ملخص: عندما يكشف القادة عن الأوقات التي تعثروا وأخفقوا فيها يُنظر إليهم على أنهم أكثر لطفاً وأقل تعجرفاً، لكن إظهار الضعف ليس سهلاً. في هذه المقالة يشرح المؤلف كيفية إظهار "الضعف بثقة"، ويقدم 3 طرق للانفتاح حيال ذلك. في البداية يجب أن نستخدم، مع أنفسنا ومع الآخرين، العبارات التي تساعدنا على تذكر أن التعلم يأتي مع الممارسة. ففي هذه اللحظات المحورية التي نشعر فيها بالضعف، نحتاج إلى استخدام عبارات من قبيل "المخ عضلة تزداد قوة مع التدريب" أو "لم نتمكن من المشي إلا بعد أن سقطنا مراراً". فهذه العبارات تمكّن القادة من إظهار أنه من الطبيعي أن يرتكبوا أخطاء ويتعلموا منها. وبعد ذلك يمكنك تعزيز الأمان النفسي لفريقك على المدى الطويل من خلال مشاركة جزء من رحلتك لتطوير ذاتك. تحدث مع فريقك عن الأوقات التي تعثرت فيها وحصلت على تعليقات بنّاءة كنت بحاجة إليها للتحسن والتكيف. فالكشف عن لحظات التعلم هذه يشير إلى أنك لا تخشى تلقي التعليقات. أخيراً، أظهِر التواضع الأخلاقي. من خلال إعراب القائد عن تقديره لامتثال الآخرين للقيم الأخلاقية، والاعتراف بأنهم يمتلكون المعرفة والمهارات اللازمة لحل المشكلات الأخلاقية، سيبدأ القائد بتوجيه التركيز والحوار صوب القيم الأخلاقية، والتخفيف من تصورات المرؤوسين حول التفوق الأخلاقي. فإظهار الضعف بثقة يعني أنه يمكن للقادة جعل شكوكهم الذاتية تعمل لصالحهم.
كان فادي يشعر بالقلق عندما غادر الدورة التدريبية على القيادة؛ فقد كان يعرف ما يجب عليه فعله، ولكنه لم يكن يعرف كيفية تطبيقه.
ترقى فادي في مناصب عدة في شركة إنشاءات عالمية، بداية من عام 1994 بعد تخرجه في جامعته كجزء من برنامج الإدارة بنظام التناوب على الأقسام. وفي هذه الشركة علم أن أفضل القادة يطالبون فِرقهم بتحقيق الكفاءة التشغيلية والكمال. وقد حاول على مدار حياته المهنية الاقتداء بالأشخاص الذين ترقوا إلى مناصب قيادية من خلال التصرف كأنه "أذكى مَن في الغرفة".
لكن على مدى السنوات الخمس الماضية، كان فادي يخسر أمام المنافسين. ففريقه لم يكن يستجيب بالسرعة الكافية لتوقعات العملاء المتغيرة، وغادر 3 من أفضل أعضاء فريقه الشركة، على الرغم من أنه قدم عروضاً لمنافسة العروض المقدمة لهم. وأصبح من الصعب عليه "امتلاك جميع الإجابات".
أرسلته شركته إلى هذه الدورة التدريبية على القيادة التي تم التأكيد خلالها أنه لكي تتكيف المؤسسات بسرعة وباستمرار، يجب أن يكون الموظفون مستعدين لتجربة أشياء جديدة. رأى فادي أنه لن يحقق هذا في فريقه إلا إذا أرسى ثقافة يشعر فيها الموظفون بالأمان حيال التجربة والتعلم.
ولكن في أثناء حزم أغراضه، شعر بالقلق حيال كيفية إظهار تقبله للتعلم والأخطاء دون أن يفقد مصداقيته؛ أي كيف يمكنه إظهار ضعفه دون أن يبدو ضعيفاً؟
كيف تُظهر ضعفك بثقة؟
يَصعُب على العديد من القادة استخدام شعورهم بعدم اليقين والضعف لصالحهم. وعلى الرغم من أن أسلوب القيادة هذا يعمل بشكل أفضل من أسلوب السيطرة في البيئات الكثيرة التغييرات، فإن هذا لا يعني أنه يجعل القائد يشعر بشعور جيد. في الواقع، الشعور بالرغبة في إخفاء أوجه قصورنا هو بالضبط ما يجعل العديد من القادة يشعرون بمتلازمة المحتال من الأساس، لا سيما عند ترقيتهم إلى مناصب جديدة وتكوين علاقات جديدة.
بالطبع لا تتعلق القيادة الناجحة بأن تكون ضعيفاً. فحتى في البيئات السريعة التغير، حيث تكون هناك حاجة إلى التواضع والتمتع بعقلية التعلم، يمكن أن يبدو القادة الذين يُظهرون نقاط ضعفهم فقط غير واثقين بأنفسهم. إذاً، كيف تحقق التوازن السليم؟ فيما يلي كيفية إظهار الضعف بمهارة.
اجعل التعلم أمراً عادياً
كيف تتحدث مع نفسك ومع فريقك عندما تحاول تجربة شيء جديد؟ من المهم الانتباه إلى حديثنا مع أنفسنا واللغة التي نستخدمها. فإذا لم نكن حذرين، فقد نجعل التعلم يبدو كأنه فشل إذا لم تسر الأمور على أكمل وجه.
في أثناء فرض الحظر الشامل نتيجة لكوفيد، كان على الكثيرين منا تعلُّم طرق جديدة للقيام بوظائفنا. على سبيل المثال، كان يجب أن أبدأ التدريس أمام كاميرا بدلاً من التدريس في غرفة مليئة بالأشخاص. في المحاولات القليلة الأولى، كنت أفتقد بشدة جميع إشارات التفاعل الاجتماعي وجف حلقي ولم أكن أعرف أين أضع يدي في أثناء الحديث. جعلتني الكاميرا أشعر بعدم الارتياح، ولم أستطع إبهار كبار القادة كما وددت. بدأ عقلي يقول لي إنني أفشل، لكني في الواقع كنت أتعلم.
الخطوة الأولى في إظهار الضعف بثقة تتمثل في أن نستخدم، مع أنفسنا ومع الآخرين، العبارات التي تساعدنا على تذكر أن التعلم يأتي مع الممارسة. ففي هذه اللحظات المحورية التي نشعر فيها بالضعف، نحتاج إلى التحدث مع أنفسنا ومع الآخرين بعبارات من قبيل "المخ عضلة تزداد قوة مع التدريب" و"لم نتمكن من المشي إلا بعد أن سقطنا مراراً". فهذه العبارات تمكّن القادة من إظهار أنه من الطبيعي أن يرتكبوا أخطاء ويتعلموا منها.
شارك ما تعلمته من التجارب المؤلمة التي مررت بها
بعد ذلك يمكنك تعزيز الأمان النفسي لفريقك على المدى الطويل من خلال مشاركة جزء من رحلتك لتطوير ذاتك. تحدث مع فريقك عن الأوقات التي تعثرت فيها وحصلت على تعليقات بنّاءة كنت بحاجة إليها للتحسن والتكيف. فعندما يكشف القادة عن الأوقات التي تعثروا وأخفقوا فيها، بدلاً من إخفائها، يُنظر إليهم على أنهم أكثر لطفاً وأقل تعجرفاً. والكشف عن لحظات التعلم هذه يشير أيضاً إلى أنك لا تخشى تلقي التعليقات.
على سبيل المثال، في إحدى الدراسات طُلب من رؤساء تنفيذيين ذكر السلوكيات المتعلقة بمشاركة التعليقات والتماسها التي ينتهجونها مع فريق الإدارة العليا. كانوا من مؤسسات تعمل في مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك قطاع الصناعات الدوائية والرعاية الصحية وخدمات الأعمال التجارية والتكنولوجيا والبرمجيات والاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات الحكومية والتصنيع والمنتجات والخدمات الاستهلاكية. وقد أظهرت النتائج أن الرؤساء التنفيذيين منحوا فِرقهم قدراً أكبر من الأمان النفسي عندما أخبروهم بالنقد البنّاء الذي تلقوه في الماضي. إذ إن الكشف عن اللحظات المحورية التي كان عليك فيها التكيف والتعلم يساعدك على تطبيع إظهار الضعف والتعلم في فريقك وبلورة هذه الفكرة.
تكررت هذه النتائج في دراسة أخرى، وهي تجربة ميدانية طولية، حيث تَبين أن تكليف القادة عشوائياً بمشاركة تعليقات عن أوقات الضعف والإخفاقات زاد من شعور الفريق بالأمان النفسي بعد عام واحد (في حين أن تكليف القادة بالتماس تعليقات الموظفين لم يؤدِّ إلى ذلك). وإليك هذا أيضاً: أظهرت البيانات أن مشاركة القادة تعليقات بشأن ما تعلموه في السابق لا يمس بسمعتهم كقادة ناجحين وذوي كفاءة.
بالطبع لم يكن من السهل على القادة مشاركة أوجه قصورهم. في الواقع، تَبين من المقابلات التي أجريت مع القادة والموظفين المشاركين في الدراسة أن الكثيرين وجدوا أن الشعور بالضعف المصاحب لمشاركة التعليقات مثير للقلق ومربك. فقد ذكر هؤلاء القادة أنهم شعروا بالتوتر قبل الجلسة، كما شعروا بالقلق إزاء تقويض تصورات الموظفين حول كفاءتهم وثقتهم بأنفسهم. وقال قائد آخر: "توترت قليلاً بشأن مشاركة الجوانب التي تحتاج إلى تطوير، ما زاد من المخاوف التي كانت لديّ طوال مسيرتي المهنية، فقد كنت أعاني دائماً من متلازمة المحتال، حيث أشعر أنني دون المستوى المقبول".
لم تظهر الآثار الإيجابية على الأمان النفسي على الفور. فبينما كان بعض الموظفين متفاجئين ومنزعجين، كان الآخرون يشككون في نوايا القادة. وصف أحد القادة رد فعل الموظفين الفوري على مشاركة التعليقات قائلاً: "عمَّ الصمت، فقد نظرت في أرجاء الغرفة وكان الجميع صامتين". وقال قائد آخر: "بدا البعض مذعورين، وبدا من نظرات الآخرين أنهم يتساءلون عن سبب قيامي بذلك".
ومع ذلك، فإن الحقيقة ذاتها التي تقول إنه من الصعب مشاركة لحظات الضعف والتعلم هي ما يجعل هذه المشاركة فعالة. عادة ما يُتوقع من القادة إظهار القوة والثقة والكفاءة. لذلك عندما يعترف القائد بمواطن الضعف وحالات الإخفاق، فمن المرجح أن يتفاجأ الموظفون وأن يحتاجوا إلى فهم الموقف. بمعنى آخر، يجعلهم هذا يفكرون ملياً فيما يفعله القائد. في الدراسة، أصبح كل من القادة والموظفين مقتنعين أن مشاركة التعليقات ساعدت بمرور الوقت على تطبيع إظهار الضعف. فمشاركة التعليقات حفزت القادة على مواصلة الالتزام بمشاركتها، وحفزت الموظفين على مشاركة الأوقات التي تعلموا فيها شيئاً. وبمرور الوقت، تلك التفاعلات والمحادثات جعلت القادة أكثر راحة إزاء مشاركة مشاعرهم، وجعلت الموظفين أكثر راحة إزاء التعبير عن آرائهم.
أظهِر التواضع الأخلاقي
يعرف القادة أن اهتمامهم بالقضايا الأدبية والأخلاقية يخضع للمراقبة. ونظراً إلى تكرار السقطات الأخلاقية في مكان العمل، يحتاج القادة إلى طرق لتشجيع فِرقهم على انتهاج السلوكيات الأخلاقية.
للأسف قد تؤدي جهودك الرامية إلى التأثير في الآخرين للتصرف بشكل أخلاقي إلى ردود فعل سلبية. على سبيل المثال، عندما يشجع القادة على الالتزام بمستوى عالٍ من القيم الأخلاقية، يمكن أن يؤدي ذلك أحياناً إلى تكوين تصورات عن النفاق وخيبة الأمل. وهذا يمكن أن يؤدي إلى "عدم التزام" المرؤوسين بالمعايير الأخلاقية أو التقليل من قيمتها.
ومن المفارقة أنه عندما يتعلق الأمر بتعزيز المعايير الأخلاقية، فإن إظهار التواضع الأخلاقي سيكون أفضل للقادة. ويمكن للقادة القيام بذلك بطريقتين: أولاً، يمكنك إظهار وعيك بالأوقات التي ارتكبت فيها أخطاء في حل المشكلات الأخلاقية. ثانياً، يمكنك إظهار أنك منفتح على أفكار الآخرين المتعلقة بحل المشكلات الأخلاقية. من خلال إعراب القائد عن تقديره لامتثال الآخرين للقيم الأخلاقية، والاعتراف بأنهم يمتلكون المعرفة والمهارات اللازمة لحل المشكلات الأخلاقية، سيبدأ القائد بتوجيه التركيز والحوار صوب القيم الأخلاقية، والتخفيف من تصورات المرؤوسين حول التفوق الأخلاقي.
على سبيل المثال، في إحدى الدراسات التي شملت 13 مؤسسة في الصين تعمل في قطاعات تشمل التصنيع والعقارات والتكنولوجيا الفائقة، درس الباحثون 64 قائداً و295 مرؤوساً في وظائف مختلفة تشمل البحث والإنتاج والمبيعات ووظائف أخرى. وأجريت دراسة متابعة ثانية على 250 مشاركاً في الولايات المتحدة. وقد أظهرت النتائج المستخلصة من الدراستين أن المرؤوسين كانوا أقل ميلاً إلى انتهاج سلوكيات غير أخلاقية (مثل تزوير الإيصالات للحصول على تعويض) عندما تحدث القادة عن الأوقات التي ارتكبوا فيها أخطاء في حل المشكلات الأخلاقية وعندما كانوا أكثر تقبلاً لإسهامات المرؤوسين عند حل المشكلات الأخلاقية.
انتهج المرؤوسون أيضاً المزيد من السلوكيات الاجتماعية عندما رأوا أن قادتهم يتصرفون بتواضع عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأخلاقية. على سبيل المثال، أصبح المرؤوسون أكثر ميلاً إلى مساعدة الآخرين الذين تغيبوا عن العمل، وأكثر استعداداً لمساعدة الآخرين الذين لديهم أعباء عمل ثقيلة. وقد ازدادت احتمالية بذل هذه الجهود الاختيارية دون أجر لأن المرؤوسين رأوا أنها الفعل الصائب، وكانت احتمالية حدوث ذلك أكبر عندما أظهر القائد التواضع الأخلاقي بدلاً من التفوق الأخلاقي.
قيل عن التواضع إنه "قمة التميز البشري ما بين العجرفة والخنوع". لكن هذا لا يجعله سهلاً، وقد جعل العديد من القادة يتساءلون: "ما الذي يمكنني فعله لتعزيز الأمان النفسي والقدرة على التكيف لدى فريقي؟". في النهاية، إظهار الضعف بثقة يعني أنه يمكن للقائد السيطرة على متلازمة المحتال من خلال جعل شكوكه الذاتية تعمل لصالحه.