إليك هذه القصة التي تتحدث عن إطلاق مشروع جديد تحديداً. قدمت "ناسا" (NASA) جدولها الزمني مدة أربع سنوات. فما الخطة الجديدة؟ إعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2024. يرغب جيف بيزوس، الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" (Amazon)، في أن ينضم إلى هذا السباق وكشف النقاب حديثاً عن نموذج بالحجم الطبيعي لسفينة الفضاء التي يراهن عليها. هل تستطيع شركته "بلو أوريجين" (Blue Origin) لرحلات الفضاء أن تفوز بهذا السباق؟ هل سيرسل بيزوس شحنات إلى القمر ضمن خدمة "برايم" (Prime) المميزة في عام 2024؟
وكان بحثنا في مئات المشاريع العملاقة (التي حققت مردوداً هائلاً)، بما في ذلك إطلاق هاتف "آيفون"، وإنقاذ عمال المناجم في شيلي في عام 2010، وتحويل مدينة كوريتيبا إلى أكثر مدن أميركا الجنوبية خضرة، قد دفعنا إلى بناء إطار سهل التطبيق يساعد في تحديد ما إذا كان المشروع قائماً على أسس جيدة أم محكوماً عليه بالفشل.
لقد أدركنا أن نجاح إطلاق مشروع جديد يعتمد، إلى حد كبير، على ستة أسئلة. هذه الأسئلة الستة بسيطة، وواضحة، والإجابة عنها تكون بالإيجاب أو النفي. في السطور التالية، سوف نطبق هذه الأسئلة على طموحات بيزوس الفضائية لتحليل احتمال نجاح مشروعه العملاق "التصويب نحو القمر" (بالمعنيَيْن الحقيقي والمجازي للتعبير) وتقييم ذلك الأمر. وأثناء قراءتك، طبّق هذه الأسئلة على مشاريعك العملاقة وأجرِ تقييمك الخاص.
بالإجابة عن الأسئلة الستة مع فريق قيادتك، بترتيب تسلسلي، سيتضح لك ما إذا كان مشروعك في حالة جيدة أم سيئة. إذا لم تكن الإجابات صريحة، أي إذا لم يكن بعضها واضحاً وحمل أي شكوك، فلا تخف من تعليق المشروع أو تأخير وقت انطلاقه.
فيما يلي الأسئلة الستة، بالترتيب الذي نوصي بطرحه:
1. هل هناك دراسة جدوى قوية ودوافع منطقية مقنعة؟ (لماذا)
هناك سببان رئيسان لاستثمار الموارد (الوقت والجهد) في مشروع ما: إما لحل مشكلة ما أو للحصول على إحدى الفرص. في هذه الحالة، وضع بيزوس رؤية مقنعة لإنقاذ الأرض من خلال إرسال ملايين الأشخاص إلى الفضاء. ولكن هل انطوت هذه الرؤية على دافِع واضح ومقنع؟ هل من المهم للبشرية أن نتوسع في الكون لحل التحديات الأكثر إلحاحاً التي يواجهها كوكبنا؟ هل سيكون ذلك حلاً للأكثر ثراءً دون غيرهم؟ هل سيستحق الأمر المليارات التي يتطلبها حتى يصبح واقعاً؟ من الواضح أن بيزوس شغوف بالأمر (سوف نصل إلى ذلك بالتفصيل في السؤال التالي)، ولكن بصرف النظر عن الحماسة التي تثيرها رؤيته، فإننا نعتقد أنها غامضة بعض الشيء، هل سننقذ الأرض بحلول عام 2024؟ يجب أن يكون الهدف النهائي للمشروع واضحاً ومقنعاً. ربما يكون لأغراض الدفاع؟ أو ربما لبقاء الجنس البشري نفسه؟
الإجابة: لا
2. هل للمشروع العملاق راعٍ ملتزم له كاريزما وتأثير بارز في الناس؟ (مَن)
من المحتمل أن تكون أهم ميزة لمشروع تحوُّل ناجح على الإطلاق هي وجود راعٍ قوي وفاعل ومؤثر بشخصيته فيهم. في هذه الحالة، فإن بيزوس هو ذلك الراعي. وسبق أن ذكر بيزوس أن هذا المشروع العملاق هو العمل الأهم الذي يضطلع به. فهل نصدقه؟ يتعلق هذا السؤال بسؤال آخر حول كم عدد المهام الأخرى التي يضطلع بها (الإجابة: الكثير). وبالتأكيد يمكن تصديقه. ذلك أنه تابع تنفيذ عديد من المشاريع العملاقة في الماضي متحدياً التوقعات باستمرار ويحقق النجاح فيها. لذلك: نعم؛ نحن نعتقد أنه راعٍ ملتزم وله كاريزما (على طريقته الخاصة).
الإجابة: نعم
3. هل يملك المشروع العملاق نطاقاً واضحاً؟ (ماذا)
يحدد النطاق الشكل الذي سيبدو عليه إطلاق مشروع جديد عند تسليمه (لا يجب الخلط بينه وبين أهداف المشروع أو "لماذا"، التي بحثناها في السؤال الأول). كلما زادت معرفتك بهذا الأمر في بداية المشروع، كان تقديرك لكل من الفترة الزمنية والتكلفة والمهارات اللازمة لتحقيق النتيجة المرجوة، أفضل. والعكس صحيح: كلما زاد عدم يقينك بشأن المتطلبات، زادت صعوبة وضعك لخطة دقيقة.
وإذا كان المقصود من "التصويب نحو القمر" هو المعنى المجازي، فإن المعنى الحقيقي مقصود أيضاً. وهو مسعى صعب جداً، لم يطرقه أحد منذ عام 1972. إلى الآن، عانت صواريخ ناسا المقترح إطلاقها من التأخير لسنوات، ويبدو أنها تجاوزت ميزانيتها بمليارات الدولارات. هناك كثير من الأمور المجهولة وكم هائل من التعقيدات يشوب ذلك التعهد والالتزام.
وعلى الرغم من أنه يمكنك القول إن موارد بيزوس غير محدودة كما نعلم، فإن النطاق غير الواضح يمثل خطراً حقيقياً على نجاح المشروع. عندما أعلن بيزوس عن المشروع، لم يعلن عن تكلفته أو متى سيكون جاهزاً. نعتقد أن هذا يرجع إلى أنه لا يعرف حقيقة ذلك.
الإجابة: لا
4. هل هناك قبول من أصحاب المصلحة الرئيسين؟ (كيف)
تُنجز أنجح المشاريع عندما يحظى المشروع بتأييد جميع أصحاب المصلحة الرئيسين (أو الأشخاص المتأثرين المرتبطين بالمشروع بدرجات مختلفة) أو على الأقل معظمهم. بل الأفضل حين يتولون إدارته بأنفسهم.
يوجد قول مأثور في إدارة المشاريع، وهو: "يمكنك أن تجد دائماً أحد الأشخاص من أصحاب المصلحة يبدو سعيداً إذا فشل مشروعك". هناك منظمات وسياسيون ومساهمون أو ببساطة موظفون سيشكلون عقبات أمام نجاح مسعاك. ومع ذلك، إذا قصرنا السؤال على المشروع نفسه، وهو بناء "بلو أوريجين" لسفينة الفضاء، فسنعتقد أنه من المحتمل أن يكون هناك قبول قوي لدى أصحاب المصلحة الرئيسين.
الإجابة: نعم
5. هل للمشروع العملاق نقطة نهاية محددة ودقيقة؟ (متى)
لدى المشاريع، التي تبدأ بموعد نهائي طَموح ومتفق عليه، فرصة أكبر للنجاح. يمكن أن يؤدي البدء دون خط نهاية إلى استمرار المشروع عدة أشهر وحتى سنوات.
في هذه الحالة، هناك سابقة لهذا النوع من المواعيد النهائية على وجه التحديد: عندما حدد جون كينيدي الهدف الجريء المتمثل في إنزال رجل على سطح القمر بحلول نهاية الستينيات من القرن العشرين. كانت كلماته مصدر إلهام لمشروع، ربما لم يكن ممكناً أبداً تحقيقه دون نقطة النهاية الطموحة التي تحددت بشكل لا يصدق.
ومن ثَم، يكون عام 2024 بصفته موعداً نهائياً لهذا المشروع العملاق هو توقيت واضح ومحدد.
الإجابة: نعم
6. هل يعد المشروع العملاق أولوية حقيقية؟ (أين)
يغطي نطاق "أين" العناصر الخارجية التي يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي أو سلبي في المشروع. غالباً ما تكون هذه المناطق خارجة عن سيطرة قائد المشروع، مثل أولوية المشروع بين جميع المشاريع الأخرى التي يجري تنفيذها، أو الكفاءات الكلية لتنفيذ المشروع في المؤسسة، ومع ذلك، هناك وسائل يمكن للقائد من خلالها التأثير في المشروع بطريقة إيجابية. يؤدي الراعي التنفيذي دوراً مهماً في التأثير في المؤسسة أيضاً.
يعرف بيزوس أمراً أو اثنين عن تحديد الأولويات، وقد بنى شركة حول هذا المفهوم، والتي يجب أن نفترض أنها موجهة بالمشروع.
الإجابة: نعم
اقضِ بعض الوقت لمناقشة إجاباتك عن هذه الأسئلة وتوضيحها والتدليل عليها. وعلى الرغم من الحماس الطبيعي والتعجل لبدء العمل عليها، فإن المشاريع التي تقضي وقتاً أطول في مرحلة التعريف تميل إلى أن يكون تنفيذها سلساً أكثر من غيرها. لقد تعلمنا أن الشركات التي تطبق هذا الإطار البسيط كجزء من عملية الموافقة والمراجعة تصبح أفضل في تحقيق وتوفير قيمة من مشاريعها. يمكنك تحقيق ذلك أيضاً.
وماذا عن إنجاز بيزوس لمشروعه العملاق في عام 2024؟ نعتقد أن لديه فرصة قوية. لكننا نوصي بقضائه المزيد من الوقت في التفكير حول سبب المشروع (لماذا) وطبيعته (ماذا). فقد أخفق في تأسيس مقر ثانٍ لأمازون في نيويورك بسبب نقاط الضعف نفسها: عدم وضوح الهدف ونطاقه. ونحثه على إصلاح هذه العيوب لزيادة فرصه في نجاح إطلاق مشروع جديد بالفعل وترك علامة بارزة أخرى في التاريخ.
اقرأ أيضاً: