مع ازدياد النزعة الاستهلاكية، أصبح التعامل مع النفايات ثالث أكبر مشكلة بيئية تواجه العالم، إذ يعنى ما نسبته 80% من العالم باستخدام منتجات غير قابلة لإعادة التدوير. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، حدثت زيادة في المخلّفات المجمّعة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي ارتفعت بشكل مفاجئ بمقدار خمسة ملايين طناً بين عامي 2015 و2016، بحسب الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء في الإمارات. وبالتالي، لقد أزف الوقت الذي صار فيه من الملح التفكير في سبل مناسبة للتخلص من هذه النفايات دون إلحاق أضرار بالبيئة تفوق ما تعانيه بالفعل.
الوضع الحالي وخطط الاستدامة المستقبلية في دولة الإمارات العربية المتحدة
في الوقت الذي أصبحنا فيه متقدّمين جداً من ناحية التكنولوجيا، لا تزال الدول تعاني في سعيها لإيجاد أساليب عملية لإدارة النفايات والتي تساهم بدورها في زيادة المخاطر البيئية. وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، فالمخاطر البيئية مرتفعة من حيث احتمالات وقوعها وفئة تأثيرها تبعاً للمخاطر التي جرى تقييمها عام 2018 (المنتدى الاقتصادي العالمي، 2018). حيث ساهمت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وحدها بـ 7% من إنتاج المواد البلاستيكية في عام 2016، إذ فاق معدل الإنتاج معدل إعادة التدوير بكثير وفقاً لتقرير جمعية بلاستيكس أوروبا (PlasticsEurope) لعام 2017. ويجري التخلص من حوالي 900 طن من البلاستيك على مدار الساعة يومياً في المحيطات، وهو ما يضرّ بالبيئة والكائنات الحية بسبب عملية التضخم الحيوي. وفيما تقف البشرية على أعتاب الثورة الصناعية الرابعة تستدعي هذه المرحلة بالغة الأهمية اتخاذ إجراءات من أجل الإدارة المستدامة للموارد.
اعتمدت دولة الإمارات ركائز التنمية المستدامة، التي تتراوح بين تحريج البلاد وصولاً إلى تشجيع الزراعة وذلك بحسب غرفة التجارة والصناعة في دبي. وللأسف، شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة زيادة في النفايات المنتجَة فاقت النفايات التي يجري التخلص منها وينتهي المطاف بمعظم هذه النفايات في مدافن القمامة المحلية أو مقالب النفايات، حيث تولّد الفضلات العضوية كمية كبيرة من غاز الميثان، أحد الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وفي عام 2016، وصل إنتاج دولة الإمارات العربية المتحدة من النفايات إلى 34.6 مليون طناً رُمي أكثر من 29.5 مليون طناً منها في مدافن القمامة، بحسب تقرير الهيئة الاتحادية للتنافسية والإحصاء لعام 2018. وأصدرت حكومة دبي خطة وطنية لتقليل مدافن القمامة بنسبة 75% بحلول عام 2021 بوساطة إنشاء أكبر مصنع في الشرق الأوسط لتحويل النفايات الصلبة إلى طاقة، يتمتع بالقدرة على تحويل 2,000 طن من النفايات الصلبة يومياً لإنتاج 60 ميغاواط من الطاقة. وللأسف، لا ترِد إعادة التدوير في هذه الخطة الطموحة للغاية. وفي المقابل، أنشأت إمارة الشارقة بالفعل شركة إدارة للنفايات تدعى بيئة (Bee'ah)، طوّرت بدورها مركزاً ممتازاً لتصريف النفايات يعمل على معالجة النفايات المحلية وإعادة تدويرها.
أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة بعض الاهتمام بإعادة التدوير خلال الأعوام القليلة الماضية. فقد أُطلقت حملات تستهدف المدارس نظّمتها مجموعة عمل الإمارات للبيئة (Emirates Environmental Group) بالإضافة إلى صناديق إعادة التدوير الملوّنة التابعة لشركة بيئة وشركة تدوير (Tadweer) في المجتمعات المحلية، لكن تستمرّ مساهمات هذه المبادرات لشهر تقريباً كما أنها لم تكن مستدامة كما ينبغي لتخلق أثراً دائماً. كانت الشارقة أكثر الإمارات نجاحاً حتى الآن في إدماج إعادة التدوير في حياة الناس اليومية من خلال قدرة منشآتها على معالجة 100,000 طن من النفايات يومياً وإعادة تدوير 67% منها، بحسب تقرير وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات (United Arab Emirates Ministry of Climate Change & Environment) لعام 2018، بينما لا تزال الإمارات الأخرى متعثرة الخطى بشدّة.
في المقابل، تعدّ دولة الإمارات العربية المتحدة إحدى الدول الرائدة في اعتناق الابتكارات التكنولوجية. ومع زيادة أوجه التقدم التكنولوجي، شهدنا ارتفاعاً في الاستعانة بالتكنولوجيا من أجل تسويق المنتجات. يلقى التسويق التجريبي رواجاً على الصعيدين الإقليمي والدولي، فقد سبق أن استخدمته شركات من قبيل آي إم جي عالم من المغامرات (IMG World) وأديداس وكليفلاند كلينك (Cleveland Clinic) وغيرها لأغراض إطلاق المنتجات في الأسواق والتوعية الصحية، وأنجزت الحملات بنجاح وحققت أهدافها المحددة.
انطلاقاً من هذه الخلفية والمخاطر الوشيكة، من المهم للغاية في هذه المرحلة توعية السكان بالنتائج المترتبة على أفعالهم وآثارها وعواقبها باستخدام مختلف أساليب التسويق الاجتماعي لإيجاد تغييرات سلوكية دائمة بين السكان.
التحفيز على التغيرات السلوكية باستخدام التسويق التجريبي أو الاجتماعي
يمكن أن يكون استخدام النموذج عبر النظر لتغيير السلوك أو نموذج مراحل التغيير الذي طوّره كل من روشاسكا وديكلمنت عام 1980 مناسباً في هذه الحالة. يقترح النموذج أن الأشخاص يمرّون بمراحل مختلفة خلال تغيير سلوكهم، كما يُحدّد مدى جهوزية الشخص لإجراء تغييرات سلوكية وعمليات التغيير التي ينبغي تطبيقها لتحقيق الهدف.
ولا بد من تقييم مدى جهوزية سكان الإمارات العربية المتحدة لتغيير سلوكهم (كبداية، ينبغي معرفة ما إذا كانوا مدركين للمسألة المطروحة أم ألا) وتحديد الخطوات التي ينبغي اتخاذها لمساعدتهم على التحسّن وتحقيق تغيرات سلوكية دون انتكاسة. سيساعد ذلك على جعل الإمارات العربية المتحدة دولة خالية من النفايات إلى جانب دول أخرى مثل السويد والدنمارك اللتين حققتا ذلك بالفعل.
بالنظر حول العالم وإلى طريقة تدهور البيئة بسبب الممارسات البشرية والمشاكل الأخرى التي تؤثّر على المجتمع، تستخدم المؤسسات في جميع أنحاء العالم استراتيجيات التسويق الاجتماعي الرامية إلى التأثير على السلوك الطوعي للجمهور المستهدف بدلاً من التركيز على النتائج التي حققتها الشركة. يساعد التسويق الاجتماعي على تعزيز تغيير السلوك الاجتماعي الإيجابي في المجتمع ويركّز بشكل رئيس على أربعة مجالات رئيسة للسلوك هي: الصحة والسلامة والمجتمع والبيئة.
التسويق التجريبي بشكل خاص هو طريقة يُتاح فيها للزبائن المرتقبين تجربة المنتجات أو الخدمات المشتراة قبل القيام بعملية الشراء. تُغري هذه الحملات حواس المستهلك (كالرؤية أو اللمس أو الإحساس بأي طريقة أخرى) وتُخلّف أثراً دائماً، كما تحفّز مشاركة الزبون وتمنح المسوقين في المقابل عائداً على الاستثمار في التسويق (ROMI) قابلاً للقياس. يتناول هذا المقال كيفية استخدام أسلوب التسويق الفريد هذا، لا من أجل بيع المنتجات، وإنما في حملات التسويق الاجتماعي بهدف إيجاد تغيير سلوكي من خلال جعل المجتمع يختبر الموضوع وعواقب عدم التغيير أو نتائج التغيير.
استكشاف بعض أهم الحملات حول العالم
جرى استعراض ثماني حملات تسويقية باستخدام تحليل الظواهر التفسيري (IPA). يستند تحليل الظواهر التفسيري إلى علم الظواهر وعلم تأويل النصوص والإيديوغرافيا ليجمع تحليلاً مفصلاً حول الحسابات الشخصية لهذه الظاهرة متبوعاً بنقاش الموضوعات التجريبية العامة الناشئة، التي تترافق مع التفسير الخاص بالباحث. كانت أربع من هذه الحملات التسويقية حملات تسويق تقليدية بينما كانت الحملات الأربع الأخرى حملات تسويق تجريبية. وترد تلك الحملات بإيجاز في الجدول الأول.
ملاحظات وعبر أساسية
على الرغم من أن الحملات التقليدية أثارت استجابة إيجابية وبعض الرضا، إلا أنها لم تكن ناجحة جداً في إحداث تأثير طويل المدى. تعيّن أحياناً البدء بالحملات من جديد فضلاً عن إرفاقها بسياسات حكومية لتترك أثراً دائماً. لقد تمتعت حملات التسويق التجريبية ببعض العوامل المشتركة التي كانت ملموسة كالرضا عن التجربة بحد ذاتها والسعادة الناتجة عن تلقي المكافأة على السلوك (التي كانت آنية في بعض الأحيان)، بينما اتبعت حملتان نهجاً سلبياً في التعامل مع الأشخاص المعرضين للحملة من خلال جعلهم يشعرون بالدهشة والحزن والحرج.
من الواضح أن التجارب تتمتّع بتأثير أطول على العقل البشري وتتمتّع التجارب السلبية بتأثير أعمق مقارنة بالتجارب الأخرى. وبناء على ذلك، يمكن تقديم التوصيات التالية إلى حكومة الإمارات العربية المتحدة:
- وردَ في رؤية الإمارات 2021 الحرص على استرجاع ما لا يقلّ عن 75% من النفايات المحلية عبر إعادة التدوير، وهذا يعني أن الدولة قد شرعت بالفعل في عملية تهيئة المنشآت لتتولى عملية الاسترجاع هذه، بحسب وزارة التغير المناخي والبيئة في الإمارات. ويحبّذ أن تصبح هذه المبادرات والحملات معروفة على نحو أفضل من قبل الشعب وأن تُدار الحملات لتُجهّز السكان للتغييرات المقبلة، بحيث عندما ينتهي إنشاء هذه المرافق، يكون الناس جاهزين للتنفيذ ويمكن أن تضطلع السياسات التي بدأ تنفيذها بدور وقائي لضمان ألا يعود الناس إلى سلوكياتهم السابقة. قد تُقام هذه الحملات على هيئة أنشطة تسويق تجريبية مثل الأكشاك التي تُرمى فيها مواد لإعادة تدويرها ورؤية ما ستؤول إليه أو كمية الطاقة التي يمكن أن تنشأ عن ذاك النشاط. ويمكن أن تتخذ الأنشطة أيضاً شكل تجربة واقع مُعزّز من أجل تسليط الضوء على إيجابيات إعادة التدوير مع التركيز على النتائج المترتبة على عدم إعادة التدوير على بيئتهم.
- ثمّة حاجة إلى إقامة منشآت مرمزة وموحدة في جميع المناطق السكنية وأماكن العمل والأماكن العامة مثل المتنزهات ومراكز التسوق وغيرها بحيث لا يواجه الناس مشكلة في تمييز صناديق المهملات. كما يجب أن تُوزّع بوتيرة عالية لأنه ينبغي ألّا تتاح الفرصة للناس ليعودوا إلى سلوكياتهم القديمة نتيجة عدم توافر المنشآت.
- تطبيق نظام مكافآت باعتباره وسيلة من وسائل التحفيز من أجل الحفاظ على التغيير؛ إذ يُحبّ الناس مكافأتهم على أفعالهم وسيدفعهم هذا إلى مواصلة فعل إعادة التدوير حتى يصبح سلوكاً متجذراً. وقد تكون هذه المكافأة في صورة قسائم شراء أو حسومات في السعر أو قيمة نقدية.
- تقديم التوعية إلى جميع الفئات العمرية، إذ يُشكّل الأطفال حالياً محطّ التركيز ويمكن أن تُنفّذ مبادرات كهذه بالتعاون مع المدارس.