ماذا لو صارحك أحد موظفيك بإصابته بمرض عقلي؟

13 دقيقة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: قد تجد صعوبة في إدارة دفة الحوار مع أحد موظفيك إذا أفصح لك عن إصابته بمرض عقلي، خاصة إذا كانت تلك هي المرة الأولى التي تواجه فيها موقفاً كهذا. اختر كلماتك بعناية وأنت تتحدث معه. ولا تعطِ الأمر أكبر من حجمه، فمن المهم أن ترفع الحرج عن نقاش هذه الموضوعات. وحبذا لو تعاملت مع هذا المرض كما تتعامل مع أي مشكلة طبية أخرى. أنصت إلى الموظف جيداً حتى تعرف ما يريد أن يُطلعك عليه ولا تطرح الكثير من الأسئلة أو تضغط عليه لإطلاعك على المزيد من المعلومات. ولا يشترط أن تقدّم كل الإجابات على الفور، لذا أخبر الموظف بأنك ستفكر فيما قاله لك ومن ثم ستعود إليه لتوافيه بالرد المناسب. وأوضح له أنك قد تحتاج إلى مناقشة الموقف مع مسؤولي قسم الموارد البشرية، خاصة إذا طلب منك تسهيلات معينة. ولكن قد يكون بمقدورك توفير قدر معين من المرونة التي يحتاجها في حدود سياسات شركتك. وإذا كانت لديك تجارب سابقة مع مشكلات الصحة العقلية، ففكّر في مشاطرته إياها، ولكن دون تحويل دفة النقاش إلى الحديث عنك وعن تجربتك. يمكن لهذا النوع من الإفصاح، خاصة إذا كنت تشغل منصباً رفيعاً، أن يختصر الكثير من المسافات نحو رفع الحرج عن مناقشة هذه الموضوعات في مؤسستك وإثبات أنه بالإمكان تحقيق أقصى درجات النجاح حتى وأنت مصاب بمرض عقلي.

 

إذا امتلك أحد مرؤوسيك المباشرين الشجاعة للتحدث معك حول إصابته بمرض عقلي، فيجدر بك الانتباه إلى طريقة استجابتك لما لها من أهمية بالغة. إذ يجب أن يعرف هذا الموظف أنك تقدر صراحته مع طمأنته أيضاً بأن وظيفته لن تتعرض للخطر وأن فكرتك عنه لن تتأثر بما يحكيه لك. ويجب أن تعرف في الوقت نفسه أثر هذا المرض، إن وجد، على فريقك وعلى عبء العمل المُلقى على كاهل أعضائه. ماذا تقول على الفور؟ ما الأسئلة التي يجب أن تطرحها؟ كيف تحدد التسهيلات اللازم اتخاذها في ضوء الوضع المستجد؟

ما الذي يقوله الخبراء؟

من المهم أن تضع في اعتبارك أن هذا الموظف قد اضطر في الغالب إلى مغالبة الكثير من المخاوف قبل أن تواتيه الشجاعة ويفاتحك في هذا الموضوع. تقول كيلي غرينوود، مؤسِّسة “مايند شير بارتنرز” (Mind Share Partners) ورئيستها التنفيذية، وهي مؤسسة غير ربحية تركز على تغيير ثقافة الصحة العقلية في مكان العمل: “لقد أقدم هذا الشخص على فعل شيء صعب ومحفوف بالمخاطر حينما أثار هذه المسألة، ولعله فكّر وراجع نفسه كثيراً قبل اتخاذ هذا القرار. وتؤكد سوزان غولدبرغ، عضو هيئة التدريس الأساسية لدراسات الدكتوراه في “جامعة فيلدنغ للدراسات العليا” (Fielding Graduate University): “إن قرار الإفصاح معقد بطبعه”، وتضيف أنه يعتمد على “الموقف الشخصي للفرد، وشخصية صاحب العمل، والقضايا المجتمعية”. ومن هنا كانت كيفية التعامل مع هذه التفاعلات أمراً بالغ الأهمية. وما يبعث على التفاؤل أن هذه المحادثات يمكن أن تكون مثمرة، إذا اتبعت النصائح التالية:

اشكره على مفاتحتك في الموضوع

ابدأ كلامك مع الموظف بالإقرار بالجهود التي بذلها لمفاتحتك في الموضوع. تقول غرينوود: “إذا لم تأخذ المحادثة الأولى مجرى آخر، فاحرص على توجيه الشكر للموظف على مفاتحتك في هذا الموضوع”. لكن لا تعطِ الأمر أكبر من حجمه. فيجب أن تعمل على رفع الحرج قدر الإمكان عن مناقشة هذه الموضوعات. وتضيف أن هذه المشاكل واردة في أي وقت، حتى لو لم يسبق لك أن خضت محادثة كهذه قبل ذلك. وتنصح قائلة: “يجب ألا تتخذ رد فعل يوحي بأن هذا الأمر يمثل مشكلة خطيرة، لأن ذلك قد يزيد من شعور الطرف الآخر بالخجل أو يدفعه إلى الخوف على مستقبله في الشركة”. وتحذّر غولدبرغ أيضاً من الإفراط في التعاطف، إذ تقول: “يجب ألا تضطر الموظف إلى التعامل مع رد فعلك”. ويجب أن تكون استجابتك متسقة مع طبيعة العلاقة التي تربط بينكما. وهو ما أوضحته غولدبرغ بقولها: “هذا ليس الوقت المناسب للتصرف كصديق إذا لم تكن تربط بينكما علاقة حميمة وموثوقة، لكن يجب أيضاً ألا تتنكر له إذا كانت تربطكما علاقة حميمة حتى هذه اللحظة”. بعبارة أخرى، عامل الموظف وهذه المحادثة بالطريقة نفسها التي كنت تتعامل بها مع الموظف في الماضي.

أنصت له جيداً

أتح أمام الطرف الآخر فرصة كافية ليبوح بكل ما في صدره ويخبرك بما يحتاج إليه من حيث المرونة أو التسهيلات. تقول غرينوود: “أنصت بعقل متفتح ودون إصدار أحكام مسبقة”. وانتبه إلى إشاراتك غير اللفظية، حيث توضّح غرينوود: “إذا بدا عليك الفزع أو الانزعاج، فسيشعر موظفك بخيبة الأمل لأن سلوكك هذا يرسل رسالة مفادها أنك لا تريد الخوض في هذه المسألة”. يمكنك هنا أن تتعامل مع الموقف بعقلية تنم عن الفضول وحب الاستطلاع، لكن تجنب طرح الكثير من الأسئلة، خاصة تلك التي تتطلب أن يفصح الطرف الآخر عن معلومات أكثر مما يجب. فعلى سبيل المثال، تقول غولدبرغ: “لست بحاجة إلى معرفة اسم الإعاقة التي أصيب بها” أو تاريخ إصابته بها. دعه يحدد كمية ونوعية المعلومات التي يريد إطلاعك عليها.

أخبره بأنك تريد دعمه، ولكن لا تسرف في الوعود

قد يكون من المغري أن تخبر الطرف الآخر (خاصة إذا كان من أصحاب الأداء المتميز) بأنك ستفعل كل ما يلزم لدعمه، لكن يجب أن تتوخى الحذر قبل الإقدام على شيء كهذا. توضح غولدبرغ هذه المسألة، قائلة: “قد تورّط نفسك في وعود لا تستطيع الوفاء بها من منطلق إحساسك بأنه قد خصك أنت وحدك بهذه المعلومات، وأنه لا يطلب منك إجراء أي تعديلات على عبء العمل أو مواعيد الحضور والانصراف”. فاحذر أن تفترض شيئاً من تلقاء نفسك. وإذا طلب منك إجازة أو تعديل مواعيد حضوره وانصرافه، فاحرص على عدم المبالغة في الوعود. وحاول بدلاً من ذلك أن توضح له أنك تنوي التعاون معه لحل هذه المشكلة. يمكنك أن تقول على سبيل المثال: “أتمنى أن أكون قد أوضحت أنك عضو مهم في الفريق وفي المؤسسة ككل. وبإمكاننا التوصل إلى حل معاً”. ولا يشترط أن تقدّم كل الإجابات في هذه المحادثة التمهيدية. ولا تقسُ على نفسك إذا لم تكن تتوافر لديك الردود المثالية وإذا لم تكن تعرف الحلول المتاحة. وتنصح غرينوود بأن تقول شيئاً على شاكلة: “شكراً جزيلاً لك على مفاتحتي في هذا الموضوع. والآن أستأذنك بأن تتيح لي بعض الوقت حتى أفكر في الأمر وأعود إليك في يوم كذا”. وحدد موعد المحادثة التالية حتى لا تصيبه بحالة من القلق في أثناء انتظار ردك.

لا تحوّل دفة الحوار إلى الحديث عنك وعن تجربتك الشخصية

من الوارد أن تكون قد مررت أنت أو أي شخص عزيز عليك بتجربة مشابهة، لكن لا تحوّل دفة الحوار إلى الحديث عنك وعن التجارب الشخصية لأحبائك. وضع في اعتبارك أن الأعراض تختلف من شخص لآخر. وتعلّق غرينوود على هذه النقطة، قائلة: “تختلف أعراض قلقي عن أعراض قلق شخص آخر، ولا يمكنك افتراض أنك تفهم ما يمر به أو مدى تأثيره على عمله”. وعلى الرغم من ذلك، فإن مشاركة قصة شخصية قد تسهم أحياناً في رفع الحرج عن فتح هذا الموضوع. وإذا كانت علاقتك مع الموظف تسمح لكما بمشاركة القصص الشخصية، فاحرص على أن تحكي له قصة تبعث على التفاؤل. واحذر أن تحدثه عن شخص لم تتحسن حالته الصحية أبداً أو اضطر إلى ترك وظيفته، ولا تقلل أيضاً من شأن تجربته بالإصرار على أن كل شيء سيكون على ما يرام لأنه سبق لك أو لشخص آخر أن مرّ بتجربة مماثلة.

حافظ على السرية

طمئن الموظف بأنك ستبذل قصارى جهدك للحفاظ على السرية ولكنك قد تحتاج إلى مناقشة الأمر مع مسؤولي الموارد البشرية. وإذا أعرب لك الموظف عن عدم ارتياحه لهذه الخطوة، أو أبدى تخوفه من تسبب هذا الموضوع في الإضرار بملفه الوظيفي، فيمكنك أن تقول: “قد أضطر إلى إخبارهم في النهاية، لكن يمكنني التحدث عن الموضوع بصورة عامة دون ذكر اسمك في البداية”. وتوضح غرينوود أنه قد يكون من المفيد أن تشرح للموظف سبب وجوب إبلاغ قسم الموارد البشرية. ينطوي ذلك على ضمان حصول الموظف على الحماية القانونية التي يحق له الحصول عليها لتجنب التمييز ضده بالإضافة إلى تمكينه من الحصول على كافة الموارد والتسهيلات المتاحة في الشركة. وتشير غرينوود أيضاً إلى أن قوانين الدولة أو المنطقة التي تعيش بها قد تُلزمك بإبلاغ قسم الموارد البشرية بمجرد أن يفصح أحد الموظفين عن إصابته بمرض عقلي، حتى لو لم يطلب الموظف تسهيلات من أي نوع. وإذا لم تكن متأكداً من القوانين المعمول بها في منطقتك، فلا تتردد في إبلاغ قسم الموارد البشرية أولاً دون الإفصاح عن اسم الموظف.

ولكن حاول قدر الإمكان أن تحتفظ بهذه المعلومات لنفسك. تقول غرينوود: “من المغري أن تفاتح أشخاصاً آخرين في هذا الموضوع من أجل دعمك عاطفياً، أو لكي تبرر أسباب تخفيف عبء العمل عن موظف بعينه، ولكن لا تُقدِم على خطوة كهذه ما لم يمنحك الموظف الإذن بالإفصاح عن حالته المرضية”. وقد يمنحك الموظف في بعض الأحيان الإذن بالإفصاح عن حالته المرضية أو حتى يطلب منك إخبار الآخرين. فاحرص في هذه الحالة على توضيح أن الموظف قد طلب منك إخبار الآخرين حتى لا يظن أي شخص آخر أنك تتحدث عن هذا الموظف من وراء ظهره.

فكّر في التغييرات التي يمكنك إجراؤها

هناك مجموعة متنوعة من الأشياء التي قد يطلبها موظفك أو يحتاجها حتى يتمكن من الاعتناء بصحته العقلية. قد تشمل هذه الطلبات تغيير مواعيد العمل، أو السماح له بالعمل بمفرده أو ضمن مجموعة، أو أخذ إجازة لزيارة الطبيب، أو الحصول على إجازة “للنقاهة” من حين لآخر. غالباً ما يعتمد قبول هذه الطلبات من عدمه على السياسات المطبقة حالياً في شركتك. تقول غرينوود إن المدراء مطالبون بمعرفة الفارق بين “التسهيلات” التي تشكّل استثناءات رسمية للسياسات الحالية والتي يتم منحها في ظروف معينة لموظف معين إثر إفصاحه عن مشكلة طارئة، و”التعديلات” التي تعتبر بمثابة تسويات استباقية يمكنك إجراؤها لأي شخص في حدود سياسات الشركة، مثل مواعيد العمل المرنة. وإذا اضطرتك الظروف إلى منح تسهيلات محددة لموظف ما، فمن الأهمية بمكان أن تُشرِك مسؤولي قسم الموارد البشرية معك في قرار كهذا (للمزيد عن هذا الموضوع، انظر الجزئية التالية) لأنهم أدرى منك بالقوانين الوطنية والمحلية التي تحدد الإجراء المسموح به في هذه الحالة.

قد تؤثر بعض التغييرات التي يتم إجراؤها على مواعيد عمل الموظفين الآخرين في فريقك أو عبء العمل الملقى على كاهلهم، ويتعين عليك عندئذٍ، على حد قول غولدبرغ، أن تفكر فيما “ستقوله للموظفين الذين قد يتساءلون عن سبب تأخر هذا الشخص في الحضور إلى العمل أو معاملته بطريقة مختلفة”. وتنصح غولدبرغ بأن تجهّز بعض الإجابات المباشرة والبسيطة عن أي أسئلة قد يطرحها باقي الموظفين. يمكنك، على سبيل المثال، أن تقول: “لقد منحناه بعض التسهيلات” أو “لقد غيرنا مواعيد عمله”. وتحدث مع الموظف حول أساليبه المفضلة للتعامل مع أي مخاوف قد يبديها زملاؤهم.

اطلب المساعدة من الآخرين

لقد لجأ إليك هذا الموظف لأنك مديره. وتقول غرينوود: “لست مطالباً بأن تؤدي دور المعالج أو الطبيب أو المحامي”. فلا تقدّم المشورة الصحية أو القانونية، ولا تحاول التوصل إلى حل لهذه المشكلة من تلقاء نفسك. واحرص على أن تتعاون مع قسم الموارد البشرية كلما كان ذلك ممكناً للتوصل إلى الحلول الممكنة، وعرّف الموظف أنك ستسلك هذا الطريق. توضّح غرينوود: “إذا استدعى الأمر ضرورة تقديم تسهيلات معينة، فإن الأسلوب الأمثل للتعامل مع هذا الموقف يقتضي التشاور مع مسؤولي قسم الموارد البشرية والموظف نفسه للتوصل إلى حل مشترك، على أمل أن يوفر لك مسؤولو قسم الموارد البشرية (قائمة بالخيارات) التي قدموها في الماضي لحالات مشابهة”. ويجدر بك ألا تطلب من الموظف التوصل إلى هذه الخيارات بنفسه، إلا إذا رغب هو في ذلك. تقول غرينوود إنها حينما أفصحت لمديرتها السابقة عن شعورها بالقلق، فإنها “لم تكن في وضع يسمح لها بالتفكير خارج الصندوق”.

وإذا كنت تعمل في شركة صغيرة أو شركة ليس لديها قسم للموارد بشرية يستطيع دعمك، فقد تكون مطالباً بالتوصل إلى حل بطريقتك الخاصة. وقد أثبت بحث غولدبرغ أن الشركات الصغيرة غالباً ما تمتلك القدرة على تقديم المزيد من المرونة، ولكنها “قد تلاقي أيضاً صعوبات أكبر في هذا الصدد لأنها قد لا تستطيع تلبية طلبات الموظف المصاب بمرض عقلي”.

عرّفه على الموارد الأخرى، إن وُجدت

قد تكون هناك موارد أخرى داخل شركتك يمكنك إحالته إليها. تقول غرينوود: “نشهد اليوم المزيد والمزيد من مجموعات موارد الموظفين التي تتمحور حول القضايا الماسة بالصحة العقلية، وغالباً ما يبدأ بها صغار الموظفين”. يمكنك توجيهه إلى هذه المجموعات، إن وُجدت. يمكنك أيضاً توجيهه إلى أي مزايا للصحة العقلية تقدمها شركتك، مثل التطبيقات الإلكترونية للعلاج أو التأمل. وإذا لم تكن هذه الموارد متاحة في شركتك، فيمكنك أن تقترح عليه الاتصال ببرنامج مساعدة الموظفين (EAP)، ولكن ضع في اعتبارك أن بعض برامج مساعدة الموظفين قد لا تكون عل المستوى المطلوب من الجودة، وعلى الرغم من أنها يمكن أن تؤدي دوراً ملموساً في دعم الموظف، فإنها لا تكفي وحدها لحل مشكلته. وضع في اعتبارك أيضاً أن الأطباء المختصين هم المناطون بتقديم الرعاية الصحية والنفسية اللازمة، ولكنك لا تزال مسؤولاً بحكم منصبك كمدير عن تجربة الموظف في العمل.

أظهر رحابة الصدر

وددنا جميعاً لو عملنا مع مدير نطمئن إلى مفاتحته في هذا الموضوع الحساس كلما احتجنا إلى المساعدة في تحقيق التوازن بين العمل وصحتنا العقلية. وللأسف فإن وجود مدير كهذا غير ممكن في كل الأحوال. ولكنك إذا كنت نموذجاً يُحتذى به، فستتمكن من زيادة فرص توجّه موظفيك إليك ومصارحتك بما يقلقهم. وتشدد غرينوود على أهمية تحدث القادة والمدراء بصراحة تامة حول هذه القضايا، حيث تقول: “لست مضطراً بالضرورة إلى التحدث عن أمراضك العقلية إذا كنت مصاباً بأحدها، ولكن لا بأس بالحديث عن معاناة طفلك من صعوبة في النوم أو الحديث عن مخاوفك من الشعور بالاحتراق الوظيفي، بحيث تُظهر أن المدراء غير معصومين من الخطأ وأنهم كغيرهم من البشر”. ويتيح إظهار ضعفك بهذه الطريقة أمام موظفيك الفرصة حتى يشعروا هم أيضاً بالطمأنية في مشاطرتك مخاوفهم. وإذا كنت تشغل منصباً رفيعاً في مؤسستك، فإن مشاطرة تجربتك الشخصية مع أمراض الصحة العقلية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو من خلال تعمد إظهار مواعيد تلقي العلاج، يمكن أن يختصر الكثير من المسافات نحو رفع الحرج عن مناقشة هذا الموضوع في مؤسستك وإثبات أنه بالإمكان تحقيق أقصى درجات النجاح حتى وأنت مصاب بمرض عقلي.

مبادئ عليك تذكُّرها

ما ينبغي لك فعله:

  • أنصت للموظف جيداً حتى تعرف ما يريد أن يُطلعك عليه.
  • فكّر جيداً في نوعية المرونة التي يمكنك تقديمها له.
  • أوضح له أنك قد تحتاج إلى مناقشة الموقف مع مسؤولي قسم الموارد البشرية، وبالتالي قد لا تتمكن من الحفاظ على سرية المحادثة التي جرت بينكما.

ما ينبغي لك تجنبه:

  • لا تعطِ الأمر أكبر من حجمه، فمن المهم أن ترفع الحرج عن التطرّق إلى هذه الموضوعات.
  • لا تسرف في الوعود التي تقدمها للموظف بخصوص التسهيلات التي يمكنك منحها له حتى يتوفر لك الوقت الكافي للتفكير في الأمر بروية والتحدث إلى مسؤولي الموارد البشرية.
  • لا تتعمد إخفاء تجربتك الشخصية مع تحديات الصحة العقلية، خاصة إذا كنت مسؤولاً رفيع المستوى.

نصائح من واقع الممارسات العملية

دراسة حالة رقم 1: كن نموذجاً يُحتذى به حتى يطمئن موظفوك إلى التواصل معك

قبل أن تشغل ميريديث آرثر منصب مدير المحتوى في شبكة “بنترست”، كانت تعمل في شركة ناشئة في سان فرانسيسكو، حيث كانت تتولى مسؤولية إدارة فريق خدمة العملاء الذي يتوزع أعضاؤه على مواقع مختلفة. ولم يكد يمضي على شغلها لهذا المنصب شهر ونيّف حتى أخبرتها إحدى مرؤوساتها المباشرات بأنها تعاني بعض مشكلات الصحة العقلية وأن أحد أقاربها قد مات منتحراً قبل عامين.

أحست ميريديث بالسعادة لأن الموظفة شعرت بالأمان تجاهها ولم تتحرج من مفاتحتها في موضوع كهذا، وظنت أن السبب في ذلك يرجع إلى حديثها الدائم عن عملها في مجال الصحة العقلية. فقد سبق لها أن أنشأت موقعاً إلكترونياً بعنوان “بيوتيفول فويجر” (Beautiful Voyager) كمنصة لمناقشة المشكلات الناجمة عن “الإفراط في التفكير والسعي إلى إرضاء الآخرين والهوس بالكمال”. وكثيراً ما تحدثت في العمل عن الموقع ومهمته الساعية إلى الربط بين الأشخاص الذين يعانون التوتر والقلق والإفراط في التفكير. إذ تقول عن تجربتها تلك: “كان الجميع في هذه الشركة الناشئة يعرفون مدى حُبي لهذا العمل. ولم أحاول إخفاء اهتمامي بهذه القضايا”.

وحينما فاتحتها موظفتها في هذا الموضوع، أجابتها ميريديث قائلة: “أخبريني بالمزيد. حدثيني عن هذا الأمر!”. وقد كان، حيث تقول ميريديث: “لقد أخبرتني بالمزيد عن حياتها ووضعها وآمالها وأحلامها والمتاعب الصحية التي كانت تعانيها. كانت تعلم أنني أتحدث بوضوح وصراحة عن تجربتي الشخصية في التعرف على طبيعة الصحة العقلية والدور الذي تلعبه في حياتي اليومية. وقد أشارت إلى شعورها بالراحة النفسية وهي تتحدث معي بسبب حديثي عن تجربتي الشخصية”.

استمرت المحادثة لمدة 45 دقيقة تقريباً، وأعقبها الكثير من المحادثات. تعلّق ميريديث على هذا الأمر، قائلة: “كنا نراجع جدول مواعيد حضورها وانصرافها ونتابع أخبار صحتها بانتظام. فكانت تخبرني كلما همّت بزيارة الطبيب المعالج، وكنت أعلم أن جدول مواعيد حضورها وانصرافها سيتأثر بظروفها تلك، وأنه لا بد من التواصل الوثيق فيما بيننا لاتخاذ الترتيبات اللازمة”.

استطاعت ميريديث إجراء بعض التغييرات التي سهلت على مرؤوستها المباشرة الاعتناء بنفسها. فقد اضطرت، على سبيل المثال، إلى التغيب عن حضور بعض اجتماعات الفريق واحتاجت إلى تغيير مواعيد عملها. كما اضطرت في إحدى المرات أيضاً إلى أخذ إجازة لبضعة أيام دون سابق إنذار. ولم يؤثر أي من هذا لحسن الحظ على سير العمل، لذا لم تجد ميريديث صعوبة في توفير المرونة.

وهكذا استطاعت بفضل تجربتها الشخصية مساعدة الموظفة على التغلب على بعض مخاوفها. وقد أوضحت ميريديث هذه المسألة، قائلة: “لطالما تحاشت التحدث أمام أعضاء الفريق. كنت أعرف أنها خجولة بطبعها، ولكنني وجدت نفسي في ظل هذه المعلومات الجديدة [حول صحتها العقلية] متعاطفة معها ومتفهمة لمخاوفها”. كما أوضحت ميريديث أنها ليست مهووسة بالكمال في هذه المواقف لكنها تريد مساعدة موظفتها. “لقد شجعتها على مشاطرتي المزيد حول علاقتها مع زملائها في الفريق. وكلما تحدثت عن شخصيتها، بدت أكثر ثقة بنفسها وهي تتحدث أمام المجموعة”.

تركت ميريديث هذه الشركة بعد عام واحد وكانت الموظفة تبلي بلاءً حسناً، حيث تقول عنها: “لقد أصبحت من أهم المدافعين عن مكافحة محاولات الانتحار”. وتواصل ميريديث إدارة موقعها الإلكتروني ونشرت كتاباً بعنوان كف عن الطنين في رأسي” (Get Out of My Head) لمساعدة الآخرين على التخلص من التوتر والقلق.

دراسة حالة رقم 2: كن مرناً قدر المستطاع

شك جيمي ماكميلان، مالك شركة “هارت لايف إنشورانس” (Heart Life Insurance)، في أن إحدى موظفاته المسؤولة عن إدارة الحالات التأمينية تعاني بعض المشاكل. كانت هذه الموظفة مسؤولة عن معالجة الوثائق وخدمة العملاء ومراجعة عيادات الأطباء للحصول على السجلات. يقول جيمي: “كانت تؤدي عملها على أروع ما يكون في معظم الأيام”، وكانت تسهر في العمل حتى وقت متأخر لإنهاء الوثائق المهمة. ولكنها كانت “تتغيب في أيام أخرى بحيث لا يمكن العثور عليها في أي مكان، ولا ترد على المكالمات الهاتفية أو الرسائل النصية أو البريد الإلكتروني. كان هذا غريباً للغاية، فقد كانت تختفي تماماً وكأنها تبخرت”.

وعندما تتغيب بهذه الطريقة، فإن هذا يعني أن الموظفين الآخرين سيضطرون إلى العمل لساعات أطول. أدرك جيمي أن شيئاً ما يحدث، لكنه لم يستطع تحديده على وجه اليقين. ومن هنا قرر مفاتحتها في هذا الموضوع خلال جلسات مراجعة الأداء الدورية. يقول عن هذه المسألة: “لقد كانت محادثة حساسة”. كان صريحاً معها بشأن ملاحظاته، وطرح عليها عدداً من الأسئلة بخصوص غيابها، دون أي افتراضات مسبقة أو إجبارها على الإفصاح عن معلومات شخصية. “قلت لها شيئاً، مثل: نحن نهتم بك، وأنت تبلين بلاءً حسناً في العمل، ولكن يبدو في بعض الأحيان وكأن كل شيء يتبدّل فجأة، حيث ألاحظ عدم انتظامك في الحضور، وفي بعض الأحيان يستحيل الاتصال بك. هل تسير أمورك على ما يرام؟”. أسرَّت إليه أنها مصابة باضطراب ثنائي القطب من الدرجة الأولى وأنها تتلقى العلاج على يد طبيب نفسي. وأوضحت أن تغيير أدويتها قد يؤدي في بعض الأحيان إلى إصابتها بتقلبات مزاجية، وكانت تمر عليها بعض الأيام التي لا تستطيع فيها مباشرة العمل، ومن ثم تضطر إلى الغياب.

لم يكن جيمي يعرف الكثير عن هذا الاضطراب. “كانت معلوماتي عن الأمراض العقلية لا تتجاوز حدود كتابة وثائق التأمين على الحياة… لكن خبرتي في هذا الموضوع كانت محدودة للغاية. لم أكن أعرف شيئاً عن مبادئ قيادة [شخص مصاب باضطراب ثنائي القطب] أو إدارته”. لذلك قرر إجراء بعض البحث. “قرأت عن هذا الاضطراب على الإنترنت قدر المستطاع، وسألت أطباء نفسيين وغيرهم من الاستشاريين عن سبل التعامل مع المصابين بهذا المرض بشكل احترافي”.

وقد بذل كل ما بوسعه للحفاظ على هذه الموظفة لأنها كانت تجيد أداء مهمات عملها على أحسن ما يكون. وهو ما أوضحه بقوله: “لقد منحتها حرية الحصول على إجازة بموجب إخطار بسيط، وذلك من خلال إرسال رسالة بسيطة بالبريد الإلكتروني مكونة من سطر واحد”. واستطاع تدبر أمر إدارة سير العمل في أثناء غيابها. “لقد استخدمنا برنامج إدارة المشاريع الذي سمح لي بإسناد مهماتها إلى مدير آخر مسؤول عن إدارة الحالات التأمينية. وعندما كانت تبدي استعدادها للعودة إلى عمل من جديد، يمكننا استعادة مهماتها وإسنادها إليها من جديد”.

وهنا قال جيمي إن إفصاحها عن طبيعة مرضها سهّل عليه التعامل مع غياباتها. وبمراجعة سجلات حضور وغياب الموظفين في الشركة في ذلك الحين، تبين أنها لم تأخذ إجازات أكثر من أي عضو آخر في فريق العمل. يعلّق جيمي على هذه النقطة، قائلاً: “كانت تحرص دائماً على تعويض غيابها، على الرغم من أنني لم أطلب منها ذلك”.

وفي النهاية تركت الشركة للالتحاق بالعمل في شركة محاماة محلية من أجل الحصول على راتب أعلى. شعر جيمي بالحزن لمغادرتها الشركة، ولكنه قال: “إذا أرادت العودة مجدداً، فسأرحب بها دون تردد”. ويقول إن هذه التجربة علمته درساً مهماً، وهو أنه “يجب التعامل مع الأمراض العقلية بشيء من الرأفة والكياسة تماماً كما نتعامل مع أي مرض خطير آخر”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .