ملخص: بدأت الكاتبتان منذ 20 عاماً دراسة تصميم الوظائف، أو إعادة تشكيلها، ويُقصد بها تغيير عناصر الوظيفة حتى لا يشعر الموظف بأنه عالق بين مهامه الروتينية وما يود تحقيقه فعلياً في عمله، وبالتالي تعزيز رضاه عن وظيفته. ومنذ ذلك الحين، حددتا الأنماط المختلفة لهذا المفهوم. وتشمل قائمة الأنماط التي وضعتها الكاتبتان: تصميم المهام، أي تغيير نوع الوظيفة ونطاقها وتسلسلها وعدد مهامها؛ وتصميم علاقات العمل، أي تغيير الزملاء الذين تتواصل معهم في عملك؛ وتصميم الإدراك الوظيفي، أي تعديل أسلوب شرحك المهام و(أو) العمل الذي تنفذه. ومن خلال قصص 3 موظفين، توضح الكاتبتان كل نمط، وكيف طور الموظفون من وظائفهم لتكون أكثر جدوى وليكونوا أصحاب مشاركة فعالة.
يُقصد بـ "تصميم الوظائف" تغيير عناصر الوظيفة حتى لا يشعر الموظف بأنه عالق بين مهامه الروتينية وما يود تحقيقه فعلياً في عمله، بما يعزز رضاه الوظيفي. وهو يتخذ عدة أنماط. وقد عكفنا على دراسة تصميم الوظائف على مدار 20 عاماً، ومن واقع أبحاث طبقناها على عمال النظافة في المستشفيات، وموظفي إحدى شركات التصنيع، ومنظمة غير ربحية تناصر قضايا المرأة، والعاملين في مجال التكنولوجيا، حددنا ثلاثة أنماط رئيسية لتلك التغييرات.
النمط الأول هو تصميم المهام، الذي ينطوي على تغيير نوع الوظيفة ونطاقها وتسلسلها وعدد مهامها. وثاني نمط هو تصميم علاقات العمل، أي أن تُغير الزملاء الذين تتواصل معهم في عملك. والنمط الثالث هو تصميم الإدراك الوظيفي، أي تعديل الأسلوب الذي تشرح به المهام و(أو) العمل الذي تنفذه. وتيسيراً لاستيعاب كل نمط من هذه الأنماط، نسرد قصصاً لـ 3 أشخاص أعادوا تصميم وظائفهم حتى يتسنى لهم تحقيق ذاتهم وتعزيز الجدوى من عملهم.
كانديس ووكر عاملة نظافة في مستشفى جامعي. وتهتم بالأساس برعاية مرضى المستشفى وعائلاتهم. وقد أدركت منذ أن بدأت عملها أن مهمتها تتجاوز بكثير مجرد مسؤوليات التنظيف. وهكذا، صممت وظيفتها إدراكياً فأصبحت شكلاً من أشكال الشفاء، لها دور رئيسي "في بيت الأمل". ولأنها عرّفت دورها الوظيفي وربطته بالشفاء، فقد أولت مزيداً من الاهتمام للمهام التي تساعد في تعافي المرضى ومغادرتهم المستشفى في زمن أقصر. واقتضى ذلك إيلاء عناية أكبر بتنظيف الحمامات وتجهيزاتها خلال الشتاء، حفاظاً على سلامة المرضى. كما اقتضى ذلك المبادرة بتوفير المستلزمات التي يوشك المخزون منها أن ينفد، حتى يشعر المريض أن أمور رعايته تحت السيطرة وأنه بصدد الخروج من المستشفى في أقرب وقت ممكن. كما وطدت علاقات صداقة مع المرضى وعائلاتهم، لتظهر لهم أنها لا تتعامل معهم بوصفهم مجرد مرضى عابرين.
وهكذا نجد أن كانديس استفادت من ذكائها العاطفي في اتباع نهج الحوار الودي اللطيف مع المرضى، الذي تبدي من خلاله اهتماماً بهم لا يخرج عن حدود وظيفتها. واستفادت من مهارات مماثلة في تمييز المريض الذي يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتحدث بلطف معه خلال نهار أو ليلة بعينها حتى تخفف عنه ألمه أو خوفه أو وحدته. ثم تنتقل بعد ذلك إلى مرضى آخرين، حتى يُحدث عملها فارقاً أكبر في حياتهم. تقول كانديس إنها من خلال التصميم الإدراكي لوظيفتها وجدت جدوى أكبر لعملها وتحقيقاً لذاتها من خلاله.
بطلة قصتنا الثانية هي ريتشل هيدلوف، الاستشارية التي تعمل في شركة روت، المتخصصة في التغيير التنظيمي. وهي تصمم البرامج والعمليات وتشرف على حسن تنفيذها لتحسين الفعالية التنظيمية، وينطوي أغلب عملها على التعاون مع فرق المشاريع لعملاء عدة. وكانت شركتها واضحة في التزامها بمساعدة الموظفين في تحقيق شغفهم، وتشجع إدارتها على تصميم الوظائف.
وعندما انضمت ريتشل إلى الشركة قبل عدة سنوات، أوضحت للإدارة أنها مهتمة بمشاركة خبرتها في الزمالة التنظيمية الإيجابية. فقدت نفذت خلال سنوات مسيرتها الاستشارية الأولى ورشاً رسمية وغير رسمية حول الزمالة التنظيمية الإيجابية لعملائها وزملائها الاستشاريين. ولم تكن هذه النقطة واضحة في التوصيف الرسمي لوظيفتها، لكنها جعلتها بمرور الوقت ركناً من أهم أركان دورها، واكتسبت سمعة طيبة -داخل شركتها وخارجها- بسبب خبراتها هذه. كما تمكنت من تطبيق الزمالة التنظيمية الإيجابية في بعض من الحلول التي قدمتها لعملائها. وقد سمحوا لها بالتحدث في القاعات الجامعية والمشاركة في مؤتمرات الأعمال الإيجابية لتوسيع نطاق خبراتها.
وكذلك صممت ريتشل علاقات العمل بغرض إقامة روابط أعمق وذات صبغة شخصية أقوى مع عملائها وزملائها الموظفين. فتعمدت الحضور مبكراً إلى الاجتماعات والعمل على الإحاطة باهتمامات الموظفين وشواغلهم خارج نطاق العمل. وأدى طبعها الودود وسلوكها المبتهج وقدرتها على قراءة الحالة المزاجية للحاضرين في قاعة الاجتماعات إلى تعزيز علاقاتها وتوجيهها بطريقة سليمة إلى الأسلوب التي تحدد به وظيفتها. فهي تعتبر نفسها بوصلة نشاط تتنبه إلى انخفاض مستوى الطاقة الإيجابية في فريق العمل، ولديها من الوسائل والمهارات ما يمكّنها من رفع هذا المستوى لإتمام المهام الصعبة أو التعامل مع عميل صعب المراس. وساعد هذا التأطير المعرفي ريتشل في التدخل في مواقف يجدها غيرها صعبة. وسلحها بمزيد من وسائل إضافة القيمة لفريقها.
وقصتنا الأخيرة عن جيك (وهذا ليس اسمه الحقيقي)، الموظف المخضرم في شركة برتز بيز؛ الشركة المصنعة لمنتجات العناية الشخصية الطبيعية المستدامة. تخصص جيك في مزج المركبات، ويُبنى عمله على اتباع إرشادات صارمة عند مزج المكونات السائبة التي تمثل جزءاً من وصفات تجهيز المنتج قبل تعبئته. ولطبيعة وظيفته، فهو بالكاد يتواصل مع بقية زملائه في الشركة، وصلاحياته محدودة جداً في تغيير أي خطوة من خطوات تنفيذ المهام التي تقتضيها وظيفته. يصف جيك نفسه بأنه اجتماعي يحب التعرف على الناس، إلا أن تصميم وظيفته لا يتيح له فرصة التواصل الشخصي. لذلك، قرر تغيير هذا الوضع.
ولطالما انبهر جيك بعمل الفنيين في مصنعه، الذين صمموا معدات الإنتاج المتخصصة وبنوها. وقد بادر بالتحدث أكثر من مرة مع مهندسي المعدات وحضور اجتماعاتهم ليعرف أكثر عن نهجهم ومعارفهم. ومن ثم، استفاد مما تعلمه منهم في تطبيق إجراءات أشد فعالية لتأهيل فريق عمل جديد، ويتولى الآن كامل مسؤولية هذه العملية. وأدى اهتمام جيك الكبير بجهود الاستدامة التي يبذلها المصنع إلى انضمامه إلى إيكو بيز، المجموعة التي تخصص مساعيها للحد من المخلفات وتنسيق الإجراءات التي تكفل مراعاة المصنع للبيئة بدرجة أكبر. وبفضل مشاركته في هذه المجموعة، وعلاقاته مع مهندسي المعدات، ومسؤولياته في تأهيل فرق العمل، تغيرت طبيعة علاقاته الوظيفية، وأصبح ينجز المهام والأنشطة التي تسعده بحق.
وقد كان التأثير الإيجابي لإجراء تغييرات مدروسة على تصميم الوظيفة محل توثيق ودراسة في مجموعة واسعة من المهن منذ أن نشرنا بحثنا للمرة الأولى قبل 20 عاماً. وتستمر أهمية مبادئ تصميم الوظائف في عالم تتغير فيه الهيكلية الوظيفية بوتيرة متسارعة، لتضع مسؤولية متزايدة على عاتق الموظف لتعزيز خبراته ومشاركته في عمله. ومع ما ينطوي عليه ذلك من تحديات أكيدة، لكنه يفتح في الوقت نفسه الباب أمام فرص بناء أنواع المهام، والعلاقات، والجوانب الإداركية التي تضفي المعنى على اضطلاع الموظف بمهام عمله.