كيف تُعيد تنظيم مجال عملك في أعقاب الجائحة؟

4 دقائق
إعادة تنظيم مجال عملك

ملخص: خضنا خلال الجائحة تجربة لا مثيل لها، ذلك لأنها مكّنتنا من فهم ما نحتاج إليه لتحقيق النجاح في أعمالنا. ويحدد المؤلفون في هذا المقال 3 جوانب رئيسة من العمل تأثرت بالجائحة، إلا أنها قد تساعدك في إعادة تنظيم مجال عملك بنجاح في المستقبل، شرط تعاملك معها بشكل مدروس واستراتيجي.

سمعنا جميعاً على مدار العام الماضي عبارة "الاستعداد للوضع الطبيعي الجديد"، لكن معنى تلك العبارة أو موعد بدء ذلك الوضع الطبيعي الجديد غير واضح تماماً. في الواقع، وضع بعض المهنيين تطلعاتهم المهنية في مؤخرة اهتماماتهم في أثناء الجائحة، ذلك لأنهم اضطروا إلى التعامل مع مسؤوليات الرعاية الصحية أو رعاية الأطفال غير المتوقعة، في حين شعر كثيرون منهم بتوقف تقدمهم الوظيفي الذي بلغوه بشق الأنفس بسبب قوى خارجية لا يمكن التنبؤ بها، بما في ذلك الزعزعات التي طالت شركاتهم وقطاعاتهم.

ومن الواضح أن الإعلان عن انتهاء الجائحة هو فكرة سابقة لأوانها. إلا أننا سنبقى متفائلين بشأن التغييرات المحتملة التي تلوح في الأفق مع انتشار عمليات التطعيم وإعادة فتح بعض البلدان والمناطق. واليوم هو الوقت المناسب لتبدأ في التساؤل عن كيفية استعادة السيطرة على مجال عملك. (في الواقع، وجدنا في بحثنا أن العقلية الانتهازية هي إحدى السمات الأساسية الكامنة وراء موهبة ريادة الأعمال).

ومع انتقالنا إلى المكاتب الهجينة والهويات المهنية الهجينة، فإننا ندخل فيما يطلق عليه علماء الاجتماع باللحظة "الحدّية"، أي المرحلة "الفاصلة" (والمزعجة أحياناً) التي نمر بها عندما ننتقل من أسلوب حياة سابق إلى أسلوب جديد. قد تخلق تلك المرحلة حالة من عدم اليقين، لكنها تخلق فرصاً أيضاً. وحددنا في هذا المقال 3 جوانب رئيسة من العمل تأثرت بالجائحة، إلا أنها قد تساعدك في إعادة تنظيم مجال عملك بنجاح في المستقبل، شرط تعاملك معها بشكل مدروس واستراتيجي.

أسلوب عملنا

يوجد درس واحد تعلمناه جميعاً هذا العام بعد أن أُجبرنا على التكيف مع طرق عمل محددة، ألا وهو أهمية تبنّي أفضل أسلوب للعمل. لقد كانت الجائحة تجربة لا مثيل لها، ذلك لأنها مكّنتنا من فهم ما نحتاج إليه لتحقيق النجاح في أعمالنا وساعدتنا في تحديد وضع العمل الأنسب لحالتنا المزاجية.

حقق بعض المهنيين نجاحاً رائعاً بالفعل في بيئة العمل عن بُعد، ولا يرغبون في العودة إلى نظام العمل القديم أبداً، في حين يفتقد آخرون الرفقة الاجتماعية لزملائهم ويدركون بحزن وأسى أن الحياة المكتبية تناسبهم أكثر. وقد أثبتت الجائحة بالفعل جدوى العمل الافتراضي، وقد يكون من الصعب التخلي عن امتياز ما بمجرد الحصول عليه (إذ اعتاد الموظفون وصف نظام العمل عن بُعد بالامتياز). وأظهرت الدراسات التحليلية التجميعية منذ فترة طويلة أن العمل عن بُعد قد يكون مفيداً من جهة في تحسين الإنتاجية وتحقيق الرضا الوظيفي وتعزيز العلاقات الأسرية، وقد يكون أثره محايداً من جهة أخرى. وقد نلحظ تحسناً أكبر حتى بفضل كل من الموارد التكنولوجية المتزايدة والاستعداد الثقافي لتقبّل فكرة أن نتائج العمل تهم أكثر من موقع الموظف.

وهذا يعني أنه من المحتمل في العديد من المهن أن تتمتع بقدر أكبر من الحرية في تحديد الشروط التي ستعمل وفقها، وفي التحكم بتلك الشروط حتى. وقد شاركت دوري كلارك في كتابها القادم الذي يحمل عنوان "اللعبة الطويلة" (The Long Game) قصة آن ماري نيل، وهي مسؤولة تنفيذية ناجحة في مجال الموارد البشرية تمكّنت لأكثر من 25 عاماً من إقناع أصحاب عملها بالسماح لها بالعمل من بلدة صغيرة في جبال كولورادو، حتى في فترة ما قبل الجائحة. كانت تسأل أصحاب العمل المحتملين، "هل تريد تعيين أفضل شخص لهذا المنصب، أم أفضل شخص في المنطقة؟" وسيكون العديد من الموظفين في مرحلة ما بعد الجائحة في وضع يسمح لهم بطرح السؤال ذاته بالفعل.

الشركة والقادة الذين نعمل لصالحهم

غالباً ما تكون الأزمات هي الاختبار الأصدق للقيادة، إذ لن ينجح فيها إلا القادة الجيدون، في حين لن يجد القادة السيئون مجالاً للتهرب من مسؤولياتهم تحت وطأة الضغط. وقد تعلم الكثير من الموظفين في أثناء الجائحة أموراً جديدة عن مدرائهم والقيادة العليا لشركاتهم بالفعل. هل عاملوا موظفيهم بإنصاف واحترام؟ كيف اجتازوا مرحلة الشك والغموض؟ هل أعطوا الأولوية للأعمال على المدى القصير أو للأعمال على المدى الطويل؟

واستناداً إلى تلك المعلومات الجديدة، من المحتمل أن نشهد دوراناً متسارعاً للوظائف كان مؤجلاً ربما منذ العام الماضي بمجرد أن يشعر الموظفون أن الجائحة قد انتهت. (على سبيل المثال، تشير إحدى الدراسات إلى أن ما يقرب من نصف الموظفين قد يستقيلون إذا لم يجر منحهم خيار العمل الهجين). ونظراً لتزايد انفتاح الشركات على نظام العمل الافتراضي، ستزداد خيارات الموظفين أيضاً، ذلك لأنهم غير مقيدين بالوجود الفعلي بالشركة أو بالقرب منها. وستتاح لنا فرصة تحديد الشركات التي تتوافق مع قيمنا والعمل معها حتى، بغض النظر عن المنطقة الجغرافية.

شبكة علاقاتنا المهنية

أوضح لنا العام الماضي أيضاً هوية الأشخاص الذين يمكننا الاعتماد عليهم. من هم زملاء العمل الذين تقدموا لمساعدتك عندما كنت تواجه تحديات شخصية، أو كنت تشعر بالتوتر من قرب موعد نهائي مهم؟ من آثر الحفاظ على علاقته معك، ومن آثر الرجوع إلى العلاقة التعاملية، أي لم يعد يتواصل معك إلا عندما يحتاج إلى مساعدة منك؟ ونظراً لانتقالنا إلى نظام العمل من المكاتب ومواصلة أسفارنا ببطء، من المحتمل أيضاً أن تتغير علاقاتنا وتتضح لنا هوية الأشخاص الذين سنُسعد بقربهم منا، والأشخاص الذين لن يحظوا بالأولوية بعد اليوم لأنهم أثبتوا عدم اهتمامهم بالآخرين وأنهم ليسوا أهلاً للثقة كما كنا نعتقد سابقاً.

بالإضافة إلى ذلك، بعد قضائنا عاماً كاملاً من العزلة حُرمنا فيه من التعرف على أشخاص جدد، من المحتمل أن يكون العديد من المهنيين متعطشين لبناء علاقات جديدة. وإذا ما بذلت جهداً لتنظيم فعاليات بناء العلاقات، سواء كانت افتراضية أو شخصية (حيثما كان ذلك آمناً وممكناً)، فمن المحتمل أن تجني فوائد كثيرة بصفتك "السبّاق" في تنظيم تلك الفعاليات في وقت لا يزال فيه الناس غير واثقين من مدى أمان الانضمام إلى تلك التجمعات. قد تتضمن تلك الفوائد قدرتك على كسب سمعة جيدة بصفتك "مكوّن العلاقات"، وربما الوصول إلى الأشخاص المهمين أو البارزين الذين كان من الصعب الوصول إليهم نظراً لندرة الدعوات الأخرى في الوقت الحالي. وتُعتبر هذه المرحلة الحدية الفاصلة مهمة للعلاقات أيضاً، فهي توفر لك فرصة فريدة لتوطيد العلاقات مع الزملاء الموثوق بهم وتوسيع شبكة علاقاتك الشاملة بشكل كبير.

باختصار، يوجد احتمال كبير أن يتمتع عدد كبير من المهنيين بفرصة إعادة تنظيم عملهم ووظائفهم وتحديد مجالات الأعمال التي يبرعون في أدائها بفضل المرونة والفرص الكبيرة التي وفرتها الأزمة. وكما أفاد أنطونيو غرامشي، المنظّر السياسي العظيم: "تكشف لنا الأزمة حقيقة أن النظام القديم يحتضر وأن النظام الجديد لم يولد بعد؛ وجل ما نشهده في تلك الفترة الفاصلة هو مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأحداث المزعزعة". كان العام الماضي مليئاً بالتحديات والعقبات من نواحٍ عديدة، لكن كلنا أمل بأن الغد سيحمل لنا مستقبلاً أجمل وأفضل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي