أحد روّاد الأعمال يفكّر بإعادة تعيين أحد الموظفين الذين غادروا للعمل مع شركة منافسة.
ظهر رام كابور وأخوه وهما منتقعان بالألوان الجميلة من رأسيهما وحتى أخمص قدميهما، فهما يشاركان في احتفالات عيد هولي، وهو مهرجان الألوان في الهند، وهما الآن في طريق عودتهما إلى البيت حيث يسكنان مع والديهما وذلك في مقاطعة غورغاون، استعداداً لتناول وجبة طعام تقليديّة عائليّة. رنّ هاتف رام على بوّابة المنزل، ورفع شاشة الهاتف كي يري شايام اسم المتّصل: إنه هاري شوكلا.
سأله شايام متفاجئاً: "ولماذا يتصل بك في عيد هولي؟"
رام هو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة غرين إمباكت للاستشارات، وهي شركة للتصميمات المستدامة، وكان هاري أحد أهمّ الموظفين الشباب لديه، إلى أن انتقل منذ سنتين إلى شركة منافسة.
فأجاب رام: "ربّما يبحث عن وظيفة على ما أعتقد. هنالك تواصل بيننا الآن".
لكنّ شايام قال منفعلاً: "مستحيل! لكنّه تخلّى عنك، وأنت أقسمت بأنّك لن تتحدّث معه مجدّداً".
كان هذا بالفعل ما حصل. لقد كان هاري بمثابة اليد اليمنى لرام في غرين إمباكت، إذ كان يُشرف على المهندسين المدنيين في مواقع العمل في مشاريع الشركة للعقارات التجاريّة والسكنيّة، بينما كان رام يتابع قضايا التحليل التقنيّ وكوادر التصميم في المكتب. وقد كان من الصعب في العام الأوّل من إنشاء الشركة إقناع المطوّرين المحلّيين بأهمّية الإنشاءات المستدامة. لكن حين انضمّ هاري إلى فريق العمل في السنة الثانية، بدأت الأعمال تشهدّ تحسّناً ملحوظاً.
لقد كان رام وهاري صديقين وزميلين وشكّلا معاً فريقاً مميّزاً، وكان رام واثقاً أن غرين إمباكت تسير بخطىً حثيثة في طريقها لتصبح واحدة من بين أهمّ ثلاث شركات للإنشاءات المستدامة في الهند. ولكنّ هاري قرّر فجأة أن يستقيل من الشركة، وشكّل ذلك صدمة كبيرة لرام. ومع أن هاري قال إنه سيغادر الشركة لأسباب "شخصيّة" ولكنّه في الواقع انتقل إلى شركة منافسة أكبر تدعى (Sustainable Build Group).
وقد أدرك رام بالطّبع أن ما حدث معه يمثّل أحد المخاطر التي يواجهها روّاد الأعمال في الهند. لقد كان سوق الكفاءات محدوداً للغاية إلى درجة أن الشركات الكبرى الأكثر نجاحاً كانت تصطاد الموظفين المتميّزين من الشركات الصغيرة. ولكنّ رام لم يملك سوى أن يشعر بالخيانة وبخيبة أملٍ قاسية حيال ما بدر من صديقه.
لقد كانت سنةً صعبةً بكلّ معنى الكلمة. لقد اضطرّ رام بعد استقالة هاري غير المتوقّعة إلى الإشراف بنفسه على الكادر في المكتب وفي الميدان، وازدادت انشغالاته ومسؤولياته إلى حدّ أنه عجز عن متابعة خطط النموّ التي لطالما حلم بها. فاكتفى بالاهتمام بخدمة عملائه الحاليّين والحفاظ على ما لديه من موظفين، حتّى أنه رفع رواتب مجلس الإدارة في الشركة خوفاً من أن يحذو آخرون حذوَ هاري. ولم يكن بوسع رام التسويق لشركته لأنّه بالكاد تمكّن من الحفاظ على سير الأعمال القائمة في الشركة وحسب. وحرص رام في الوقت ذاته على أن يحافظ على رباطة جأشه أمام موظفيه وعملائه ووالدَيه. ولم يكن أحدٌ يعرف بالصعوبات التي حلّت برام سوى أخيه.
هزّ شايام رأسه باستياءٍ وقال: "لا أستطيع أن أصدّق أنك ستتكلّم معه حقاً!"
فأجاب رام: "أعرف تماماً أنه قد خذلني وخذل الشركة بأكملها، ولكنّه كان موظّفاً وصديقاً رائعاً. عليّ على الأقل أن أذكر له ذلك".
فقال شايام: "ولكنّه غدر بك، وتركك من أجل المال، دون أن يفكّر برسالة غرين إمباكت ولا بالصداقة التي بينكما. لا يمكنك أن تثق به. ثم أن الشركة في أحسن حال الآن، ولم تعد هنالك حاجة إليه".
لقد اجتاز رام بالفعل سنة صعبة بالشركة حتّى عادت غرين إمباكت إلى التطوّر من جديد. فقد تدخّلت اثنتان من المهندسين المدنيين كانتا تعملان تحت إشراف هاري، وهما بريتي داس وتولي كانا. صحيحٌ أنهما كانتا أقل خبرة بكثيرٍ مقارنة بهاري، ولكنّهما تلقّيتا تدريباً مكثّفاً حتّى تمكّنتا من سدّ الفجوة التي خلقها رحيل هاري.
ولكنّ رام بدأ يفكّر مؤخّراً بالتوسّع في أعمال الشركة، إلى منطقة الشرق الأوسط ربّما، حيث لا يصعب تسويق المباني المستدامة كثيراً. غيرَ أنه لم يكن متأكّداً إن كان فريقه الشاب قادراً على المحافظة على تطوّر العمل إن لم يتابع هو بنفسه العمليّات اليوميّة. أمّا لو استعاد دعم هاري فلعله سيتمكّن من إنعاش أحلامه في توسيع أعمال الشركة. وهنا قال رام لشايام: "قد يكون هاري الوحيد القادر على مساعدتي في الانتقال بالشركة إلى طورٍ جديدٍ من التطوّر".
فردّ عليه أخوه على الفور: "هذه المدينة مليئة بالمهارات والكفاءات. لا يمكن أن يكون هاري هو الخيار الوحيد، ليس بعد أن هجرك بتلك الطريقة".
ما الخيار الأفضل للشركة؟
بعد ثلاثة أيّام عاد رام إلى مكتبه، وعاود الاتّصال بهاري وتناقش معه وعرف ما يدور في رأسه: لقد افتقد هاري تلك البيئة الحميميّة في غرين إمباكت، وأصابه الإرهاق بسبب ساعات العمل الطويلة في عمله الجديد. ما أغراه للانتقال لتلك الشركة هو الزيادة التي عرضوها عليه، والتي بلغت 75% مقارنةً بما كان يتقاضاه لدى رام بالإضافة إلى فرص السفر أثناء العمل. ولكنّه أخبر رام بأنّه يودّ أن يشعر من جديد بأنّه يساعد في بناء شيءٍ ما، لا أن تقتصر مهمّته على الحفاظ على سير أعمال شركة شخصٍ آخر.
بدأ رام يشعر بالحماسة لاحتماليّة استئناف العمل مع موظّفه القديم، لكنّه في الوقت ذاته نظر في مكتبه ورأى فريق العمل الذي أبدى كفاءة عالية في التعامل مع التحدّيات التي ترتّبت جرّاء مغادرة هاري، ففترت تلك الحماسة قليلاً، لأنّ رام فكّر بالإرباك الذي سيتسبب به إعادة تعيين هاري.
نظر رام في بريده الإلكترونيّ ووجد رسالة من بريتي تقول إنها ترغب هي وتولي في الحديث معه قبل التوجّه إلى موقع المشروع اليوم، فأجاب رام على الرسالة: "بالتأكيد"، وبعد لحظات كانتا في مكتبه. لاحظ رام تلك النظرات المرتبكة على وجهيهما وأدرك على الفور أن خطباً ما قد أتى بهما.
قالت تولي، وهي معروفة بصراحتها: "لقد عرفنا بشأن هاري". حاول رام عدم إظهار أيّ ردّة فعل، ولكنّه شعر بأنّ عينيه ترتعشان. عجيبٌ حقّاً سرعة تناقل الأخبار في الشركة، فإحدى الموظّفات فيها صديقة أخيه شايام.
فقال رام: "لا أريد أن أعرف كيف وصلتكِ هذه الأخبار، وليس لديّ أي معلومات أخبركم بها الآن".
لم تلحظ تولي رغبة رام في إنهاء الحوار، أو ربّما لم تكترث لذلك فقالت: "أردنا فقط أن نخبرك بأنّ كادر العمل يؤيّد هذه الفكرة".
"أيّة فكرة؟" سألها رام.
"فكرة أن يعود هاري للعمل هنا" ثم أضافت على الفور: "هذا سيزيد من إمكانيّة توسّع العمل في الشرق الأوسط".
تحدثّ رام مع تولي وبريتي عن رغبته في التوسّع إلى أسواقٍ أكثر تحفيزاً، مثل دبي، وأبدت الموظفتان حماساً كبيراً بخصوص هذه الفرصة والاستراتيجيّة. إلّا أن رام لم يكن يتوقّع هذا الترحيب بخصوص احتمال عودة هاري لفريق الشركة، ولاسيّما من بريتي، والتي تشغل الآن المنصب الذي كان لدى هاري حين غادر إلى تلك الشركة.
فسأل رام: "وهل تحدّث موظفو الشركة عن هذا الأمر إذًا؟"
أجابت تولي: "معظم الموظفين".
"وهل جميعكم مع إعادة تعيين هاري، بالرغم من أن ذلك سيعني أننا سنحتاج لإعادة هيكلة الفريق وأنّكم قد تضطرون إلى التخلّي عن بعض مشاريعكم؟"
فقالت تولي: "قد يكون الأمر صعباً على المدى القصير، ولكنّا نعتقد أن ذلك سيكون أفضل للشركة. لقد كان هاري يؤدّي عملاً ممتازاً، ونحن لا نريد أن نراه يعمل لدى منافس مباشر لشركتنا، كشركة غرين اسكيبس أو بي آر جي. صحيحٌ أنه تركنا، ولكن علينا أن نفكّر بحنكة السوق التي لديه والتي سنستفيد منها في شركتنا لو عاد إليها".
حرّك رام رأسه موافقاً. لقد أعجبه أن يكون فريق عمله يفكّر بهذه الطريقة الإستراتيجيّة. لكنّه لاحظ أمراً: تولي هي التي تتحدّث وحسب بينما بريتي التزمت الصمت.
فسأل رام: "هل تتفقين مع ذلك يا بريتي؟"
"أنا أيضاً أريد مصلحة الشركة". توقفت بريتي لبرهة، ونظرت بارتباك باتجاه تولي، ثم تابعت وقالت: "لكن لديّ بالطّبع بعض التحفّظات. نعم، لقد خلق رحيل هاري فجوة في البداية، ولكنّا تعاملنا مع ذلك بنجاح، ونحن نقوم بعمل جيّد بدونه. بل لقد كان أداؤنا في الأشهر القليلة الماضية أكثر من جيّد".
تدخّلت تولي: "ووجوده سيساعدنا على تحقيق المزيد من النجاح".
فقالت بريتي: "ولكنّي متخوّفة من الطريقة التي سيتعامل بها الآخرون معه. صحيحٌ أن المعظم يقول إنه لا يعارض عودة هاري إلى الفريق، ولكنّ معظمنا قال بحقّه أشياء قاسية جدّاً حين غادر. بعض الموظفين كانوا، وربما لا يزالون، غاضبين ممّا فعل".
لقد أثارت بريتي نقطة مهمّة. هل بوسع فريق العمل -وهل بوسع رام نفسه- أن يرحّب حقّاً بعودة هاري، دون أيّ ضغائن تجاهه؟ وما الرسالة التي يوجهها ذلك لبقيّة الموظفين؟
وهل بوسع رام حقّاً أن يضع ثقته بشخص تخلّى عنه في مثل تلك الظروف الصعبة؟ وهل سيبقى متخوّفاً على الدوام من أن يكّرر هاري ما فعله ويغيّر ولاءه لشركة أخرى من جديد؟
هذه عاداتنا
"بالتأكيد ستقبل عودته للشركة. هذه ثقافتنا وهذا ما نفعله هنا في الهند: نحن نسامح الآخرين، ونعطيهم فرصة جديدة! لن أتردّد لحظة في تعيينك لديّ من جديد".
هذا ما قاله موهان شودهاري لرام أثناء تناولهما الغداء معاً. موهان هو صديقٌ قديم لرام وبمثابة مرشدٍ له، فقد كان موهان قد وظّفه لديه فور تخرّجه من الجامعة، واعتنى به جيّداً، ثم شجّعه على مغادرة الشركة ليبدأ شركته الخاصّة. ومن ذلك الحين ورام يرجع إلى موهان دوماً ليستشيره في بعض المشاكل العويصة التي يواجهها في العمل.
وتابع موهان: "وهذا ما تفعله الشركات الكبيرة أيضاً. مثل مايكروسوفت وماكنزي، وغيرها من الشركات ترحّب بموظفيها للعمل مجدداً معهم بعد أن كانوا غادروا للعمل في مكان آخر، وذلك لأنّهم يعلمون أنهم سيجلبون معهم المعرفة والخبرة بالإضافة إلى معلوماتٍ إستراتيجيّة عن الشركات المنافسة".
فسأله رام: "إذاً ليس عليّ سوى أن أقبله في الوظيفة من جديد هكذا، دون سؤال ولا عتاب؟"
"ليس بهذه السرعة. لماذا غادر هذا الموظف الشركة أصلاً؟ لقد قال في البداية أنها أسباب شخصيّة، أليس كذلك؟"
"بلى، ولكنّه الآن أكثر وضوحاً معي بهذا الشأن. فقد اعترف أن تلك الشركة قد عرضت عليه زيادة ضخمة في الراتب، ووعدته بالكثير من المشاريع خارج الهند".
"جيّد، وهو على الأغلب قد شعرَ أن عبء العمل قد تضاعف عليه كذلك. أنت تعرف جيّداً أن هذا الأمر يحصل في كافّة أرجاء الهند. صحيحٌ أن هذه الشركات الكبيرة لديها موارد ضخمة، ولكنّها كذلك تنتظر من موظّفيها أن يعملوا 70 ساعة في الأسبوع".
فقال رام: "لقد ذكر لي ذلك، ولكنّه قال أيضاً أنه يفتقد حميميّة بيئة العمل في غرين إمباكت ويرغب في المساهمة في بناء شركة صاعدة".
"أعتقد أن الأمر يتعلّق أكثر بالمرونة والتوازن بين العمل والحياة الشخصيّة التي سيجدها عند العودة للعمل معك. أو لعلّه لم يحتمل أن يكون على الهامش في تلك الشركة الضخمة، ويريد أن يكون قائد فريقٍ من جديد تكون له فيه كلمة مسموعة. ومن الممكن أيضاً أنه لم يحقّق النجاح في تلك الشركة".
لقد فكّر رام في ذلك. ليس مستبعداً أن يكون هاري قد سُرّح من عمله. فهل تستقبل غرين إمباكت شخصاً طُرد من شركة أخرى؟ هل ما تزال كفاءة هاري بالقدر الذي يذكره رام؟
قال موهان: "أعتقد أن إعادة تعيينه ستكون أمراً جيداً لك ولغرين إمباكت. ولكنّي كذلك أتفهّم موقفك. يبدو لي أن ثقتك به لم تعد كما كانت سابقاً. ولكن لو قررت تعيينه، فإنّ عليك أن تنسى كلّ ضغينة أو غضب تجاهه. فهل يمكنك ذلك؟"
فقال رام: "كنت أعتقد أن بوسعي فعل ذلك، أمّا الآن فلست متأكداً تماماً".
هل يجدر برام إعادة تعيين هاري؟
تعليقات مجتمع قرّاء هارفارد بزنس ريفيو
تمسّك بالكفاءات المتميّزة
لقد كان هاري موظفاً متفوّقاً من قبل، وهذا أمر لا يتغيّر. لقد انتقل إلى وظيفة أفضل، وحين لم تسر الأمور على ما يرام، عاد وكان صريحاً على الأقلّ بأنّه أخطأ ويودّ التعلّم من خطأه. يجب أن يُمنح فرصة جديدة لإثبات نفسه.
هاريش أغاروال، نائب الرئيس لشؤون التسويق والعلاقات العامّة في شركة (Prudential Singapore)
لا تكافئ عدم الولاء
لا يتعلّق الأمر بالعفو أو منح الآخرين فرصة أخرى، وإنّما يتعلق بمزيّة العمل لدى شركة. فالمفترض أن تكون أنت أولويّةً للشركة وتكون شركتك أولويّة بالنسبة إليك. وهكذا فإنّ إعادة تعيين هاري تعني في واقع الأمر مكافأة انعدام الوفاء. فهل تريد من بقيّة الموظّفين تجربة ذلك؟
توماس هيل الابن، مدير تقني، شركة (Eriksson Engineering Associates).
خيّبْ توقّعات المنافسين
لقد تدخلت تولي وبريتي وأظهرتا قدرات قياديّة، وعلى رام أن يكافئهما بتعيينهما للإشراف على مشروع دبيّ وأن يعمل بشكل وثيق معهما. ومن ثم يمكنه إعادة تعيين هاري في المنصب الذي كان يشغله قبل أن يترك الشركة، وذلك يضمن أن الشركات المنافسة الأخرى لن تستفيد من خبراته.
أنيمش داغات، طالب، معهد مانيبال للتقنية.
تفاوض معه على شروط جديدة
يجب على رام أن يعيد تعيين هاري، بشرط أن يخوض معه في نقاش صريح بخصوص الأسباب التي دعته لمغادرة الشركة والشروط المقترحة لإعادة تعيينه. إذ يجب على رام أن يتأكد من إدراك هاري لما هو متوقّع منه في دوره الجديد وأنّ الأوضاع قد اختلفت منذ رحيله. كما يجب تحديد مراحل على سبيل "تعويض ما فات" تتيح لهاري أن يثبت ولاءه وقيمته للشركة من جديد.
سكوت شيرمان، كبير المسؤولين الماليين في شركة (Pacific Southwest Container)
رأي الخبراء
يجب على رام أن يرفض إعادة تعيين هاري. لقد انهارت الثقة بينهما، وليس من الممكن بناء هذه الثقة مجدداً ببضعة اتصالات هاتفية وحسب.
ثم إن دافع هاري للعودة للشركة ليس واضحاً، بل ويثير الشكوك لو افترضنا الأسوأ. فهو من جهة يقول إنه يريد جودة حياة أفضل، ولكنّ هذا لا يبدو صحيحاً. عددٌ قليل جدّاً من الشباب في الهند لديهم استعداد للتخلّي عن وظيفة تقدّم رواتب مجزية ذات وتيرة سريعة في العمل للعودة إلى وظيفة أكثر راحة وأدنى أجراً. فمعظم الشباب يبحثون عن وظيفة يعملون فيها باجتهاد ويكسبون مالاً أكثر في مرحلة مبكّرة من حياتهم قبل أن يؤسّسوا أسرة وتزداد مسؤولياتهم. ولذا فإنّه من المحتمل، كما اقترح صديق رام، أن هاري لم يستقل من تلك الشركة وإنّما لم يعد له مكان فيها.
وحتّى لو كان هاري صادقاً بخصوص الأسباب التي تدعوه للعودة، فكيف سيضمن رام أن دوافعه هذه ستستمرّ على ما هي عليه؟ إن سوق المهارات في الهند في مستوى عالٍ من السيولة بحيث يمكن لشخص متقلّب مثل هاري أن ينتقل من شركة إلى أخرى كلّ ستة شهور. ولا يستطيع رام أن يخاطر بالسماح لهاري باستخدام الشركة مجدّداً كمحطّة انطلاقٍ لوظيفة أخرى بعد فترة من الزمن، لاسيّما أن الضرر الواقع على الشركة وعلى الروح المعنويّة لدى بقيّة الموظفين سيكون أكبر هذه المرّة.
صحيحٌ أن هاري قد يجلب للشركة معرفة ومعلومات قد تزيد من قدرتها التنافسيّة، ولكنّ هذا أيضاً قد لا يكون إيجابيّاً على الإطلاق. فالقصص التي سينقلها هاري لبقيّة الموظفين عن العمل في شركة أكبر وأهمّ قد يدفعهم أيضاً إلى التفكير بما لديهم من خيارات. ولو قرّر هاري المغادرة مجدّداً، فقد يفكّر هذه المرّة بسحب بعض الموظفين معه.
لعل الأمر الأهمّ في كل ذلك هو أن رام ليس في حاجة إلى هاري. لا شكّ أن خبرته قد تكون أكبر من خبرة بريتي وتولي، ولكنّ تعيينه كذلك سيكلّف الشركة الكثير، خاصّة مع عدم وجود ما يدلّ بشكل قاطع على أن أداءه سيفوق أداءهما. بل أن الظاهر في واقع الأمر هو أن هاتين الموظّفتين تؤدّيان أداءً متميّزاً. فإن كان رام جادّاً حقّاً بخصوص النهوض بالشركة فإنّه حريٌّ به أن يعتمد أكثر على أعضاء الفريق الذين أثبتوا أنهم محلّ ثقة وأنّهم لا يتخلّون عن الشركة أمام أيّ تحدّ تواجهه. فعلى رام أن يوسّع من مسؤولياتهما (مع منحهما زيادة تتناسب مع ذلك) وفي حال أثبتتا قدرتهما على التعامل مع هذه المسؤوليات خلال ثلاثة أو ستّة أشهر، فإنّ عليه أن يمضي قدماً في خطط التوسّع التي يحلم بها.
إنّ هذه الحالة شبيهة إلى حدّ ما بتجربتي مع أحد الموظفين لديّ، إذ كان قد استقال من شركتي ثم وبعد ثلاث سنوات طلب منّي العودة إليها. لقد رفضت طلبه حينها. أنا لست معارضاً لفكرة المهارات التي تقفز بين الشركات[MZ1] ، ولكن في تلك الحالة راودتني شكوك بخصوص دوافع ذلك الموظف للعودة إلى الشركة، ولم أكن على استعداد للمخاطرة، لاسيّما أن أداء الشركة كان جيّداً رغم غيابه.
ومنذ أن اتّخذت ذلك القرار قبل ثلاث سنوات، حدثت بعض الاستقالات في فريق العمل في الشركة على المستوى الأدنى والمتوسط من الموظفين، ولكنّ الوضع بشكل عامّ كان مستقرّاً وكانت العلاقات بين الموظفين وثيقة. وقد أدّى التعاون الحاصل بين الموظفين في الشركة إلى زيادة حجم أعمالها بنسبة 300%. ولذا فإنّني لست نادماً على رفضي إعادة تعيين ذلك الموظف، وأعتقد أن على رام ألاّ يشعر بذلك هو الآخر. فالأفضل أن يتمنّى لهاري التوفيق وأن ينصرفَ لتطوير شركته مع بقيّة الزملاء الذين يثق بهم ويعتمد عليهم الآن.
يجب على رام أن يقبل إعادة تعيين هاري. فنظراً إلى المرحلة التي بلغتها شركة غرين هورايزن من التطوّر، فإنّ رام سيحتاج إلى المزيد من الكفاءات القياديّة الإستراتيجيّة، ويبدو أن هذا الموظّف السابق يمتلك المهارات المناسبة لهذه الفترة الحرجة. صحيح أن بإمكان رام تعيين شخص آخر جديد، ولكن هاري يحتاج إلى وقت أقلّ للانطلاق وتحقيق الفعالية. فهو على اطّلاع على أعمال الشركة ويعرف موظفيها وثقافتها والجميع يعرف نطاق القدرات التي لديه. أمّا الموظّف الجديد فلن يصل إلى هذه المرحلة إلا بعد أن تعملَ معه عن كثب لفترة من الوقت، وأنت لا تعرف على التأكيد إن كان سيحقق المأمول منه أم لا.
نحن نؤمن في شركة غنسلر أنك بمجرّد انضمامك لشركتنا فإنّك ستبقى دوماً جزءاً منها. ليس عليك أن "تسامح" الموظف فور عودته كما اقترح صديق رام. فالأمر هنا يتعلق بالقدرة على النظر إلى تطوّر كل فردٍ كمنفعة للفريق بأكمله، حتّى لو كان جزء من هذا التطوّر يقع خارجها. نحن نريد من موظفينا تطوير مهاراتهم وقدراتهم القياديّة، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتقديم الفرص وخلقها، ونتفهّم رغبة بعض الموظفين أحياناً في الذهاب إلى مكان آخر يحققون فيها هذه الاحتياجات. لذلك حين يغادر أحد الموظّفين لأيّ سببٍ كان، حتّى للعمل لدى شركة منافسة، فنحن نتمنّى له التوفيق ونشعره بأنّ أبوابنا مفتوحة له إن قرّر العودة للعمل لدينا في المستقبل.
يعمل في غنسلر الآن أكثر من 5,000 موظف، ولكن حتّى في المراحل الأولى من تأسيس الشركة حين كانت ما تزال أشبه بغرين إمباكت الآن، فإنّنا كنّا نرحّب بإعادة توظيف من غادرنا. ففي الستينات قام مؤسس الشركة، آرت غنسلر، بإعادة تعيين السيد والتر هنت، بعد أن أغرته شركة منافسة في الانتقال إليها. ثم عاد هنت للعمل معنا وصار من أهمّ المدراء الذي قادوا عملية تحوّل الشركة من التركيز على أعمال التصميم الداخلي الصغيرة لتصبح من أكبر الشركات المعماريّة في العالم. كما أنشأ والتر بنفسه برنامج إعادة توظيف المهارات التي تقفز بين الشركات في شركتنا، حيث عاد للعمل فيها 500 من الموظفين بعد أن تركوا الشركة فترة من الزمن.
ونحن نعقد في كل سنة حفلاً في الشركة لنحتفي بكادر الموظفين لدينا، وفيه نعلن عن الترقيات ونمنح الموظف الذي عاد للعمل معنا تذكاراً يرمز لقفزه بين الشركات، بعد حفر اسمه عليها، وأنا لديّ شخصيّاً واحدة مثلها. فقد انضممت للعمل في غنسلر بعد تخرجي من الجامعة، ومكثت فيها ثلاث سنوات، ثم تركت العمل فيها لأتابع دراساتي العليا وبعدها عملت في شركة منافسة صغيرة. وحين لاحظت شركة غنسلر أدائي وأعادت تعييني للعمل في منصب رفيع، كنت في غاية السعادة.
وبناءً على ما سبق فإنّ على رام أن يراعي بعض الأمور في كيفية إعادة توظيف هاري. يجب قبل كلّ شيء أن يكون هذا القرار إستراتيجياً لا عاطفيّاً. فعليه أن ينحّي ما لديه من تعاطف أو استياء تجاه هاري، وأن يرى الفرق الذي يمكن أن يحدثه إعادة تعيين هاري في الشركة.
كما يجدر برام الحديث مع هاري بخصوص الأسباب التي دعته لمغادرة الشركة وعن الدور الذي سيعمل به إن قرّر العودة، فمن الضروريّ جدّاً أن تكون التوقّعات واضحةً تماماً. ويفترض بهاري أن يحترم الموقع الذي وصل إليه زملاؤه في غيابه وأن يفهم واجباته في دوره الجديد. فتوسّع أعمال الشركة إلى دولة أخرى قد يعني على سبيل المثال ساعات عمل إضافيّة وأسفاراً متكرّرة.
ولعلّ الأهمّ من ذلك هو ضرورة أن يفكر رام بكيفيّة الحدّ من معدّل تغيير الموظفين في المستقبل. فليس من الجيّد لأي مدير أن يرى موظفيه يتركون العمل بحثاً عن المال. ولذا فإنّ على رام أن يقدّم المزيد من الحوافز لموظفيه على شكل نسب في الأرباح أو مكافآت مرتبطة بأهداف محدّدة للنموّ، وذلك كي يشعر فريق العمل بأنّهم في مركب واحدٍ على المدى الطويل.
نريد أن يدرك الطلبة الفرق بين الموظفين العائدين الذين يمكن الترحيب بهم من جديد في الشركة، وأولئك "الأصدقاء الخطرين" الذين تودّ أن تعيد توظيفهم رغم بعض التحفّظات لأنّك تريد أن تحول دون ذهابهم إلى شركات منافسة. كما نأمل أن يدرك الطلبة أهمّية وجود مورد جيّد من الكفاءات القادرة على سدّ الفجوات في حال قرّر أحدّ الموظفين في أدوار حساسة مغادرة الشركة.