لا يخفى على أحد أن استبدال قانون الرعاية ميسورة التكلفة (Affordable Care Act)، والمعروف على نطاق واسع باسم "أوباما كير" (Obamacare)، أو "أيه سي آي" (ACA)، هو في صدارة جدول الأعمال لدى إدارة الجمهوريين و"الكونغرس". قال المتحدث بول ريان في حديثه عن متطلبات إصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة: "إن القانون قد فشل". وقال دونالد ترامب في مناظرات الحملة الانتخابية" "إنها كانت تدمر دولتنا". ولكن حتى مع إصدار الإدارة الأميركية الجديدة أوامرها التنفيذية، يجب على الجمهوريين تقديم خطة بديلة حقيقية، ولا يزال توقيت الاستبدال غامضاً.
اقرأ أيضاً: لماذا تُعتبر إجراءات الرعاية الصحية الأميركية أكبر مشكلة لهذا القطاع؟
وبالنظر إلى أن حزباً واحداً يحكم فرعي الحكومة التنفيذي والتشريعي معاً، فقد يدعو ذلك إلى اعتبار أن "إعادة التفاوض" كلمة خاطئة، وأن "الأمر" قد تكون الكلمة الأنسب. لا تتسرعوا. يوجد حكّام جمهوريون يعارضون التراجع عن توسعة نطاق المساعدات الطبية. وتوجد خلافات حتى بين أعضاء "الكونغرس" على أن الإلغاء يجب أن يدخل حيز التنفيذ حالاً أو مع مرور الوقت. وعلى الرغم من شيطنة قانون الرعاية ميسورة التكلفة في الحملة الانتخابية، توجد عناصر في القانون تحظى بشعبية إلى حد ما لدى شتى ألوان الطيف السياسي. وفي الوقت الذي صرح فيه الرئيس الأميركي أمام الملأ أنه يريد رعاية صحية للجميع، إلا أن مرشحه للخدمات الصحية والإنسانية رفض دعم ذلك الوعد في جلسات الإقرار.
تبقى الخطة والسياسة شائكة في أحسن أحوالها، ويبدي الكثير من الخبراء آراءهم فيها. وفي برنامج التفاوض وحل النزاعات المرتبطة بالرعاية الصحية، في كلية "تي آتش تشان" (T.H. Chan) للصحة العامة في جامعة "هارفارد" (Harvard)، نحن ننظر إلى القيادة وقضايا التفاوض عن كثب، عندما يقدم كل منهما فرصاً وفخاخاً يمكن رؤيتها بوضوح، حتى في هذه اللحظة.
ونظراً إلى عدد الأطراف المعنية وتنوع اهتماماتها واختلافها، ونقاط القوة لديها، فإن "إعادة التفاوض" هي الكلمة الصحيحة بالضبط. وتوجد مفاوضات قليلة بحجم التعقيد الذي يعاني منه إدخال إصلاحات على نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة. من وجهة نظر متعالية يمكن تطبيق تغييرات معينة على النظام، ولكن لا يمكن السيطرة على النية الحسنة والالتزام وولاء الناخبين الضروري التي تُشتق منها الإرادة السياسية.
اقرأ أيضاً: تفويض المهام يخفض التكاليف ضمن قطاع الرعاية الصحية في الولايات المتحدة
إن الوعد بتقديم رعاية صحية أفضل بكثير مقابل أسعار منخفضة جداً هو محض خيال إلا إذا كان "الكونغرس" مستعداً لزيادة الدعم المالي اللازم لتغطية ذلك. ومن غير المرجح أن يفعل صقور الميزانية في "كابيتول هيل" (الحي الذي يوجد فيه مجلس الشيوخ الأميركي) هذا الأمر. قد يمكنهم تنظيم الأسعار، إلا أن ذلك سيكون أيضاً بمثابة لعنة للمحافظين، سوف يجلِس الأطباء والمستشفيات على الطاولة من أجل الحصول على مكاسب أكثر، فهم يفهمون جيداً تأثير العناصر المختلفة لقانون الرعاية ميسورة التكلفة. وسوف يتذكر المؤمِّنون أن "الكونغرس" موّل 12.6% فقط من مطالباتهم بموجب "أروقة الخطر" بقانون الرعاية ميسورة التكلفة، وسيرغبون بمزيد من التيقن حول المخاطر التي يتحملونها. وتتألف توقعات الجمهور في أن تبقى الأجزاء التي يحبونها من القانون، بما فيها التغطية عالية التكلفة للحالات الموجودة مسبقاً وإنهاء سقف الإعانة مدى الحياة، فيما تذهب الأجزاء التي لا يحبونها، مثل التشريعات الخاصة بأصحاب العمل والأفراد، التي تساعد على تخفيف الخطر وتقليل التكاليف.
اقرأ أيضاً: إنفاق الأطباء الأميركيين المرتفع من أموال الرعاية الصحية لا يحسن نتائج المرضى
هل الوفورات على الصحة هي الجواب؟ هذا شيء يفضله أولئك الذين ينادون بالمسؤولية الشخصية. وعلى أي حال، بعض السكان الذين يكتوون بنار الأجور الراكدة ويعانون من الديون ويدخرون المال لفترة تقاعدهم، أو على الأقل يفعلون ذلك نظرياً، هم الأشخاص نفسهم الذين يواجهون مشكلة الاستفادة من الرعاية الصحية ويتحملون تكاليفها، ولا يملكون الكثير للمساهمة فيه. هل يمكن لمنافسة أكبر، وأقصد الدواء العام في السوق الحرة، إنقاذنا؟ تتضمن المنافسة من أجل المرضى في الرعاية الصحية أحياناً تقديم إمكانية الوصول إلى أفضل الأطباء وأحدث التقنيات، ومرافق على أعلى طراز، وجميعها خدمات ليست رخيصة. وبالتأكيد لا تعتبر الرعاية الصحية مؤشراً ثانوياً للمرضى. فأولئك الذين لا يستطيعون الاشتراك في النظام مبكراً من المرجح أن يشتركوا عندما تسوء حالتهم وتكون رعايتهم مكلفة جداً.
إذا كنت تتساءل لماذا لم يعلن الجمهوريون خطة تفصيلية، فهذا التعقيد يساعد على توضيح ذلك.
متطلبات إصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة
الخبر الجيد هو أن أحد من صاغوا الخطة الرئيسية قال مؤخراً إن خبراء السياسات الصحية الليبراليين والمحافظين يوافقون على 70% - 80% مما هو مطلوب للمضي قدماً. وهذا الاتفاق الجذري هو أساس ضروري. وبينما ستكون نسبة 20% - 30% صعبة، فهي لن تكون عقبة عند التحلي بعقلية تفاوض سليمة. ونعرض فيما يلي ثلاثة مفاتيح للمضي قدماً:
اعترف أن الرعاية الصحية لا يمكن أن تكون لعبة محصلتها صفرية
يمتلك الرئيس ترامب سمعة مفاوض صلب في الصفقات المالية. تكثر القصص حول قدرته على السحر والخداع والتبجح كما هو مطلوب لإتمام الصفقة، إلا أن منهجه الذي يقول "أنا أكسب، وأنت تخسر" لن يكون مُجدياً كثيراً هنا. وبغض النظر عن صعوبة الأمر، يجب أن يكون الرئيس والجمهوريون في الكونغرس منفتحين على صفقة مربحة للطرفين، حتى يمكنهم الادعاء أنهم تخلصوا من بنود قانون الرعاية ميسورة التكلفة التي يجدون أنها فظيعة جداً بينما يستطيع الديموقراطيون التأكيد على حماية بعض عناصر القانون الأكثر قيمة. ويجب أن تشعر الأطراف المعنية الأخرى أن ما دفعته يعادل ما حصلت عليه.
ويتطلب ذلك من الرئيس أن يكون قائداً بنفس درجة مفاوض. وإن كان يركز على هزيمة خصومه، فأي نصر يأتي به لن يدوم طويلاً. سيكون على الرئيس العمل مع "الكونغرس" على مسائل أخرى. وسيعيد الناخبون تقييم حزبه خلال عامين في مواجهات مقبلة. وبدوره القيايدي، يجب ألا يقنع الأطراف المعنية الأخرى أنه الأقوى على الطاولة، إنما أنه الشخص الحكيم الذي يقدِّر جيداً مصالحهم المشروعة ويعرف عندما يسهمون بما فيه الكفاية، وعندما يمنحون التعويض الكافي. إن عليه أن يُقنع كل طرف منهم بالتخلي عن بعض معايير قياس المصلحة الذاتية لكي يبنوا معاً شيئاً أفضل من كل شيء يستطيعون بناءه متفرقين.
ركز على النتائج على صعيد الصحة، وليس على هيكلة الرعاية الصحية
مهما كان النهج الذي سوف يأتي بعد قانون الرعاية ميسورة التكلفة، يوجد شيء واحد مؤكد وهو أنه لن يكون مثالياً. ستُحسِن الإدارة الأميركية الجديدة التصرف إذا تعلمت الدرس من سابقاتها. فحين هيأ قانون الرعاية الأجواء للتجربة والابتكار، أجرِيت تحسينات على التكاليف وطريقة تقديم الرعاية. ويجب أن تجتمع الأطراف المعنية على الافتراض ألا أحد يملك الجواب كاملاً، إنما يمتلك كل طرف جزءاً منه. ومعاً فقط يمكنهم حل المشكلة.
إدراك أن الكمال لا يمكن الوصول إليه هو أمر مهم للبدء في هذا التفاوض من أجل تمهيد الطريق للتكرار. ويتطلب هذا نهجاً أقرب إلى دينامية التخطيط الحضري منه إلى خطية الهندسة المعمارية. فالنظام المعمول به لن يتناسب مع الخطة الموجودة على الورق، ويجب أن يكون قادراً على التطور مع مرور الوقت. "ميديكير" (Medicare)، هو مثال واضح. وإن واحدة من أعظم الفرص التي فوتناها خلال الأعوام السبعة الماضية كانت فرصة لتحسين قانون الرعاية ميسورة التكلفة، لأن كل طرف كان يركز بشدة على الدفاع على الوضع الراهن أو تدميره.
لا يمكن أن تكون الخطة الجديدة أصلية فكرياً إذا كانت سوف تُطبق عملياً. فالنظام لديه الكثير من المتغيرات وحالات عدم التيقن، مثل تعدد الأطراف المعنية، وتفاوت الظروف الصحية، وتشعب المخاوف المالية، وتطور الأمراض على نحو سريع، والعلاجات، والتكنولوجيات، وغيرها. ولا يوجد شخص أو مجتمع سيقترح نظاماً يكون براغماتياً ويمتثل للمتطلبات السياسية المفاهيمية الصارمة.
أقر بالرهانات الملموسة للأشخاص في مختلف أرجاء الدولة
أحد أساليب التفاوض الفعالة هو تذكير الأطراف بتكلفة عدم الوصول إلى الاتفاق. وفي هذه الحالة، تمتلك الأطراف الفاعلة في واشنطن خطة رعاية صحية قوية ومدعومة من الحكومة. والعديد من ناخبيهم لا يمتلكون مثل هذه الخطة، حتى في ظل قانون الرعاية ميسورة التكلفة. إن البديل المتمثل في استخدام غرفة طوارئ مثل نظام رعاية صحية رئيسية لا ينتفع منه أحد. وفيما يخص الأفراد، قد يكون المرض المنهك والدمار المالي وحتى الوفاة نتيجة لسياسة صحية رديئة. أما على صعيد الأعمال التجارية، فتكاليف التغيّب عن العمل المرتبط بالصحة لها تصل إلى مليارات على المستوى الوطني. وتستطيع هذه الحقيقة الأساسية أن تجمع الأطراف على الطاولة وتجعلهم يقبلون المساومة.
ستتطلب الخطوة المقبلة المتعلقة بمتطلبات إصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة قيادة شجاعة ومنضبطة. لذا يجب على الأشخاص من مختلف الأطراف إثبات نضجهم، ورؤية الصورة الكبيرة والاستمرار في العودة إلى الهدف الأكبر وهو تحسين صحة السكان مع إمكانية الاستفادة من الرعاية المناسبة بتكلفة معقولة.
اقرأ أيضاً: إصلاح نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يحتاج لبيانات أفضل حول الأسعار