في بعض الأحيان من الأفضل أن يتواصل القادة مع الموظفين من دون استخدام الكثير من الكلمات؛ فهذا يحفظ الوقار ويزيد الثقة بينهم. وقد بَدَرَت هذه الفكرة إلى ذهني عندما كنت أشاهد أداء الممثل كيفن بيكون في فيلم "انتهز الفرصة" (Take Chance) من إنتاج شبكة آتش بي أو (HBO)، الذي يتحدث عن قصة المقدم مايك ستروبل المؤثرة عندما رافق جندياً قتيلاً من مشاة البحرية الأميركية اسمه العريف تشيس فيلبس إلى مثواه الأخير في ولاية وايُوْمِنْغْ. في ذلك الفيلم لا يتحدث بيكون كثيراً، وجُلّ حواراته جملة أو اثنتان، مع أنه يؤدي دور البطولة فيه. ونستطيع أن نلمس التعاطف الذي يحمله لذلك الجندي القتيل من دون أن يعبّر عنه بالكلمات، ونستطيع أن نشعر بالصراع الداخلي الذي يعيشه بسبب بُعده عن ساحات القتال، والتزامه الشديد بخدمة بلاده بالطريقة نفسها.
يذكّرنا أداء بيكون بالقادة الذين لا يلجؤون دائماً إلى الكلمات لإيصال المعنى؛ إذ تحمل الإيماءات أحياناً معاني أكثر مما تحمله الكلمات. ولكن مع الأسف الشديد تُستخدم هذه الإيماءات غالباً بطريقة خاطئة؛ أي لإظهار الإرباك أو الاستخفاف أو الاشمئزاز. لذا يجب على المسؤولين -وبخاصة رفيعو المستوى- أن يكونوا حذرين عند استخدام لغة الجسد مثل حذرهم عند استخدام كلماتهم! وهنا 3 نصائح من أجل احتراف ذلك.
لا تشدّ عضلات وجهك
عملتُ مرة مع مهندس موهوب لديه رغبة حقيقية في تعليم الآخرين، وكان يستمتع بذلك. ولأنه كان موظفاً جديداً في الشركة لم يعرفه زملاؤه على حقيقته وكانوا يرونه جالساً في مكتبه متجهم الوجه حاد الملامح، كانت لغة جسده تقول: "ابتعدوا عني". في الواقع كان يركز بعمق شديد على عمله، ومع ذلك كانت صحبته ممتعة. لكنه فيما بعد تدرب على تذكير نفسه بإرخاء عضلات وجهه، وحينها بدا ألطف من السابق واستطاع أن يتواصل مع زملائه الجدد على نحو أفضل. (نعم، تستطيع تدريب نفسك على إرخاء عضلات وجهك بالنظر في المرآة، فلا تعدَّ الأمر سخيفاً).
اطلب من أحدهم أن يراقبك
اطلب من زميل موثوق به أن يراقب تعابير وجهك ووضعية جلوسك في أثناء أحد الاجتماعات، وبخاصة الاجتماعات التي تتميز بالنقاشات الحادة. وفي حال بدا عليك الملل أو الاستياء، أو كنت مسترخياً على مقعدك تنظر إلى النافذة، فأنت تبعث إلى كل من حولك رسالة مفادها أنك تفضل الوجود في مكان آخر. وفي حال ارتسمت على وجهك تعابير حادة، فأنت تبث الاستياء إلى من حولك. واعلم أن الناس لا ينتبهون إلى ما تقوله فحسب، بل إلى الطريقة التي تتحدث بها.
ترقّب بحكمة
في بعض الثقافات، ولا سيما ثقافات الشعوب الأميركية الأصلية والإسكندنافية، لا تتكلم الشخصيات المهمة إلا القليل، بل تكون آخرَ من يتحدث في القضايا المهمة. ولذلك على قادة الأعمال تشجيع موظفيهم على الحديث بحرية، فلا يتدخلون إلا حين تكون لديهم إضافة ذات أهمية. وإنّ ما يلفت انتباه الناس هو الثقة الهادئة حين يحتد النقاش، فلا ترفع صوتك، بل تحدّث بهدوء وثقة حين تجذب انتباه من حولك. واعلم أنه لا شيء يُظهر القوة مثل تمالك الأعصاب في جو مشحون بالتوتر والصراخ.
وعلى القادة ألا يُظهروا تعابير الاحتقان على وجوههم وكأنها محقونة بـِ "البوتكس"؛ لأنه إذا كانت ثمة قضايا مهمة على المحك، فذلك هو الوقت المناسب لإظهار بعض المشاعر وعدم التعبير بالكلمات فحسب. وعلى القائد أن يتحدث بطريقة تُظهر سلطته وحماسته، وأن يوضح مدى أهمية الموقف. فمثلاً، إذا لم يلتزم الفريق بالمواعيد النهائية، وكانت لديه الأدوات والموارد اللازمة، فعلى حديث القائد أن يتسم بالحماسة والتحفيز؛ لأن العاطفة المبذولة في سبيل هدف نبيل طريقة رائعة لتركيز الاهتمام على الأمور المهمة المطروحة.
وبطبيعة الحال يجب عليك أن تفعل ذلك بحكمة. وفي هذا السياق أتذكّر محادثة أجريتها مع مدرب الهوكي الأسطوري في جامعة ميشيغان، ريد بيرينسون. قال حينها إنه إذا رفع صوته على لاعب جديد فقد يخسر اللاعب ثقته بنفسه. وفي المقابل، إذا لم يغضب بين الحين والآخر على لاعب من السنة الأخيرة فقد يفقد ذلك اللاعب تركيزه. لذا عليك اختيار الوقت والمكان المناسبين للتصرف بطريقة صحيحة.
إنّ أحد أكثر المشاهد المؤثرة في فيلم "انتهز الفرصة" كان عندما نظر بيكون إلى جثة جندي البحرية في نعشه من غير أن يرى أحد غيره الجثة، وشعر حينها أن من واجبه التحقق من أن الجندي الميت كان يرتدي ملابس تليق بدفنه؛ فمن غير أن تتحرك شفتاه بحرف واحد استطاع بتعابير وجهه أن يخبرنا بكلّ شيء!