ملخص: بوحي من الجائحة نجري في هذه الفترة إعادة تقييم لوظائفنا وقد تتمنى لو لم تكن مضطراً إلى إدارة الأشخاص لكن تقلقك العواقب المهنية لترك دورك القيادي. يقدم المؤلف 4 استراتيجيات لمساعدتك على أن تثبت لنفسك وللآخرين أن هذه ليست خطوة إلى الوراء: 1) تخلص من معتقداتك التي تقيّدك. 2) لا تفترض أنك مضطر إلى تخفيض رتبتك الوظيفية. 3) أثبت أنك قادر على القيادة من دون تولي دور المدير رسمياً. 4) احرص على ألا يضر انتقالك بفريقك.
عندما يفكر الموظف في تقدمه الوظيفي في مؤسسات اليوم يتخيل عادة أن يحصل على ترقية للإشراف على فريق أكبر من الموظفين. ولكن ماذا لو كنت تريد أن تأخذ حياتك المهنية في اتجاه مغاير بالانتقال من العمل كمدير إلى العمل كمساهم فردي؟ ماذا سيكون رأي مدراء التوظيف وأقرانك بك؟
أثبتت موجة "الاستقالة الكبرى" أن الموظفين ذوي الخبرة في المستوى المتوسط مستعدون لترك شركاتهم بأعداد أكبر من ذي قبل، وهم يعيدون النظر فيما يجعل حياتهم في العمل ذات مغزى. اقترحت دراسة حديثة أجرتها شركتا "فورستر كونسلتنغ" (Forrester Consulting) و"إنديد" (Indeed) أن الموظفين أدركوا "حقيقة رائعة"، إذ عرفوا أن أهمية شعورهم بالحيوية وإحساسهم بالهدف أكبر من أهمية التعويضات بالنسبة لسعادتهم المهنية.
ربما أصبحت مديراً لأنك اعتقدت أن النجاح الوظيفي يعتمد على تسلق السلم الوظيفي بدلاً من توسيع إمكانية الاستفادة من مكامن قوتك في مشاريع الخطوط الأمامية أو المشكلات الفنية. ولكنك الآن تلاحظ أنك فقدت الاستقلالية والمسؤولية عن حلّ المشكلات مباشرة في القسم الذي اخترته، وأصبحت أقل حماساً بشأن ضرورة إيقاع أثر غير مباشر على الآخرين لحلها. إذا اخترت أن تعود للمساهمة الفردية مجدداً، فقد تحقق فوائد كبيرة على رضاك الشخصي وعلى مؤسستك أيضاً، على الرغم من أن ذلك قد يبدو خطوة إلى الوراء. فكر في اتباع الاستراتيجيات الآتية عندما تتحدث عن دوافعك وقرارك كي لا تسمح لتصورات الآخرين بإعاقة سعادتك ونجاحك المستقبلي.
تخلص من معتقداتك التي تقيدك.
قبل أن تشرح لأي شخص بثقة سبب رغبتك في الانتقال من قيادة الأشخاص إلى العمل بمفردك، من الضروري أن تعتبر هذا الانتقال تقدماً في حياتك المهنية لا تراجعاً. تذكر أن انتقالك من الإدارة ليس فشلاً، بل ستوقع ضرراً أكبر على نفسك وفريقك إذا رفضت الانتقال من دورك الحالي ولم تفسح المجال لشخص مناسب أكثر لشغله على الرغم من أنك لا تستمتع به.
تمت ترقية أحد عملائي المتدربين إلى منصب مدير مبيعات في شركة تنتج برمجيات الشركات لأنه كان يتفوق على أقرانه باستمرار، في ذلك الوقت لم يفكر مطلقاً في رفض الترقية لأنه اعتبرها فرصة للاعتراف به كقائد في مؤسسته. ولكن بعد عام تقريباً من العمل في تصميم البنى التنظيمية للمكافآت وخوض حوارات تحفيزية مع المندوبين وتمثيل دور المندوب لتعليم فريقه طرق إجراء محادثات المبيعات أدرك أن عمل مدير المبيعات هذا لم يبهجه، بل كان يرغب في العودة إلى العمل في الميدان ومقابلة الزبائن كل يوم ويحمل مشاعر الحسد لمرؤوسيه المباشرين الذين كانت أعمالهم اليومية مرتبطة بالنتائج مباشرة.
في محاولة لتحسين الوضع، اقترحتُ في البداية بعض الأفكار لتصميم الوظيفة، ومنها تخصيص بعض الوقت لمزيد من العمل الذي يحبه مع الزبائن مباشرة، لكن من دون تغيير رسمي للدور بدا ذلك كأنه إدارة تفصيلية وسيعيق تمكين فريقه وتطويره.
لذا فكر موكلي في طريقة ليعود إلى المساهمة الفردية عازماً على الابتكار أكثر من ذي قبل وحلّ المشكلات بطرق شاملة ومتقنة بدرجة أكبر. أشبّه ذلك بممثل يتعين عليه أداء حوار ذاتي (مونولوج) في مسرحية أو فيلم. الخطوة الأولى هي أن يحفظ السطور التي يتعين عليه أداؤها، ولكن بعد حفظها يمكنه التلاعب بالدور ودفعه في عدة اتجاهات متنوعة جديدة ومقنعة في حين يبدو أداؤه طبيعياً.
عندما تعتبر عودتك إلى المساهمة الفردية دخولاً إلى العمل من جديد يصبح بمقدورك الاستعانة بتجاربك ومهاراتك الحياتية الجديدة من أجل تحسين عروضك، ويسهل عليك تقبل انتقالك وتوضيحه للآخرين.
لا تفترض أنك مضطر إلى تخفيض رتبتك الوظيفية
يختار العديد من المدراء الذين يتنحون من أدوارهم أدواراً فردية شبيهة بالأدوار التي عملوا بها في الماضي، ولكن تتوفر في غالبية المؤسسات أمثلة على موظفين في المستويين المتوسط والأعلى ممن لا يديرون موظفين آخرين. لذا من الجدير اقتراح دور أو لقب رسمي يعكس القيمة التي تحققها للشركة حتى لو لم تكن تقود فيه فريقاً بصورة مباشرة.
خذ مثلاً مديراً لتكنولوجيا المعلومات في إحدى شركات مجموعة "فورتشن 500" كان يقود مجموعة كبيرة من المدراء ومرؤوسيهم المباشرين، عندما بدأت مؤسسته بالانتقال إلى السحابة الإلكترونية كانت بحاجة إلى خبير يقدم التوجيه لوحدات العمل والوظائف الفردية في أثناء عملية الانتقال وينسق العمل مع شركة استشارية خارجية في نفس الوقت. لذلك رشح نفسه ليكون مدير التحول الرقمي بناءً على خبرته الفنية والنفوذ الذي اكتسبه في جميع أنحاء الشركة بقيادته قسم دعم رئيسي في السابق، لم يحصل على الدور فقط، بل تمكن من الحفاظ على نفس مستوى التعويضات على الرغم من عدم إدارته لمرؤوسين مباشرين.
ثمة طريقة أخرى لتصبح مساهماً فردياً مع الاحتفاظ برتبتك التنفيذية تتمثل في العمل على مبادرات على مستوى المؤسسة لها مهام استراتيجية واضحة للغاية. مثلاً، قمت بتدريب نائبَي رئيس تخليا عن دور إدارة الأفراد من أجل تولي مثل هذه الأدوار، وأفضى الأمر بأحدهما إلى قيادة الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات في مجموعة إعلامية مرموقة، وترأس الآخر جهود التنوع والمساواة والشمول في شركتهما التي تنتمي إلى مجموعة "فورتشن 100". لم يكن لأي منهما مرؤوسون مباشرون، لكن تم تعيينهما ومكافأتهما لقدرتهما على تطوير جدول أعمال وتنفيذه من خلال تأثيرهما في العمل مع الشركاء كل في مؤسسته.
مع تفكير الشركات في تبني هياكل تنظيمية جديدة وتسلسلات هرمية مسطحة أكثر، يثبت هؤلاء القادة أنه من الممكن العمل بصورة فردية بنفس مستوى المدير أو بمستوى أعلى.
أثبت أنك قادر على القيادة من دون تولي دور المدير رسمياً
قد يقول البعض إن عمل المساهمين الفرديين غير قابل للتوسع، فهم يعتقدون أن المدراء لهم تأثير أكبر لأن لديهم الكثير من المرؤوسين المباشرين الذين يعملون على تنفيذ أهدافهم الاستراتيجية. سيتعين عليك تحدي هذه الافتراضات؛ وضح أن من يعملون بواسطة التأثير لا السلطة قادرون على اكتساب زخم لا ينحصر في فريق واحد فقط. حتى إنه من المحتمل أن يقول المرء إن الموظفين خارج الإدارة الذين يتعين عليهم العمل مع ومن خلال زملاء وفرق ووظائف وشركات مختلفة يقومون بمزيد من أعمال إدارة الأشخاص، وهذا العمل يتطلب مزيداً من المهارة والمرونة من أجل تحقيق النتائج.
لذا احرص على إثبات أنك مستعد لاستخدام ما تتمتع به من مهارات شخصية وقدرة على التواصل مع الآخرين للقيادة بهذه الطريقة. خذ مثلاً أحد عملائي، وهو مبرمج، كان يعمل على إدارة محللي برمجيات ومهندسين آخرين على مدى عدة أعوام ولكنه أراد العودة إلى العمل على كتابة الشفرة البرمجية بصورة فردية. كان يعلم أن الشركة تقدّر قيادته وتعاني من نقص في أعداد المدراء وفائض من المساهمين الأفراد في آن معاً. لذلك تعهد بالاستمرار بتوجيه الآخرين كزميل لهم وليس مديرهم، كما وعد بمساعدة المدير الجديد في مسألة التواصل على مستوى المؤسسة.
احرص على ألا يضر انتقالك بفريقك
مع تنحيك عن الإدارة من المهم أن تؤسس لعملية انتقال سلسة. يجب أن تعزز قدرة فريقك على تحمل مسؤوليات إضافية قبل انتقالك، وأن تضع خطة تعاقب وظيفي واضحة و(أو) تبقى على اتصال بشبكة معارفك كي تتعرف على المرشحين الخارجيين الذين يتمتعون بالمواهب المناسبة لاستلام مكانك. من الممكن أن تتوجه إلى مديرك الحالي وتقول له: "أريد التأكد من أن انتقالي لا يعطل نجاح فريقنا قدر الإمكان. ولدي بعض الاقتراحات حول من سيحلّ محلي ويسعدني تشارك العمل معه عند انضمامه".
تذكر أن طريقتك في الانتقال لا تقل أهمية بالنسبة لسمعتك عن اختيار الدور غير الإداري الذي ستنتقل إليه ليعيد إليك حيويتك. فكر في المساعدة على إعداد المدير الجديد، وإذا لزم الأمر اقترح أن تقضي الأشهر القليلة الأولى في العمل الهجين بين الدورين القديم والجديد إلى أن يستقر المدير الجديد في دوره وتتمكن من تحديد مقاييس النجاح في دورك كمساهم فردي. استغرق عميلي مدير البرمجيات وقتاً طويلاً ليعود إلى العمل كمبرمج، كان واثقاً من قدرته على أداء العمل كمساهم فردي من دون أي مشكلات لأنه قام بذلك من قبل، لكنه كان حريصاً على العثور أولاً على الشخص المناسب ليحلّ محله (ويكون مديره فعلياً).
نقوم في هذه الفترة بعملية إعادة تقييم لوظائفنا بوحي من الجائحة، وقد تتمنى لو لم تكن مضطراً إلى إدارة الأشخاص لكن تقلقك العواقب المهنية لترك دورك القيادي. ستساعدك هذه الاستراتيجيات على أن تثبت لنفسك وللآخرين أنها ليست خطوة إلى الوراء، وإنما نقلة ستزيد سعادتك وإنتاجيتك، ما سيعود بالفائدة على الجميع.