كم مرة طرحت سؤال: "ما هي أهدافك المهنية؟" على شخص تقوم بإدارته أو إرشاده، دون أن تحصل على أي إجابة سوى نظرة بلا أي معنى؟ ربما يعترف الشخص لك أنه لا يعرف ماذا يجب أن تكون أهدافه، أو ما إن كانت هناك فرص له للتقدم في شركتك. كيف ستبدأ بتقديم الدعم له؟ وماذا عن إرشاد شخص لا يعرف أهدافه المهنية بوضوح؟
إنّ الشعور بعدم الرضا المهني هو مشكلة متنامية في عالمنا اليوم، ولذلك قررنا تغيير طريقة عملنا في شركة ويت واتشرز (Weight Watchers) بمساعدة شركة لايف لابز ليرنينغ (LifeLabs Learning). كانت نتائج الاستبيان الذي أجرته شركة سي إي بي (CEB) عام 2015 على الموظفين قادرة على تحديد المشكلة بصورة جيدة، حيث أوضح 70% من الموظفين الخاضعين للاستبيان (ويعملون في قطاعات مختلفة) أنهم غير راضين عن الفرص المهنية في شركاتهم، وهو رقم مرعب بما أنّ الرضا الوظيفي يعد واحداً من أكبر العوامل المحركة للانخراط في العمل والاستمرار فيه.
اقرأ أيضاً: كيف تبني علاقة رائعة مع مرشدك؟
وفي الوقت ذاته، ذكرت نسبة 75% من المؤسسات أنها توقعت أن تواجه نقصاً بالمهارات والمعارف الضرورية بين موظفيها. لذلك، يشعر الموظفون أنهم غير قادرين على التقدم بسرعة كافية من جهة، ومن الجهة الأخرى ترى الشركات أنّ نمو الموظفين بطيء جداً. كيف يمكن وجود هذا التناقض الشديد والخطير؟ وما الذي يمكننا فعله حيال ذلك؟
إرشاد شخص لا يعرف أهدافه المهنية
قبل تقديم الحلول، نرغب بعرض تشخيصنا الأولي للمشكلة: ليست المشكلة في نقص الفرص المهنية، بل في مفهوم المسيرة المهنية بحدّ ذاته.
نحن نعاني من خرافة المسيرة المهنية، وهي إيمان واهم بفكرة التقدم المهني المتسلسل التي عفا عنها الزمن.
فكر بأصل كلمة مسيرة مهنية بالإنكليزية (career)، فهي تعود إلى القرن 16، حيث كانت تشير إلى "الطريق". عندما نتخيل مسيرة مهنية نتخيل مساراً مباشراً له وجهة نهائية محددة، وكان هذا المفهوم مفيداً منذ زمن ليس ببعيد، حيث كان النمو المهني يعني الحصول على ارتفاع تدريجي في المكانة والأجر. كما كان النظر إلى الماضي واستخدامه كمقياس للمستقبل يتم عن طريق اتباع الخطوات التي اتبعها الآخرون في السابق للوصول إلى حيث وصلوا. ولكن نظرة النمو المهني هذه لم تعد مطابقة للواقع الحالي، ولم نعد بحاجة لأن نكون بارعين في التنبؤ بالمستقبل؛ بل يجب علينا اليوم أن ننجح عندما يكون المستقبل غير قابل للتنبؤ. يجب علينا أن نتخلى عن خرافة المسيرة المهنية وأن ننشئ إطار عمل جديد لنمونا الشخصي وتطورنا المهني.
لنعد إلى الموظف الذي يحتاج إلى التوجيه ويشعر أنه عالق ومشوش بشأن مسيرته المهنية. إن لم تتمكن من توجيهه نحو سلم مهني مطمئن، فما الذي يمكنك فعله لدعم نموه وزيادة تأثيره في الشركة؟ فيما يلي بعض الخطوات التي نتبعها في شركة ويت واتشرز لمساعد الموظفين على التحرك وتخطي خرافة المسيرة المهنية:
بدد خرافة المسيرة المهنية
أولاً، نقول للموظفين أنه لا بأس، بل من الأفضل، ألا تكون لديهم رؤية لطريق مهني ملموس في أذهانهم. إذ يمكن أن تتحول المبالغة في التعلق بمسار محدد إلى فخ مهني يعمينا عن فرص النمو غير الخطية. وأطلقنا مؤخراً محادثات نصف سنوية عن النمو بين المدراء والموظفين، يناقش الموظفون فيها ما يرغبون في الحصول عليه من الخبرات والمسؤوليات والتغييرات في نمط الحياة بدلاً من مناقشة المسميات الوظيفية.
والأسئلة التي يمكنك طرحها على موظفيك هي: "ما هي المشاكل التي تثير حماسك؟"، "ما هي نقاط القوة التي يمكنك الاعتماد عليها؟"، "ما هي أنواع العمل التي ترغب في تقليلها أو زيادتها؟"، "ما الذي يمكنك القيام به بصورة مختلفة إذا غادرت مهنتك؟".
اقرأ أيضاً: لماذا يتجنب الكثير من المدراء توجيه الثناء؟
ركز على المهارات القابلة للنقل
نقوم بتدريب مدرائنا على مساعدة مرؤوسيهم المباشرين على تطوير مهارات قابلة للنقل، وليس على تسلق سلم وظيفي. إذ تزيد هذه المهارات القدرة على العمل بسبب قابلية تطبيقها على مجموعة متنوعة من الأدوار والأوضاع الحالية والمستقبلية، كالتواصل مثلاً وإدارة الذات والتأليف وإلقاء الخطابات العامة. وبدلاً من الاستثمار في مسار واحد نقول للموظفين إنّ عليهم تنويع رأس مالهم المهني. كما نرغب من مدرائنا أن يعلنوا عن أكثر المهارات المطلوبة في فرقهم من أجل توجيههم إليها.
والأسئلة التي يمكنك طرحها هي: "ما هي المهارات التي نسعى لتنميتها في الفريق أو في الشركة وتثير اهتمامك أكثر؟"، "ما هي المهارات التي يمكنها مساعدتك على اكتساب المزيد من التأثير في دورك الوظيفي الحالي؟"، "ما هي أوجه الثغرات الموجودة في مهاراتك وتعيقك أو تقف حجر عثرة في طريقك؟".
ضع معالم رئيسة للتطور
إحدى فوائد المسيرة المهنية التقليدية هي تطور المسميات الوظيفية الذي يدل على التقدم المهني. ومع تزايد المؤسسات ذات الهياكل التنظيمية المسطحة ومع تزايد النمو غير الخطي للمؤسسات، يجب علينا بذل جهد إضافي لوضع معالم تطور رئيسية تدل على التقدم الوظيفي. وإحدى الطرق التي اتبعناها في ذلك هي إنشاء شارات تحدد النمو. مثلاً، ينال المدراء شهادة عندما ينتهون من برنامج تدريبي، وكي يحصلوا على شارتهم التالية يجب عليهم إتمام برنامج تدريبي متقدم. يمكن لنظام الشارات أن يدلّ على المهارات والمعارف والإنجازات المحققة، ومن ثم إنشاء سجل بالإنجازات بدلاً من السيرة الذاتية التقليدية. كما طبقنا حلّاً آخر قائماً على معالم التطور الرئيسية وهي الحوارات الربع سنوية التي تركز على متابعة الأهداف التي وضعها الموظفون لأنفسهم بالتوافق مع أولويات المؤسسة. وبعد ذلك سنطور منصات للتعبير عن التقدير والامتنان للموظفين بطريقة أكثر وضوحاً بحيث يتمكّن الموظفون من الاحتفال بإنجازاتهم ومشاركة معارفهم مع زملائهم.
والأسئلة الصحيحة التي يمكنك طرحها هي: "ما هو الإنجاز التالي الذي ترغب بتحقيقه؟ وكيف ستعرف أنك قد حققته؟"، "ما هي المرحلة الأولى من الهدف؟ وماذا عن المرحلة الثانية؟"، "ما الاسم الذي ترغب بإطلاقه على مرحلة معلم التطور الرئيسي التالي؟"، "كيف يتسنى لك مشاركة ما تعلمته مع زملائك؟".
شجع التجارب الصغيرة من أجل إرشاد شخص لا يعرف أهدافه المهنية
يشير التعقيد في العمل وعدم قابلية التنبؤ المتزايدين إلى وجوب إجراء العديد من التجارب الصغيرة من أجل اكتشاف ما يناسبنا أكثر. ولنشر روح التجريب أطلقنا فرصاً للموظفين حول العالم كي يحصلوا على التدريب في مجالات تثير فضولهم. كما أننا نقوم بمساعدة المدراء على تشجيع التجارب بين مرؤوسيهم ونزودهم بما يحتاجونه من المهارات كي يتمكنوا من تقديم تقييمات واضحة تقبل اتخاذ الإجراءات بشأن تقدم مرؤوسيهم في العمل.
والأسئلة التي يمكنك طرحها هي: "ماهي المجالات التي تثير اهتمامك في الشركة؟"، "كيف يتسنى لك تصميم تجربة صغيرة لاختبار مستوى اهتماماتك؟"، "من الذي ترغب بالتعاون معه من بين زملائك؟"، "ما الذي اكتشفته عن نفسك من خلال تجربتك السابقة؟".
اقرأ أيضاً: كيف يستفيد المدراء التنفيذيون من المرشدين؟
وفي نهاية الحديث عن إرشاد شخص لا يعرف أهدافه المهنية بطريقة صحيحة، المخيف في تقبل خرافة ما يسمى المسيرة المهنية هو اعترافك بأنك لا تعرف ماذا سيحدث في الخطوة التالية. أما الأمر الرائع حقاً فهو إدراك جدارة كل تجربة مررت بها حتى الآن. إنّ كل وظيفة شغلتها وكل علاقة أقمتها هي مفتاح يمكنه فتح الباب أمام فرصة مستقبلية. ليس من الضروري أن تكون المفاتيح متسقة مع بعضها البعض، وليس من الواجب أن توجد رواية واضحة متسلسلة لشرح كيف وصلت من النقطة (أ) إلى النقطة (ب). وإن كان موظفوك لا يزالون قلقين بشأن عدم امتلاكهم رؤية واضحة لمسارهم المهني في أذهانهم، اعتمد على الحكمة التي قالها لويس كارول: "إن لم تكن تعلم وجهتك، فأيّ طريق تسلكه سيوصلك".
اقرأ أيضاً: كيف تبني علاقة رائعة مع مرشدك؟