3 خطوات لتوحيد قياس الأداء بين التسويق والمالية

5 دقيقة
قياس الأداء
shutterstock.com/retro67

يتطلب تحقيق التوافق الحقيقي بين الرئيسين التنفيذيين للتسويق والشؤون المالية تحولاً ثقافياً في التفكير، يقوم على الشفافية المشتركة والتعاون في صنع القرار، بدلاً من العمل بمعزل أو الاكتفاء بتحليل الماضي.

أهم ركائز هذا التوافق:

  • تغيير زاوية التفكير: لا يقتصر التقييم على السؤ…

الرؤساء التنفيذيون للتسويق من أصحاب أقصر مدد الخدمة في فرق الإدارة العليا، ليس لأنهم يفتقرون إلى الكفاءة في عملهم، بل لأنهم يواجهون صعوبة في ربط أثر أنشطة التسويق بالنتائج التجارية التي تهم فرق الشؤون المالية والإدارة التنفيذية العليا.

لا شك في أن الرؤساء التنفيذيين للتسويق يواجهون ضغوطاً هائلة لزيادة الإيرادات وتحسين الكفاءة، وتكمن المشكلة في أن كثيراً من مؤشرات الأداء الرئيسية التي يعتمدون عليها، مثل الوصول والانطباعات ومعدلات التفاعل ودراسات قياس أثر الحملات التسويقية والإعلانية على العلامة التجارية، مفيدة لمسؤولي التسويق، لكنها لا ترتبط مباشرة بالنتائج التجارية.

أما الرؤساء التنفيذيون للشؤون المالية والرؤساء التنفيذيون ومجالس الإدارة فيركزون على الربحية واستقرار التوقعات المستقبلية ومنهجية تخصيص رأس المال. وهم يريدون إجابة واضحة عن سؤال محدد: إذا أنفقنا مليوني دولار إضافيين على التسويق في الربع المقبل، فما هي الإيرادات الإضافية المتوقعة؟ وما مدى ثقتنا في هذا التقدير؟ وحين يعجز الرئيس التنفيذي للتسويق عن تقديم إجابة دقيقة، تتباين التوقعات وتتراجع كفاءة توجيه ميزانيات التسويق. والأسوأ من ذلك، أن هذا الواقع يدفع فريق الإدارة التنفيذية إلى النظر إلى التسويق باعتباره عبئاً على الميزانية لا محرك نمو.

لقد شهدت هذا النمط مراراً، سواء في أثناء قيادتي لفريق تحليلات التسويق بشركة هاريز المتخصصة في منتجات الحلاقة والعناية الشخصية للرجال، أو خلال عملي مستشاراً لعشرات فرق التسويق والمالية بكبرى المؤسسات فيما يتعلق بمنهجيات القياس. واتضح لي من مجمل هذه الخبرات أن النمط العام يتكرر في مختلف المؤسسات؛ فالمؤسسات التي توحد منهج القياس بين فريقي التسويق والشؤون المالية تحقق وفورات كبيرة عبر تقليص الهدر وتوجيه الاستثمارات نحو ما يحقق النجاح. أما الحل الذي تتبناه هذه المؤسسات، فهو أن يتقاسم الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للتسويق مسؤولية قيادة منظومة القياس، وأن يلتزم بها الطرفان معاً.

بناء علاقة أفضل بين الرئيس التنفيذي للتسويق والرئيس التنفيذي للشؤون المالية

تنبع الفجوة بين الرئيسين التنفيذيين للتسويق والشؤون المالية من تضارب الضغوط التي يواجهها كل منهما؛ فالرئيس التنفيذي للشؤون المالية يركز بشدة على أرباح الربع المقبل ويحتاج إلى نتائج فورية وقابلة للقياس من الإنفاق التسويقي، بينما ينشغل الرئيس التنفيذي للتسويق بتحقيق الموازنة الصعبة بين تعزيز الأداء على المدى المنظور وترسيخ قيمة العلامة التجارية على المدى البعيد. وغالباً ما تكون النتيجة أن تقتصر عملية قياس التسويق على النظر إلى الماضي بدلاً من استشراف المستقبل؛ إذ تمضي فرق التسويق وقتاً أطول في إثبات نجاح حملاتها السابقة، بدلاً من التركيز على فهم العوامل المؤثرة في أدائها الحالي.

لكن ظروف التسويق تتغير بسرعة، كما أن عملية قياس التسويق عرضة للأخطاء؛ فما يبدو ناجحاً في ربع مالي معين قد لا ينجح في الربع الذي يليه. وعندما تعتمد الخطط والتوقعات والتنفيذ على معطيات حملات سابقة تجاوزها الزمن، لا عجب أن تكون النتيجة تقديرات متفائلة تفوق ما يتحقق على أرض الواقع ربعاً بعد آخر، ما يؤدي تدريجياً إلى تقويض ثقة فرق الشؤون المالية بأرقام التسويق.

ومع تفاقم دائرة انعدام الثقة بهذا الشكل، ينسحب كل من الطرفين إلى منطقته الآمنة؛ إذ يلجأ فريق التسويق إلى المقاييس التي يمكنه التحكم بها، مثل الانطباعات والنقرات وما شابهها، بينما يتمسك فريق الشؤون المالية بالمؤشرات التي يثق بها، مثل الإيرادات والأرباح والتدفقات النقدية. وفي نهاية المطاف، يعجز الطرفان عن تكوين فهم مشترك لماهية الأنشطة التسويقية التي تؤدي إلى تحقيق أثر ملموس في النتائج التجارية.

لا يرتبط كسر هذه الحلقة بابتكار مقاييس تسويقية أفضل أو تطوير نماذج إحالة أكثر تعقيداً، بل يتوقف على إدراك أن الرئيسين التنفيذيين للتسويق والشؤون المالية يسعيان في واقع الأمر إلى الهدف نفسه: نمو مربح يمكن التنبؤ به. فالرئيس التنفيذي للشؤون المالية يفكر بمنطق الأنظمة والتوقعات الربحية والعائد على الاستثمار الإضافي، حتى إن لم يسمه بذلك صراحة. إنه يريد أن يعرف كيف ستؤثر أي تغييرات في استراتيجية التسويق على أعمال الشركة ونطاق النتائج التي يمكنه توقعها بناء على مختلف السيناريوهات التسويقية.

وعندما تنجح الشراكة بين الطرفين، يلبي الرئيس التنفيذي للتسويق هذه التطلعات من خلال أنظمة فعالة للتخطيط وصياغة الفرضيات والتنفيذ، تركز جميعها على المقاييس التي تهم فريق الشؤون المالية. فبدلاً من أن يسأل: "ما الذي نجح في الربع الماضي؟"، يطرح السؤال التالي: "ما هي القنوات التي لا نزال غير واثقين من أدائها؟ وما هي المبادرات التسويقية التي ينبغي أن نختبرها في الربع المقبل؟ وما هي النتائج المتوقعة لكل منها؟" وهذا بالضبط ما يريده فريق الشؤون المالية: نظام قياس يساعدهم على التخطيط وإدارة الأعمال بفعالية أكبر. فعندما يتمكن الرئيس التنفيذي للتسويق من قول: "إن زيادة الإنفاق على الإعلانات التلفزيونية بنسبة 20% من شأنها أن تحقق ما بين 3 إلى 5 ملايين دولار من الإيرادات الإضافية، وإليكم كيفية اختبار هذه التقديرات"، عندها يتحدث فريق التسويق بلغة فريق الشؤون المالية.

كيف يتحقق التوافق فعلياً بين الرئيسين التنفيذيين للتسويق والشؤون المالية؟

تحدثت إلى مئات المسؤولين التنفيذيين في مجالات التسويق والمالية والبيانات بمؤسسات تتنوع بين شركات مدرجة ضمن قائمة فورتشن 500 وشركات ناشئة سريعة النمو ومنصات إعلانية كبرى، وذلك خلال عملي على تطبيق استراتيجيات التوافق هذه في قطاعات السلع الاستهلاكية والتكنولوجيا المالية والأدوية لدى علامات تجارية شهيرة، مثل كانفا وروكت ماني ولوس أنجلوس تايمز وماستر كلاس وغيرها.

وكان القاسم المشترك بين هذه الشركات جميعاً هو أن تحقيق التوافق الحقيقي يتطلب تحولاً ثقافياً في طريقة تفكير فريقي التسويق والمالية بشأن القياس وصناعة القرار. وفيما يلي أبرز ما تفعله الفرق الأكثر نجاحاً:

1. تغيير السؤال الأساسي من "ما الذي نجح في الماضي؟" إلى "ما الذي علينا فعله بعد ذلك؟ وإلى أي مدى نحن واثقون من ذلك؟"

تعيد هذه المنهجية توجيه النقاش حول القياس ليركز على الخطوات العملية وإدارة عدم اليقين، بدلاً من الانشغال بالتبرير أو الاتكال على يقين زائف.

2. إقرار لغة مشتركة للتعامل مع عدم اليقين والتنبؤ بالمستقبل وإدارة المخاطر.

فبدلاً من أن يقدم فريق التسويق تقديرات محددة، مثل: "يبلغ العائد على الاستثمار في الإعلانات التلفزيونية 3.1 أضعاف"، على الفريقين أن يناقشا النتائج في صورة نطاقات ومستويات متدرجة من الثقة، كأن يقولوا مثلاً: "من المرجح أن يتراوح العائد على الاستثمار في الإعلانات التلفزيونية بين 2.2 و3.8 أضعاف استناداً إلى البيانات الحالية".

3. تنفيذ تجارب تسويقية منتظمة ومراجعات دورية لوتيرة التقدم نحو تحقيق الأهداف يحضرها الفريقان معاً.

يركز الطرفان في هذه الاجتماعات على التجارب التي أجريت والدروس المستفادة منها، وكيفية إسهام هذه الدروس في توجيه التوقعات المستقبلية، إضافة إلى المناقشة المشتركة لأبرز التحولات التي يخطط الفريق لتنفيذها قريباً.

تحقق هذه التحولات نتائج ملموسة؛ فعندما تصبح عملية القياس مسؤولية مشتركة على مستوى المؤسسة بأكملها، ولا تكون حكراً على فريق التسويق، تظهر نتائج لافتة. إذ يتحسن أداء التسويق لأن القرارات تتخذ بناءً على أثرها في أعمال الشركة، لا على المقاييس الخاصة بكل قناة. كما تزداد ثقة فرق الشؤون المالية بالتسويق، لأنهم يرون أن مسؤولي التسويق يقدمون التوصيات مدعومة بمنهجية التحقق والتنبؤ نفسها التي يتوقعونها من أي استثمار آخر.

تعمل مجموعة من العلامات التجارية الرائدة على تحقيق هذا التوافق؛ فشركة ماكدونالدز، وهي من أقوى العلامات التسويقية في العالم، جعلت التكامل بين فريقي الشؤون المالية والتسويق أحد المحاور الرئيسية في استراتيجية نموها المسماة "تسريع قوس النمو". وفي مقابلة أجريت مؤخراً مع الرئيس التنفيذي للشؤون المالية على مستوى العالم في ماكدونالدز، إيان بوردن، تحدث عن أهمية تبني الإدارة المالية دوراً قيادياً في تعزيز الشراكة مع قسم التسويق، قائلاً:

لقد بنينا هذا التوافق من خلال إنشاء لغة مشتركة، تستند إلى البيانات والأثر والنتائج التجارية. واليوم يعمل فريقانا المالي والتسويقي بوصفهما شريكين حقيقيين، لضمان أن يكون كل دولار تنفقه الشركة على التسويق استثماراً يحقق عائداً قابلاً للقياس. فعندما يتحرك الإبداع والاستراتيجية التجارية بتناغم، لا يتغير شكل العلامة التجارية فحسب، بل يتطور أداء أعمال الشركة أيضاً.

اتبعت شركة أيه تي آند تي نهجاً مشابهاً؛ ففي مقابلة حديثة جمعت بين الرئيس التنفيذي للتسويق والرئيس التنفيذي للشؤون المالية، ذكرت مجلة فورتشن أن "فرق التسويق الناجحة تستخدم مؤشرات أداء رئيسية مشتركة لإثبات الأثر المالي، ما يسهل على الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية دعم المبادرات الجديدة". وقد أعطت الشركة أولوية خاصة لهذا التوافق من خلال تعيين باسكال دي روش رئيساً تنفيذياً للشؤون المالية، وهو قائد يتمتع بخبرة تزيد على عشرين عاماً في قطاع الإعلام قبل انضمامه إلى أيه تي آند تي. أما نظيرته في التسويق، كيلين سميث كيني، فقد أشارت إلى أن وجود شخص في فريق القيادة "يتقن لغة التسويق والنمو يحدث فرقاً كبيراً".

وإذا كانت علامات تجارية عالمية بحجم ماكدونالدز وأيه تي آند تي قد أدركت قيمة سد الفجوة بين فريقي التسويق والشؤون المالية، فبوسع العلامات التجارية الأحدث والأصغر حجماً أن تحذو حذوها أيضاً. أما النتيجة بالنسبة إلى الرؤساء التنفيذيين للتسويق، فهي واضحة: إذ إن توافقهم أخيراً حول المقاييس التي تحدث الفارق الحقيقي يجعلهم أقدر على الاستمرار في مناصبهم فترات أطول.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي