع الشركة التي تعيد شراء أسهمها أرباحاً أقل في المستقبل.
الفكرة التي تقول إن عمليات إعادة الشراء (أو توزيع الأرباح في هذه الحالة) تخنق الاستثمار ما هي إلا "تفكير جزئي". فهي تعتبر أن الاستثمار يجب أن يكون في الشركة المعنية فقط وتتجاهل حقيقة أن حاملي الأسهم قادرون على إعادة استثمار أرباحهم النقدية في مكان آخر. وهذا يمثل ميزة ثانية تتفوق بها عمليات إعادة الشراء على توزيع الأرباح. ففي إعادة الشراء يختار المستثمرون إعادة بيع أسهمهم، وعلى الأرجح لن يفعلوا ذلك إلا إذا كانت لديهم فرص استثمار بديلة. ولن يقوم أي مستثمر رشيد ببيع أسهمه وتكديس نقوده. بينما تدفع الأرباح لجميع المستثمرين حتى الذين لا يملكون فرصاً بديلة جيدة للاستثمار وبالتالي ستتكدس الأموال النقدية وستبقى ساكنة. وبهذه الطريقة تكون عمليات إعادة الشراء مستهدفة، لأنها تعيد السيولة النقدية إلى حاملي الأسهم مع استخدامات أخرى أفضل لها.
وفي الواقع، فإن الفرضية الأساسية التي تنطوي على كثير من الانتقادات لعملية إعادة الشراء (التي تقول إن الكثير من الاستثمارات أمر جيد والقليل منها أمر سيئ) تنتهك فكرة أساسية في مبادئ التمويل. إذ لا يولد الاستثمار القيمة إلا إذا كانت عائداته أعلى من المشاريع الأخرى التي يمكن أن يستثمر فيها حاملو الأسهم. لا يتطلب إنفاق المال مهارات كثيرة، ولكن الشركات المسؤولة لا تقوم باستثمارات عشوائية، بل تقوم بالاستثمارات عندما تكون الفرص جيدة وتقيد استثماراتها عندما تكون الفرص رديئة. ويمكن أن يعيدنا وضع قيد على عمليات إعادة الشراء إلى سبعينات القرن الماضي، حين كان الرؤساء التنفيذيون يهدرون الأموال النقدية الحرة ببساطة لأجل بناء امبراطوريات بدلاً من استثمارها في أماكن أخرى، وخير مثال على ذلك شركة "آر جيه آر نابيسكو" (RJR Nabisco). كما تسمح عمليات إعادة الشراء لحاملي الأسهم بإعادة تخصيص التمويل للشركات الفتية ذات معدلات النمو المرتفعة والتي تتعطش لضخ السيولة النقدية فيها. ومن ناحية أخرى، قلة هم من يقولون إن إصدار الأسهم يحقق القيمة بصورة مؤكدة. وفي الواقع، يمكن أن يتسبب بيع قدر كبير من الأسهم بتخفيض سعر السهم إذا تم دون موافقة حاملي الأسهم، إذ غالباً ما تتم حالات إصدار الأسهم هذه بدافع بناء الامبراطوريات. ولكن عمليات إعادة الشراء هي ببساطة المعنى المغاير لإصدارات الأسهم.
هناك ميزة أخرى لعمليات إعادة الشراء تتفوق بها على توزيع الأرباح، ألا وهي أنها تؤدي إلى تركيز الملكية أكثر. إذا أعادت الشركة شراء أسهمها، فسيملك الرئيس التنفيذي حصة أكبر في الأسهم المتبقية، وبذلك سيملك محفزات أقوى لتحسين قيمة الشركة لأن امتلاك الرئيس التنفيذي حصصاً أكبر يحسن عائدات الأسهم طويلة الأجل. ولا تركز عمليات إعادة الشراء ملكية الرئيس التنفيذي فحسب، بل وملكية حاملي الأسهم المستمرين أيضاً. كما أن هناك قلق شائع بشأن الشركات العامة وهو أن ملكيتها تعود إلى ملايين حاملي الأسهم المتفرقين، فتكون حصصهم أصغر من أن تحثهم على التفكير فيما يتعدى الأرباح قصيرة الأجل. وعن طريق تركيز ملكية المستثمرين المستمرين، سيتشكل "حاملو الكتل"، وهم أصحاب الحصص الكبيرة من الأسهم. وبما أن حاملي الكتل هؤلاء لديهم مصلحة حقيقية في الشركة، سيكون لديهم الحافز للتفكير فيما يتعدى الأرباح والتفكير بفرص نمو الشركة وأصولها غير الملموسة على المدى الطويل.
ولكن، على الرغم من إشارة الأدلة إلى أن عمليات إعادة شراء الأسهم تضيف القيمة عموماً، إلا أني أتقبل فكرة أن بعض عمليات إعادة الشراء قد تكون فعلاً قصيرة الأجل. إذ يبين بحث دقيق أجري مؤخراً أن عمليات إعادة الشراء، التي تتيح للشركة التفوق على توقعات المحللين للأرباح فحسب، ستترافق مع انخفاض مستقبلي في معدلات التوظيف والاستثمار إذا ما أخفقت. نحن لا نعلم ما إذا كانت الاستثمارات التي سيتم تخفيضها هي الجيدة أم الرديئة، إلا أن هذه الأدلة بالتأكيد لا تشطب عمليات إعادة الشراء قصيرة الأجل. ولكن المشكلة هنا لا تكمن في الإكثار من عمليات إعادة الشراء، بل في منح الرؤساء التنفيذيين خطط أجور تحفزهم على تحقيق أهداف قائمة على الأرباح. إذ تؤدي هذه العقود إلى تخفيض الاستثمارات لأنه سيساعد الرئيس التنفيذي في تحقيق الهدف بغض النظر عما إذا تم استخدام السيولة النقدية التي تم توفيرها في عمليات إعادة الشراء أم لا.
ليس اتهام عمليات إعادة الشراء سوى مغالطة. فتخفيض الاستثمار هو ما يؤثر في الأهداف القائمة على الأرباح التي تضرّ بالقيمة طويلة الأجل. والعقود القائمة على الهدف بالإضافة إلى إمكانية الرئيس التنفيذي في صرف أسهمه خلال وقت قصير هي ما يؤدي إلى تخفيض الاستثمار. وبالتالي لن يكون الحل في تقييد عمليات إعادة الشراء، لأنه سيؤدي إلى تقييد كثير من عمليات إعادة الشراء التي تولد القيمة بالفعل، وإنما في إزالة الأهداف القائمة على الأرباح ومطالبة الرئيس التنفيذي بحمل الأسهم لعدة أعوام. وبذلك ستتم معالجة المحفزات قصيرة النظر التي تشكل سبباً أساسياً لأي مشكلة، عن طريق ردع بعض عمليات إعادة الشراء التي تتسبب بتدمير القيمة بالإضافة إلى ردع السلوكيات قصيرة الأجل إجمالاً.